loader
 

السؤال: السلام عليكم اذاكان المحرم فى اكل الحيوانات هو المذكور فى القرءان حرفيا وفقط فمعنى هذا ان القطط والكلاب حلال اكلها وغيرها من الحيوانات المفترسه ولماذا لانقل ان حديث(كل ذى مخلب من الطيور وكل ذى ناب من السباع) هو تفسير من رسول الله لاية(ويحرم عليهم الخبائث) وهذه الحيونات من الخبائث ومضر اكلها ومن اية(يسئلونك ماذا احل لهم كل احل لكم الطيبات) وهذه الحيوانات ليست من الطيبات فلما نرفض الحديث وجزاك الله خيرا

لا ريب لدينا أن القرآن الكريم هو مصدر الأحكام، لكن السنة النبوية تشرح القرآن وتفسره وتبين تطبيقات آياته. وقد قال الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } (الأعراف 158)، فالمباح لنا هو الطيبات، والمحرم هو الخبائث. وقال أيضا: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } (المائدة 5)
وقد بين الخليفة الثاني رضي الله عنه هذا حين ذكر الآية التي تتحدث عن المحرمات الأربعة، حيث قال بعدها: وبعد هذا البيان كله يقول الله تعالى لرسوله الكريم إن المسلمين (يسألونك ماذا أُحلَّ لهم)(المائدة: 5). فلو كان قوله تعالى (إنما حرّم عليكم المَيتةَ.....)يعني أنه يجوز لكم أكل ما سوى هذه المحرمات الأربع فلم يكن ثمة داع لهذا السؤال بعد ذلك، لأنه سيصبح لغوًا. ولكن الله تعالى سجل هذا السؤال وردّ عليه بالرغم من بيان الحلال والحرام من قبل، مما يعني أن البيان السابق للحلال والحرام كان يكتنفه شيء من الغموض عند الصحابة فالتمسوا توضيح الأمر أكثر. والله تعالى أيضًا لم يردّ عليهم بأننا قد أخبرناهم بكل شيء، فلماذا يسألون مرة أخرى، بل سلّم بضرورة السؤال وأجاب عليه بقوله تعالى (قُلْ أُحِلَّ لكم الطيباتُ)(المائدة: 5).. أي أن كل ما سوى هذه المحرمات الأربع إذا كان طيبًا فهو حلال، وإلا فلا.
فثبت من ذلك أن ليس كل حلال بطيب، كما لا يجوز أكل إلا ما هو طيب، أما ما لا يتصف بالطِيب فلا يجوز أكله. ولكن لا يمكن أن نسمّيه حرامًا؛ وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا إلى هذا حيث قال: الحلال بيّنٌ والحرامُ بيّن وبينهما مشتبهاتٌ لا يعلمها كثير من الناس. ألا وإن لكل ملِكٍ حِمًى، ألا إن حِمَى الله في أرضه مَحارمُه، وكما أن الراعي الحذر لا يرعى غنمه حول الحمى حتى لا تقع في الحمى وهو غافل عنها فيستحق العقاب، كذلك المؤمن لا يرعى نفسَه حول حمى المحرمات حتى لا يؤاخَذ.
فثبت أن هناك أشياء ما بين الحلال والحرام يشتبه على العامة أمرها، والحكم فيها يكون بالقياس والخبرة والمعلومات الطبية. ورغم أن هذه الأشياء المتشابهة بالحرام لا يمكن أن نسمّيها حرامًا، إلا أنه لا بد من تجنبها لأجل حصول التقوى.
والحكم نفسه يجري على كل ما يصنعه الناس من أشياء جديدة، فعلينا أن نقيسه بالحلال البيِّن والحرام البيِّن، فإن كان أشبَهَ بالحلال أكلناه، وإن كان أشبهَ بالحرام تجنبناه. ومثال ذلك التبغُ؛ فإن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود  لما سئل عن التبغ قال: إنه قد اختُرع حديثًا، ولكن نظرًا إلى تأثيره أرى أنه لو كان في زمن النبي * لنهى عن تعاطيه (فتاوى المسيح الموعود ص 206).
الواقع أن الإسلام قد صنّف المأكولات درجات هي: حرام وممنوع، وحلال وطيب. والحرام ما حرّمه القرآن، والممنوع ما منع منه النبي صلى الله عليه وسلم وفقًا للمبادئ التي وضعها القرآن، أو ما وُجد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكَرِهَ المسلمون تناولَه بعد التحري والتجربة. والحلال ما هو طيب في وضعه الطبيعي، والطيب ما هو جيد في وضعه الحالي؛ بمعنى أن كل ما يجوز أكله في أية حالة فهو حلال، ومثاله لحم الكبش، ولكن بما أنه لا يمكن أكله نيئًا فلا يكون طيبًا وهو نيئ، ولكنه يصير طيبًا بعد الطهي. وأفضل الطعام ما هو طيب، ثم الحلال.
ثم هناك أشياء تندرج تحت الممنوع ولا يصح أكلها، فمثلاً في أيام الكوليرا إذا منع الطبيب من أكل الخيار فإنه لن يعود حينئذ طيبًا وإن كان حلالاً وطيبًا في الأيام العادية. والأشياء التي هي دون الحرام أي هي ممنوعة فنقول عنها إنه لا يصح أكلها.. بمعنى أن أكلها سيضر بصحة الإنسان.
ولنتذكر أن الله تعالى قد خلق الحيوانات المختلفة لأغراض مختلفة. فبعضها للزينة لأنه جميل الشكل، وبعضها للغناء لأنه حلو الصوت، وبعضها للأكل لأنه جيد اللحم، وبعضها للتداوي لأن لحمه شفاء لمرض من الأمراض. فيجب أن لا يؤكل لحم الحيوان لمجرد كونه حلالاً، فقد يكون هناك حيوان لا يمثّل لحمه خطرًا على صحة الإنسان، ولكن قد يكون فيه منافع أخرى أفضل؛ فمثلا إذا كان ذلك الحيوان يأكل الديدان التي تضر بالزروع أو بصحة الناس، فلن يعود طيبًا بالنظر إلى منافعه الأخرى هذه، بالرغم أن لحمه حلال وطيب أساسًا؛ لأن أكله سيؤدي إلى حرمان باقي الناس من فوائده العامة.
لقد عُلِّمتُ هذا الدرس منذ الصغر. فذات مرة رجعتُ إلى البيت بببغاء قمتُ بصيدها، فلما رآها أبي سيدنا الإمام المهدي  قال لي: محمود، لحمها ليس بحرام، ولكن الله تعالى لم يخلق كل حيوان للأكل. فقد جعل عز وجلّ بعضَ الحيوانات جميل الشكل لكي تتمتع العيون برؤيته، وخلق بعضها حلو الصوت لتتلذذ الآذان بألحانه المطربة.
إذن فقد جعل الله تعالى لكل حاسة من حواس الإنسان نصيبًا من المتعة الموجودة في هذه النعم الحيوانية، فلا ينبغي للإنسان أن يسلب الحواسَّ الأخرى ما يخصّها من المتعة ويعطيها للسان فحسب. هلا نظرت إلى الببغاء وهي جالسة على غصن الشجر؟ أليست هي جميلة حقًّا!
إذن فالطيّب هو ما لا يضر بصحة آكله، كما لا يؤدي أكله إلى سلب حقوق حواسه الأخرى أو حقوق غيره من الناس أو الحيوانات؛ بل من الضروري أن لا يؤدي أكله إلى تجريح مشاعر الآخرين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما استخبَثَتْه العربُ فهو حرامٌ" (روح المعاني: سورة الأنعام). ولا يعني الحرام هنا أن آكله سيصبح آثمًا عند الله تعالى، وإنما المراد أنه يجب أن لا يأكله أمامَ العرب، لأن هذا سيؤدي إلى توتر العلاقات.
ولحم البقر أيضًا يندرج تحت هذا البند في هذه الأيام بالهند، فعلى المسلمين أن يأخذوا الحيطة والحذر في أكل لحم البقر أمام الهندوس، ولا يتحدثوا حتى عن أكله عندهم، لأن هذا يؤذي مشاعرهم.
وفي موضع آخر قال حضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام:
يجب أن نتذكر أن ما نهى الله عنه في الشرع الإسلامي هو على قسمين: الأول حرام والثاني ممنوع أو منهي عنه. وكلمة الحرام لغة تشمل النوعين، ولكن القرآن في هذه الآية إنما حرم أربعة أشياء: الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله. وهناك أشياء أخرى نهت الشريعة الإسلامية عن تناولها.. وهي تندرج تحت الممنوعات ولا تندرج تحت الحرام بالاصطلاح القرآني. فقد روي عن ابن عباس قال " (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير)(مسلم،كتاب الصيد)وهناك رواية أخرى تقول (نهى عن لحوم الحمر الأهلية) (المرجع السابق). وهذه المنهيات لا تتعارض مع آيتنا الحالية وغيرها من الآيات، فكما أن الأوامر على أنواع: بعضها فرض، وبعضها واجب، وبعضها سُنة، كذلك المناهي على أنواع: هناك المحرمات والممنوعات والتنـزيهات. فهناك أربعة أشياء محرمة. أما الباقية فهي ممنوعة. وأما التي تندرج تحت المنع التنـزيهي وينبغي على الإنسان تجنبها فهي أكثر من ذلك. والنسبة بين الحرام والممنوع كالنسبة بين الفرض والواجب. فالأشياء التي حرَّمها القرآن حرمتُها أشد نسبيا مما حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم. وكما بينتُ من قبل فإن مثالها في الأوامر كمثال الفرض والواجب والسنة؛ فالحرام بإزاء الفرض، والممنوع بإزاء الواجب. وكما أن هناك فرقا بين الفرض والواجب فيما يتعلق بالعقوبة إذا تركه أحد، كذلك فإن عقوبة تناول شيء مما نهى عنه القرآن أشد من عقوبة تناول شيء مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن كلاً من الجريمتين قابل للمؤاخذة، جالب لسخط الله في كل حال. إن تناول أو ارتكاب الحرام يؤثر في إيمان الإنسان ولا بد أن تكون نتيجته سيئة، ولكن تناول أو ارتكاب المناهي الأخرى لا يؤدي بالضرورة إلى الإثم وعدم الإيمان. هناك العديد من الفِرق المسلمة _كالمالكية مثلا-يأكلون هذه الأشياء بتأويلات مختلفة، ولكن هذا لا يؤثر في إيمانهم، بل لقد وُجد بينهم في الماضي كثير من الأولياء …ولكنكم لن تجدوا بين من يأكل لحم الخنزير والميتة أحدا من أولياء الله تعالى. فهناك مدارج للحرمة، وعلاوة على هذه المحرمات القرآنية الأربعة هناك ممنوعات تندرج تحت اصطلاح الحرام أيضا. هذه الحرمة من حيث اللغة ويندرج تحتها كل ما يُنهى عنه ويسمى حراما.. كالأشياء التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن من حيث الاصطلاح القرآني هناك أربعة أشياء فقط محرمة.



 

خطب الجمعة الأخيرة