السؤال: السلام عليكم ،عندما اقرا سورة الاسراء استغرب دائما من هذه الاية ما هو تفسيرها عندكم هذه الاية "وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورً"
جاء في التفسير الكبير لهذه الآية:
"شرح الكلمات:
حجاباً: الحجاب: مصدرُ حجَب يحجُب. والحجاب: السترُ؛ وكلُّ ما احتُجبَ به (الأقرب).
التفسير: لهذه الآية مفهومان؛ أولهما: أنك حين تقرأ القرآن الكريم نجعل بينك وبين الذين يكفرون بالآخرة حجاباً خفيًّا لا يستطيعون رؤيته. وقد وصف الحجاب بكونه [مستورًا] كيلا يظن أحد من الجاهلين أنه حجاب مادي.
وقد قال البعض أن الله تعالى كان يلقي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجاباً يختفي به عن أعين ابناس، وقد ساقوا بهذا الصدد قصة عن زوجة أبي لهب. قالوا: لما نـزلت سورة المسد وسمعت هذه المرأةُ قوله تعالى [في جيدها حبلٌ من مَسَدٍ] استشاطت غضبًا، وأسرعت إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تريد إيذاءه. فدعا ربَّه ليحميه من شرها، فجعل الله بينها وبين النبي ﷺ حجاباً، فلم تستطع رؤيتَه ﷺ ولا إيذاءَه (الدر المنثور، والرازي).
هذه خرافة من الخرافات، إذ كيف يمكن للرسول ﷺ الذي لم يخش الدنيا كلها أن يخاف هذه المرأةَ الضعيفة حتى يضطر اللهُ تعالى لإخفائه في الحجاب!؟ هذا غير معقول، ويستحيل أن يقبله أي من العقلاء. إن الذين يذكرون هذه الرواية لا يفكرون أن الله تعالى قد وصف هذا الحجاب بكونه مستورًا.. أي خفيًّا عن الأعين، ولكنهم يقولون أنه كان مرئيًّا، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مختفيًا وراءه!
والمفهوم الثاني لهذه الآية هو أن ذلك الحجاب أيضًا مستور وراء حجاب آخر.. بمعنى ليس بينك وبين الكفار حجاب واحد، بل حُجُب كثيرة مِن حميّة قومية وأموال طائلة وأخلاق ذميمة وما إلى ذلك.. أي تارةً يمنعهم من الإيمان تفكيرُهم أنهم لو آمنوا لاضطروا لترك عشيرتهم وقومهم، وتارة أخرى يحول دون إيمانهم خوفُهم على أموالهم؛ وأحيانًا يفكرون أن الإيمان سيتطلب منهم ترك الكثير من رذائل الأخلاق والعادات التي قد تعوَّدوا عليها. فالله تعالى قد نبه نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا أنهم لن يصدّقوك ما لم يزيلوا هذه الحجب، ولكن المشكلة أن هذه الحجب خافية عليهم، فلا يستطيعون رؤيتها؛ ويظنون أن العيب في القرآن، إذ يقولون: لو كان خيرًا لتأثرت به قلوبنا على الفور. ولكن الحق أن الصدأ قد رانَ على قلوبهم، فيرون القبيح جميلاً، والجميل قبيحًا، فأصبح إيمانهم بعيدَ المنال.
وهذا المفهوم الثاني تؤكده أيضًا الآيةُ التالية: [وجعلنا على قلوبهم أَكِنّةً].. أي ليست قلوبهم في غطاء واحد، بل هي في أغطية كثيرة. " (التفسير الكبير)