روح القدس هي النور الذي خلقه الله تبارك وتعالى ليرافق الإنسان الساعي بصدق إلى الله ﷻ، وهذا الفيض أو النور الحافظ للإنسان هو واسطة فقط اختارها الله تعالى لإيصال رسالة للإنسان أو حمايته وتسديده، فالعمل كله لله تبارك وتعالى ولكن بواسطة هي الروح القدس الذي يتمثل بجبريل عَلَيهِ السَلام والملائكة المسيّرة لقوانين الطبيعة. فهذا هو الروح القدس أي الداعي إلى الله تعالى والخير، وبالمقابل هنالك إبليس أو الشيطان وهو المخلوق الموسوس الذي وُجدَ لاختبار الإنسان لكي يتغلب عليه وينال أجر ذلك. يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية:
"لأن قانون الله في الطبيعة يُثبت لنا بوجهٍ عام أن الفائدة التي تستمدها نفوسنا وقوانا وأجسامنا من الله، مبدأ الفيض، إنما تُستمد بواسطة بعض الأشياء الأخرى. فمثلاً صحيحٌ أن الله هو الذي يهب عيوننا نوراً ولكننا ننال ذلك النور بواسطة الشمس. كذلك إنَّ ظُلمة الليل التي تريح نفوسنا ونؤدي أثناءها حقوق نفوسنا تأتي منه ﷻ في الحقيقة، لأنه هو علّة العلل لكل مخلوق. ثم حين نرى أن هناك قانوناً محدداً منذ القِدم لفائدتنا، فإننا نجد كل فيض من فيوض الله بواسطة غيرنا -وإنْ كنا نملك في أنفسنا أيضاً قوى لقبول ذلك الفيض- كما أن أعيننا تملك نوعاً من النور لقبول الضوء، وأن آذاننا أيضاً تملك في أعصابها حواس لتلقّي أصوات يوصلها الهواء إلينا، ولكن هذا لا يعني أن قوانا مخلوقة بصورة مستقلة وكاملة بحيث لا تحتاج إلى مُعينات أو مساعِدات خارجية قط. فلا نرى مطلقاً أن قوة من قوانا الجسدية يمكن أن تعمل كما هو حقها بناء على مَلَكة فيها دون أن تحتاج إلى مُعِين أو مساعد خارجي. فمهما كانت عيوننا حادة البصر لكننا محتاجون إلى ضوء الشمس. ومهما كانت آذاننا مرهفة السمع لكننا مع ذلك بحاجة إلى الهواء الذي ينقل الصوت من خلاله ويوصله إلى آذاننا؛ فثبت من كل ذلك أن قوانا وحدها لا تكفي لإدارة آليّة بشريتنا بل نحن بحاجة إلى أنصار ومساعدين خارجيين. ولكن النواميس الطبيعية تخبرنا بأنه، وإن كان ذلك النصير والمعين الخارجي هو الله تعالى لكونه علّة العلل، ولكنه لم يدبّر قط أن يؤثر في قوانا وأجسامنا بغير واسطة؛ بل بقدر ما نمعن النظر ونستخدم فكرنا وذهننا نرى بكل صراحة ووضوح أن هناك عِلَلاً تتوسط بيننا وبين الله تعالى لنيل كل نوع من الفيض، وبواسطتها تنال كل قوة فيضاً بقدر حاجتها. فمن هذا الدليل وحده يثبت وجود الملائكة والجِنَّة أيضاً، لأن الذي نريد إثباته هو أن قوانا وحدها لا تكفي لاكتساب الخير أو الشر، بل نحن بحاجة إلى عوامل مساعدة خارجية تملك تأثيراً خارقاً للعادة، ولكن تلك الممِدَّات والمعينات ليست هي اللهُ تعالى بشكل مباشر ولا تعمل دون واسطة، بل تعمل بواسطة بعض الأسباب. إنَّ مطالعة النواميس الطبيعية كشفت لنا بالقطع واليقين أن تلك العوامل المساعدة موجودة في الخارج وإنْ لْم نعلم كنهها وكيفيتها، ولكنه معلوم يقينا أنها ليست الله تعالى مباشرة ولا هي قوانا ولا مَلكاتنا، بل هو خلقٌ آخر غير هذا وذاك، ويملك كياناً مستقلاً. وعندما نسمِّي أحدها الداعي إلى الخير فسندعوه روح القدس أو جبريل، وحين نسمي غيره داعياً إلى الشر نسميه شيطاناً وإبليس أيضا. ليس ضرورياً أن نُري روح القدس أو الشيطان عياناً لكل قلب مظلم، وإنْ كان العارفون يرونهما إذ يمكن رؤيتهما في الكشوف، غير أن المحجوب الذي لا يقدر على أن يرى الشيطان ولا روح القدس يكفيه هذا الدليل لأن وجود المؤثِّر يثبت بوجود المتأثِّر. وإذا لم يكن هذا القانون صحيحاً فكيف يمكن العثور على وجود الله تعالى إذًا؟ هل لأحد أن يُري أين الله؟ بل الْحَقُّ أنه قد اعتُرف بضرورة ذلك المؤثّر الحقيقي نظراً إلى المتأثِّرات التي هي نماذج قدرته. غير أن العارفين يرونه بعيونٍ روحانية ويسمعون كلامه بعد بلوغهم مرتبتهم الأخيرة. ولكن لا سبيل للاستدلال على وجوده أمام المحجوب إلا أن يؤمن بالمؤثِّر الحقيقي من خلال النظر فيما يحدث فيه التأثير. فبهذه الطريقة يثبت وجود روح القدس والشياطين، ولا يثبت فقط بل يُرى بكل جلاء. ولكن الأسف على الذين أنكروا وجود الملائكة والشياطين متأثرين بظلمة الفلسفة الباطلة، وبذلك أنكروا البيّنات والنصوص القرآنية الصريحة، وسقطوا لغبائهم في هوّة الإلحاد. فليكن واضحاً هنا أن هذه المسألة من المسائل التي لإثباتها أفردني الله تعالى في استنباط الحقائق من القرآن الكريم، فالحمد لله على ذلك." (مرآة كمالات الإسلام)
وقد ذكر المسيح الموعود والإمام المهدي عليه الصلاة والسلام العديد من الجوانب والمعاني الرائعة لمفهوم روح القدس في كتبه، وخاصة كتاب "مرآة كمالات الإسلام" فيمكن مراجعته لمزيد من التوسع.