loader
 

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أما عني فأنا أحمدي السمة والطبعة ولله الحمد. إلا أنني اصطدمت ونقطتين خلال قراءتي لكتب الإمام ميرزا غلام أحمد عليه السلام. السؤال الأول: يقول الإمام أحمد عليه السلام في كتابه "مواهب الرحمن" في خطابه رئيس تحرير صحيفة اللواء : فبشرنا ربنا بثمانين سنة من العمر أو هو اكثر عددا، فكيف قال ذلك وقد عاش خمسا وسبعين ونصف العام تقريباً عليه السلام وليس ثمانين أو يزيد وذلك بناء على معطيات مولده ووفاته عليه السلام؟! هل يمكن أن يقول ذلك القول رمزيا ً فقط أو كناية بمعنى مداد العمر مثلاً وليس أكثر؟ و الشكر الجزيل لكم

نكتفي هنا بالإجابة على نقطتك الأولى، والثانية قادمة إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
نبوءة المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام عن عمره
لقد أوحى الله تعالى إلى المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام الوحي التالي:
"ثمانين حولا أو قريبا من ذلك."
ثم تلقى إلهاما نصفه باللغة العربية وهو: "أطال الله بقاءك." ونصفه الآخر بالأردية وتعريبه: "ثمانين عاما، أو أكثر من ذلك بخمس أو أربع سنوات أو أقل منه بخمس أو أربع سنوات." (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية ج22 ص100)
لقد وضح حضرته عليه السلام هذا بنفسه في كتابه براهين أحمديه ج5 ما تعريبه: "ليس في وعد الله تعالى أن عمري سيتجاوز الثمانين حتمًا. بل الله تعالى أعطى أملاً خفيا في وحيه هذا بأن العمر يمكن أن يزداد حتى الثمانين لو شاء الله ذلك. أما الكلمات الظاهرة للوحي والمعبرة عن الوعد الإلهي فهي تحدد العمر ما بين 74 إلى 86 عاما." (الخزائن الروحانية ج21 ص 259)
وطبقًا لهذه النبوءة توفي المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام عن عمر يناهز خمسًا وسبعين عاما والنصف.
أما باللغة العربية فقد تلقى إلهامات عديدة تشير إلى أن عمره عليه السلام سيصل قريبا من الثمانين، ومنها: "ثمانين حولا أو قريبا من ذلك، أو تزيد عليه سنينا، وترى نسلا بعيدا" (الأربعين، رقم3، ص394، وضميمة التحفة الغولروية، الخزائن الروحانية، ج17، ص66). وكذلك "ثمانين حولا أو قريبا من ذلك، أو نزيد عليه سنينا" (الأربعين، رقم2، الخزائن الروحانية، ج17، ص380)، وكذلك "لنحيينك حياة طيبة، ثمانين حولا أو قريبا من ذلك، وترى نسلا بعيدا" (الأربعين، رقم3، الخزائن الروحانية، ج17، ص422).
طريق التحقيق
للوصول إلى تحديد عمر أي إنسان لا بد من معرفة أمرين اثنين هما: 1_ تاريخ ميلاده. 2_ تاريخ وفاته.
إن تاريخ وفاة حضرته عليه السلام معروف وهو 24 ربيع الثاني 1326هـ الموافق لـ 26 أيار 1908م. أما تاريخ ميلاده فلم يكن معلوما ولم يكن مسجلا في أي مكان، وذلك لأن عادة تسجيل الأسماء في السجلات الحكومية لم تكن قد بدأت بعد في تلك المناطق. كما لم يذكر حضرته عليه السلام بنفسه في كتبه تاريخًا معينًا لولادته. لم يكن الناس في زمنه عليه السلام يهتمون بتاريخ ميلادهم ولا يتذكرونه بل كانوا يذكرونه مقرونا بالأحداث الهامة التي حصلت في ذلك الزمن، فعلى سبيل المثال كان أحدهم يقول: ولدتُ في الفترة التي تفشى فيها الطاعون في منطقة كذا أو حدث زلزال في مكان كذا أو عند اندلاع حرب كذا وما إلى ذلك. ولهذا السبب نجد في كتب المسيح الموعود عليه السلام عدة أقوال عن تاريخ ولادته. ولما كان كل ذلك مبنيا على مجرد التخمين لذلك نجد فيه اختلافًا. يقول حضرته عليه السلام بهذا الصدد ما تعريبه: "إن عمري الحقيقي يعلمه الله تعالى وحده، أما ما أعرفه فهو أنني الآن في سنة 1323 الهجرية أقارب السبعين من العمر، والله أعلم بالصواب." (ضميمة براهين أحمدية الجزء الخامس، الخزائن الروحانية ج 21 ص 365)
لقد اتضح مما سلف أن تاريخ ميلاد حضرته عليه السلام لم يكن مسجلا ولا مذكورا بالتحديد في أي مكان. وإذا تحرينا في الأمر أكثر وجدنا عدة قرائن ذكرها حضرته في بعض كتبه أو أمام صحابته (الذين كتبوا كل ذلك ونُشر فيما بعد باسم "الملفوظات" في عشرة مجلدات) مما يساعد الباحث في تحديد يوم ميلاده بشكل صحيح. وبيان ذلك كالتالي:
1_ يقول سيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام ما تعريبه:
"لقد وُلد هذا العبد المتواضح يوم الجمعة في الرابع عشر من الشهر القمري." (تحفة غولروية، الخزائن الروحانية ج 17 ص 281 الهامش)
2_ ورد في رواية أحد صحابة المسيح الموعود عليه السلام أنه قال: لقد وُلدتُ في شهر (فاغن) (اسم لشهر من شهور التقويم البكرمي المعروف في القارة الهندية ويقابله في السنة الميلادية فبراير)، وفي اليوم الرابع عشر للشهر القمري، وكان الوقت هو الهزيع الأخير من الليل. (ذكر حبيب ص238- 239)
نستخلص مما سبق أن هناك ثلاثة أمور لا بد من اجتماعها لتحديد يوم ميلاد الإمام المهدي عليه السلام وهي:
1_ يوم الجمعة.
2_ الرابع عشر من شهر من الشهور القمرية.
3_ شهر (فاغن) من التقويم البكرمي الهندي (ويقابله فبراير من السنة الميلادية).
تعالوا معنا نستعرض التقويم الهجري والميلادي والبكرمي لعدة سنوات حتى نصل إلى النتيجة.
التاريخ الميلادي التاريخ الهجري اليوم التاريخ الهندي البكرمي
4 فبراير1831م 20شعبان 1246هـ الجمعة 7 فاغن 1887 البكرمي
17 فبراير1832م 14رمضان 1247هـ الجمعة 1فاغن 1888البكرمي
18 فبراير1833م 17رمضان 1248هـ الجمعة 4 فاغن 1889 البكرمي
28 فبراير1834م 18شوال 1249هـ الجمعة 5 فاغن 1890 البكرمي
13 فبراير1835م 14شوال 1250هـ الجمعة 1فاغن 1891البكرمي
25 فبراير1836م 17شوال 1251هـ الجمعة 3 فاغن 1892 البكرمي
24 فبراير1837م 18ذي قعدة 1252هـ الجمعة 4 فاغن 1893 البكرمي
9 فبراير1838م 20ذي قعدة 1253هـ الجمعة 7 فاغن 1894 البكرمي
1 فبراير1839م 15ذي قعدة 1254هـ الجمعة 3 فاغن 1895 البكرمي
21 فبراير1840م 16ذي الحجة 1255هـ الجمعة 4 فاغن 1896 البكرمي
يتضح جليا من خلال هذا العرض أن الأمور الثلاثة المذكورة ما اجتمعت إلا مرتين فحسب. وهما: الأول: 17 فبراير 1832م، والثاني: 13 فبراير 1835م الموافق لـ 14 شوال 1250هـ. لقد تبنت الجماعة اليوم الأخير كتاريخ ميلاد الإمام المهدي عليه السلام بناء على ما ورد في بعض كتاباته منها ما تعريبه: "لقد تشرفت بالمكالمة والمخاطبة الإلهية في1290هـ بالضبط." (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية ج 22 ص 207)
أي أن الوحي بدأ ينـزل على الإمام المهدي عليه السلام في السنة 1290هـ. وكم كان عمره في تلك السنة؟ يقول حضرته عليه السلام بهذا الصدد ما تعريبه: "ولما بلغ عمري الأربعين عامًا، شرفني الله تعالى بإلهامه وكلامه." (ترياق القلوب، الخزائن الروحانية ج 15 ص 283)
ثم يقول في مكان آخر في بيت شعر له بالأردية ما تعريبه: "كان عمري أربعين عاما إذ تشرفت بالوحي الإلهي." (براهين أحمدية الجزء الخامس، الخزائن الروحانية ج 21 ص 135)
فإذا كان عمر حضرته عليه السلام 40 عامًا في السنة 1290 الهجرية، فهذا يعني أنه ولد في 1250هـ. (1290- 40 = 1250)
ولا يجتمع يوم الجمعة واليوم الرابع عشر من الشهر القمري وشهر فاغن من التقويم البكرمي إلا في 14 شوال 1250هـ.
فقد ثبت قطعًا، بناء على ما أسلفنا، أن المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام قد ولد في 14 شوال 1250 هـ الموافق لـ 13 فبراير 1835م، وتوفي في 24 ربيع الثاني 1326 هـ الموافق لـ 26 أيار 1908م.
وإذا طرحنا سنة ميلاده من سنة وفاته تحددت مدة عمره وذلك كالتالي: 1326- 1250 = 76 عاما. وإذا التزمنا بالدقة أكثر وعددنا الشهور والأيام أيضًا فيكون عمره 75 عاما وستة أشهر وعشرة أيام. وهذا يوافق تماما لما ورد في النبوءة.

ولكن المعارضين المغرضين يقدمون بعض كتابات الإمام المهدي عليه السلام التي أخبر فيها عن عمره بالتخمين، ويخفون عباراته الأخرى كتمانًا للحق وتحقيقًا لمآربهم السيئة. لذا نقدم فيما يلي بعض كتابات المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام التي تبين أنه عاش عمرًا يتراوح بين 74 و 76 عاما.
1. كتب حضرته في كتابه "حقيقة الوحي" (وهو يتحدث عن القسيس الأمريكي الشهير "الكسندر دوئي" الذي هلك بعد أن دخل في المباهلة مع المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام ) ما تعريبه: "لقد نشرتُ ضد "دوئي" إعلانًا باللغة الإنجليزية في 23 أغسطس 1903م، تضمَّن جملة: أبلغ من العمر قرابة سبعين عاما، أما "دوئي" فهو شاب في الخمسين كما يقول. ولكنني لم أكترث بكبر سني، لأن الأمر لن يُحسَم في هذه المباهلة بحكم الأعمار، وإنما يحكم فيها الله الذي هو أحكم الحاكمين." (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية ج22 ص 506 الهامش)
فثبت أن عمر حضرته عليه السلام كان قرابة السبعين في 23 أغسطس 1903. وتوفي عليه السلام بعد هذا بخمس سنين أي في عام 1908م. وبهذا قد صار عمره قرابة 75 عامًا بحسب التقويم الميلادي و77 عامًا بحسب التقويم الهجري.
2. أ: يقول حضرته عليه السلام ما تعريبه: "أَرُوني أين صار آتهم؟ لقد كان عمره يقارب عمري أي 64 عامًا تقريبا. فإذا كنتم في ريب من ذلك فتأكدوه من خلال أوراق تقاعده في الدوائر الرسمية." (إعجاز أحمدي، الخزائن الروحانية ج 19 ص109)
ب: "كان سن آتهم مثل سني أنا تقريبًا." (أنجام آتهم، الخزائن الروحانية ج 11ص 7 الهامش)
ج: "لقد مات عبد الله آتهم بمدينة فيروز بور في 27 يوليو 1896م." (أنجام آتهم، الخزائن الروحانية ج 11 ص1)
إذًا كان حضرته عليه السلام يبلغ 64 عاما في سنة 1896م، وتوفي في 1908، مما يعني أنه عاش 12 سنة أخرى. وعليه فقد صار عمره: 64+ 12= 76 عاما.

يقول البعض إن مؤسس الجماعة عندما كتب أن آتهم كان في مثل سنه فإنما أخبر عن سنه لدى تأليفه كتاب "إعجاز أحمدي"، وليس أنه كان في مثل سنّ آتهم لما كان آتهم حيًّا.. أي أنه يقدم مقارنة بين عمره الحالي وبين عمر عبد الله آتهم عندما كان حيًّا.
ولكن هذا خطأ، وسرعان ما يزول لدى قراءة العبارة التالية مما كتبه حضرته عليه السلام مخاطبًا آتهم في حياته، وتعريبُه: "إذا كان عمرك 64 أو 68 عاما... فإنني أيضًا أقارب الستين." (مجموعة الإعلانات، ج 2 ص 105 الإعلان بتاريخ27 أكتوبر 1894)
أي أن عمر المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام كان حوالي ستين عاما في 1894م، وتوفي حضرته بعد ذلك بأربعة عشر عاما في 1908م، وهكذا صار عمره: 60+14= 74 عاما بحسب التقويم الميلادي و76 عاما بحسب التقويم الهجري.

شهادة المعارضين
1- يكتب المولوي ثناء الله الأمرتسري وهو ألدّ أعداء حضرته عليه السلام : "لقد قال الميرزا (أي المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام ) أنه سيموت عن عمر يناهز الثمانين. وأرى أنه الآن قد انتهى إلى هذا الحد." (جريدة "أهل الحديث" عدد 3 مايو 1907م)
والمعلوم أن حضرته عليه السلام قد توفي بعد هذا بسنة واحدة فحسب.
2- ثم جاء في الجريدة نفسها: "إن الميرزا عُمّر، بحسب قوله، 75 عاما." (عدد 31 يوليو 1908 ص3 عمود2)
3- ثم جاء في مجلته "مرقّع قادياني" عدد فبراير 1908 ص12 ما تعريبه:
"يسجل الميرزا في كتيب "إعجاز أحمدي" عن عبد الله آتهم المسيحي: كانت سِنّه بمثل سِنّي أنا أي حوالي 64 عاما. ويتضح من هذه العبارة أن عمر الميزرا عند وفاة عبد الله آتهم كان 64 عاما. تعالوا الآن نحقق في الأمر لنعرف متى هلك آتهم؟ وشكرًا لله أن تاريخ وفاة آتهم هو الآخر مذكور في كتابات الميرزا حيث يكتب الميرزا في كتابه "أنجام آتهم" ص1 كما يلي: "مات عبد الله آتهم بمدينة فيروز بور في 3 (هكذا!) يوليو 1896." فتبين من هذه العبارة أن عمر الميرزا في سنة 1896 كان قرابة 64 عامًا. تعالوا الآن نر كم سنة مضت من عام 1896 إلى 1908م؟ فهي وفق حسابنا نحن (إن لم يخطئنا في ذلك أحد أتباع الميرزا) 11 عامًا. فإذا أضفنا 11 إلى 64 فيصير المجموع 75 عاما. فثبت أن عمر الميرزا في الوقت الحالي هو 75 عامًا".
فثبت من خلال التحقيق الذي نشره أحد ألد خصوم مؤسس الجماعة في فبراير 1908م أن عمر المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام في ذلك الوقت كان 75 عاما. وتوفي حضرته عليه السلام بعد هذا الكلام بثلاثة أشهر فقط. مما يدل على أن عمره كان أكثر من 75 عاما ولا يمكن أن يكون أقل من ذلك.
4- ورد في "تفسير ثنائي" للأمرتساري في طبعة 1899 ص 104 الهامش وفي الطبعة الثانية ص 90 كما يلي: إن الذي عمره فوق السبعين مثل الميرزا نفسه..."
أي أن عمر المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام في عام 1899 كان فوق السبعين، وتوفي بعد 9 سنين في عام 1908م، فوِفق هذا التقدير كان عمره عند وفاته أكثر من 79 عاما.
5- كتب المولوي محمد حسين البطالوي غاضبًا في مجلته إشاعة السنة عام 1893م ما تعريبه: "إنه (أي المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام ) قد بلغ الآن 63 عاما من العمر."
وعاش حضرته عليه السلام بعد هذا أربعة عشر عاما. ووفق ذلك صار عمره 77 عاما (63+14= 77).
والجدير بالذكر أن هذه الشهادة التي قدمها المولوي محمد حسين البطالوي عن عمر المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام لهي أوثق شهادة أدلى بها المعارضون. وذلك لأنه كان صديق حضرته في صباه، وزميله في الدراسة الابتدائية. حيث يقول البطالوي في مكان آخر: "هناك قلة قليلة من معاصرينا الذين يعرفون أحوال وأفكار مؤلف "براهين أحمدية" بقدر ما نعرفها نحن. فإنه مواطن لنا، وزميلنا منذ أيام الطفولة (حيث كنا سويا ندرس "القطبي" و"شرح ملا جامي"). (مجلة إشاعة السنة ج 7 رقم 6)
ويعترض البعض على عبارة قالها المسيح الموعود عليه السلام في كتابه مواهب الرحمن: "وأرادوا ذلّتنا، فأصبنا رفعةً وذكرًا حسنًا، وأرادوا موتنا وأشاعوا فيه خبرا، فبشّرَنا ربنا بثمانين سنة من العمر أو هو أكثر عددا، وأعطانا حزبًا ووُلْدًا وسكنا، وجعَل لنا سهولةً في كلِّ أمرٍ، ونجّانا مِن كل غَمْر." فقالوا: إنه (عليه السلام) يقول إن عمره سيزيد عن الثمانين.
فالجواب أوّلا أن هذه كلماتُ المسيح الموعود عليه السلام، وليست كلماتِ الوحي. أما كلمات الوحي فها هي:
"ثمانين حولا أو قريبا من ذلك، أو تزيد عليه سنينا، وترى نسلا بعيدا" (الأربعين، رقم3، ص394، وضميمة التحفة الغولروية، الخزائن الروحانية، ج17، ص66). "ثمانين حولا أو قريبا من ذلك، أو نزيد عليه سنينا" (الأربعين، رقم2، الخزائن الروحانية، ج17، ص380)، "لنحيينك حياة طيبة، ثمانين حولا أو قريبا من ذلك، وترى نسلا بعيدا" (الأربعين، رقم3، الخزائن الروحانية، ج17، ص422).
وهناك وحي نصفه بالعربية ونصفه بالأردو، وهو: "أطال الله بقاءك." وبعدها مباشرة بالأردية: "ثمانين عاما، أو أكثر من ذلك بخمس أو أربع سنوات أو أقل منه بخمس أو أربع سنوات." (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية ج22 ص100)..
وقد وضح حضرته عليه السلام هذا الوحي بنفسه في كتابه براهين أحمديه ج5 ما تعريبه: "ليس في وعد الله تعالى أن عمري سيتجاوز الثمانين حتمًا، بل الله تعالى أعطى أملاً خفيا في وحيه هذا بأن العمر يمكن أن يزداد حتى الثمانين لو شاء الله ذلك. أما الكلمات الظاهرة للوحي والمعبرة عن الوعد الإلهي فهي تحدد العمر ما بين 74 إلى 86 عاما." (الخزائن الروحانية ج21 ص 259).
إذًا، بعد أن ذكرنا كلمات الوحي الواضحة والتي انطبقت حرفيا، ثم بعد أن ذكرنا تفسير المسيح الموعود عليه السلام لها، قد بات واضحا أن المسيح الموعود عليه السلام في كتابه (مواهب الرحمن) لم يكن يخصّص هذه النبوءة بالحديث، بل يمر عليها مرورا عابرا ضمن تحديثه بنعم الله عليه. وفي مثل هذه الحالة لا تُشترط الدقة؛ المهم هو جوهر الموضوع، وهو ذِكر نعم الله عليه. إنما تُشترط الدقة حين يكون الحديث مخصصا للموضوع؛ وهذا ما رأيناه حين شرح المسيح الموعود عليه السلام الوحي المذكور. لذا يستحسن هنا إيراد هذه العبارة في سياقها، وهي كالآتي:
"وإنا مع أتباعنا القلائل أوذينا من أفواجهم كل الإيذاء، وربما وَقَفْنا بين أنياب الموت مِن مكر تلك العلماء، وسِقْنا بهتانًا وظلمًا إلى الحكّام، وأغرى المكفّرون علينا طوائف زمعِ الناس واللئام، ومكروا كل مكر لاستيصالنا ولإطفاءِ أنوار صدق مقالنا، وصُبّت علينا المصائب، وعادانا الحاضر والغائب، فما تزعزعنا وما اضطربنا، وانتظرنا النصر من القدير الذي إليه أَنَبْنا. وفسّقوني وجهّلوني بالكذب والافتراء، وبالغوا في السبّ إلى الانتهاء، وإني لأجبتهم بقولٍ حقٍّ لولا صيانة النفس من الفحشاء. وسعَوا كل السعي لأُبْتَلى ببليّة ويغيَّر عليّ نعمةٌ نلتُها من الرحمن، فخُذِلوا في كل موطنٍ ونكصوا على أعقابهم من الخذلان. وكلما ألقوا علي شبكةَ خديعةٍ مخترعةٍ، فرَّجها ربي عني بفضل من لدنه ورحمةٍ، وكان آخر أمرهم أنهم جُعلوا أسفل السافلين، وانتصفنا مِن كل خصم مهين، مِن غير أن نرافع إلى قضاة أو نتقدم إلى الحاكمين. وأرادوا ذلّتنا، فأصبنا رفعةً وذكرًا حسنًا، وأرادوا موتنا وأشاعوا فيه خبرا، فبشّرَنا ربنا بثمانين سنة من العمر أو هو أكثر عددا، وأعطانا حزبًا ووُلْدًا وسكنا، وجعَل لنا سهولةً في كلِّ أمرٍ، ونجّانا مِن كل غَمْر. وكنت فيهم كأني أتخطَّى الحيَواتِ أو أمشي بين سباع الفلوات، فمشى ربي كخفيرٍ أمامي، ولازمني في تلك الموامي. فكيف أشكر ربي الذي نجاني من الآفات، على كُلولي هذا حسرات." (مواهب الرحمن، الطبعة الحديثة، عام 2006، المملكة المتحدة، ص16-17)

ويعترض بعض المعارضين لماذا وردت كلمة "أو" في الوحي: "ثمانين حولا أو قريبا من ذلك أو تزيد عليه سنينا"، ألم يكن الله يعرف يوم وفاته؟ بل هذا يدل على أن المتكلم ليس بمتأكد مما يقول؟
والجواب:
لا شك أن الله تعالى كان يعرف ذلك تماما فهو علام الغيوب، ولكن كلمة "أو" قد ترد في كلام الله تعالى. كما ورد في قوله تعالى لرسوله الكريم: (إما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك) (يونس: 65)
وفي قوله تعالى عن يونس عليه السلام : (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (الصافات:148) فهل يمكن أن يقول أحد أن الله غير متأكد من كلامه بحيث لا يدري هل سيُري النبي صلى الله عليه وسلم بعض الذي قد وعد الكفار من العذاب أم سيتوفاه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، أو أن الله تعالى لم يكن يعرف عدد قوم يونس بالضبط. كلا، بل هذا هو أسلوبه فيما يتعلق بمثل هذه الأنباء، وله في ذلك حِكَم كثيرة ومنها ما أسلفنا به.

وأخيرا نقول للمعترضين: هل من الممكن لشخص كذاب مفتر على الله تعالى وقد بلغ حوالي الأربعين سنة من عمره أن يزعم أنه قد أوحي إليه وأنه سيعيش حتى يقارب الثمانين وأنه سوف يرى نسلا بعيدًا؟ وإذا افترضنا أن شخصا جمح به الجنون وأعلن مثل هذه الفرية على الله تعالى، فهل يتركه الله على قيد الحياة حتى تتحقق فريته، ويرى بالفعل نسلا بعيدا في أولاده وأحفاده، ولا يهلكه الله ليفضحه أمام العالم بسبب كذبه وافترائه؟ بل يهلك الله أعداء هذا العبد إذا ما دعا عليهم، برغم أن (صلحاء الأمة وأولياءها) يدعون الله تعالى لهلاكه.
لقد تلقى الإمام المهدي عليه السلام إلهام "ترى نسلا بعيدًا" في حوالي 1873م أو 1874م حين لم تكن عنده زوجة ولا أولاد، وذلك لأن زوجته الأولى كانت قد انفصلت عنه قبل هذا بأكثر من خمسة عشر عاما. أما الولدان من بطن تلك الزوجة فهما أيضا عاشا بعيدين عن حضرته حتى أنهما عارضاه عندما أعلن أنه المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام . أما هو بنفسه فكان عاكفا على العلوم الدينية والدفاع عن بيضة الإسلام دون أن يبحث عن الزوجة الثانية حتى يتحقق له ما تنبأ به. فلم يبحث عن الزوجة الثانية ليس لسنة واحدة ولا لسنتين أو ثلاثة أو حتى خمسة بل بقي على هذه الحالة لأكثر من عشر سنين. ثم تزوج حين كان يبلغ الخمسين من عمره، فأعطاه الله الأولاد والأحفاد، ثم توفاه بعد تحقيق الإلهام: "ترى نسلا بعيدا". والسؤال الآن هو:
هل من المعقول أن يقوم أحد من عند نفسه بالإعلان أنه سوف يرى نسلا بعيدا في حين تكون زوجته قد انفصلت عنه، وولداه يعارضانه؟ ثم يبقى بلا زواج حتى يتم له ما قال سابقًا، وذلك بالطبع إذا أمهله الله تعالى بعد هذه النبوءة الكاذبة التي نسبها إلى الله تعالى.
ولماذا لم يَخَفْ من أن عمره يمضي، وأنه لو تأخر في الزواج أكثر فقد لا يرى حتى أولاده ناهيك عن نسل بعيد، أو قد لا ينجب، أو قد لا يمهله الله تعالى، فلا يتمكن من الزواج أصلا؟ وكل ذلك يحدث في ظل التكذيب اليومي الذي كان يتلقاه من قبل المعارضين، والهجوم العنيف الذي كان يشنّها المشايخ ضده ليثبتوا كذبه حتى يصدّوا الناس عن تصديقه.
أهكذا تكون سيرة المتنبئين الكاذبين؟!
عندما نقرأ سيرته عليه السلام نجد أنه تزوج زواجا ثانيا في أواخر عام 1884م حين كان يبلغ حوالي الخسمين من عمره. فهل مَن يتزوج في مثل هذه السن يسعه القول إنه سوف يرى نسلا بعيدا؟ الحقيقة الميدانية تعارض هذه الفكرة بشدة، لأسباب تالية:
1- هو متقدم في السن فلا يدري إلى متى سيعيش.
2- قد لا ينجب بسبب تقدمه في السن أو قد تكون زوجته عقيما.
3- إن كان كاذبا فلا بد أن الله تعالى سوف يقطع حبل عمره حتى قبل الأوان وذلك لكي لا يتحقق كلامه فلا يكون فتنة للناس.
4- ثم لو تجاوز كل هذه العراقيل وولد له ذرية، فهل يضمن أن أولاده هم الآخرون سيتزوجون ويلدون أولادًا في حياته حتى يتحقق ما قال إنه سوف يرى نسلا بعيدًا؟
5- كما أنه لا يعلم هل سيؤمن به أولاده ثم أولادهم أيضا ليتحقق كلامه، أم سيكونون على شاكلة ولدَيه من الزوجة الأولى، لأنهم لو بقوا هم الآخرون غيرَ مؤمنين به فلا يمكن أن ينسبهم إلى نفسه، إذ من المعلوم أنه لا يُعدُّ من أولاد النبي من لا يؤمن به لقوله تعالى عن ابن نوح عليه السلام : (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (هود:47). ومن غير المعقول أن يعتبر حضرته عليه السلام مصداقا لنبوءته من لم يؤمنوا به بل اعتبروه كاذبا.
فمع جميع هذه المستحيلات إن ما حصل هو أنه عليه السلام تزوج متأخرا، ووُلد له أولاد، وأمدّ الله في عمره حتى إنه رأى أحفاده أيضًا، ثم توفاه الله. أفلا يدل ذلك على أن ما أعلنه إنما أعلنه بناءً على كلام الله الذي حققه على الرغم من أن يكون مستحيلا.
ولو كان كاذبا فإن سنة الله في مثل حالته هي أنه عز وجل يأخذ المدعي الكاذب باليمين ويقطع منه الوتين فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِين. فإن بدت معاملة الله مع هذا المعلن معاكسة تماما لما أراده المعارضون، فلا شك أن هذا المعلن من الله تعالى وهو يؤيده بآيات باهرة لتبصرها من كانت له عين باصرة.
يقول حضرة المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام ما نصه: "وكذلك بشّرني ربي بطول عمري في بدْء أمري وقال: "ترى نسْلاً بعيدًا". فعمّرني ربي حتى رأيت نسلي ونسل نسلي، ولم يتركني كالأبتر الذي لم يُرزق وليدًا، وتكفي هذه الآية سعيدا.
فأفتوني أيها العلماء والمحدّثون والفقهاء.. أتجوّز عقولكم أن تلك المعاملات كلّها يعامل الله برجل يعلم أنه يفتري عليه، ويكذب أمام عينيه؟ وهل تجدون في سنّة الله أنه يُظهر على غيبه إلى عمر طويل أحدا من المفترين؟ ويتمّ عليه كلّ نعمته كالنبيّين الصادقين؟ وينصره في كلّ موطن بإكرامٍ مبين؟ ويمهّله مع هذا الافتراء حتى يبلغ الشيبَ من الشباب، ويُلحق به ألوفا من الأصحاب، ويعينه ويطرد أعداءه المؤذين كالكلاب؟ ويؤتيه ما لم يؤتَ أحد من المعاصرين، ويُهلِك من باهله أمام عينيه أو يخزي ويهين؟ ومن كان على الدنيا مُكِبًّا ولزينتها محبًّا، ومن أهل الافتراء والفرية.. أرأيتم نصرته كهذه النصرة؟ أو أحسستم له عونةَ الله كهذه العونة؟ ما لكم لا تفكّرون كالمتّقين؟ هداكم الله! إلامَ تكفّرون عباد الله المؤيَّدين؟ (الاستفتاء، الخزائن الروحانية ج22، ص649-650)


 

خطب الجمعة الأخيرة