loader
 

خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

Orange Dot سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين
Orange Dot مفهومنا: كمال الرسول صلى الله عليه وسلم.. كمال الإسلام.. كمال القرآن.. كمال الأمة
Orange Dot معنى الخاتم لغة
Orange Dot معنى "خاتم النبيين" على ضوء اللغة وخصوصيته
Orange Dot القرآن الكريم يتوافق مع الإستدلالات المذكورة
Orange Dot الفهم التقليدي لخاتم النبيين
Orange Dot المعنى السياقي لـ(خاتم النبيين)
Orange Dot الأحاديث الشريفة تناقض الفهم التقليدي
Orange Dot المعنى الحقيقي لـ (خاتم النبيين)
Orange Dot حديث اللبنة الأخيرة
Orange Dot حديث "إني آخر الأنبياء"
Orange Dot قصور الفهم التقليدي ومساسه بالخاتمية
Orange Dot سؤال هام
Orange Dot الخاتمية ونـزول عيسى عليه السلام وإشكالات تواجه الفهم التقليدي
Orange Dot أسئلة أخرى
Orange Dot الزمان يدعو مصلحًا سماويا
Orange Dot تشابهت قلوبهم
Orange Dot النبوة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم
Orange Dot آية الاصطفاء
Orange Dot آية أخذ الميثاق من النبي صلى الله عليه وسلم
Orange Dot آية "وآخرين منهم"
Orange Dot مهلا.. فالنبوة ليست مفتوحة لكل من هب ودب
Orange Dot أقوال الإمام المهدي في تبيان مفهوم خاتم النبيين

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين

من أكثر الموضوعات التي أُسيء فهمها في عقائد الجماعة الإسلامية الأحمدية هو موضوع ختم النبوة، حتى إنهم يتهموننا بعدم الإيمان بكون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين. ولما كان مؤسس الجماعة عليه السلام قد أعلن صراحة أنه يتلقى الوحي من الله تعالى وأنه عز وجل قد شرفه بكلامه، فقد وقع بعض علماء زمانه في نفس المفهوم الخاطئ الشائع بين العامة، فاتهموه بإنكار كون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.

ثم جاءت أجيال أخذوا عنهم وقرءوا لهم وكرروا اتهامهم. وذلك بالرغم من أن حضرته قد صرح مرارًا وتكرارا أنه يؤمن بأن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين. فمثلاً يقول حضرته عليه السلام:
"تذكروا هنا جيدا أن التهمة التي تُلصَق بي وبجماعتي أننا لا نؤمن بكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتَم النبيين، إنما هي افتراء عظيم علينا. إن القوة واليقين والمعرفة والبصيرة التي نؤمن ونتيقن بها بكون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، لا يؤمن الآخرون بجزء واحد من المائة ألف جزء منها، لأن ذلك ليس بوسعهم. إنهم لا يفهمون الحقيقة والسر الكامن في مفهوم ختم النبوة لخاتم النبيين. لقد سمعوا هذه الكلمة من الآباء والأجداد ولا يعرفون حقيقتها ولا يعرفون ما هو ختم النبوة وما هو المراد من الإيمان به. ولكننا نؤمن بكون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين بالبصيرة التامة التي يعلمها الله. لقد كشف الله تعالى علينا حقيقة ختم النبوة بحيث نجد من شراب المعرفة الذي سُقينا إياه لذةً لا يتصورها أحد إلا الذين سُقُوا من هذا النبع."

(الملفوظات ج1 ص 342 طبعة لندن)


مفهومنا: كمال الرسول صلى الله عليه وسلم.. كمال الإسلام.. كمال القرآن.. كمال الأمة

إن مفهومنا واعتقادنا بأن نبينا محمدا المصطفى صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، مرتكز بشكل متين على القرآن الكريم، ونابع من فهمنا لمقامه العظيم ومكانته السامية وكماله على الرسل وعلى الخلق أجمعين. ولقد منحه الله تعالى هذا اللقب، الذي لا يمكن أن يشاركه أو ينافسه فيه أحد، معبرا عن تلك المكانة السامية التي طبعت كل ما يخصه وما يتبعه صلى الله عليه وسلم بالكمال أيضا.

ونرى أن مفهوم خاتم النبيين يلخص كمال الرسول صلى الله عليه وسلم، وكمال الإسلام، وكمال القرآن الكريم وشريعته وتعاليمه، وكمال الأمة الإسلامية وتفردها على غيرها من الأمم السابقة. وهذه الركائز الأربع بمجملها هي أركان خاتمية المصطفى صلى الله عليه وسلم.

يقول حضرة المؤسس عليه السلام في تبيان كمال المصطفى صلى الله عليه وسلم ما تعريبه:
"إن نبينا صلى الله عليه وسلم جامعٌ لجميع الكمالات المتفرقة، حيث قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {فبِهُدَاهم اقْتَدِه} (الأنعام:91)، أي اقتدِ كلّ نوع من الهدى الذي أُعطِيَه الأنبياءُ السابقون كلهم. ومن البديهي أن الذي يجمع في نفسه تلك الهدايات المتفرقة يكون كاملا شاملا مكمَّلا."

(عين المسيحية، الخزائن الروحانية ج20 ص 381)



ويقول حضرته عليه السلام في هذا السياق أيضا ما تعريبه:
"ليس تحت السماء الآن سوى نبي واحد ورسول واحد أي محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي هو أعلى وأفضل من جميع الأنبياء، وهو أتم وأكمل من جميع الرسل، وهو خاتم الأنبياء وخير الناس، الذي بفضل اتباعه يفوز الإنسان بالاتصال بالله وترتفع الحجب المظلمة، وفي هذا العالم تظهر آثار النجاة الحقيقية."
(البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية ج 1 ص 557 الهامش رقم 3)



ويقول في موضع آخر:
"الحق الذي لا يحوم حوله أدنى شك هو أنه لا أحد من الأنبياء يمكن أن يتساوى مع النبي صلى الله عليه وسلم في كمالاته القدسية، حتى لا مجال للملائكة أيضا للتساوي معه صلى الله عليه وسلم ناهيك عن غيرهم."
(البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية ج 1 ص 268)



وحول كمال الدين وتمامه يقول حضرته عليه السلام مستدلا بالقرآن الكريم ما تعريبه:
"لقد أعلن القرآن الكريم بنفسه: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ... ) أي يجب أن تتمسكوا بالحقيقة التي تتضمنها كلمة "الإسلام" والتي شرحها الله تعالى بنفسه من خلال كلمة "الإسلام". ففي هذه الآية صراحةٌ أن القرآن الكريم وحده أعطى تعليما كاملا، وأن عصرَ القرآن كان جديرا بأن يعطَى فيه تعليمٌ كامل. فإعلان التعليم الكامل الذي قام به القرآن كان من حقه وحده، ولم يقم أي كتاب سماوي آخر بمثل هذا الإعلان."
(مقدمة البراهين الأحمدية، الجزء الخامس، الخزائن الروحانية ج 21 ص 4)



وحول كمال القرآن الكريم النابع من كون المصطفى صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين يقول حضرته عليه السلام ما تعريبه:
"إن كلمة "خاتم النبيين" التي أُطلقت على النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي بحد ذاتها - بل تتضمن هذا المعنى - أن يكون الكتاب الذي نـزل عليه كتابًا كاملاً، وأن توجد فيه الكمالات كلها، وبالفعل توجد فيه هذه الكمالات كلها."
(الملفوظات ج 3 ص36)



وحول كمال الأمة وخصوصية أفرادها الصالحين ببركة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم قال حضرته عليه السلام ما تعريبه:
"ثمة جانب آخر من كون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وهو أن الله تعالى قد أودع بمحض فضله مواهبَ عظيمة في أفراد أمته، حتى ورد في الحديث: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل." وبالرغم من أن لعلماء الحديث كلاما في هذا الحديث إلا أن نور قلبنا يعتبره صحيحًا ونقبله بلا أدنى تردد."
(جريدة الحكم عدد 17- 24 أغسطس 1904)



وهذا المفهوم يقتضيه مفهوم الخاتمية ويؤكد عليه القرآن الكريم، حيث يقول تعالى:


(آل عمران: 110)


معنى الخاتم لغة

ومن المعلوم أن الفعل "ختم" في اللغة يعني أنهى وأغلق، كما يعني أيضا طبع؛ أي ترك طابعه في شيء أو أعطاه من طابعه أو أثّر فيه. أما "خاتَم" أو "خاتِم" في اللغة فتعني: ما يوضع في الإصبع للزينة؛ ما يستخدم للختم أو التصديق؛ أو ما يستعمل للختم أو الإغلاق.

وإذا أضيف "خاتَم" أو "خاتِم" أو "خاتِمة" إلى جمع العقلاء على سبيل المدح فلا يكون معناه إلا الأفضل والأكمل الذي جاء بما لم يأتِ ولن يأتي أحد من قبله أو من بعده بمثله. كذلك تعني مَن جَمَع أفضل ما كان للسابقين من أعمال وآثار ومحاسن، ومن ثم صاغها في أزين صورة، ثم ترك أثره وطابعه فيمن جاء بعده. وبهذا يكون قد وصل الكمال فيما نُسب إليه بحيث لا يصل إلى مرتبته أحد ممن كان قبله أو ممن جاء بعده. وهنالك أمثلة يصعب حصرها لهذه الصيغة بهذا المعنى في كتب التراث والآثار.

ونستطيع أن نرى في الأمثلة اللغوية أن صفة الخاتم قد أطلقت على شعراء وأولياء ومحققين وكتاب وغيرهم، وهذا لا يعني أن أيًّا من هذه الصفات أو الأعمال أو المراتب قد انتهت ولم يبق في الدنيا أحد يقوم بها أو يتبوءها.

معنى "خاتم النبيين" على ضوء اللغة وخصوصيته

وبناء على ما سبق لا بد أن نفهم "خاتم النبيين" كما هي استعمالاتها في اللغة والآثار. وهكذا تكون "خاتم النبيين" تعني أفضلهم وأكملهم وهو الذي قد وصل إلى الكمال في النبوة بحيث لا يصل إلى مرتبته أحد ممن كان قبله أو ممن سيأتي بعده. وهو من جَمَع أفضل آثار الأنبياء السابقين ومن ثم صاغها في أزين صورة، ثم ترك أثره وطابعه فيمن جاء بعده.

إلا أن لختم النبوة خصوصية يمكن فهمها من خلال ما يلي:

  • أولا: إن هذا اللقب قد أطلقه الله تعالى على الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا يعني أنه لقب ثابت دائم لا يمكن أن يزول، كما لا يمكن أن يشاركه فيه أحد، فهو خاتم النبيين مطلقا. بينما يحتمل أن يسمى أكثر من إنسان خاتم الشعراء أو خاتم الأولياء أو خاتم المحققين. وهذا لأن اللقب قد أطلق عليه من قِبل البشر من خلال مقارنته بغيره في زمنه أو في محيطه، وهو محدود ونسبي بسبب علمهم المحدود.


  • ثانيا: بما أن خاتمية الرسول صلى الله عليه وسلم هي خاتمية دائمة مطلقة، فإن هذا يعني أنه لم يكن قبله نبي كمثله؛ كما لا يمكن أن يأتي بعده نبي كمثله مطلقا.


  • ثالثًا: وحيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بُعث بدين الإسلام من الله تعالى، فإن خاتميته المطلقة تقتضي أن يكون دينه هو الأكمل، وكتابه هو الأكمل، وشريعته هي الأكمل، وأمته هي الأكمل.


  • رابعًا: بما أن الإسلام هو الدين الكامل والقرآن هو الكتاب الكامل وأمته هي الأمة الكاملة، فلا دين بعد الإسلام، ولا كتاب بعد القرآن، ولا أمة بعد الأمة الإسلامية. ولهذا فإنه لن يأتي الآن نبي بدين جديد، ولا بكتاب جديد، ولا بأمة جديدة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.
  • فهل يمكن أن يأتي نبي بحيث يكون أدنى منـزلة من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمكن أن يأتي نبي يكون تلميذًا له صلى الله عليه وسلم، ولا يأتي بدين ولا كتاب ولا بأمة جديدة؟ وماذا سيفعل إن لم يأتِ بدين أو كتاب أو لم يقم بتأسيس أمة جديدة؟ الجواب نعم بالطبع، وهذه هي الصفة الغالبة على معظم النبيين. فقليل جدا منهم من جاء بدين جديد وشرع جديد، وقليل منهم من أنشأ أمة جديدة، وإنما جاء معظمهم لتجديد الدين السابق وإعادة الناس إلى دينهم الأصلي. وبمراجعة تاريخ الأنبياء يتضح هذا جليا.

  • خامسًا: إن خاتمية النبوة تفرض أن يخضع كل نبي يأتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم لدينه وأن يلتزم بكتابه وشريعته وأن يكون من أمته، ولن يظهر نبي مستقل خارج هذا النطاق مطلقا.


  • سادسًا: إن خاتمية النبوة تفرض أن يكون هنالك من يصلون إلى مقام النبوة في الأمة الإسلامية كدليل على كمال الأمة الذي هو أحد ركائز ختم النبوة. وليس مقبولا مطلقا أن يقال بأن الأمة ستكون أفضل الأمم وأرفعها بينما لا يصل أفرادها إلى الدرجات العليا التي كان يصلها من كان قبلهم. فأي أفضلية بقيت في هذه الأمة إذن؟! وهكذا نجد أن مفهوم خاتم النبيين يحدد ملامح النبوة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل واضح وجلي. وهذا المفهوم ما كان إلا لكي يبين علو شأن النبي بين الأنبياء من ناحية، واستمرار النبوة من بعده من ناحية أخرى وعدم انقطاعها. ولكن النبوة قد قُيدت بشروط لم تكن موجودة سابقا، وأصبحت محصورة في الأمة الإسلامية.

القرآن الكريم يتوافق مع الإستدلالات المذكورة

وبالعودة إلى القرآن الكريم سنجد أن كل هذه الاستنتاجات متوافقة معه تماما.
إن لقب "خاتم النبيين" قد ذكره الله في القرآن الكريم في سورة الأحزاب، حيث يقول تعالى:

(الأحزاب: 41)


لقد وردت هذه الآية في معرض الإشادة بالرسول وذكر سموه ورفعته ومكانته. ومن أهم وجوه التفسير المقبولة لهذه الآية هي ما يلي:
  • الأول: نفي صفة (أبتر) عنه صلى الله عليه وسلم، وهي التي كان الكفار يعيّرونه بـها، حيث جعله اللهُ تعالى أبا للمؤمنين جميعا، بصفته رسول الله، كما جعله أبا للأنبياء جميعا، بوصفه خاتمهم، أي أفضلهم وأكملهم وسيدهم. إن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أبناء من الرجال من صلبه، ولكنه ليس بأبتر؛ بل عوضا عن هذه الأبوة المادية فهو أبٌ للمؤمنين وهو أولى بهم من أنفسهم وهو أبوهم وأزواجه أمهاتهم. وهذا ما يؤكده القرآن الكريم في نفس سورة الأحزاب التي تتضمن آية خاتم النبيين، حيث يقول تعالى:
    (الأحزاب: 7)

    • وكونه صلى الله عليه وسلم في تلك المنـزلة بالنسبة للمؤمنين، فالأمر لا يقتصر على ذلك، فأبوته تمتد إلى النبيين أيضا بصفته أفضل النبيين وأكملهم وسيدهم.


    • الثاني: انقطاع أبوته بالدم لأي كان، واتصاله بالمؤمنين برابطة الأبوة الروحية التي شرطها الخضوع له، كما أن النبيين خاضعون له بصفته أفضل النبيين وأكملهم وسيدهم.
      إن النبي صلى الله عليه وسلم ليس برجل عادي منكم، وهو ليس ملزما بكم برابطة لا انفكاك منها كرابطة الأبوة بالدم، ولن يكون مرتبطا بكم بأية رابطة إن لم تكونوا تابعين له وخاضعين له خضوع الولد الصالح لأبيه. وهذا ما ينطبق على كل المؤمنين وينطبق على النبيين أيضا. فالأنبياء خاضعون له بصفته أفضل النبيين وأكملهم وسيدهم.


    • الثالث: تساوي المؤمنين في انقطاع أبوته بالدم لأيٍ كان، وفتح باب التنافس أمامهم لكي تنالهم بركات النبوة بهذه الأبوة الجديدة بصفته أفضل النبيين وأكملهم وسيدهم.
      إن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بأبي أحد من رجالكم، أي أنه ليس له أبناء يحوزون شرف أبوته صلى الله عليه وسلم لهم وينالون بركات النبوة منه بالدم وتكون لهم بهذا ميزة لا تكون لغيرهم من المسلمين. ولكن المجال مفتوح أمام المؤمنين ليحصلوا على هذه البركات بصفته صلى الله عليه وسلم أفضل النبيين وأكملهم وسيدهم.
    وهكذا نرى أن هذه المعاني تلائم هذه الوجوه وتزيد التفسير وضوحا وجمالا. كذلك فإن هذه المعاني تشير إلى إمكانية بل وجوب بعثة الأنبياء في الأمة الإسلامية بسبب صفة خاتم النبيين. ففي النقطة الأولى سيصبح بقاء النبوة لازما لنفي صفة الأبتر عن الرسول، وفي الثانية فإن ظهور الأنبياء الخاضعين له سيكون سببا في رفعة منـزلته، أما الثالثة فإنها تبيّن أن الخاتمية تفرض أن تنال الأمة بركات النبوة ومنـزلتها.

الفهم التقليدي لخاتم النبيين

يصرّ الفهم التقليدي على أن "خاتم النبيين" تعني "آخر النبيين". فما مدى صحة ذلك؟

كما رأينا سابقا، فإن إضافة "خاتم" إلى جمع العقلاء لا تتضمن معنى الآخرية مطلقا. وإن استُخدمت هذه الصيغة بمعنى الآخرية فستقابَل بالرفض بداهة من كل من يعرف العربية.
يروي حضرة مرزا طاهر أحمد - رحمه الله - الخليفة الرابع للإمام المهدي عليه السلام، أنه في سنوات دراسته الجامعية بلندن كان له أستاذ مصري يدرسه اللغة العربية. وفي إحدى المرات كتب حضرته في موضوع عن الدولة الأموية ما يلي: "كان مروان بن محمد خاتم خلفاء بني أمية". فقال له أستاذه: لا، هذا ليس بصحيح. اكتُبْ "كان مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية". فابتسم حضرته وقال لأستاذه: إذن لماذا تصر على أن معنى "خاتم النبيين" هو آخرهم!

وبالمثل نستطيع أن نقول "إن هارون الرشيد هو خاتم خلفاء بني العباس"، وهذا القول سيكون مقبولا من السامع وسيلقى استحسانا، لأن هارون الرشيد كان أعظم خلفاء بني العباس، وقد أرسى قواعد الدولة وتميز في نواح شتى. ولكن لو قلنا أن المستعصم كان خاتم خلفاء بني العباس، بصفته آخرهم، فإن السامع لن يتقبل ذلك أبدًا.

المعنى السياقي لـ(خاتم النبيين)

لقد وردت هذه الآية الكريمة في سياق الحديث عن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من مطلَّقة زيد. وقد اعتُرض على هذا الزواج باعتباره زواجا من مطلقة الابن، فجاءت هذه الآية لتنفي أبوته الجسدية صلى الله عليه وسلم لأحد من الرجال. ولما كان هذا التعبير مما يمكن أن يساء فهمه، وسط محيط يسخر ممن لم يبقَ له أي أبناء ذكور، كان لا بدّ من الاستدراك، فجاءت جملة (رسول الله وخاتم النبيين) بعد (لكن) لتزيل هذا الفهم الذي يتبادر إلى ذهن البعض، ولتقول: إنه أبوكم جميعا روحيا، بل أبو الأنبياء أيضا.

بينما لو فسرناها بمعنى "الآخر"، لما كان لها أي معنى في هذا السياق؛ وإلا فما معنى: إنه ليس أبًا لأحد منكم جسديًّا، ولكنه أبوكم روحيا وآخر نبي؟ أين العلاقة بين ما قبل حرف الاستدراك (لكن) وما بعده؟ وهل الأبوة تتنافى مع النبوة؟ وهل كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين يقتضي ألا يكون أبا لأحد من الرجال؟! ثم إذا كان القرآن الكريم يريد أن يذكر أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم هو آخر نبي مبعثا، فلماذا يذكره في هذا السياق وبهذه الصورة؟ لماذا لم يعلن القرآن الكريم انقطاع النبوة بشكل واضح وقاطع وفي سياق ملائم؟

إن من يفسر (خاتم النبيين) بأفضلهم وأكملهم وأبيهم روحيا، يكون قد رأى أن الجنس المشترك بين العبارة المنفية قبل (لكن) والعبارة المثبتة بعدها هو الأبوة، فالعبارة الأولى تنفي الأبوة الجسدية، والعبارة الثانية تثبت الأبوة الروحية للمؤمنين وللأنبياء. أما من فسر (خاتم النبيين) بآخرهم اصطفاء، فأنى له أن يجد جنسا مشتركا يجمع بين العبارتين؟

الأحاديث الشريفة تناقض الفهم التقليدي

أما فيما يتعلق بالحديث الشريف، فقد يظن أنصار الفهم التقليدي أن الحديث الشريف هو دليلهم القاطع الذي لا شبهة فيه. ومع أن القرآن الكريم يجب أن يكون مقدماعلى كل ما دونه، إلا أن الأحاديث ليست في صفّهم أيضا وإن ظنوا ذلك، وهذا ما سيتضح من خلال النظر في هذه الأحاديث.

  • نبدأ أولاً بحديث شهير. ولكن قبل إيراده لا بد من بيان خلفيته بإيجاز. لقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه أميرا على المدينة في غيابه حين خرج إلى غزوة تبوك. فقال له علي: هل تتركني مع الصبيان والنساء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مقولته الشهيرة التي يتضمنها الحديث كالآتي:
    "عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ: أنت مني بمنـزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وفي رواية للبخاري: إلا أنه ليس نبي بعدي. وفي رواية المسند: إلا أنك لست بنبي." (مسلم كتاب الفضائل، البخاري كتاب الفضائل، مسند أحمد بن حنبل، مسندعبد الله بن عباس بن عبد المطلب) لعل من ينظر في هذا الحديث برواياته المتعددة سيدرك تماما ما المقصود به دون أن يحتاج إلى غيره. ولقد وضحت رواية مسند الإمام أحمد بن حنبل هذا المقصود بشكل جلي وهو "إلا أنك لست بنبي".

    ومع هذا نترك لأحد علماء السلف المرموقين لتبيان المقصود من هذا الحديث. يقول ولي الله شاه المحدث الدهلوي في شرحه ما تعريبه:
    "إن مدلول هذا الحديث إنما هو جعلُ سيدنا علي رضي الله عنه نائبا أو أميرا على المدينة أثناء غزوة تبوك فقط، وتشبيه استخلافه باستخلاف هارون عليه السلام لموسى لدى سفره إلى الطور. و"بعدي" هنا لا تعني الـ "بعد" من حيث الزمن، بل تفيد "غيري"، كما في قوله تعالى (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ)(الجاثية: 24)، فقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ اللهِ) يعني "من غير الله".
    (قرة العينين في تفضيل الشيخين لولي الله الدهلوي ص 206 المكتبة السلفية شيش محل رود لاهور باكستان)

    ويضيف ولي الله الدهلوي ويقول:
    "وليس المراد هنا البَعْدية الزمنية، ذلك لأن هارون عليه السلام ما عاش بعد موسى عليه السلام حتى تثبت البعدية الزمنية فيما قيل لسيدنا علي رضي الله عنه." (المرجع السابق) إن هذا العالم الجليل قد قدم قرينة تؤكد أن "بعدي" هنا لا تفيد البعدية الزمانية مطلقا؛ ليس فقط من خلال تتبع مناسبة هذا الحديث وإنما أيضًا لأن هارون لم يعش بعد موسى عليهما السلام.


  • وهناك حديث آخر يستدلون به: "عن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبيّ، وأناخاتم النبيين ولا نبي بعدي." (أبو داود، كتاب الفتن) يقولون: أين المجال بعد هذا الحديث لمجيء نبي من أي نوع، أو بأي مفهوم من مفاهيم ختم النبوة؟

    هذا صحيح ونحن معكم في هذا مائة بالمائة، ونقر بأن الباب الذي أغلقه النبي صلى الله عليه وسلم لا يحق لأحد أن يفتحه أبدا. فآمنّا وصدّقنا بكل ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن الباب الذي فتحه النبي صلى الله عليه وسلم بيده لا يقدر أحد - كائنا من كان - على إغلاقه. وهذا ما لا يقبله أصحاب الفهم التقليدي، مما يجعل الأمر متنازعا فيه.

    ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قد حذر من الدجالين من ناحية، فإنه من ناحية أخرى قال أيضًا حين أخبر عن نـزول عيسى عليه السلام: "ليس بيني وبينه نبيٌّ، يعني عيسى عليه السلام، وإنه نازلٌ."
    (سنن أبي داود، باب ذكر خروج الدجال)

بهذا الحديث قد حل النبي صلى الله عليه وسلم قضية "لا نبي بعدي"، وقضية الدجالين الثلاثين أيضا، إذ قال: ليس بيني وبينه نبي. المراد من "بعدي" هو أنه مهما ظهرالدجالون الكذابون فلا تحسبوا عيسى دجالا، إنه نازل لا محالة غير أنه ليس بيني وبينه نبي ولا رسول.

ثم هناك حديث آخر أوثق من حديث الدجالين ويناقض جانب البعدية الزمانية فيه وفي غيره من الأحاديث التي تقول "لانبي بعدي". لقد ورد في صحيح مسلم حديث طويل يذكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم نـزول عيسى عليه السلام فيقول:
"... يحصر "نبيّ الله" عيسى وأصحابه... فيرغب "نبيّ الله" عيسى وأصحابه.... ثم يهبط "نبيّ الله" عيسى وأصحابه.... فيرغب "نبيّ الله" عيسى وأصحابه إلى الله."
( مسلم، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال وصفته وما معه)


نلاحظ في هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سمى المسيح "نبي الله" أربع مرات. ومن المؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يروى هنا حدثا سيحدث لاحقا بعد وفاته. وسواء كان القادم هو عيسى عليه السلام النبي القديم أو غيره، فإن هذا الحديث يؤكد ثبوت نبوته على أي صورة أو وجه جاء فيه، كما أنه يؤكد وجود نبي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم زمانا.

ومن غير المقبول لمن يستدل بالأحاديث أن يمسك بحديث ويترك آخر وفق هواه. فإن فعل هذا فقد سقط استدلاله كاملا لأن مذهبه سيكون الانتقائية المغرضة.

وإليكم الآن حديثا آخر يحسم الموقف في قضية "البعدية الزمنية".
"عن ابن عبّاس قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن له مرضعا في الجنّة، ولو عاش لكان صدّيقا نبيّا. ولو عاش لعتقت أخواله القبط ومااسترقّ قبطيّ."
(ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر وفاته)


يقول معارضونا عن هذا الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو عاش لكان صدّيقا نبيّا"، ولكن الله توفاه حتى لا يصبح نبيّا. وهذه هي الحكمة وراء وفاته رضي الله عنه في الطفولة المبكرة.

ولكن قولهم ليس إلا اجتهادا غير موفق للجمع بين النصوص، ثم إنه لا يُظهِر الحكمةَ الكامنةَ في الحديث، وإنما يسيء إلى فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم وبلاغته.

إن خلفيّة هذا الحادث هي أن إبراهيم رضي الله عنه توُفِّي في بداية عام 9هـ، بينما نـزلت آية خاتم النبيين عام 5 هـ، أي بحوالي أربعة أعوام قبل وفاة إبراهيم رضي الله عنه. ولا يصعب على أي شخص واعٍ أن يستنتج من ذلك أنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفهم من آية خاتم النبيين أن النبوة قد انقطعت بصورة دائمة وبكل أنواعها، لَما قال: "لو عاش لكان صديقا نبيا"، بل لقال: لو عاش إبراهيم ولو ألف سنة لما صار نبيا، لأن الله تعالى قد أخبرني أنه لن يأتي في الأمة نبي إلى يوم القيامة.

وهناك رواية أخرى تحل هذه المسألة إلى الأبد. فلقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
"لما توفي إبراهيمُ أرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أمه "مارية"، فجاءته وغسلته وكفّنته. وخرج به وخرج الناس معه فدفنه. وأدخل صلى الله عليه وسلم يده في قبره فقال: أما والله إنه لنبيّ بن نبي." (الفتاوى الحديثية لأحمد شهاب الدين المكي، ص 176 دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت) وبما أن سيدنا عليا رضي الله عنه كان من أهل البيت فروايته هذه أوثق وأجدر بالاعتبار.

المعنى الحقيقي لـ (خاتم النبيين)

إن حادث وفاة سيدنا إبراهيم وقع بحوالي أربع سنوات بعد نـزول آية خاتم النبيين كما بيّنّا، ولا بد أن يكون العلماء الآخرون أيضا قد انتبهوا إلى هذا الأمر وقرؤوا ما رواه سيدنا علي رضي الله عنه. فماذا يستنبط العلماء من ذلك؟

  • أولاً: إليكم ما قاله العلامة ملا علي القاري - رحمه الله:
    "ومع هذا لو عاش إبراهيم وصار نبيا، وكذا لو صار عمر نبيا لكانا من أتباعه عليه الصلاة والسلام كعيسى والخضر وإلياس عليهم السلام. فلا يناقض قولَه تعالى: (وخاتم النبيين) إذ المعنى أنه لا يأتي نبي بعده ينسخ ملته ولم يكن من أمته." (الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة لملا علي القاري ص192 دار الكتب العلمية بيروت)


  • ثانيًا: تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
    "قولوا خاتم النبيين، ولا تقولوا لا نبي بعده."
    (الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص618 الطبعة الأولى عام 1983م دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت)
لماذا رأت عائشة رضي الله عنها حاجة إلى هذا الشرح والإيضاح؟ من الواضح جليا أنها خشيت أن يسيء البعضُ فهمه، وكانت تعرف أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد من "لا نبي بعدي" أنه لن يكون بعده نبي من أي نوع.
  • ثالثًا: ويورد الإمام ابن قتيبة - رحمه الله - قول عائشة رضي الله عنها، ويعلق عليه ويقول:
    "وليس هذا من قولها ناقضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نبي بعدي، لأنه أراد لا نبي بعدي ينسخ ما جئت به."
    (كتاب تأويل مختلف الأحاديث ص127 دار الكتاب العربي بيروت)


  • رابعًا: ويقول الإمام محمد طاهر (المتوفى عام 986 هـ) أحد الصلحاء المعروفين، في شرح قول السيدة عائشة رضي الله عنها:
    "هذا ناظر إلى نـزول عيسى، وهذا أيضا لا ينافي حديث "لا نبي بعدي"، لأنه أراد لا نبي ينسخ شرعه."
    (تكملة مجمع بحار الأنوار، لمحمد طاهر الغجراتي، ص 502)


  • خامسًا: يشرح الشيخ عبد الوهاب الشعراني (المتوفى 976 هـ) حديث "لا نبي بعدي" ويقول:
    "فقوله صلى الله عليه وسلم "لا نبي بعدي ولا رسول بعدي"، أي ما ثمّ مَن يشرع بعدي شريعة خاصة."
    (اليواقيت والجواهر للشعراني ج 2 ص 35 دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت 1900م)


  • سادسًا: وقال شارح "مشكاة المصابيح" محمد بن رسول الحسيني البرزنجي: "ورد "لا نبي بعدي" ومعناه عند العلماء أنه لا يحدث بعده نبي بشرع ينسخ شرعه."
    (الإشاعة لأشراط الساعة ص149 دار الكتب العلمية بيروت)


  • سابعًا: ويقول الشيخ ولي الله شاه الدهلوي رحمه الله:
    "فعلِمنا بقوله عليه الصلاة والسلام: لا نبي بعدي ولا رسول، وأن النبوة قد انقطعت والرسالة، إنما يريد بها التشريع."
    (قرة العينين في تفضيل الشيخين لولي الله الدهلوي ص319 المكتبة السلفية شيش محل رود لاهور باكستان)


  • ثامنًا: وقال الحافظ محمد برخوردار (وهو ابن الشيخ نو شاه غنج قدس الله سره، إمام المدرسة النوشاهية القادرية) بهامش كتاب "النبراس" للعلامة عبد العزيز الفرهاري - شارحًا الحديث "لا نبي بعدي":
    "والمعنى لا نبي بنبوة التشريع بعدي، إلا ما شاء الله من الأنبياء الأولياء." (شرح لشرح العقائد المسمى بالنبراس، ص445 مكتبة رضوية لاهور)


  • تاسعًا: ويقول السيد نواب نور الحسن خان بن نواب صديق حسن خان:
    "الحديث "لا وحي بعد موتي" لا أصل له، غير أنه ورد "لا نبي بعدي"، ومعناه عند أهل العلم أنه لن يأتي بعدي نبي بشريعة تنسخ شريعتي."
    (اقتراب الساعة ص162)

فترى أن العلماء القدامى الربانيين والسلف الصالح ظلوا على الدوام يستنبطون نفس المعنى الذي استنبطه سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام. أفليس من الظلم والجور حقا أنه عندما يستنتج حضرته عليه السلام هذا المعنى يستاء منه المعارضون كثيرا، فيصبح كافرا عندهم، وإذا استنبط العلماء القدامى المعنى نفسه يبقون مؤمنين بل يحتلون رأس قائمة أولياء الأمة.

حديث اللبنة الأخيرة

هلم ننظر الآن في حديث أخير كثيرا ما يقدمه الفهم التقليدي للاستدلال على ما ذهب إليه:
"عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل قصر أحسن بنيانه، فترك منه موضع لبنة. فطاف به النظّار يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة... فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة، فتم بي البنيان وخُتم بي الرسل. وفي رواية قال: فأنا اللّبنة وأنا خاتم النّبيّين."

(البخاري كتاب المناقب، مسلم كتاب الفضائل، الترمذي كتاب المناقب، ومسند أحمد بن حنبل، كنـز العمال: تتمة الإكمال من فضائل متفرقة تنبئ عن التحدث بالنعم)


إن أنصار الفهم التقليدي يستنتجون من هذا الحديث أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان مجرد اللبنة الأخيرة في هذا القصر المشيد سابقا! إن النظر إلى النص

بسطحية لا شك سيعطي هذا المعنى، ولكن هل يمكن القبول بهذا المعنى الذي ينال من مقام الرسول صلى الله عليه وسلم!.

ولننظر ماذا قال اثنان من كبار علماء السلف الصالح حول هذا الحديث. يقول العلامة ابن حجر العسقلاني في شرحه:
"فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة."
(فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم)


كذلك فإن العلامة ابن خلدون يقول في هذا الصدد:
"فيفسرون خاتم النبيين باللبنة التي أكملت البنيان. ومعناه النبي الذي حصلت له النبوة الكاملة." (مقدمة ابن خلدون ص300 المكتبة العصرية سيدا بيروت عام 1988) وهكذا فإن أنصار الفهم التقليدي يريدون أن يجعلوا الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد لبنة واحدة في قصر كبير، بينما المفهوم الشامل للخاتمية يجعله صلى الله عليه وسلم القصر كله ويجعله مكمل البناء ومتممه ومالكه.

حديث "إني آخر الأنبياء"

أما الذين يحتجون بالحديث الذي يقول: "إني آخر الأنبياء"، فلا بد أنهم يعلمون جيدًا أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه قد بين معناه في الجملة التالية من نفس الحديث.

إذ الحديث الكامل هو كالآتي: "إني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد" (مسلم كتاب الحج، وسنن النسائي كتاب المساجد). فهل يعني ذلك أنه لم يُبْنَ في الإسلام أي مسجد بعد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ عقيدة السلف الصالح في "خاتم النبيين".

إن مفهوم خاتم النبيين الذي نتبناه هو المفهوم القرآني ومفهوم الحديث الشريف ومفهوم علماء الأمة وصلحائها من السلف، وسنذكر فيما يلي بعضا من أقوال علماء الأمة وصلحائها ممن يفسرون "خاتم النبيين" بأفضلهم، وينقضون تفسيره بآخرهم مبعثا.

  • يقول الصوفي المعروف الإمام عبد الوهاب الشعراني:
    "اعلم أن النبوة لم ترتفع مطلقا بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما ارتفع نبوة التشريع فقط."
    (اليواقيت والجواهر ج 2 ص 35 دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت عام 1900م )


  • أما الشاه ولي الله الدهلوي فيقول:
    "وخُتم به النبييون.. أي لا يوجد من يأمره الله سبحانه بالتشريع على الناس."
    (التفهيمات الإلهية، ج2 ص85 بتصحيح وتحشية الأستاذ غلام مصطفى القاسمي، أكادمية الشاه ولي الله الدهلوي حيدر آباد باكستان)


  • ويقول الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي:
    "فالنبوة سارية إلى يوم القيامة في الخلق وإنْ كان التشريع قد انقطع. فالتشريع جزء من أجزاء النبوة."
    (الفتوحات المكية ج 3 ص 159، الباب الثالث والسبعون في معرفة عدد ما يحصل من الأسرار للمشاهد مكتبة القاهرة بمصر عام 1994م)


  • ويتابع فيقول:
    "فإن النبوة التي انقطعت بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي نبوة التشريع، لا مقامها، فلا شرع يكون ناسخا لشرعه صلى الله عليه وسلم، ولا يزيد في حكمه شرعا آخر. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي. أي لا نبي بعدي يكون على شرع يخالف شرعي، بل إذا كان يكون تحت حكم شريعتي، ولا رسول أي لا رسول بعدي إلى أحد من خلق الله بشرع يدعوهم إليه. فهذا هو الذي انقطع وسدّ بابه، لا مقام النبوة."
    (المرجع السابق ص4)


  • يقول الشيخ بالي أفندي (المتوفى 960 هـ):
    "فخاتم الرسل هو الذي لا يوجد بعده نبي مشرع."
    (شرح فصوص الحكم ص56 المطبعة النفيسة العثمانية، 1309هـ)


  • يقول السيد عبد الكريم الجيلي:
    "فانقطع حكم نبوة التشريع بعده، وكان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، لأنه جاء بالكمال ولم يجئ أحد بذلك."
    (الإنسان الكامل ج 1 ص 115 الطبعة الثالثة عام 1970م شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر)


  • ويشرح الشيخ محمد وسيم الكردستاني مفهوم خاتم النبيين ويقول:
    "... معنى كونه خاتم النبيين هو أنه لا يُبعث بعده نبيٌّ آخر بشريعة أخرى."
    (حاشية الشيخ محمد وسيم الكردستاني على "تقريب المرام في شرح تهذيب الكلام" للشيخ عبد القادر الكردستاني، ج2 ص233 المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1319هـ)


  • أما الإمام الرباني الشيخ أحمد السرهندي (المتوفى 1034هـ)، أحد الأقطاب وأولياء الله الكبار حسب اعتقاد أهل السنة بالقارة الهندية، فيقول ما تعريبه:
    "إن حصول المتبعين على كمالات النبوة عن طريق الاتّباع والوراثة بعد بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل - عليه وعلى جميع الأنبياء والرسل الصلوات والتحيات - لا ينافي كونه خاتم النبيين، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، فلا تكن من الممترين."
    (مكتوبات الإمام الرباني، الدفتر الأول مكتوب301 ج5 ص141 مطبعة منشي نول كشور في لكهناؤ بالهند)


  • يقول الصوفي المعروف محمد بن علي الحسن الحكيم الترمذي (المتوفى عام 308 هـ):
    "فإن الذي عَمِيَ عن خبرِ هذا يظنّ أن خاتم النبيين تأويله أنه آخرهم مبعثا. فأي منقبة في هذا؟ وأي علم في هذا؟ هذا تأويل البُلْهِ الجَهَلة."
    (كتاب ختم الأولياء، ص341 المطبعة الكاثوليكية بيروت 1965م)


  • ويقول المولوي محمد قاسم النانوتوي مؤسس مدرسة "ديوبند" الشهيرة بالهند:
    "العامة يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين بمعنى أن زمنه كان بعد الأنبياء السابقين وهو آخر الأنبياء كلهم. غير أن أهل الفهم يدركون جيدًا أنه ليس في التقدم أو التأخر من حيث الزمن أية فضيلة في حد ذاته. لو كان الأمر كما يظن العامة فكيف يصح أن يقول الله تعالى في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ؟) أما إذا لم نعتبر قوله تعالى هذا مدحًا، ولم نعتبر هذه المنـزلة ثناءً، فقد يصح أن يكون مفهوم خاتم النبيين بمعنى التأخر الزمني. ولكنني أعرف أن هذا الكلام لن يروق لأحد من أهل الإسلام."
    (تحذير الناس لمحمد قاسم النانوتوي ص4-5 مطبعة دار الإشاعة أردو بازار كراتشي باكستان)


  • ويقول السيد أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكهنوي:
    "لا يستحيل وجود نبي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده، بل يمتنع أن يكون بشريعة جديدة."
    (أثر ابن عباس في دافع الوسواس ص16 الطبعة الثانية مطبعة يوسفي فرنغي محل لكهناؤ الهند)

  • ويصرح بأن ذلك ليس اعتقاده هو فحسب، بل ما زال علماء أهل السنة أيضا يصرحون بذلك، فيقول:
    "ما زال علماء أهل السنة يصرّحون أنه لا يمكن أن يكون في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم نبي بشريعة جديدة، فإن نبوته صلى الله عليه وسلم عامة. فالنبي الذي يكون في عصره صلى الله عليه وسلم يكون تابعا للشريعة المحمدية."
    (مجموعة الفتاوى لمحمد عبد الحي اللكهنوي ج1 ص17 مطبعة ايجوكيشنل بريس كراتشي باكستان)

قصور الفهم التقليدي ومساسه بالخاتمية

إن الفهم التقليدي الذي يحصر معنى خاتم النبيين في كونه آخرهم، يسيء إلى مفهوم الخاتمية ويقزّمه بل وينقضه أيضا.

فكما ذكرنا سابقا، فإن الخاتمية ترتكز على أربع ركائز وهي: كمال الرسول؛ وكمال الإسلام؛ وكمال القرآن؛ وكمال الأمة. وإن المفهوم الصحيح الحقيقي لخاتم النبيين

يحافظ على هذا الكمال ويبرزه في أحسن صورة. أما الفهم التقليدي فهو في أحسن الأحوال غير قادر على أن يبرهن على كمال الأمة، بل يؤكد العكس تماما، ويقدم

دليلا على قصور الأمة وعدم كمالها. وهذا القصور يؤدي تلقائيا إلى تدمير ركيزة من ركائز الأفضلية المطلقة للرسول صلى الله عليه وسلم.

سؤال هام

إن حَجْب النبوة عن الأمة الإسلامية، ومنعها من الوصول إلى ما وصلت إليه الأمم السابقة، لهو أمر يستدعي الوقوف عنده والتأمل. فلماذا ستُحجب النبوة عن الأمة؟

وهل حجبها هو نعمة أو نقمة؟ وهل يمكن أن تُعتبر الأمة هي خير أمة أخرجت للناس بغياب النبوة عنها؟

إن القرآن الكريم يبين بكل وضوح أن أكبر وأتم نعمة يمكن أن يصل إليها الإنسان هي النبوة، حيث يقول تعالى:

(يوسف: 7)


فالنبوة حسب القرآن الكريم هي أتمّ نعمة ينالها الإنسان. فهل يمكن أن تكون الأمة كاملة بدون أن توهب النبوة لأحد منها؟
إن ما يطلبه كل مسلم في كل ركعة من صلاته هو أن يهديه الله الصراط المستقيم، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم. فمن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم؟ أليسوا هم الذين قال الله فيهم:
(النساء: 70)

الخاتمية ونـزول عيسى عليه السلام وإشكالات تواجه الفهم التقليدي

إضافة إلى ما وضحناه سابقا حول هشاشة نظرية الفهم التقليدي عن خاتمية الرسول صلى الله عليه وسلم وحول مخالفتها للمنطق والقرآن الكريم ولمفهوم العلماء والفقهاء من السلف الصالح، كذلك فإنها لا تستطيع الصمود مقابل معتقدات هامة أخرى، من أهمها نـزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام التي هي من العقائد الراسخة عند غالبية المسلمين. إن عقيدة نـزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام - كيفما كان هذا النـزول - تنقض نظرية الفهم التقليدي وتثبت بطلانها، وتضع أمامها كمًّا من التساؤلات والتناقضات التي يستحيل حلها.

إن المسيح عندما سيأتي، سيكون نبيا كما كان سابقا، فكيف سيبقى النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء مبعثا، وقد جاء المسيح بعده؟

قد يقال بأنه نبي سابق وهذا لا ينقض الآخرية! فنقول إن لم تَرَوه ينقض الآخرية فإنه ينقض الخاتمية. فهو بذلك ينقض كمال القرآن لأن قدومه كنبي في الأمة الإسلامية يخالف ما ورد في القرآن الكريم حول مهمته ودوره، حيث يقول تعالى:

(آل عمران: 50)


فهذه الآية ونـزول عيسى بشخصه لا يمكن أن يجتمعا. فإما أن يعلن في أول يوم من نـزولـه نسخَ هذه الآية أو سيأتي بغيرها ويضعها في مكانها ليقال إنه رسول إلى أمة المصطفى خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم! هذا إضافة إلى أن نـزوله بشخصه سيعطل عددا لا حصر له من الآيات الأخرى المرتبطة به مباشرة وبشكل غير مباشر. وهكذا يصبح القرآن الكريم رهينة هذا النـزول وهذه البعثة.

أسئلة أخرى

وثمة سؤال آخر يفرض نفسه: ألم يكن نبينا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم يعلم أنه خاتم النبيين، وأن عيسى الذي يبشر بمجيئه بعده أيضًا نبي من أنبياء الله؟ ألم يكن يدرك أن مجيء عيسى سيكسر ختم نبوته صلى الله عليه وسلم؟ ألم يعلم صلى الله عليه وسلم أن الدين قد اكتمل، وأن نعمة الله قد تمت، وأن القرآن موجود،
والسنة موجودة، ولا حاجة بعد ذلك إلى أي شخص يُبعث من عند الله تعالى؟

وإذا كان مجيء عيسى بن مريم، الذي كان رسولاً إلى بني إسرائيل والذي ينتظرون نـزوله، لا يكسر ختمَ نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم في رأيهم، فكيف يكسر ختمَ نبوة الرسول مجيءُ شخص من الأمة لأداء نفس المهمة التي سيؤديها عيسى عليه السلام؟

ثم هناك سؤال هام آخر:
هل سينشر عيسى عليه السلام عند نـزوله تعليم القرآن، أم سيأتي ليقدم دروس الإنجيل الذي أُوحِيَ إليه؟ إذًا فكيف يتلقى علوم القرآن وهو لم يوح إليه؟ طبعًا إنه لن يتعلم القرآن على أيدي المشايخ والعلماء الذين سيأتي لإصلاحهم، بل سيتلقى معارف القرآن من عند الله تعالى بالوحي والإلهام، لأنه الطريق الوحيد الذي يعلّم الله به عبادَه ما أراد أن يعلّمهم من أمور الدين مباشرةً. إذًا فلِمَ يستاءون عندما يسمعون من شخص من أمة المصطفى أنه يتلقى من الله تعالى هذا النوع من الوحي أي الذي ليس فيه أي تشريع جديد، بل هو المبشرات وتفسير للقرآن وشرح للحديث فقط؟

كذلك لماذا يستعيرون لهذا الغرض نبيًّا إسرائيليًّا؟ هل الوحي مقصور على بني إسرائيل؟ هل هذه الأمة محرومة من وحي تعليم القرآن؟ أم أنهم يرون أن أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم لا تستحق هذا التكريم وإنما تستحقه الأمة الإسرائيلية؟ فلم لا يعلنون إذًا صراحة أن أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ليست خيرَ أمة أُخرجتْ للناس - والعياذ بالله - بل إن الأمة الإسرائيلية هي خير أمة حيث إنها أرسلت أحد أنبيائها لنجدة المسلمين!!

أم أنهم يرون أن عيسى سيُبعث مسلوبَ النبوة؟ وإذا كان هذا ظنهم فليعلموا أن القرآن الكريم والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يقل أبدًا أن عيسى ستُسلب منه نبوته في يوم من الأيام. وعلى النقيض قد أطلق المصطفى صلى الله عليه وسلم تسمية "نبيّ الله" على عيسى الموعود لأمته وذلك أربع مرات في حديث واحد، كما أشرنا من قبل إلى حديث مسلم في كتاب الفتن؛ وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس بيني وبينه نبي"

(البخاري كتاب أحاديث الأنبياء، ومسلم كتاب الفضائل)


كما أن السلف الصالح من الأمة قد أفتوا أن مَن قال بسلب نبوة عيسى عند نـزوله في الزمن الأخير فقد كفَر.
(انظُرْ كتاب "نـزول عيسى ابن مريم آخر الزمان"، للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت ص 53)


أم أنهم يرون أنه ليس ثمة حاجة لأي مبعوث من عند الله تعالى ولو كان تابعًا للرسول صلى الله عليه وسلم؟ إنه لا يمكن الجمع بين القول بأن محمدا صلى الله عليه وسلم آخر النبيين، وبين نـزول المسيح، إلا بالرضى بنقض خاتمية الرسول صلى الله عليه وسلم وبالأخص نقض كمال القرآن الكريم وكمال الأمة، أو برفض نـزول عيسى عليه السلام جملة وتفصيلا بضرب أدلة نـزوله الثابتة بعرض الحائط. وكلا الاحتمالين هلاك.

الزمان يدعو مصلحًا سماويا

ونقول للذين ينكرون بعثة مصلح من عند الله تعالى لتدارك وضع الأمة محتجين بتواجد القرآن والسنة بين ظهرانينا؛ أننا لا نختلف معهم إطلاقًا بتواجد القرآن الكريم بيننا غير محرف ولا مبدل، ولكن القولَ بأنه لا حاجة إلى مصلح سماوي بسبب وجود القرآن بين ظهرانينا غير مبدّل، قولٌ يرفضه القرآن نفسه رفضا باتّا. يقول الله سبحانه وتعالى:

(الفرقان:31)


كم هي أليمة الشكوى التي يرفعها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى فيما يتعلق بهذا الكتاب الكامل. فما هو المراد من هذه الآية، وكيف سيهجر الناسُ القرآنَ الكريم؟

يوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر أيضا بنفسه فيقول:
"يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه."
(مشكاة المصابيح كتاب العلم الفصل الثالث، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، وكنـز العمال ج11 باب تتمة الفتن من الإكمال)


وليكن معلومًا أن الصحابة أيضًا كانوا قد استغربوا من نبأ انحراف المسلمين وفسادهم، رغم وجود الكتاب الكامل والسنة الشريفة في الظاهر بين ظهرانيهم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بتصحيح أفكارهم. حيث ورد:
"عن زياد بن لبيد قال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا فقال: ذاك عند أوان ذهاب العلم. قلت يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن، ونُقرئه أبناءَنا، ويُقرئه أبناؤنا أبناءَهم إلى يوم القيامة!؟
قال: ثَكِلتْك أُمُّك زيادُ، إنْ كنتُ لأراك مِن أفقهِ رجلٍ بالمدينة! أوليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل، لا يعمَلون بشيء مما فيهما."
(ابن ماجة، كتاب الفتن)


وفي رواية أخرى:"هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تُغني عنهم؟"
(الترمذي، كتاب العلم)

تشابهت قلوبهم

ومن المعلوم أن الفهم التقليدي السائد ليس بظاهرة جديدة في التاريخ الديني، بل هي ظاهرة معروفة جدا. وهي كانت دوما السلاح الذي يشهره الناس في وجه مبعوثيهم، فإن صدقوا بمبعوث بعد جهد جهيد، بادروا إلى إشهاره في وجه الذي يليه. يقول الله تعالى:

(غافر:35-36)


ويقول الله تعالى مبينا سفاهة من يظن أنه لن يبعث الله تعالى أحدا:
(الجن: 5-8)

النبوة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم

كما يتبين من التاريخ الذي يذكره القرآن أن الأنبياء كانوا يُبعثون فيما سبق لكل مرض روحي مهما كان صغيرا، فقام الأنبياء فقط دون غيرهم بالإصلاح، رغم أن الكتب السماوية كانت موجودة في أقوامهم مسبقا. ليس هناك مرض روحي يمكن أن يتصوره الإنسان إلا وهو منتشر على نطاق واسع في أيامنا هذه، ومع ذلك يرفضون بشدة إمكانية مجيء مصلح من الله تعالى. وكأنهم يقولون لو ظهرالدجالون الكذابون فلا بأس، لكن يجب ألا يأتي نبي من الله فإننا لا نقدر على تحمله.

وهناك آيات صريحة في القرآن الكريم تؤكد بجلاء وجود النبوة وإمكانية الحصول عليها. يقول الله تعالى:

(سورة النساء:70-71)


فالله تعالى يعلن هنا أن الذين يطيعون الله والرسول أي محمدًا (رسول الله) صلى الله عليه وسلم طاعة صادقة، سوف يحوزون على درجات الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.

ولكن البعض يقول: كلا، بل المعنى أن المطيعين لله والرسول صلى الله عليه وسلم يكونون في صحبة المنعم عليهم ولن يكونوا من المنعم عليهم. فيجب أن نرى أوّلاً ماالذي تعلنه الآيات المذكورة؟

تقول الآية: "من يطع الله والرسول" أي محمدًا صلى الله عليه وسلم. ما أعظمَه من إعلان! ألا ترى أنه كان من المفروض أن يكون هذا الإنعام على أتباع النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من أتباع الأنبياء الآخرين لكونهم خير أمة أخرجت للناس؟

ثم هل الناس من الأمم السابقة الذين أطاعوا رسلهم كانوا يتلقون الجواب بأنهم إذا أطاعوا رسولهم فسوف يكونون في صحبة المنعَم عليهم فقط ولن يكونوا منهم أبدًا؟

ألا ترى أن هذا المفهوم بهتان عظيم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن الكريم؟ أليس هذا الاستنتاج إساءة كبيرة للنبي صلى الله عليه وسلم؟ كما أنه إهانة لأمته صلى الله عليه وسلم حيث حُرمتْ من الإنعامات التي كان يتلقاها أتباع الأمم السابقة. هذا التفسير خاطئ ولاغٍ بكل المعايير، ويكذبه القرآن الكريم بنفسه، لأن "مع" هنا هي في محل المدح، ومن المعلوم أن كلمة "مع" تعطي معنى المعية ومعنى "مِن" أيضا.

وهناك أمثلة كثيرة على ذلك منها قول الله تعالى في القرآن الكريم:
(آل عمران: 54)



(النساء: 147)



(المائدة: 84)




(الحِجر: 33)


فترى أن "مع" في كل هذه الآيات جاء بمعنى "مِن" لا غير.

ثم علّمنا الله تعالى دعاء:
(آل عمران: 194)


فهل يعني هذا أن ندعو الله تعالى ليلَ نهارَ أنه كلما مات أحد من الأبرار فاقبِضْ روحنا أيضا يا رب؟ أهذا هو الدعاء الذي يعلمنا الله سبحانه وتعالى في كلامه المجيد يا ترى؟ كلا بل المعنى: توفنا يا ربنا ونحن من الأبرار في نظرك.

فثبت أن القرآن الكريم يؤكد أن الذين يطيعون الله والرسول صلى الله عليه وسلم حقًّا يكونون من النبيين وليس في معيتهم فقط، ومن الصديقين أيضا وليس في معيتهم فقط، ومن الشهداء أيضا وليس في رفقتهم فحسب، ومن الصالحين أيضا، وليس معهم فحسب.

آية الاصطفاء

(الحج: 76)


يقول البعض: هذه الآية نـزلت حين كان الله عز وجل قد امتنع عن اصطفاء الرسل من الناس. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصبح آخر النبيين. ولكن الحقيقة أن الله تعالى يخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه يصطفي رسلا من الناس، ولم يقل "كان يصطفي". ولو كانت النبوة قد انقطعت نهائيا، فما هو الغرض الذي تفيده هذه الآية؟ إن كلمة "يصطفي" جاءت في صيغة المضارع وتفيد الاستمرار، ليتهم يفهمون هذه النكتة البسيطة.

آية أخذ الميثاق من النبي صلى الله عليه وسلم

يذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن المجيد ميثاقا ويقول:

(آل عمران: 82)


ثم يقول سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب التي وردت فيها آية خاتم النبيين:
(الأحزاب: 8-9)


فميثاق النبيين لم يؤخذ من الأنبياء السابقين فقط، وإنما أُخِذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا كما هو واضح من كلمة "منك". فإذا كان من المقدر أنه لن يأتي بعده صلى الله عليه وسلم نبي من أي نوع كان، فلماذا أُخِذ منه صلى الله عليه وسلم هذا الميثاق؟ فالمراد أنه لو جاء نبي بحسب الشروط الواردة في آية الميثاق، مؤيدا لتعاليمه صلى الله عليه وسلم لوجب عليه، أي على أمته صلى الله عليه وسلم، أن تنصره وتؤيده.

علمًا أن المراد من كلمة "منك" هو أمته صلى الله عليه وسلم إذ ليس من الممكن أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأموات لتأييد ونصرة نبي يأتي بعده صلى الله عليه وسلم. فلا يمكن أن يكون المراد هنا إلا أتباعه صلى الله عليه وسلم. ونرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ائتمر بهذا الأمر الإلهي، فأوصى أمته بتصديق هذا المبعوث الموعود، بل وشدد على هذا الأمر لدرجة أن قال "...

فبايِعوه ولو حبوًا على الثلج، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ الْمَهْدِيُّ."
(ابن ماجة، كتاب الفتن، باب خروج المهدي)

آية "وآخرين منهم"

يقول الله سبحانه وتعالى:

(الجمعة :3-5)


وهنا ذكر الله تعالى بعثة ثانية للرسول صلى الله عليه وسلم في الذين لم يلتحقوا بالصحابة. وما دام الرسول قد توفي فلا بد أن يمثله في هذه البعثة الثانية الروحانية أحد من خدامه المتفانين في حبه وطاعته صلى الله عليه وسلم.

يحاول البعض الفرار من هذا الموقف قائلين إن المراد من "آخرين منهم" هنا أولئك الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.. أي أولئك الذين لم يلتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد، بل سيأتون في الفترة اللاحقة من عصر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه. ولكنه تأويل قد رفضه الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه. فقد جاءت في صحيح البخاري رواية يصعب العثور على رواية أقوى منها:
"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنّا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأُنـزلت عليه سورة الجمعة: (وآخَرين منهم لـمّا يلحقوا بهم(. قال، قلت: من هم يا رسول اللّه؟ فلم يراجعه، حتى سأل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسيّ. وضع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يده على سلمان، ثم قال: "لو كان الإيمان عند الثريّا لناله رجال أو رجل من هؤلاء."
(البخاري: كتاب التفسير، سورة الجمعة)


الأمر الأول الذي يتبين من جواب النبي صلى الله عليه وسلم هو أن الآخرين المقصود بهم هنا هم أولئك الذين سوف يأتون في وقت متأخر جدا. ولأجل ذلك وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسي، الشخص الوحيد الذي كان من غير العرب.. ولم يضع يده على أحد من العرب.. وقال: لو ارتفع الإسلام إلى الثريا سيكون هناك رجال عظام من قوم سلمان الفارسي رضي الله عنه أي من أهل فارس سوف يعيدونه إلى الأرض.

إذن مَن هم "آخرين منهم"؟ هم أولئك الذين يظهرون حين يكون الإيمان بالثريا. وهل يُعقل أن يحدث ذلك ويرتفع الإيمان إلى الثريا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه صلى الله عليه وسلم بنفسه يعلن: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب."

هنا يقول النبي بأن القرون الثلاثة الأولى بعد فجر الإسلام ستكون مستنيرة، أي إن نوري لن يختفي فجأة. أنا شمس عظيمة، ويبقى نوري مضيئًا إلى ثلاثة قرون بعد وفاتي، وسوف ترون هذا النور بأم أعينكم، ثم يأتي عصر الظلام. ولن يُبعث أثناءه أحدٌ حتى يطول هذا الليل المظلم، وسيبدو وكأن الإيمان قد اختفى من الدنيا وأصبح
بالثريا.

مهلا.. فالنبوة ليست مفتوحة لكل من هب ودب

لعل من أهم الأسباب التي صاغت الفهم التقليدي هو الخوف على الدين والغيرة على مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن المفهوم الحقيقي لخاتم النبيين لا يترك أي مجال لذلك.

وينبغي ألا يفهم مما سبق أن النبوة مفتوحة لكل من هبّ ودب، ولكن المقصود هو أن مقام النبوة هو أحد المقامات التي ينالها المؤمنون كما ينالون الصديقية والشهادة والصالحية. ومقام النبوة في الأمة الإسلامية مقيد بقيود كثيرة تجعله لا يعدو كونه درجة عند الله تعالى.

ومع أن هذا المقام في الأمة الإسلامية هو مقام عظيم، ومع أن الصلحاء من الأمة سينالونه بفضل خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لا سبيل لهم إلى ذلك سوى التفاني الكامل في خدمة الإسلام والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم في حب جم. وهؤلاء الصالحون يتصلون بالله ويكونون على علاقة به، ولكن لا يكلفهم الله تعالى إلا بخدمة الدين ولا يعطيهم إلا فهم القرآن الكريم، ويجعلهم كالمنارات التي تهدي الناس إلى دين الإسلام.

إن ختم النبوة يستتبع أن من خرج على كلمة أو حرف أو نقطة من الإسلام ومن القرآن الكريم، ومن قال بخلافه ولو مثقال ذرة، فهو كاذب وليس من الأمة ولا هو تحت عباءة الرسول صلى الله عليه وسلم وخاتميته.

إن وصول المؤمنين الصادقين إلى هذا المقام بطاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم هو من مقتضيات خاتمه ومما يظهر مكانته السامية أيضا. فمن من الأنبياء ملك هذا الخاتم؟ ومن الذي يخرج عن سيادته من السابقين واللاحقين؟

أقوال الإمام المهدي في تبيان مفهوم خاتم النبيين

وننهي هذا البحث بأقوال فيصلة من حضرة المؤسس عليه السلام نفسه في تبيان مفهوم خاتم النبيين ونوع النبوة التي وُهبها من عند الله تعالى.

  • يقول عليه السلام ما نصه:
    "إنّا مسلمون.. نؤمن بكتاب الله الفرقانِ، ونؤمن بأنَّ سيّدَنا محمدًا نبيُّه ورسولُه، وأنه جاء بخير الأديانِ، ونؤمن بأنه خاتَمُ الأنبياءِ لا نبيَّ بعدَه، إلا الذي رُبِّيَ من فيضِه وأظهرَه وَعْدُه. ولله مكالماتٌ ومخاطباتٌ مع أوليائه في هذه الأمَّة، وإنهم يُعطَون صبغةَ الأنبياء وليسوا نبيّين في الحقيقة، فإن القرآن أكمَلَ وَطَرَ الشريعةِ، ولا يُعْطَون إلا فهمَ القرآنِ، ولا يزيدون عليه ولا ينقصون منه، ومن زاد أو نقَصَ فأولئك من الشياطين الفَجَرةِ.

    ونعني بخَتْمِ النبوةِ ختمَ كمالاتِها على نبيِّنا الذي هو أفضلُ رسُلِ اللهِ وأنبيائِه، ونعتَقِد بأنه لا نبيَّ بعدَه إلا الذي هو من أمته ومِن أكمَلِ أتباعه، الذي وَجَدَ الفيضَ كلَّه من رُوحانيته وأضاءَ بضيائه. فهناك لا غيرَ ولا مقامَ الغِيرة، وليست بنبوّة أخرَى ولا محلَّ للحيرة. بل هو أحمدُ تجلَّى في سَجَنْجَلٍ آخَرَ، ولا يَغارُ رجلٌ على صورته التي
    أراه اللهُ في مرآةٍ وأظهَرَ. فإن الغيرةَ لا تهيجُ على التلامذة والأبناءِ، فمن كان من النبي.. وفي النبي.. فإنما هُوَ هُوَ، لأنه في أَتَمِّ مقامِ الفناء، ومُصبَّغٌ بصبغَتِه ومُرتَدٍ بتلك الرداءِ، وقد وجد الوجودَ منهُ وبلغَ منهُ كمالَ النُّشُوِّ والنماءِ.

    وهذا هو الحقُّ الذي يَشهدُ على بركاتِ نبيِّنا، ويُرِي الناسَ حُسنَه في حُلَلِ التابعين الفانين فيه بكمال المحبّةِ والصفاءِ، ومِنَ الجهلِ أن يقومَ أحدٌ للمِراء، بل هذا هو ثبوتٌ من الله لنَفْي كَونِه أَبترَ، ولا حاجةَ إلى تفصيلٍ لمن تدبَّرَ. وإنه ما كان أبا أحدٍ من الرجالِ من حيثُ الجِسمانية، ولكنه أبٌ من حيثُ فيض الرسالة لمن كُمِّل في الروحانية.... وإنه خاتم النبيين وعَلَمُ المقبولين. ولا يدخلُ الحضرةَ أبدًا إلا الذي معه نقشُ خاتَمه، وآثارُ سُنّته، ولن يُقبلَ عملٌ ولا عبادةٌ إلا بعد الإقرار برسالته، والثباتِ على دينه وملّته.

    وقد هلَك من ترَكه وما تبِعه في جميع سُنَنِه، على قَدْر وُسْعِه وطاقته. ولا شريعةَ بعده، ولا ناسخَ لكتابه ووصيته، ولا مبدِّلَ لكلمته، ولا قطرَ كمُزْنته. ومَن خرَج مثقال ذرة من القرآن فقد خرج من الإيمان. ولن يفلح أحد حتى يتبع كلَّ ما ثبت من نبينا المصطفى، ومن ترَك مقدار ذرة من وصاياه فقد هَوَى."
    (مواهب الرحمن، الخزائن الروحانية مجلد 19 ص 285-287)


  • ويقول عليه السلام ما تعريبه:
    "لا يمكن أن نحرز أية مرتبة من مراتب الكمال والشرف والعز والقرب إطلاقا دون اقتداء كامل بنبينا صلى الله عليه وسلم. كل ما نناله إنما هو بصورة ظلية وبواسطته صلى الله عليه وسلم."
    (إزالة أوهام، الخزائن الروحانية ج 3 ص 170)


  • ويقول عليه السلام ما تعريبه:
    "إن نبينا صلى الله عليه وسلم، وسيدنا ومولانا - عليه ألف سلام - قد سبق الأنبياءَ كلهم من حيث بركاته الروحانية، لأن بركات الأنبياء السابقين قد انقطعت عند حد معين. فهؤلاء الأقوام وتلك الأديان ميتة الآن لا حياة فيها، إلا أن الفيض الروحاني للنبي صلى الله عليه وسلم مستمر إلى يوم القيامة. فبسبب استمرار بركات النبي صلى الله عليه وسلم، لم يعد ضروريّا لهذه الأمة أن يأتي المسيح من خارجها، بل إن تلقى شخص عادي تربيةً في ظله صلى الله عليه وسلم يمكن أن يجعل منه مسيحا كما جعلني أنا الضعيف."
    (عين المسيحية، الخزائن الروحانية ج20 ص389)


  • ويقول عليه السلام ما تعريبه:
    "لقد أعطِي سيدُنا محمد صلى الله عليه وسلم شرفا خاصا أنه خاتم الأنبياء بمعنى أنه قد خُتمت عليه كمالات النبوة كلها من ناحية، ومن ناحية أخرى لن يكون بعده رسول بشرع جديد أو نبي من خارج أمته صلى الله عليه وسلم، بل كل من يتشرف بالمكالمة الإلهية إنما يتشرف بها بفضله وواسطته صلى الله عليه وسلم، ويُدعَى أمّتيّا وليس نبيا مستقلا."
    (عين المعرفة، الخزائن الروحانية ج23 ص380)


  • وقال عليه السلام ما تعريبه:
    "لقد تشرَّفتُ بها (أي بمكالمة الله تعالى) فقط نتيجة اتّباعي لنبينا صلى الله عليه وسلم. فلو لم أكن من أمته ولم أتّبعه لما كان لي أن أحظى بهذه المخاطبة الإلهية أبدًا ولو كانت أعمالي مثل جبال الدنيا كلها."
    (التجليات الإلهية، الخزائن الروحانية ج 20 ص 411 و412)


  • وقال عليه السلام ما نصه:
    "النبوّة قد انقطعت بعد نبيّنا صلى الله عليه وسلم، ولا كتابَ بعد الفرقان الذي هو خير الصحف السابقة، ولا شريعةَ بعد الشريعة المحمّدية، بَيْدَ أني سُمّيتُ نبيًّا على لسان خير البريّة، وذلك أمرٌ ظِلّيٌ من بركات المتابَعة، وما أرى في نفسي خيرًا، ووجدتُ كل ما وجدتُ من هذه النفس المقدّسة. وما عَنَى اللهُ من نبوّتي إلا كثرة
    المكالمة والمخاطبة، ولعنةُ الله على من أراد فوق ذلك، أو حَسِبَ نفسه شيئًا، أو أخرج عُنُقَه من الربقة النبويّة. وإنّ رسولَنا خاتَمُ النبيين، عليه انقطعت سلسلةُ المرسلين.

    فليس حقُّ أحدٍ أن يدّعي النبوّة بعد رسولنا المصطفى على الطريقة المستقلّة، وما بقي بعده إلا كثرة المكالمة، وهو بشرط الاتّباع لا بغير متابَعَةِ خيرِ البريّة. وواللهِ ما حصل لي هذا المقام إلا من أنوارِ اتّباعِ الأشعّة المصطفوية، وسُمّيتُ نبيًّا من الله على طريق المجاز لا على وجه الحقيقة. فلا تهيج ههنا غيرةُ الله ولا غيرةُ رسوله، فإني أُرَبَّى تحت جناح النبيّ، وقدمي هذه تحت الأقدام النبويّة."
    (الاستفتاء، الخزائن الروحانية ج22 ص 688 ،689)


  • وفي الأخير، نقتبس من آخر رسالة كتبها حضرته عليه السلام في حياته المباركة، وبعثها إلى جريدة "أخبار عام"، ونُشرت في هذه الجريدة نفسها يوم وفاته.

    قال فيها ما تعريبه:
    "لم أزل أُخبر الناس بواسطة كتبي - وها إني أكشف لهم الآن أيضًا - أنني أُتـَّهم كذبًا وزورًا بأني قد ادعيتُ النبوة بحيث لا علاقة لي بالإسلام.. وكأني أعتبر نفسي نبيًّا مستقلا بحيث لا أرى أي حاجة لاتّباع القرآن الكريم، وأتخذ لي شهادةً مستقلّةً، وقبلةً مستقلّة، وأنسخ شرع الإسلام، وأخرج عن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به! كلا، إنها لتهمة باطلة تمامًا."
    (جريدة "أخبار عام" الصادرة من لاهور عدد يوم 26 مايو 1908)


 

خطب الجمعة الأخيرة