loader
 

تاريخ الجلسة السنوية وتجليات الوفاء بالوعود الإلهية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تاريخ الجلسة السنوية وتجليات الوفاء بالوعود الإلهية

يأتيك مِن كلِّ فَجٍّ عميقٍ، يأتون مِن كلِّ فَجٍّ عميقٍ

(أبو أمل)

في عام 1880م، انبثق من بلدة قاديان المغمورة نبع في شكل كتاب "البراهين الأحمدية" الذي سرعان ما تحوّل إلى نهر عظيم من المعرفة والإيمان. كانت كتب وإعلانات حضرة سلطان القلم، المسيح الموعود u هي التي نسجت هذا البحر الواسع من الحكمة. وكانت الخطب الربانية والمجالس الروحانية لتلك الروح النقية هي التي أحدثت تحولات جذرية في القلوب وجلبت الإيمان من أعلى السماوات. هذا كله كان من تجليات النبوءة التي تقول: "يفيض المال" (الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في نزول عيسى بن مريم) أي: إن المسيح الموعود سيغمر الناس بخزائن العلوم والمعارف الروحية.

في عام 1882م، تلقى حضرة المسيح الموعود u أول إلهام له بشأن بعثته. بعدها مباشرة، جاءته الإلهامات الثلاثة التالية، وكلها في نفس العام. كان لهذه الإلهامات ارتباط وثيق بالجلسة السنوية، وهي كالتالي:

الأول: يأتيك مِن كلِّ فَجٍّ عميقٍ، يأتون مِن كلِّ فَجٍّ عميقٍ. (البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية، ج1، ص 267)

شرح المسيح الموعود u هذا الوحي كالآتي: "سيأتيك ذلك النصر مِن كل طريق بعيد يصبح عميقًا من كثرة القادمين إليك. سيأتيك الناس بكثرة حتى تصبح الطرق التي يأتون عبْرَها عميقة محفرة". (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية، مجلد 22، ص 77)

أما الإلهامان الثاني والثالث، فقد ذكرهما حضرة المسيح الموعود u في كتابه "السراج المنير: "... ولا تصعِّرْ لخلق الله، ولا تسأَمْ من الناس"... "ووسِّع مكانك". يوضح حضرة المسيح الموعود u هذه الإلهامات قائلا: "فقد صرَّح في هذه النبوءة بجلاء أنه سيأتي عليك زمان يزدحم عندك الزُوّار، حتى سوف يصعب على كل واحد منهم أن يقابلك، فلا تملّ حينها ولا تتعبْ من مقابلات الناس. سبحان الله ما أعظم شأنَ هذه النبوءة! وقد صدرت قبل 17 عاما من اليوم في زمن كان يحضر مجلسي ربما رجلان أو ثلاثة وذلك أيضا نادرا، فكم يترشح منه علم الغيب الإلهي!" (السراج المنير، الخزائن الروحانية، ج 12، ص 73)

كتاب "فتح الإسلام" الذي صدر في عام 1890م هو أحد المؤلفات العظيمة لإمام الزمان. ذكر حضرته في هذا الكتاب أنه خلال السنوات السبع الماضية، توافد إلى قاديان أكثر من 60 ألف زائر، وتلقى حضرته أكثر من 90 ألف رسالة ورد عليها، كما نُشر 20 ألف إعلان. (فتح الإسلام، الخزائن الروحانية، ج 3، ص 13،14،23)

ولإعطاء هذا الجهد الطوعي شكلا جماعيا ومنظما، وضع المسيح الموعود u أساس الجلسة السنوية في عام 1891م بهدف تعليم وتدريب الجماعة الأحمدية، والدعوة إلى الله، وتحقيق أهداف دينية أخرى.

الجلسة السنوية الأولى في تاريخ الجماعة

انعقدت الجلسة السنوية الأولى في 27 ديسمبر 1891م في مسجد الأقصى بقاديان، بحضور 75 شخصا فقط. قرأ حضرة المولوي عبد الكريم السيالكوتي في هذه الجلسة مقالا كتبه حضرة المسيح الموعود u بعنوان "القرار السماوي"، حيث دعا فيه علماء الدين المعارضين إلى مواجهة تحت أربعة شروط، لكن لم يتمكن أي من المعارضين من مواجهته. وفي نفس العام 1891م، نُشر "القرار السماوي"، وأصدر حضرته u إعلانا إلى الجماعة في 30 ديسمبر 1891م، يفيد بأن الجلسة السنوية للجماعة ستعقد في الأسبوع الأخير من ديسمبر كل عام في أيام 27 و28 و29 ديسمبر. (كتاب "تعريف بالجماعة الأحمدية"، ط 2010، ص 281-282) ذكر حضرته أهداف الجلسة ومقاصدها في هذا الكتاب، وكذلك البركات المرتبطة بها وقال:

"سوف نشتغل أثناء هذا الاجتماع في بيان الحقائق والمعارف الضرورية للزيادة في الإيمان واليقين والمعرفة. سوف ندعو بتركيز خاص قدر المستطاع في حضرة الله أرحم الراحمين أن يجذبهم إليه ويتقبلهم ويُحدث فيهم تغيرا طيبا. وثمة فائدة مؤقتة لهذه الجلسات أن كل من ينضم إلى الجماعة من الإخوة الجدد في كل سنة جديدة يستطيعون التعرف على إخوتهم القدامى بحضورهم على الموعد المحدد ثم تزداد بينهم علاقة الود والتعارف وتزدهر. كما سندعو في هذه الجلسة لإخواننا الذين غادروا هذه الدار الفانية في هذه الفترة. سوف نعمل -في حضرة الله جلَّ شأنُه- لتوحيد الإخوة من الناحية الروحانية ورفع الجفاء والغربة والنفاق من بينهم". (القرار السماوي، الخزائن الروحانية، ج 4، ص 352)

التاريخ العالمي للجلسات السنوية: نظرة موجزة

عقدت الجلسة السنوية الثانية في زمن المسيح الموعود u بتاريخ 28 ،27 ديسمبر عام 1892م، وشارك فيها 500 فرد من أفراد الجماعة، حضر منهم 327 من خارج قاديان. تم إلغاء الجلسة السنوية التي تلتها عام 1893م لبعض الأسباب، واستمر انعقاد الجلسات السنوية في المسجد الأقصى خلال الفترة من 1894م حتى 1900م. في عام 1896م، تم إلغاء الجلسة السنوية في قاديان بسبب المؤتمر الأعظم للأديان الذي عقد بلاهور في ديسمبر، حيث تم قراءة المقال "فلسفة تعاليم الإسلام" فيه. وكانت الجلسة التي انعقدت بتاريخ 26،27،28 ديسمبر عام 1907م في المسجد الأقصى هي آخر جلسة في زمن المسيح الموعود u. مرت سبعة عشر عاما للجلسة السنوية في حياة حضرة المسيح الموعود u، من بينها ثلاث جلسات تأجلت في الأعوام 1893 و1896 و1902، وكانت هناك أربع عشرة جلسة شارك فيها حضرة المسيح الموعود u بنفسه.

بعد وفاة حضرته u، عقدت ست جلسات سنوية في عهد الخليفة الأول t بالتتابع منذ عام 1908م وحتى عام 1914م. انعقدت الجلسة السنوية لعام 1909م في الفترة من 25 إلى 27 مارس 1910م لبعض الأسباب. أما الجلسة السنوية لعام 1910 فقد انعقدت في الفترة من 25 إلى 27 ديسمبر 1910م. وبذلك، انعقدت خلال عام 1910م جلستان. ثم بدأ زمن الخليفة الثاني t، والذي امتدت خلافته من 13 مارس 1914م حتى 8 نوفمبر 1965م، وفي هذه الفترة عقدت 52 جلسة سنوية. عُقدت 33 جلسة سنوية في قاديان قبل تأسيس باكستان. من بين هذه الجلسات، عُقدت 32 جلسة في مسجد النور والساحة الملحقة بها، بينما عُقدت جلسة عام 1941 في مسجد الأقصى بقاديان. آخر جلسة قبل تأسيس باكستان كانت في عام 1946م في مسجد النور بقاديان. بعد تأسيس باكستان، عُقدت 19 جلسة سنوية في عهد حضرة المصلح الموعود t، وكانتا جلستي عامي 1947م و1948م الوحيدتين اللتين عُقدتا في لاهور في شهر مارس. تحمل جلسة عام 1944م أهمية كبيرة من عدة نواح، لأن في هذا العام أوحى الله إلى حضرة الخليفة الثاني t بأنه هو المصلح الموعود.

وفي زمن الخليفة الثالث رحمه الله تعالى، الذي امتد من عام 1965م حتى عام 1982م، عقدت ست عشرة جلسة، عُقدت جميع هذه الجلسات في ربوة. جلسة عام 1966م أُجلت بسبب شهر رمضان المبارك، ثم عُقدت في الفترة من 26 إلى 28 يناير 1967م. كذلك، أُجلت جلسة عام 1967م إلى الفترة من 11 إلى 13 يناير، وعُقدت جلسة عام 1968م من 26 إلى 28 ديسمبر. بهذا، عُقدت جلستان في عام 1968م. آخر جلسة في عهد حضرة الخليفة الثالث t عُقدت في عام 1981.

ثم جاء زمن الخليفة الرابع رحمه الله تعالى، الذي تولى مهام الخلافة في عام 1982م، وقد عقدت جلستان فقط في ربوة في عامي 1982م و1983م، ثم توقف انعقاد الجلسات في ربوة بسبب القانون الغاشم وقتها. بعد هجرة الخليفة الرابع إلى لندن، اتخذت الجلسات السنوية منحى جديدا وصارت تعقد في لندن بشكل أكبر وأوسع من ذي قبل.

في عام 1984م، عندما جاء حضرة خليفة المسيح الرابع رحمه الله تعالى إلى لندن تحت مشيئة الله الخاصة، حصلت الجلسات السنوية في بريطانيا على صفة دولية ومركزية. عُقدت الجلسة السنوية لعام 1984م في 25 و26 أغسطس .قام حضرته بإلقاء الخطاب الختامي في هذه الجلسة. وكانت الجلسة السنوية التي عُقدت من 5 إلى 7 أبريل 1985م هي الجلسة الأولى التي عقدت في إسلام آباد، تيلفورد، سري، لندن. شارك فيها ممثلون من أكثر من 48 دولة. كانت هذه الجلسة السنوية هي البداية للجلسات الدولية في لندن، حيث ألقى حضرته خطابات في جميع الأيام الثلاثة. أما الجلسة السنوية لعام 1987م فكانت تتميز بأنها شهدت لأول مرة رفع أعلام مختلف الدول. كانت الجلسة السنوية لعام 1989م ذات أهمية خاصة لأنها كانت جلسة اليوبيل التي احتفلت بمرور مائة عام على تأسيس الأحمدية. وكان من مميزات هذه الجلسة أيضًا مشاركة حضرة المولوي محمد حسين t، الصحابي لحضرة المسيح الموعود u، والذي دُعي خصيصا من قبل حضرة أمير المؤمنين لهذه الجلسة. من السمات الخاصة للجلسة السنوية في بريطانيا إطلاق سلسلة البيعة العالمية. في جلسة عام 1993م، قام حضرة أمير المؤمنين بإطلاق هذه السلسلة، وبواسطة MTA شارك فيها الملايين من الأحمديين حول العالم، ولا يزالون يشاركون حتى الآن. (كتاب "الجلسة السنوية"، لمؤلفه عطاء المجيب راشد، ط 2022، ص 49-56)

اليوم نحن في العهد المبارك للخليفة الخامس أيده الله بنصره العزيز ونرى الجلسات السنوية تعقد في كثير من البلدان، غير أن الجلسة السنوية التي تعقد في بريطانيا تحتل مكانة عظيمة دون غيرها، لأن حضرة أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز يشارك فيها دوما، مما يمنحها صفة مركزية. وقد امتد أثر هذه الجلسة وانتشرت أنوارها في الجلسات الأخرى التي تعقد في العديد من دول العالم. وبقيادة أمير المؤمنين، حضرة الخليفة الخامس أيده الله تعالى بنصره العزيز ودعواته المباركة، تحققت الجماعة الأحمدية العالمية إنجازات عظيمة وتقدما ملموسا في كل أرجاء العالم، سواء في المدن أو القرى. وتبرز هذه الإنجازات في مجلاتنا وصحفنا وقناة MTA، حيث نشهد يوميا تطورا ونجاحات تُثبت قوة ووحدة الجماعة تحت هذه القيادة الرشيدة. ونرى كل يوم تحقيق وعود الله تعالى لحضرة المسيح الموعود u. نسأل الله تعالى أن يوفقنا للاستفادة من هذه الجلسات الروحانية المباركة. آمين.

 

 

 

  


زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.
 

خطب الجمعة الأخيرة