loader
 

السؤال: أنهيت دراستي الجامعية في كلية الحقوق ثم اصطدمت بمن يقول لي أن العمل في المحاماة في ظل هذه القوانين حرام بحرام وأنا الآن ضائعة بين طموحي الذي تعبت لأحققه وبين مخافة أن أغضب الله أرجوكم أجيبوني على سؤالي فمستقبلي يتوقف عليه

لعل السبب الرئيس لهذه الفكرة الخاطئة منبعه عدم الدقة في فهم المقصود بالشريعة الإسلامية، حيث يتصور البعض أن الشريعة هي عبارة عن قانون تفصيلي سماوي، وأن كل القوانين التي يضعها البشر هي مخالفة لهذا القانون، وبالتالي فإن العمل بها محرم.

إن الشريعة الإسلامية هي دستور حياة ومنهج، ولا يستطيع أحد أن يدعي أنها قانون تفصيلي شامل يشمل جميع مرافق الحياة في كل العصور. وقد لجأ الفقهاء في الماضي إلى هذا الدستور واستنبطوا منه أحكاما جزئية اجتهدوا فيها على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة من أحكام. وكان الفقهاء عمليا يتناولون كل ما يستجد في حياة الناس في العصور المختلفة (وإن لم يكن كبيرا)، حتى إنهم أسرفوا في التفاصيل بشكل لا حاجة له، ثم أصبح جزءًا من مذاهب معينة. وعمليا، فماذا يمكن تسمية هذه الاجتهادات سوى أنها تشريع أو وضع للقوانين؟

على كل حال، بعد أن تسرب الجمود إلى الفكر الإسلامي، أصبح ينظر إلى تلك الاجتهادات كأنها جزء من الشريعة وأصبح من غير الممكن الزيادة عليها! وبهذا فقد وقع في إشكال جدي من الصعب عليهم تخطيه فيما لو لم يبدو شيئا من الليونة.

لقد غفل هؤلاء أن القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءا لكي يصلحا النفس الإنسانية ويرتقيا بها من الهمجية والبدائية إلى حالة خُلقية عالية تتطور إلى حالة روحانية. وقد عالج القرآن الكريم والسنة النبوة هذه الموضوع بشكل تفصيلي، بينما لم يكن مقصودا من القرآن أن يكون كتاب قوانين تفصيلية وأن يقدم قانونا للشركات أو للمرور أو لغير ذلك من الأمور!

إن كل ما يذكره القرآن حول القوانين الفرعية هذه هو مبدأ واحد واضح هو:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ(النساء 59)

وبهذا فقد أفسح المجال لكي يختار الناس ما يرونه العدل في كل زمن من الأزمنة وفي كل ظرف من الظروف. وهكذا فإن كل قانون ينبع من روح العدل يمكن اعتباره قانونا إسلاميا شرعيا منسجما بشكل كامل مع الشريعة الإسلامية.

أما إن اتفق بعض الناس أن في بعض القوانين ظلما فعليهم أن يسعوا إلى تعديلها بكل ما أوتوا من وسائل ملائمة. ولكن في هذه الأثناء عليهم الالتزام بهذه القوانين وعدم مخالفتها إلا إذا كانت تأمر بمعصية لله تعالى.

وهكذا فما عليك أيتها الأخت الكريمة كمحامية أو قاضية في المستقبل إن شاء الله، فما عليكِ سوى الالتزام بهذه القوانين وتطبيقها مهما كانت، لأنك مؤتمنة، وسيحاسبك الله تعالى على هذه الأمانة. أما ما يجب أن تلتزمي به فهو أن تتجنبي أن تظلمي أو أن تنصري الظالم على المظلوم أو أن تلتفي على القوانين أو أن تتحايلي عليها. عليك تنفيذ القوانين بأمانة وعليك بإقامة الحق والعدل ما استطعتِ، وهذا المجال مجال مفتوح أمامك.

إن وجود الشرفاء الأتقياء مطلوب في هذه المهنة كي يدافعوا عن المظلومين ويسعون إلى إحقاق الحق ومنع هضم الحقوق. وكل من يعمل بهذه الصورة فإنه سينال رضا الله وسيكون عاملا بشريعته بلا شك.

تميم أبو دقة


 

خطب الجمعة الأخيرة