السؤال: رواه مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي ) . ماتفسير هذا الحديث؟ لم افهم لان الجماعة الاحمدية تقول انه يجوز الترحم لغير المسلم ، ولماذا لم يأذن للرسول الاستغفار لامه او لعمه ؟ جزاكم الله خيرا.
يفهم البعض للأسف من هذا الحديث وغيره بأن والدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النار، وهذا فهم خاطئ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بأنه من خير قبيلة وخير أهل، وطالما أن المشركين نجس بحسب نص القُرآن الكَرِيم، فهل يجرؤ أحد على أن يصف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن أصله نجس والعياذ بالله؟ هذا كفر ووقاحة بحق سيد الخلق محمد المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! الحديث لا يقول بأن والدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النار حاشا لله بل يقول فقط بأن لا يستغفر لهما، أي أن الإنسان الذي مات قبل أن تبلغه الدعوة فإنه لايحتاج الى الاستغفار لأنه أصلاً لن يدخل النار بنص القُرآن الكَرِيم {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} ~ الإسراء 15، وقوله تعالى {لتنذرقوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون﴾ ~ السجدة، وغيرها من آيات تثبت أن أهل الفترة أو الذين لم تبلغهم دعوة الإسلام سواء أتت بعدهم أو لم تصل إليهم فلا مؤاخذة عليهم عند الله تبارك وتعالى، فكيف الحال باهل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم خير البشر كما في الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك:
"عن عمرو بن دِينار عن عبدِالله بن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: "بينما نحنُ جلوسٌ بفِناء رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذ مرَّتِ امرأةٌ فقال رجلٌ مِن القوم: هذه ابنةُ محمد، فقال أبو سفيان: إنَّ مَثَل محمد في بني هاشم مَثَلُ الرَّيحانة في وسط النَّتَن، فانطلقتِ المرأةُ فأخبرتِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فخرَج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُعرَف الغضبُ في وجْهِه، فقال: [ما بالُ أقوال تَبلغُني عن أقوامٍ! إنَّ الله تبارك وتعالى خَلَق السمواتِ فاختار العُليا فأسكنها مَن شاء مِن خَلْقه، ثم خَلَق الخَلْق فاختار مِن الخلْق بني آدم، واختار مِن بني آدم العَرَبَ، واختار مِن العرب مُضرَ، واختار مِن مُضر قريشًا، واختار مِن قريش بني هاشم، فأنا مِن بني هاشم مِن خيارٍ إلى خيارٍ.• (رواه الحاكم في المستدرك)
لاحظ كيف غضب النبي ﷺ حين سمع بتطاول الناس على أمه وأبيه رَضِيَ اللهُ عَنْهُما! فكيف يجرؤ من يدّعي الإسلام أن يصف أُمّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبأه بالكفر أي النجاسة والخلود في النار؟!
إذن الحديث في صحيح مسلم على فرض صحته لا يقول بانهما في النار والعياذ بالله بل فقط بعدم الاستغفار لهما، لأنهما ليسا بحاجة لذلك، إذ من مات قبل أن تبلغه الدعوة فلا يدخل النار.
أما صحة الحديث نفسه فقد تكلم عنها بعض أهل العلم ومنهم الإمام السيوطي رحمه الله كما يلي:
"فإن قلت: بقيت عقدةٌ واحدةٌ وهي ما رواه مسلمٌ عن أنسٍ أن رجلاً قال: يا رسول اللَّه، أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفَّى دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار. وحديث مسلم وأبي داود عن أبي هريرة أنه ﷺ استأذن في الاستغفار لأمه فلم يُؤذن له. فاحلل هذه العقدة. قُلْتُ: على الرأس والعين، والجواب: أن هذه اللفظة، وهي قوله: إن أبي وأباك في النار لم يتفق على ذكرها الرواة، وإنما ذكرها حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنسٍ، وهي الطريق التي رواه مسلمٌ منها، وقد خالفه معمر عن ثابت، فلم يذكر: إن أبي وأباك في النار، ولكن قال: إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار، وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده ﷺ بأمرٍ البتة، وهو أثبت من حيث الرواية، فإن معمرًا أثبت من حمادٍ، فإن حمادًا ُتكلِّم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسَّها في كتبه، وكان حمادٌ لا يحفظ فحدَّث بها فوهم، ومن ثمَّ لم يخرج له البخاري شيئًا، ولاخرَّج له مسلم في الأصول إلاَّ من حديثه عن ثابتٍ.. وأمَّا معمر فلم يتكلَّم في حفظه، ولا استنكر شيءٌ من حديثه، واتفق الشيخان على التخريج له، فكان لفظه أثبت." (مسالك الحنفا في والدي المصطفى، 2/432- 435)
ثم ذكر السيوطي رحمه الله شاهدًا لحديث معمر من حديث سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه. وبهذا تسقط دعوى الإجماع التي يرددها البعض حول هذه المسألة.
كذلك تناول مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام هذه النقطة في شرح قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِالرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} ~ الشعراء 218-220 فقال حضرته:
"كان الله تعالى هو من يراك منذ أن كنت تتنقل كبذرة في أصلاب الصالحين إلى أن استقررتَ في بطن والدتك المعصومة الصالحة "آمنة"." .(ترياق القلوب، الخزائن الروحانية المجلد 15، ص 281)
أما الروايات المختلفة حول هذه المسألة فقد قال عنها المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام:
"كان ذلك الوقت وقت جمع الروايات. ورغم أنهم أدرجوا الروايات بعد التعمق والتدبر فيها، إلا أنهم لم يأخذوا الحيطة الكاملة. كان ذلك الوقت لجمع الروايات، أما الآن فقد حان النظر والتدبر فيها.". (الملفوظات, ج 5, ص 348-349)