loader
 

السؤال: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ءاخواني الاحمديين استفساري هو حول الزهو و معناه و هل ان الاستماع للموسيقى ومشاهدة التلفاز و لعب الكرة او مشاهدة مباراة زهوا ام ماذا علما ان عمري هو 21 سنة وشكرا جزيلا و تحية حارة للمهندس هاني طاهر

لعلك تقصد اللهو وليس الزهو. يقول الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام في تفسير قوله تعالى {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }: "لقد عقد الله تعالى هنا مقارنة بين حياة الدنيا وحياة الآخرة لينبّه منكري الإسلام أن التدبر سيكشف لهم أن هذه الدنيا ليست إلا لهو ولعب. أي أنه لو تم تقسيم مشاغل الحياة الدنيا لعُدَّ بعضها لهوًا وبعضها لعبًا. والمراد من { لَهْو } ما يؤدي إلى الغفلة، والمراد من { لَعِب } ما يؤدي إلى الحركة والنشاط. والحقيقة أن الحياة الإنسانية عبارة عن هذين الأمرين.. أي أنها حركة وسكون يتناوب بعضه بعضًا، وكلاهما ضروري لإنعاش طاقات الإنسان واستمرار قدراته. وكأن اللعب هو فترة الحركة التي يعمل فيها الإنسان مستغلا ما فيه من قوة وطاقة، واللهو هو الفترة التي يركن فيها الإنسان للاستراحة والسكينة. وكل إنسان بحاجة إلى الحالتين لو كان ممن بلغ قمة الروحانية؛ ذلك لأن الحياة الإنسانية، من ناحية، قائمةٌ بالحركة سواءً بالمشي والسير أو الاشتغال بمختلف شؤون الحياة؛ ومن ناحية أخرى ليس للإنسان - أيًّا كان - غنى عن الراحة والسكينة، لأنه إذا لم يأخذ دماغه وأعصابه قسطًا من الراحة من خلال النوم والتمتع بالمناظر الخلابة والجو الجميل لم تستمر حياته أبدًا. باختصار إن حياة الإنسان في الدنيا قائمة باللهو واللعب، ولو أُخرِج هذان العنصران من حياته انتهت فورًا.
بيد أن الله تعالى أوضح أن الهدف من هذا اللهو واللعب أن نسعى من خلالهما لكسب حب الله ورضاه؛ وبعبارة أخرى علينا أن ندرك أن حياتنا في الدنيا إنما هي كاللهو واللعب مقارنةً بهدفها الذي هو الحياة الآخرة، فكما أن اللعب ضروري للطالب كذلك لا بد لكم من مشاغل الحياة الدنيا، لأن الإسلام لا يعلِّم أتباعه - كالديانة البوذية - أن يتركوا مشاغل الدنيا ويعبدوا الله تعالى ليل نهار منعزلين عن الدنيا (Buddhism: p.40)، بل يرى الإسلام أن اللهو واللعب ضروري للإنسان لأنه لو استولى عليه خوف الآخرة في كل حين لهلَك. إلا أن انشغال الإنسان باللهو واللعب في كل وقت أيضًا يدمِّر غاية خلقه شأن الطالب الذي يقضى كل وقته في اللعب واللهو فيفشل في دراسته، ولا يستحسن فعله أحد. إذًا، فإن الإسلام يبيح لنا الاستمتاع بمتع الدنيا، ولكنه لا يريد أن نستغرق في مشاغل الدنيا ولذاتها و نهمل الآخرة.
باختصار، قد نبه الله تعالى معارضي الإسلام بقوله: { وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ } أنه قد جعل حياة الدنيا سلّمًا لحياة الآخرة، وأراد أن تكون حياة الدنيا بالنسبة لكم كاللعب للطالب، ولكنكم جعلتموها منتهى إرَبكم نتيجة غبائكم، فكرّستم جهودكم كلها من أجل متعها وملذاتها، مع أن { الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ } .. أي أنها هي الحياة الحقيقية. علمًا أن لفظ { الحَيَوان } قد ورد هنا بمعنى الحياة على سبيل المبالغة كقولهم زيدٌ عدلٌ.. أي أنه شديد التمسك بالعدل بحيث يجوز القول إنه عدل مجسد. فالله تعالى يقول لا شك أن لكم حياةً في هذه الدنيا إلا أن الإنسان سينال الحياة الحقيقية في الدار الآخرة، لذا فلو قلنا إن الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية فهو الصواب بعينه.
يظن البعض أن هذه الآية جاءت ذمًّا وانتقاصًا للحياة الدنيا، ولكنه ظن خاطئ، ذلك لأن الله بنفسه قد خلق هذه الحياة الدنيا ووهبها للأنبياء والأولياء والصلحاء كلهم، فكيف تكون عبثًا وبلا جدوى؟ لقد قال الله تعالى في القرآن الكريم مرة بعد أخرى أتظنون أننا خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا تُرجَعون؟ كما بين أنه خلق السماوات والأرض لحِكَمٍ عظيمة، فكيف يكون خلق الإنسان الذي هو جزء من خلق الكون نفسه عبثًا بلا فائدة؟ لو كانت هذه الحياة عبثًا لما عدّد الله على الإنسان نعمه مرة بعد أخرى، ولما قال له: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } (الضحى:12).. أي عليك أن تتحدث عن نعم الله وتشكره عليها. فثبت أن الله تعالى لا يقصد بقوله: { وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ } ذَمَّ الحياة الدنيا، بل اعتبرها جزءًا هامًا من الحياة الأخرى ودرجةً أولى من السُّلّم الذي إذا لم يضع عليه الإنسان قدمه لم تنشأ في روحه تلك القوى التي سيعيش بها في الحياة الآخرة.
كما أن الله تعالى قد لقّن المؤمنين درسًا رائعًا للتوكل حين اعتبر الحياة الدنيا لعبًا ولهوًا، فبيّن لهم أن هذه الحياة الدنيا ومتعها إنما هي مجرد لعبة وتفرُّج، فلو أصبح المرء ملِكًا أو فقيرًا أثناء لعبة لم يؤثر هذا في قلبه شيئًا، فلا يتكبر لأنه ملِك ولا يبكي لأنه فقير، كذلك يرى المؤمن أن حياته الحقيقية إنما هي في الدار الآخرة عند الله، أما حياته في الدنيا فإنما هي مجرد لعبة، وبسبب هذه الرؤية لا يستحوذ على المؤمن حبُّ المال ولو اقتنى الملايين، ولا يشكو ربَّه ولو تعرض للجوع والفاقة. أما الكافر فيعتبر الدنيا منتهى غايته، فلو وجد الملايين أصبح دودة للدنيا، ولو حُرِمها مات كمدًا، ولا يبرح يشكو الله تعالى، وهذا يعني أنه لا يرضى برضا الله في أي حال. عندما ينال مالاً أو عقارًا يعتبره نتيجة جهده وذكائه بدلاً من أن يرتفع بصره إلى الله تعالى شكرًا وامتنانًا، ولو حُرِم من مال أخذ في شكوى الله تعالى واعتبره ظالمًا والعياذ بالله. باختصار إن الكافر لا يطمئن في حال أبدًا، أما المؤمن فيتمتع بسكينة القلب في كل حال، ويرضى بقضاء الله دائمًا. وحيث إن الله تعالى قد خاطب الكفار في الآيات السابقة، فنبّههم في هذه الآية أنهم لو فهموا أن الله تعالى قد جعل حياة الدنيا تمهيدًا لحياة الآخرة، وأنها مجرّد لهو ولعب، لأعرضوا عن الدنيا ودخلوا في طاعة محمد، مدرِكين أن الرقي المادي لا يساوي شيئًا أمام الرقي الروحاني، ولكنهم قد آثروا الحياة الدنيا على الحياة الآخرة، ورفضوا الثروة السماوية نظير دراهم معدودة زائفة.
نقله


 

خطب الجمعة الأخيرة