loader
 

السؤال: كيف نصدق بالمنطق ان الله يسمح بتحريف كلامه المقدس(التوراه والانجيل).هل كلام الله مجرد وسيله ترفيهيه من الممكن الاستغناء عنها وتحطيمها من قبل البشر وهل الله لايضمن لاتباعه الحفاظ على رسالته لهم فى الانجيل والتوراه وهو القائل 23 مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية الى الابد. .........25 واما كلمة الرب فتثبت الى الابد(بطرس الاولى23:1-25)؟

لقد خلق الله تعالى كثيرا من المخلوقات التي منها ما يعيش فترة قصيرة جدا من الزمن، ومنها ما هو باق إلى يوم القيامة كالشمس والكواكب مثلا.
كذلك فإن لمخلوقات الله تعالى درجات؛ فمنها ما هو وضيع بسيط، ومنها ما هو معقد ومن مستوى رفيع، وعلى رأس هذه المخلوقات هو الإنسان الذي كرمه الله تعالى وخلق المخلوقات لأجله. فهل وجود هذه التفاوت في المخلوقات من حيث العمر والدرجة يقدح في مقام الله تعالى؟ وهل ينبغي أن يتسم خلق الله تعالى كله بالأبدية؟
وكما هو خلق الله كذلك هي كلمة الله تعالى؛ فمن كلام الله ما هو محدود مخصص لغرض محدد ووقت معين، ومنه ما هو أبدي دائم الفائدة.
ومع ذلك، فكما أن المخلوقات التي تعيش عمرا قصيرا تظهر فيها عظمة الله تعالى ودقة صنعته ويكون الله حافظا لها خلال فترة عمرها القصير، كذلك فإن كلام الله المحدود المدة يكون محفوظا في الفترة المحدودة المخصصة له ويكون عظيم النفع، ولن يسمح الله تعالى بتحريف هذا الكلام طالما كان نافعا وطالما أن مدته لم تنقضِ.
والقرآن الكريم كان هو الكتاب الوحيد المحفوظ والذي سيبقى محفوظا إلى الأبد بسبب أن الله تعالى قد جعله ليكون شريعة أبدية دائمة النفع ترفع من شأن الإنسان وتوصله إلى الله تعالى وتحافظ على علاقته به وتصونها. وقد ضمّن الله تعالى معاني عظيمة في قوله تعالى عن القرآن الكريم:
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر 10)
ووصفه هنا بالذكر لكي يشير إلى أنه سيكون دائما ذكرا، بكل المعاني لهذه الكلمة. فهو سيكون نافعا معمولا به دائما وسببا لرفع الدرجة والمنزلة لمن يلتزم به. كما أن الله تعالى قد رتب كثيرا من الوسائل لاستدامته وجعله ذكرا لا ينسى ولا تزول منافعه. ويمكن الاستزادة حول هذا الأمر بمراجعة تفسير هذه الآية في الجزء الرابع من التفسير الكبير إضافة إلى تفسير سورة الأعلى في الجزء الثامن.
وعلى كل حال، فبكل بساطة، لم يحفظ الله تعالى الكتب السابقة بعد مدة انقضاء صلاحيتها لأن الله تعالى لم يشأ أن تكون أبدية، بل كانت تؤدي دورا محددا لقوم معينين في أزمنة معينة.
ومن ناحية أخرى فإن هناك اختلافا عضويا بين القرآن الكريم وبين غيره من الكتب. فالقرآن الكريم كان الكتاب الوحيد الذي هو كلام الله الخالص النقي غير المختلط بكلام البشر. بينما لم ينزل الله تعالى في السابق كتابا أو شريعة أو بشارات لنبي بهذه الكيفية، بل كان النبي مخيرا بنقل كلام الله وتعليماته بأسلوبه.
وفيما يخص الكتاب المقدس فهو لم يكن كلمة الله الخالصة، كما أن كثيرا جدا من أجزائه لم يكتبه الأنبياء بل هو كتابات لكتّاب متفاوتين. والحق أن الكتاب المقدس تعرض للتحريف والزيادة والنقص باعتراف كبار علماء المسيحية وكبار الباحثين. وبدعة أنه كلام الله الخالص كلمة كلمة وأنه محفوظ كاملا لا يقول بها إلا بعض علماء النصارى من العرب ممن يحاولون ضرب عرض الحائط بحقائق واضحة وضوح الشمس ويناقضون في قولهم هذا إخوانهم من العلماء الغربيين المتسمين بالموضوعية والذين لا يستخفون بعقول الناس. وهذه الدعوى بحد ذاتها تشكل كارثة للكتاب المقدس وللإيمان المسيحي كاملا.
فمن يعتقد بأن التوراة والإنجيل هما الكتاب المقدس، وهو كلمة الله، وهو عامل وكامل ومفيد ومستمر النفع وأبدي، وأن كلمة الله لا يمكن أن تحرف أو تزول، كيف له أن يبرر ما حدث فيه من تغيير وتحريف وتبديل؟!
كذلك كيف يمكن أن يكون الكتاب المقدس كله أبديا ومن يؤمنون به يعتقدون بأنه يحتوي عهدين؛ عهد الناموس قبل المسيح وعهد النعمة بعده. أفلا يعني هذا أن عهد الناموس قد زال وأصبح غير عامل وما هو عامل وصالح هو عهد النعمة؟ فكيف يجتمع في كتاب واحد محفوظ بزعمهم عهدان أحدهما ناسخ للآخر؟
إن من يعتقد بذلك يجد نفسه مضطرا إما لمخالفة العقل والمنطق والوقائع الملموسة أو أن يلحد بهذا الإله الذي لم يحفظ كلمته الكاملة الأبدية!
أما نحن فنقول، بأن هذا الكتاب المقدس يحتوي آثارا باقية من التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء، وفيه من التعاليم الجيدة التي أكد عليها القرآن وصدقها، ولكنه تعرض للتحريف والتبديل كما أنه ضم كثيرا من المبالغات والكتابات غير المقدسة التي لا تليق به. ونرى أن حاله المهلهلة هذه تدل على أنه كان يخدم مراحل انقضت. ونرى أن ما فيه من كلام نافع قليل يتسم بالصبغة الأبدية ما زال محفوظا فيه حتى الآن كما أنه تكرر في القرآن الكريم الذي صدق ما فيه من الصدق والحق.
تميم أبو دقة


 

خطب الجمعة الأخيرة