loader
 

السؤال: الأخ الكريم. 1- توفى رجل تاركا وراءه زوجة وأطفالها ومعاشا تقاعديا لا يكفيهم إلا بالكاد، وحين توفي هذا الشخص كان والديه مازالا على قيد الحياة، مما يجعلهم ورثة لتركته، وبعد عقد من السنين توفى هذين الوالدين، فطاب للأعمام والعمات المطالبة بحصة والديهما من التركة وانحصر ذلك الطلب بالضغط على زوجة أخيهم لبيع العقار الذي تسكنه مع أولادها وهي لا تمتلك غيره. فإذا قامت بتلبية رغبتهم فإن النقود التى سوف تتبقى لها لا تأتي لها بمسكن جيد أو ربما قد تجد إلا منزلا "مهرهرا" قد تسكنه الفئران معها! أو ربما قد تضطر لاستئجار منزل ودفع الإيجار من أرباح تلك النقود بعد وضعها في البنك. وسؤالي هو كبف يمكننا التوفيق بين ما ورد في الآية الكريمة التي تحدثت عن الميراث وبين حالة تلك الأرملة وأبناءها في ظل العدالة الإلهية؟ وللعلم.. هذه القضايا تملأ المحاكم عندنا وبالطبع يكون الحكم لصالح أهل الزوج. فترى كل زوجة تتمنى أن لا يموت زوجها ووالديه على قيد الحياة‍‍‍‍‍‍. 2- في سؤالي السابق عن لغة صحف إبراهيم عليه السلام إنما أردت من ذلك معرفة اللغة التي كان يتحدث بها. هل مثلا كانت هي اللغة الآرامية؟ 3- قرأت كتابا باسم قرآت معاصرة للقرآن الكريم لمحمد شحرور، وفيما قرأت فيه في باب المواريث، يقول الكاتب بأن الله عز وجل عندما فرض للذكر مثل حظ الأنثيين إنما قيد هذه النسبة للولد كحد أعلى. ومن ثم أطلق حصة البنت. وأعطى مثالا على ذلك! وقل إذا فرضنا أن نصيب البنت 30 ونصيب الولد 60 فبإمكان البنت الحصول على رقم أعلى من الـ 30، بينما لا يحق للولد تجاوز الـ 60، بل يمكن في حالات معينة أن يهبط نصيب ذلك الولد إلى الـ 40 مثلا، وذلك حسب الظروف الشخصية لهما. وقد بين في هذا الطرح معنى الحنيفية مبينا أن الحنيفية تعني التراجح بين الحد الأعلى والحد الأدنى للحكم في الشريعة الإسلامية. وأريد معرفة صحة ذلك التحليل! مع العلم أنكم المرجع الوحيد الذي أثق به! ولكم منا جزيل الشكر.

من المعلوم أن الأعمار والآجال بيد الله، ولا يعلم الإنسان فيما إذا كان سيصبح وريثا أو مورثا ومن سيسبق الآخر إلى الموت. ولا بد أولا من التأكيد على المبادئ التالية بخصوص الميراث، والتي تستند على أدلة قرآنية واضحة لا حاجة لذكرها هنا في هذه العجالة. وهذه المبادئ هي:
1- لا يحق للمورّث أن يتلاعب بالحصص التي حددها القرآن الكريم، ولا يحق له أن يحاول اقتطاع أجزاء من ماله في حياته بنية التلاعب بهذا الميراث تحت أي ذريعة، ولكن يمكنه أن يعطي الفقراء أو المحتاجين من الذين سيرثونه بعد موته بنية الإحسان إليهم وإصلاح شئونهم ومن باب إيتاء ذي القربى. أي أن النية (والتي علمها عند الله تعالى) هي التي تحدد مشروعية ما قد يعطيه في حياته لمن سيكونون من ورثته.
2- النصيب المفروض الذي حدده القرآن الكريم للورثة يعتبر حقا لهم مهما قل المال أو كثر وبغض النظر عن تباين أحوال الورثة وعسرهم ويسرهم.
3- يحق للوارث أن يتنازل عن نصيبه أو جزء منه لغيره من الورثة، من باب الإحسان وإيتاء ذي القربى. ولا بأس إن كان في تنازله هذا قد أعطى لبعض من سيرثونه هو في المستقبل أيضا.
4- على الورثة بشكل خاص وعلى المؤمنين بشكل عام المبادرة إلى تأدية الحقوق والأمانات إلى أهلها وعدم تجاهل حقوق الآخرين ومحاولة تناسيها. لذلك فمن كان في يده حق لأخيه سواء كان من ميراث أو غيره فعليه أن يسعى إلى تأديته دون إبطاء.
5- بالنسبة للزوجة (وما يتبعها من الأولاد القاصرين) فقد أعطى القرآن الكريم لها مهلة عام كامل كي تبقى في بيتها وكي تبقى منتفعة برزق زوجها كما لو كان ما زال حيا. وعلى الزوجة بعد ذلك أن تسعى إلى إعطاء الآخرين من الورثة نصيبهم من البيت الذي تسكنه أو الرزق الذي تحصل عليه. لذلك فلا ينبغي أن يظن أحد أن الشرع قد تناسى هذه الحالة أو تجاهل الظلم المزعوم التي قد ينتج عنها!

وبالنظر إلى القضية المطروحة أمامنا نقول للزوجة:
أولا: كان ينبغي على الزوجة أن تسعى إلى إعطاء الوالدين حقهما من البيت والميراث أو دعوتهما لأخذه، ومن يدري! فقد كان من الممكن أن يتنازلا عن هذا الحق لها ولأولادها، ولكن لو أرادا أخذه فلهما ذلك. وينبغي على الزوجة وأولادها أن يرتضوا بما قرره الله من حقوق لهم ولغيرهم وألا يشعروا أن البيت بيت أبيهم وألا حقَّ لأحد فيه سواهم. فلوالديه الحق كما لهم.
ثانيا: طالما أن الوالدين لم يتنازلا عن حقهما في ميراث ابنهما المتوفى، فللأعمام الحق في الحصول على نصيبهم من هذا الميراث الذي أصبح ميراثا من والديهما بعد وفاتهما. وعلى الزوجة أن تسعى لتأدية هذا الحق متوكلة على الله تعالى ومرتضية بحكمه والله سيكون لها وليا ومعينا بإذنه تعالى.

وبالنسبة للأعمام نقول:
أولا: إن الله تعالى يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، فحصولكم على نصيبكم هو حق لا جدال فيه، أما إذا كنتم غير محتاجين لهذا الميراث، كما أن أخذه قد يلحق ضررا فادحا بأبناء أخيكم، فيمكنكم تركه من باب الإحسان ولكم الأجر والثواب. وبالنسبة لما يمكنكم أن تستزيدوا به من الخيرات، فعليكم أن تعلموا أن هنالك ما هو فوق الإحسان، وهو إيتاء ذي القربى، فينبغي عليكم أيضا أن تقدموا يد العون لأبناء أخيكم تحت هذا الباب الذي هو باب واسع يفوق الإحسان.
ثانيا: إن محاولة الحصول على هذا الميراث بنية الضرر والتضييق على زوجة أخيكم أو أولاد أخيكم لهي ظلم لأنفسكم أنتم أولا. فقد حذر القرآن الكريم كثيرا من محاولة الحصول على الحقوق بقصد الضرر أو التضييق على الآخرين، وذكر ذلك كثيرا في معرض الحديث عن جوانب العلاقة المتوترة بين الزوج والزوجة. أما إذا كنتم محتاجين لهذا الميراث، وحاولتم الحصول عليه بغير نية الضرر فلا بأس في ذلك.
ثالثا: لقد شجب القرآن الكريم الطمع والجشع وخاصة في أكل الميراث وحب المال. فلا بد أن يكون التواد والتراحم هو الأصل في علاقة المؤمنين والأقرباء منهم بشكل خاص. ولا ينبغي أن يكون منظور المؤمن بشكل خاص هو منظور الحصول على الحقوق، بل ينبغي أن ينتهز فرصة الإحسان دوما ويسعى إلى التنازل عن حقوقه في سبيل الله.
هذا فيما يخص الشق الأول من السؤال.

أما بالنسبة للتحليل الذي ذكرتِه بخصوص المواريث فلا أجد له سندا مقبولا. ولكن يبدو أن الكاتب قد حاول أن يقنن الإحسان أو يجعل له قاعدة، وهذا انحراف عن مبدأ الإحسان الذي يجب أن تكون فيه الإرادة الكاملة من قبل المحسن لوجه الله تعالى هي المحرك التي قد تجعل القوي يتنازل للضعيف عن حق له عند الضعيف. وباختصار، فإن الأحكام القرآنية وأحكام الإسلام بشكل عام لا تقيد الإحسان ولا تمنعه، بل على العكس، هي تحض عليه باستمرار. فالذي له الحق هو حرّ في التنازل عن حقوقه أو بعض منها بهذه النية لوجه الله تعالى وله الأجر والثواب العظيم إن فعل.

تميم أبو دقة


 

خطب الجمعة الأخيرة