loader
 

السؤال: السلام عليكم ما هي حقيقة العرش وهل هناك من يقدر على حمل عرش الرحمن وهل سيبقى هناك احياء ليحملوا العرش بعد ان ينفخ في الصور وتفنى كل مخلوقات الله ......جزاكم الله كل خير

يقول المسيح الموعود عليه السلام:
"كون الله مع الإنسان وكونه محيطا على الأشياء كلها يقع في عداد صفاته التشبيهية، وقد ذكر الله هذه الصفة في القرآن الكريم لكي يثبت أنه قريب من الإنسان. وأما كون الله وراءَ الوراء وكونَه الأرفعَ والأعلَى والأبعدَ وكونه على مقام التنـزه والتقدّس الذي ينفي كونه مخلوقًا.. كل هذا يُدعى بالعرش. واسم هذه الصفة صفة "تنـزيهية"، وقد ذكر الله هذه الصفة في القرآن الكريم لكي يثبت توحيده، ويثبت كونه واحدا لا شريك له، وكونه منـزَّهًا عن صفات المخلوقات".
ويقول أيضا:
"اعلم أن لله تعالى صفات ذاتية ناشئة من اقتضاء ذاته، وعليها مدار العالمين كلها، وهي أربعة: (1) ربوبية (2) ورحمانية (3) ورحيمية (4) ومالكية، كما أشار الله تعالى إليها في هذه السورة وقال: (1) رَبِّ العالمينَ (2) الرَّحْمَنِ (3) الرَّحِيمِ (4) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. فهذه الصفات الذاتية سابقة على كل شيء ومحيطة بكل شيء، ومنها وجودُ الأشياء واستعدادها، وقابليتها ووصولها إلى كمالاتها. وأما صفة الغضب فليست ذاتية لله تعالى، بل هي ناشئة من عدم قابلية بعض الأعيان للكمال المطلق، وكذلك صفة الإضلال لا يبدو إلا بعد زيغ الضالين.
وأما حصر الصفات المذكورة في الأربع فنظرًا على العالم الذي يوجد فيه آثارها. ألا ترى أن العالم كله يشهد على وجود هذه الصفات بلسان الحال، وقد تجلت هذه الصفات بنحوٍ لا يشك فيها بصيرٌ إلا من كان من قوم عمين. وهذه الصفات أربعٌ إلى انقراض النشأة الدنيوية، ثم تتجلى من تحتها أربع أخرى التي من شأنها أنها لا تظهر إلا في العالم الآخر، وأوّلُ مَطالِعِها عرشُ الرب الكريم الذي لم يتدنس بوجودِ غير الله تعالى وصار مظهرًا تامًّا لأنوار رب العالمين، وقوائمه أربعٌ: ربوبية ورحمانية ورحيمية ومالكية يوم الدين. ولا جامِعَ لهذه الأربع على وجه الظلّيّة إلا عرشُ الله تعالى وقلبُ الإنسان الكامل، وهذه الصفات أمهات لصفات الله كلها، ووقعت كقوائم العرش الذي استوى الله عليه، وفي لفظ الاستواء إشارة إلى هذا الانعكاس على الوجه الأتم الأكمل من الله الذي هو أحسن الخالقين. وتنتهي كل قائمة من العرش إلى مَلَكٍ هو حاملُها، ومدبّرُ أمرها، وموردُ تجلياتها، وقاسِمُها على أهل السماء والأرضين. فهذا معنى قول الله تعالى: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانيةٌ)، فإن الملائكة يحملون صفاتٍ فيها حقيقة عرشية. والسر في ذلك أن العرش ليس شيئا من أشياء الدنيا، بل هو برزخ بين الدنيا والآخرة، ومبدأٌ قديم للتجليات الربانية والرحمانية والرحيمية والمالكية لإظهار التفضلات وتكميل الجزاء والدين. وهو داخلٌ في صفات الله تعالى، فإنه كان ذا العرش من قديم، ولم يكن معه شيء، فكُنْ من المتدبرين.
وحقيقة العرش واستواء الله عليه سِرٌّ عظيم من أسرار الله تعالى وحكمةٌ بالغة ومعنى روحاني، وسُمِّيَ عرشًا لتفهيم عقول هذا العالم ولتقريب الأمر إلى استعداداتهم، وهو واسطة في وصول الفيض الإلهي والتجلي الرحماني من حضرة الحق إلى الملائكة، ومن الملائكة إلى الرسل. ولا يقدَح في وحدته تعالى تكثُّرُ قوابلِ الفيض، بل التكثر ههنا يوجب البركات لبني آدم، ويعِينهم على القوة الروحانية، وينصرهم في المجاهدات والرياضات الموجبة لظهور المناسبات التي بينهم وبين ما يصلون إليه من النفوس كنفس العرش والعقول المجردة إلى أن يصلوا إلى المبدأ الأول وعلّة العلل. ثم إذا أعان السالكَ الجذباتُ الإلهية والنسيمُ الرحمانية، فيقطع كثيرا من حجبه، وينجيه من بُعد المقصد وكثرة عقباته وآفاته، وينوِّره بالنور الإلهي ويُدخله في الواصلين. فيكمل له الوصول والشهود مع رؤيته عجائباتِ المنازل والمقامات. ولا شعورَ لأهل العقل بهذه المعارف والنكات، ولا مَدخَل للعقل فيه، والاطلاعُ بأمثال هذه المعاني إنما هو من مشكاة النبوة والولاية، وما شمّ العقل رائحته، وما كان لعاقل أن يضع القدم في هذا الموضع إلا بجذبة من جذبات رب العالمين.
وإذا انفكّت الأرواح الطيبة الكاملة من الأبدان، ويتطهرون على وجه الكمال من الأوساخ والأدران، يُعرَضون على الله تحت العرش بواسطة الملائكة، فيأخذون بطور جديد حظًّا من ربوبيته يغاير ربوبيةً سابقة، وحظًّا من رحمانية مغايرَ رحمانيةٍ أولى، وحظًّا من رحيمية ومالكية مغايرَ ما كان في الدنيا. فهنالك تكون ثماني صفات تحملها ثمانية من ملائكة الله بإذن أحسن الخالقين. فإن لكل صفة مَلَك مُوَكَّلٌ قد خُلق لتوزيع تلك الصفة على وجه التدبير ووضعها في محلها، وإليه إشارة في قوله تعالى: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)، فتدبَّرْ ولا تكُنْ من الغافلين.
وزيادة الملائكة الحاملين في الآخرة لزيادة تجلياتٍ ربانية ورحمانية ورحيمية ومالكية عند زيادة القوابل، فإن النفوس المطمئنة بعد انقطاعها ورجوعها إلى العالم الثاني والرب الكريم تترقى في استعداداتها، فتتموج الربوبية والرحمانية والرحيمية والمالكية بحسب قابلياتهم واستعداداتهم كما تشهد عليه كشوف العارفين. وإن كنت من الذين أُعطيَ لهم حظٌّ من القرآن، فتجد فيه كثيرا من مثل هذا البيان، فانظرْ بالنظر الدقيق لتجد شهادة هذا التحقيق، من كتاب الله رب العالمين". (الخزائن الدفينة)

نقله هاني الزهيري


 

خطب الجمعة الأخيرة