loader
 

السؤال: ما هى حقيقة وسيرة بولس موسس المسحية ولماذا فعل ذلك بالمسحية ولماذا لأتنطبق نبواءات العهدين القديم والحديث على بولس بدلأ من سيدنا محمد عليه السلأم مع الشكر

كان بولس من أشد معاندي أتباع المسيح من اليهود، كما اتسمت سيرته بالفساد وكان قاطع طريق قبل أن يدعي أنه قد رأى المسيح وهو في طريقه إلى دمشق، وكان ذلك بعد حادثة الصلب وبعد هجرة المسيح عليه السلام من فلسطين.
كان بولس أول من زعم بأن المسيح هو ابن الله، أو هو الله المتجسد، وقدم نفسه كرسول للمسيح. وقد التقى في دمشق بأحد أتباع المسيح يدعى حنانيا، وهو الذي قدمه إلى بقية الأتباع وعدد من التلاميذ. ولقد نجح بولس، ولو بعد حين، في اقناع التلاميذ وأكثر الأتباع بدعواه وهذا بسبب أنه بدعواه قد لامس أمورا وحل معضلات كانت تثقل كاهلهم في تلك الفترة. فقد كان أتباع المسيح يتعرضون إلى هجوم عنيف وسخرية من قبل اليهود وهذا بسبب أنهم رموا والدته الزنا وادعوا أنه ثمرة هذا الزنا بسبب أنه كان بغير أب، كما أنهم أعلنوا أنه ملعون بسبب أنه قد مات على الصليب (كما ظنوا) وعلق على خشبة. وبهذا فقد أصبح معلمهم ورسولهم المسيح في أعين أعدائهم مشكوكا في نسبه في مولده ملعونا في موته! فعندما جاء بولس وأعلن أن الذي يشكون في نسبه هو "ابن الله" والذي مات على الصليب (كما ظن وظنوا) إنما افتدى البشرية بدمه وهو إن أصبح ملعونا فهو ملعون من أجل البشر! فكانت هذه الدعوة تلقى قبولا عند السذج من أوائل الأتباع الذين وجدوا أنفسهم بعد القهر والاستهزاء يتفاخرون بهذا المولد وبتلك الميتة المزعومة.
أما لماذا فعل بولس هذا؟ فهناك مؤشرات قوية أن خلف هذه الحركة تخطيط يهودي لتحقيق أغراض متعددة من خلال تحريف دعوة المسيح، التي جاءت لتعلن نهاية اليهودية ولتبشر ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وزوال ملكوت الله من بني إسرائيل وفقا لما أعلن المسيح بنفسه. لقد سعى اليهود كل السعي كي يقضوا على المسيح وحاولوا قتله على الصليب، وهم وإن ظنوا أنهم قد قتلوه إلا أنهم لم يطمئنوا بأنه قد مات فعلا، وأدركوا أن هذه الدعوة لم تمت بغيابه أو بموته. وهكذا أرادوا أن يبعثوا في اليهودية روحا جديدة كي تستمر في الحياة وكي تتمتع بالحماية من خلال دين يقر بأفضلية بني إسرائيل ويحافظ على وجودهم ويحقق مصالحهم. وبما أن اليهودية هي دين لبني إسرائيل حصرا، وبما أن دعوة المسيح كانت لبني إسرائيل حصرا أيضا، فقد رأى بولس ومن خلفه أن يتم فتح الباب للأمم الأخرى كي تدخل في هذا الدين الجديد، وهذا بخلاف ما أمر به المسيح بنفسه وبما أجمع عليه التلاميذ قبل أن يقنعهم بولس بوجهة نظره.
وقد تمحورت العقائد المسيحية الأولى حول مسألة رفع مقام المسيح بشكل مبالغ فيه وذلك إرضاءا للمسيحيين الأوائل، ومن ثم بررت مسألة تعرضه للأذى وموته المزعوم على الصليب كونه الحدث الأهم الذي كانت تنتظره الإنسانية منذ فجر وجودها. كما اختار بولس أن يوجد تقاربا كبيرا بين العقائد الوثنية التي كانت سائدة في العالم الروماني في ذلك الحين لكي يسهل على الناس تقبل دعوته والانخراط فيها. وقد دعا إلى تبشير جميع الأمم بهذا الدين وترك اليهود مدعيا أنهم سيدخلون تلقائيا بعد أن تدخل جميع الأمم في المسيحية! كما دعا إلى تذكر أن "الرب" كان منهم وأنه هو كان منهم، لذلك فلا يجب على الناس أن ينسوا فضلهم عليهم، وقد ذكر ذلك في رسالته إلى رومية.
والعجيب أن تعليمات بولس في رسائله تتناقض بشكل صارخ في كثير من المواضع مع تعليمات المسيح عليه السلام، ومرجع ذلك أن الأناجيل كتبت بعد رسائله، فلو اطلع عليها أو لو جمع العهد الجديد في عصره فلربما قام بما يناسب لإزالة هذا التناقض.
كذلك نرى أن بولس في رسالته إلى رومية يعلن بوضوح ما يلي:

فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟ (رومية 3: 8)

أي هو يصرح أنه إن كذب لمجد الله! وأدى هذا إلى زيادة صدق الله! فلماذا يعتبر خاطئا عندها؟! وهذا المنطق العجيب على ما يبدو كان ما شكل منهج سيرته ودعواه. وسواء قررت هذه الجملة أنه قد كذب فعلا أم لم تقرر إلا أنها تكشف أنه يعتقد بامرين كليهما خطيئة؛ الأول هو أن الغاية تبرر الوسيلة وأن الكذب مسموح لغاية شريفة أو لخدمة دين الله والثاني هو اعتقاده بأن الكذب قد يكون سببا في زيادة مجد الله أحيانا!

أما بخصوص عدم ادعائه بأنه هو مصداق النبوءات التي جاء بها المسيح حول من سيظهر من بعده فمرجعها على ما يبدو بتلك النبوءات وعدم اطلاعه عليها، حيث إن الأناجيل لم تكن متوفرة ومجموعٌ أربعة منها في العهد الجديد كما هي اليوم. فلربما كان مناسبا لو ادعى أنه هو "الفارقليط" الذي جاء ذكره في إنجيل يوحنا، وادعى أنه المدافع أو المحامي الذي سيأتي للدفاع عن المسيحية، وأنه هو روح الحق الذي سيخبرهم بما لم يخبر به المسيح! فلعله لو فعل ذلك لأسند دعواه ولجعلها أكثر متانه. إلا أن بولس والمسيحية اليوم تتقبل بعثته كرسول للمسيح دون أدنى إشارة أو نبوءة مسجلة حول هذه البعثة، كما تدافع دفاعا مستميتا عن أن النبوءات إنما تعني تأييد التلاميذ بالروح القدس حصرا ولا تقدم بولس تحقيقا لهذا الأنباء. وهذا بلا شك هو من تدابير العلي القدير الذي جعل بولس وغيره لا يلتفتون لذلك لكي تتحقق النبوءات على وجهها الصحيح ولا يحدث أي لبس فيها.

أما بخصوص نبوءات العهد القديم التي تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فتحاول المسيحية جاهدة محاولات يائسة تطبيقها على المسيح بنفسه ولا يسعون لتطبيقها على بولس. ومما لا شك فيه أن هذه النبوءات تحتوي من العناصر ما يجعل من المستحيل أن يكون المسيح مصداقا لها، فكيف ببولس! وتحتوي هذه النبوءات إشارات أن النبي القادم سيكون ليس من بني إسرائيل بل من إخوتهم، وسيكون صاحب أمة وشريعة جديدة، وسيحمل كلام الله المبدوء باسم الله، ولن ينجح أحد يدعي أنه هو كذبا؛ بل سيتولى الله أمر أي مدعٍ كاذب يتجرأ على ذلك. كما سيخرج في بلاد العرب، وسيقاتل أعداءه ويهزمهم، وسيكون قديرا، صاحب دين أبدي، يعمل بالشورى ويستشيره الناس، وسيكون ملكا فعليا موطدا للسلام العالمي ومتسامحا عفوا كريما، وغير ذلك الكثير من العناصر التي لا مجال لحصرها هنا. ولا ينطبق كما نرى أي من هذه العناصر لا على المسيح عليه السلام ولا على بولس.

تميم أبو دقة


 

خطب الجمعة الأخيرة