loader
 

السؤال: بسم الله الرحمن الرحيم أخي في الله لم أكن ارغب ردا على استفساري، لأنني لست بحاجة لمعرفة صدقكم وجهادكم العظيم الذين تبدلونه في نصرة هذا الأمر، ورفع رسالة إمام الزمان، فلقد ساهمتم في رشدي أنا شخصيا إلى الطريق المستقيم من خلال مقالاتكم في مجلة التقوى، وبالتالي فإن حسن نيتكم هي فوق كل الشبهات. ما أردت فقط أن أرفعه لكم، وارجوا أن تسمحوا لي بذلك، هو تقديم رأي إمام الزمان فوق كل رأي، مثلا: عندما سألكم أخ شيعي .. من الكويت عن مسح الرجلين، كان جوابكم جد طويل ولا يختلف على أسلوب الذين نفرونا في الإسلام من قبل، وأنا متأكد انه طلب منكم ساعات لأعداده، ولقد قدمتم أراء علماء الإسلام كابن حزم والرازي... في حين لو اكتفيتم برأي إمام الزمام في هذا الموضوع لكان سهلا وشاملا، مادمنا آمانا بالحكم العدل، فإن أراء زيد وعمر لاتهمنا في شيء، وإلا فإننا لا نختلف على 72 ملة. شكرا على اهتمامكم وأعانكم الله على هذا الأمر وسدد خطاكم وأحاطكم بعنايته التي لا تنام. آمين. ملحوظة: لست بحاجة إلى تعقيب، فكل شيء ستكتبونه أصدقه مسبقا

أود أخي الكريم توضيح مفهوم الحكم العدل الذي هو صفة الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام والذي ذكرته مشكورا في ملاحظتك.

لقد جاء الإمام المهدي في وقت انحرفت فيه الموازين وانقلبت، ودخل على المسلمين كثير من العقائد المنحرفة التي أودت بهم وأوردتهم ما هم فيه. فجاء لكي يصحح تلك العقائد ولكي يضع ميزان القسط والعدل من جديد، ولكي يحكم فيما اختلفت فيه الأمة وتفرقت بسببه. ولكن يجب ألا نتصور أن الإمام المهدي قد جاء ليحكم في كل الأمور التفصيلية التي كانت في وقته أو التي ستستجد من بعده. وهذا التصور بحد ذاته هو تصور مغلوط متأصل في أذهان كثير من الناس. فهو لم يقم بذلك، وبهذا فقد جاء خلافا لتصورات عامة الناس عنه في هذه المسألة أيضا. فكثيرا ما قال لي بعض من كنت أناقشهم: لماذا لم يقم الإمام المهدي بالجلوس وتصنيف الأحاديث كلها على أنها من الرسول صلى الله عليه وسلم أو ليست منه؟ أليس هو مؤيدا بالوحي؟ فلماذا لا يريح الأمة من هذا الأمر الذي كان السبب الرئيس في تفرق الأمة؟
إن هذا التساؤل تساؤل وجيه، ولكن أقل ما يمكن أن يقال حوله أنه لم يحدث. وإن كان قد ورد عنه أنه قد بيّن أن بعض الأحاديث القليلة هي عن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعضها ليست منه، إلا أنه لم يقم بتصنيف كل الأحاديث. إن ما وضعه هو منهج للتعامل مع الأحاديث ولم يقم بحصرها والانتهاء منها مرة واحدة وإلى الأبد.
إنني قد فكرت في هذا الأمر من قبل ووجدت أن ما قام به الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام كان عين الصواب. فتخيل لو قام بتأكيد ثبوت بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصبحت ثابتة عندنا بالقطع ولم نفلح في هذا الوقت أو في وقت ما أن نجد فيها وجها يوافق القرآن، فأين نذهب حينها؟ فبعض الوجوه لتطابق الأحاديث مع القرآن قد لا تظهر إلا في وقت محدد وتكون اكتشافا عظيما وآية جديدة للرسول صلى الله عليه وسلم. أما قبول الحديث بوجه متناقض مع القرآن فهو العلة التي سببت قيام بعض الفرق وأدت إلى كثير من المصائب في العقيدة والشريعة. وهكذا فقد كان امتناع الإمام المهدي عن تصنيف الأحاديث والقطع بثبوتها أو عدمه نعمة عظيمة بخلاف ما يطلب عامة أهل السنة.
كذلك كان الإمام المهدي راغبا عن الفقه ولا يحب الخوض فيه ولم يرق له الفقه منذ صغره أيضا، وقد وضع حضرته مبادئ هامة تسهل الفقه وتجعله يسيرا. واحتراما للإمام أبي حنيفة قال حضرته إننا في الفقه أحناف، ولا يعني ذلك غير أننا نقدم القرآن على كل شيء ، وهو منهج الإمام أبي حنيفة، فأقر حضرته هذا المنهج وأكد عليه، ولم يقم بنسبه لنفسه لأن أبا حنيفة قد قال به من قبل. وهكذا فنحن أحناف في المبدأ الفقهي ولكننا لسنا أحنافا بالمعنى المذهبي، أي أننا لا نرضى طبعا بكل ما قاله الأحناف في الفقه، مع العلم أن الأحناف أيضا بينهم اختلافات في كثير من المسائل. فحسب ما يتصوره البعض، كان ينبغي أن يجلس ويحكم في الأمور الفقهية كلها التي اختلف فيها المسلمون، ولكن هذا لم يحدث. وإن كان قد حكم في بعض الأمور إلا أن ذلك لا يمكن إلا أن يصنف كأمثلة على منهجه ولكن ليست عملا فقهيا متكاملا.
وخلاصة القول إن الإمام المهدي قد وضع الأسس لتقدم الجماعة وتطورها وبقائها متجددة إلى الأبد إن شاء الله. فبتغير الأزمان تتغير المسائل وتنكشف علوم جديدة، ولهذا فإن حركية النظر إلى الحديث والفقه هي روح بقاء التجديد في الجماعة واستمرارها، ولا شك أن الرؤية العامة لأهل السنة عن مهمات الإمام المهدي توصل إلى الجمود الذي هو نهاية أي دين ومقبرته.
وبالنسبة لنا نحن المسلمين الأحمديين، فإننا بالطبع نقدم كلام الإمام المهدي والمسيح الموعود على كلامنا وكلام العلماء في الماضي والحاضر بلا شك. ونؤمن أن ما حكم به هو الحق قطعا. ولكننا إن أردنا أن نقدم رأيه لغيرنا فيجب أن نقدم لهم هذا الرأي مستندا إلى الأدلة من القرآن أولا ثم السنة والحديث وغيرهما. وفي حقيقة الأمر لم يقدم الإمام المهدي حكما إلا بالاستناد المتين على القرآن والسنة ومن بعدها الحديث. فما علينا إلا البحث للتحقق من هذا. وإن كان حكمه ملزما لنا نحن الذين اتبعناه، فهو لا يلزم الآخرين، لذا لا بد من التوضيح لهم والتدليل.
أما بخصوص ما ذكرت حول الشخص الشيعي، فماذا تتصور أن أقول له؟ هل أقول مثلا إن الإمام المهدي قد قال كذا وانتهى الأمر؟ هل سيقبل مني هذا؟ هذا على افتراض أن الإمام المهدي قد قضى في هذه القضية التفصيلية التي يخوض فيها الشيعة ويعيدون ويزيدون.
أرجو أن تتذكر أخي أنه قد قدم لي بعض آراء علماء السنة الذين تؤيد أقوالهم المتهافتة موقف الشيعة، وقد قمت بتفنيدها كلها، وهو من ذكرها ولست أنا، وهذا ما جعل الرد على المسألة يطول. أما أنا شخصيا فعادة لا أعود أبدا إلى هذه الآراء، بل منهجي ألا أترك هذه الآراء توجه تفكيري في مسألة من المسائل، بل أحاول جاهدا أن أبحث وفقا للمنهج الذي وضعه المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام. وبعد أن أجد طريقي فلا أجد بأسا أحيانا في مراجعة تلك الآراء للمقارنة.
إن طول الجواب كان لتفنيد آرائهم اللغوية والشرعية ولم يكن إلا دفاعا عن السنة النبوية التي أثبتت بالقطع أن الغسل هو المقصود من هذه الآية. ولم تكن إلا لتقديم دليل آخر على صدق منهج المسيح الموعود في تقديم القرآن على كل شيء ومن ثم تبيان السنة له. فهل يكفي له أو لغيره أن أقول مثلا إن الإمام المهدي قد قال إن الغسل هو الصحيح؟! أما بالنسبة لي فيكفيني أن أعلم أن الإمام المهدي كان يتوضأ وضوء السنة لكي أعلم حكمه في الأمر. ومع ذلك فقد قلت في النهاية: إنك لو اعتقدت أن المسح هو الأولى فامسح، ولو اعتقدت بأن الغسل أولى فاغسل، فليست هذه هي المشكلة إنما المشكلة هي في العقائد والمنهج الذي لا بد من تصحيحه.
إن الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام كان لا يحب الخوض في الاختلافات في الأمور الفقهية بل كان ينهى أصحابه عن مجادلة المبايعين الجدد في أمور صغيرة كانوا يفعلونها مثلا في صفة الصلاة أو غيرها، فكان يؤكد أن المشكلة ليست هنا، وإنما المشكلة في العقائد التي لو حسمت فهي ستنهي هذه الاختلافات تلقائيا. وأرجو أن تتذكر أخي أنني لم أقم بهذا الرد إلا للتأكيد على منهجنا في تحقيق العقائد والشرائع، وليس لمسألة الغسل أو المسح بحد ذاتها، فهو كان يرى أن الأمر واضح تمام الوضوح وأننا يجب أن نمسح لكي نثبت أننا نتبع القرآن ونقدمه على غيره؟!! أرجو أن تراجع الموضوع بتأنٍ لكي تتأكد من الأمر.

وفي النهاية أود أن أخبرك بتجربة شخصية لطالما وجدتها دليلا متجددا على صدق الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام؛ ألا وهي أنني لم أبحث في أمر وفقا لمنهج المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام - ولم يتيسر لي أن أعلم ما قاله المسيح الموعود حول هذا الأمر في حينه - إلا وجدته متطابقا فيما بعد، وليس مع المسيح الموعود فقط وإنما مع الخلفاء أيضا وبخاصة الخليفة الثاني رحمه الله والخليفة الرابع الذي تيسر لنا أن نطلع على كثير من أعمالهما. ومن اتبع نفس المنهج بصدق فسيصل إلى نفس النتيجة. وأحسب أنني اكتشفت القانون الأصلي الذي يقوم عليه فكره، وهو قانون الكمال، الذي اعتبره هو القانون الأول الذي يقوم عليه كل فكره وكل تجديده. وقد شرحت ذلك في مقالة لي في الموقع.
لقد أعاد الإمام المهدي الدين إلى بساطته كما أراده الله تعالى، فهو دين الفطرة الإنسانية، هو الدين الذي عندما يبحر فيه الإنسان إنما يستكشف حقيقة نفس الإنسان الطاهرة التي ظهرت على حقيقتها في شخص النبي صلى الله عليه وسلم. أما التبحر في العلوم ومحاولة الرد على الآخرين بوسائلهم فهذا مما لا بد منه لكشف الحقائق لغيرنا. وليست المشكلة في طول الرد أو قصره، وإنما يجب النظر في صحة الرد أو خطئه.
أظنك أخي الكريم قد رأيت اعتراض أحد الأخوة على الأخ هاني عندما قال إنه لا يبين مرجعيته ولا يقدم أدلة، وقد قرأت بلا شك رد الأخ هاني وردي، وبالمقابل تفضلت بأن الرد مع الاستدلالات الذي قمت به للأخ الشيعي (والذي هو ليس في هذا الموقع) لا يختلف عن كلام المشايخ الذين نفروك من الدين. ولكن في حقيقة الأمر، ربما لاحظت أن الأخ الشيعي قد أعجب بردي بل وأثنى عليه ولم ينفر وهذا طبعا من فضل الله تعالى علي. فما هو المنهج المرضي لجميع الإخوة؟! لا أعتقد أن الجميع سيتفقون على وجهة نظر واحدة، ولكن الذي لا يمكن القبول به هو الخطأ في الجواب أو وجود مشكلة فيه. أما ما يناسب زيدا فقد لا يناسب عمْرًا من حيث الأسلوب، وعلى زيد أن يصبر على الطول أو القصر في الرد طالما أن الفكرة قد وصلته.

إن منهجنا في الرد في قسم الأسئلة والأجوبة وفي غيره هو تقديم الجواب بأقل الكلمات الممكنة وبأقل الاستدلالات الممكنة, ونحن على استعداد لمناقشة كل جواب وأدلته لمن لم يقتنع. أما في مواضع أخرى، فإن لكل مقام مقالة، وقد يطول الرد وقد يقصر حسبما يؤدي الغرض، ولكن الاختصار هو الأولى.
على كل حال، فلقد شعرت حقيقة بصدقك من خلال كلامك، كما أنني أشكرك على ثقتك بالرد أيا كان (كما ذكرت في تعليقك)، فهذا وسام نضعه على صدورنا ونسأل الله أن يستمر. فثقة الإخوة المخلصين هي من ثقة الله تعالى إن شاء الله.

تميم أبو دقة
(ملاحظة: نشر هذا التعليق بعد استئذان الأخ الكريم)


 

خطب الجمعة الأخيرة