سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين | ||||||
مفهومنا: كمال الرسول صلى الله عليه وسلم.. كمال الإسلام.. كمال القرآن.. كمال الأمة | ||||||
معنى الخاتم لغة | ||||||
معنى "خاتم النبيين" على ضوء اللغة وخصوصيته | ||||||
القرآن الكريم يتوافق مع الإستدلالات المذكورة | ||||||
الفهم التقليدي لخاتم النبيين | ||||||
المعنى السياقي لـ(خاتم النبيين) | ||||||
الأحاديث الشريفة تناقض الفهم التقليدي | ||||||
المعنى الحقيقي لـ (خاتم النبيين) | ||||||
حديث اللبنة الأخيرة | ||||||
حديث "إني آخر الأنبياء" | ||||||
قصور الفهم التقليدي ومساسه بالخاتمية | ||||||
سؤال هام | ||||||
الخاتمية ونـزول عيسى عليه السلام وإشكالات تواجه الفهم التقليدي | ||||||
أسئلة أخرى | ||||||
الزمان يدعو مصلحًا سماويا | ||||||
تشابهت قلوبهم | ||||||
النبوة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم | ||||||
آية الاصطفاء | ||||||
آية أخذ الميثاق من النبي صلى الله عليه وسلم | ||||||
آية "وآخرين منهم" | ||||||
مهلا.. فالنبوة ليست مفتوحة لكل من هب ودب | ||||||
أقوال الإمام المهدي في تبيان مفهوم خاتم النبيين | ||||||
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين | ||||||
من أكثر الموضوعات التي أُسيء فهمها في عقائد الجماعة الإسلامية الأحمدية هو موضوع ختم النبوة، حتى إنهم يتهموننا بعدم الإيمان بكون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين. ولما كان مؤسس الجماعة عليه السلام قد أعلن صراحة أنه يتلقى الوحي من الله تعالى وأنه عز وجل قد شرفه بكلامه، فقد وقع بعض علماء زمانه في نفس المفهوم الخاطئ الشائع بين العامة، فاتهموه بإنكار كون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.
|
||||||
مفهومنا: كمال الرسول صلى الله عليه وسلم.. كمال الإسلام.. كمال القرآن.. كمال الأمة | ||||||
إن مفهومنا واعتقادنا بأن نبينا محمدا المصطفى صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، مرتكز بشكل متين على القرآن الكريم، ونابع من فهمنا لمقامه العظيم ومكانته السامية وكماله على الرسل وعلى الخلق أجمعين. ولقد منحه الله تعالى هذا اللقب، الذي لا يمكن أن يشاركه أو ينافسه فيه أحد، معبرا عن تلك المكانة السامية التي طبعت كل ما يخصه وما يتبعه صلى الله عليه وسلم بالكمال أيضا.
ويقول حضرته عليه السلام في هذا السياق أيضا ما تعريبه: "ليس تحت السماء الآن سوى نبي واحد ورسول واحد أي محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي هو أعلى وأفضل من جميع الأنبياء، وهو أتم وأكمل من جميع الرسل، وهو خاتم الأنبياء وخير الناس، الذي بفضل اتباعه يفوز الإنسان بالاتصال بالله وترتفع الحجب المظلمة، وفي هذا العالم تظهر آثار النجاة الحقيقية."
ويقول في موضع آخر: "الحق الذي لا يحوم حوله أدنى شك هو أنه لا أحد من الأنبياء يمكن أن يتساوى مع النبي صلى الله عليه وسلم في كمالاته القدسية، حتى لا مجال للملائكة أيضا للتساوي معه صلى الله عليه وسلم ناهيك عن غيرهم."
وحول كمال الدين وتمامه يقول حضرته عليه السلام مستدلا بالقرآن الكريم ما تعريبه: "لقد أعلن القرآن الكريم بنفسه: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ... ) أي يجب أن تتمسكوا بالحقيقة التي تتضمنها كلمة "الإسلام" والتي شرحها الله تعالى بنفسه من خلال كلمة "الإسلام". ففي هذه الآية صراحةٌ أن القرآن الكريم وحده أعطى تعليما كاملا، وأن عصرَ القرآن كان جديرا بأن يعطَى فيه تعليمٌ كامل. فإعلان التعليم الكامل الذي قام به القرآن كان من حقه وحده، ولم يقم أي كتاب سماوي آخر بمثل هذا الإعلان."
وحول كمال القرآن الكريم النابع من كون المصطفى صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين يقول حضرته عليه السلام ما تعريبه: "إن كلمة "خاتم النبيين" التي أُطلقت على النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي بحد ذاتها - بل تتضمن هذا المعنى - أن يكون الكتاب الذي نـزل عليه كتابًا كاملاً، وأن توجد فيه الكمالات كلها، وبالفعل توجد فيه هذه الكمالات كلها."
وحول كمال الأمة وخصوصية أفرادها الصالحين ببركة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم قال حضرته عليه السلام ما تعريبه: "ثمة جانب آخر من كون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وهو أن الله تعالى قد أودع بمحض فضله مواهبَ عظيمة في أفراد أمته، حتى ورد في الحديث: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل." وبالرغم من أن لعلماء الحديث كلاما في هذا الحديث إلا أن نور قلبنا يعتبره صحيحًا ونقبله بلا أدنى تردد."
وهذا المفهوم يقتضيه مفهوم الخاتمية ويؤكد عليه القرآن الكريم، حيث يقول تعالى: (آل عمران: 110) |
||||||
معنى الخاتم لغة | ||||||
ومن المعلوم أن الفعل "ختم" في اللغة يعني أنهى وأغلق، كما يعني أيضا طبع؛ أي ترك طابعه في شيء أو أعطاه من طابعه أو أثّر فيه. أما "خاتَم" أو "خاتِم" في اللغة فتعني: ما يوضع في الإصبع للزينة؛ ما يستخدم للختم أو التصديق؛ أو ما يستعمل للختم أو الإغلاق. |
||||||
معنى "خاتم النبيين" على ضوء اللغة وخصوصيته | ||||||
وبناء على ما سبق لا بد أن نفهم "خاتم النبيين" كما هي استعمالاتها في اللغة والآثار. وهكذا تكون "خاتم النبيين" تعني أفضلهم وأكملهم وهو الذي قد وصل إلى الكمال في النبوة بحيث لا يصل إلى مرتبته أحد ممن كان قبله أو ممن سيأتي بعده. وهو من جَمَع أفضل آثار الأنبياء السابقين ومن ثم صاغها في أزين صورة، ثم ترك أثره وطابعه فيمن جاء بعده.
|
||||||
القرآن الكريم يتوافق مع الإستدلالات المذكورة | ||||||
وبالعودة إلى القرآن الكريم سنجد أن كل هذه الاستنتاجات متوافقة معه تماما. (الأحزاب: 41) لقد وردت هذه الآية في معرض الإشادة بالرسول وذكر سموه ورفعته ومكانته. ومن أهم وجوه التفسير المقبولة لهذه الآية هي ما يلي:
|
||||||
الفهم التقليدي لخاتم النبيين | ||||||
يصرّ الفهم التقليدي على أن "خاتم النبيين" تعني "آخر النبيين". فما مدى صحة ذلك؟ |
||||||
المعنى السياقي لـ(خاتم النبيين) | ||||||
لقد وردت هذه الآية الكريمة في سياق الحديث عن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من مطلَّقة زيد. وقد اعتُرض على هذا الزواج باعتباره زواجا من مطلقة الابن، فجاءت هذه الآية لتنفي أبوته الجسدية صلى الله عليه وسلم لأحد من الرجال. ولما كان هذا التعبير مما يمكن أن يساء فهمه، وسط محيط يسخر ممن لم يبقَ له أي أبناء ذكور، كان لا بدّ من الاستدراك، فجاءت جملة (رسول الله وخاتم النبيين) بعد (لكن) لتزيل هذا الفهم الذي يتبادر إلى ذهن البعض، ولتقول: إنه أبوكم جميعا روحيا، بل أبو الأنبياء أيضا. |
||||||
الأحاديث الشريفة تناقض الفهم التقليدي | ||||||
أما فيما يتعلق بالحديث الشريف، فقد يظن أنصار الفهم التقليدي أن الحديث الشريف هو دليلهم القاطع الذي لا شبهة فيه. ومع أن القرآن الكريم يجب أن يكون مقدماعلى كل ما دونه، إلا أن الأحاديث ليست في صفّهم أيضا وإن ظنوا ذلك، وهذا ما سيتضح من خلال النظر في هذه الأحاديث.
بهذا الحديث قد حل النبي صلى الله عليه وسلم قضية "لا نبي بعدي"، وقضية الدجالين الثلاثين أيضا، إذ قال: ليس بيني وبينه نبي. المراد من "بعدي" هو أنه مهما ظهرالدجالون الكذابون فلا تحسبوا عيسى دجالا، إنه نازل لا محالة غير أنه ليس بيني وبينه نبي ولا رسول. ثم هناك حديث آخر أوثق من حديث الدجالين ويناقض جانب البعدية الزمانية فيه وفي غيره من الأحاديث التي تقول "لانبي بعدي". لقد ورد في صحيح مسلم حديث طويل يذكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم نـزول عيسى عليه السلام فيقول: "... يحصر "نبيّ الله" عيسى وأصحابه... فيرغب "نبيّ الله" عيسى وأصحابه.... ثم يهبط "نبيّ الله" عيسى وأصحابه.... فيرغب "نبيّ الله" عيسى وأصحابه إلى الله." ( مسلم، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال وصفته وما معه) نلاحظ في هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سمى المسيح "نبي الله" أربع مرات. ومن المؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يروى هنا حدثا سيحدث لاحقا بعد وفاته. وسواء كان القادم هو عيسى عليه السلام النبي القديم أو غيره، فإن هذا الحديث يؤكد ثبوت نبوته على أي صورة أو وجه جاء فيه، كما أنه يؤكد وجود نبي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم زمانا. ومن غير المقبول لمن يستدل بالأحاديث أن يمسك بحديث ويترك آخر وفق هواه. فإن فعل هذا فقد سقط استدلاله كاملا لأن مذهبه سيكون الانتقائية المغرضة. وإليكم الآن حديثا آخر يحسم الموقف في قضية "البعدية الزمنية". "عن ابن عبّاس قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن له مرضعا في الجنّة، ولو عاش لكان صدّيقا نبيّا. ولو عاش لعتقت أخواله القبط ومااسترقّ قبطيّ." (ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر وفاته) يقول معارضونا عن هذا الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو عاش لكان صدّيقا نبيّا"، ولكن الله توفاه حتى لا يصبح نبيّا. وهذه هي الحكمة وراء وفاته رضي الله عنه في الطفولة المبكرة. ولكن قولهم ليس إلا اجتهادا غير موفق للجمع بين النصوص، ثم إنه لا يُظهِر الحكمةَ الكامنةَ في الحديث، وإنما يسيء إلى فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم وبلاغته. إن خلفيّة هذا الحادث هي أن إبراهيم رضي الله عنه توُفِّي في بداية عام 9هـ، بينما نـزلت آية خاتم النبيين عام 5 هـ، أي بحوالي أربعة أعوام قبل وفاة إبراهيم رضي الله عنه. ولا يصعب على أي شخص واعٍ أن يستنتج من ذلك أنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفهم من آية خاتم النبيين أن النبوة قد انقطعت بصورة دائمة وبكل أنواعها، لَما قال: "لو عاش لكان صديقا نبيا"، بل لقال: لو عاش إبراهيم ولو ألف سنة لما صار نبيا، لأن الله تعالى قد أخبرني أنه لن يأتي في الأمة نبي إلى يوم القيامة. وهناك رواية أخرى تحل هذه المسألة إلى الأبد. فلقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لما توفي إبراهيمُ أرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أمه "مارية"، فجاءته وغسلته وكفّنته. وخرج به وخرج الناس معه فدفنه. وأدخل صلى الله عليه وسلم يده في قبره فقال: أما والله إنه لنبيّ بن نبي." (الفتاوى الحديثية لأحمد شهاب الدين المكي، ص 176 دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت) وبما أن سيدنا عليا رضي الله عنه كان من أهل البيت فروايته هذه أوثق وأجدر بالاعتبار. |
||||||
المعنى الحقيقي لـ (خاتم النبيين) | ||||||
إن حادث وفاة سيدنا إبراهيم وقع بحوالي أربع سنوات بعد نـزول آية خاتم النبيين كما بيّنّا، ولا بد أن يكون العلماء الآخرون أيضا قد انتبهوا إلى هذا الأمر وقرؤوا ما رواه سيدنا علي رضي الله عنه. فماذا يستنبط العلماء من ذلك؟
فترى أن العلماء القدامى الربانيين والسلف الصالح ظلوا على الدوام يستنبطون نفس المعنى الذي استنبطه سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام. أفليس من الظلم والجور حقا أنه عندما يستنتج حضرته عليه السلام هذا المعنى يستاء منه المعارضون كثيرا، فيصبح كافرا عندهم، وإذا استنبط العلماء القدامى المعنى نفسه يبقون مؤمنين بل يحتلون رأس قائمة أولياء الأمة. |
||||||
حديث اللبنة الأخيرة | ||||||
هلم ننظر الآن في حديث أخير كثيرا ما يقدمه الفهم التقليدي للاستدلال على ما ذهب إليه: (البخاري كتاب المناقب، مسلم كتاب الفضائل، الترمذي كتاب المناقب، ومسند أحمد بن حنبل، كنـز العمال: تتمة الإكمال من فضائل متفرقة تنبئ عن التحدث بالنعم) إن أنصار الفهم التقليدي يستنتجون من هذا الحديث أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان مجرد اللبنة الأخيرة في هذا القصر المشيد سابقا! إن النظر إلى النص بسطحية لا شك سيعطي هذا المعنى، ولكن هل يمكن القبول بهذا المعنى الذي ينال من مقام الرسول صلى الله عليه وسلم!. ولننظر ماذا قال اثنان من كبار علماء السلف الصالح حول هذا الحديث. يقول العلامة ابن حجر العسقلاني في شرحه: "فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة." (فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم) كذلك فإن العلامة ابن خلدون يقول في هذا الصدد: "فيفسرون خاتم النبيين باللبنة التي أكملت البنيان. ومعناه النبي الذي حصلت له النبوة الكاملة." (مقدمة ابن خلدون ص300 المكتبة العصرية سيدا بيروت عام 1988) وهكذا فإن أنصار الفهم التقليدي يريدون أن يجعلوا الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد لبنة واحدة في قصر كبير، بينما المفهوم الشامل للخاتمية يجعله صلى الله عليه وسلم القصر كله ويجعله مكمل البناء ومتممه ومالكه. |
||||||
حديث "إني آخر الأنبياء" | ||||||
أما الذين يحتجون بالحديث الذي يقول: "إني آخر الأنبياء"، فلا بد أنهم يعلمون جيدًا أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه قد بين معناه في الجملة التالية من نفس الحديث.
ويتابع فيقول: "فإن النبوة التي انقطعت بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي نبوة التشريع، لا مقامها، فلا شرع يكون ناسخا لشرعه صلى الله عليه وسلم، ولا يزيد في حكمه شرعا آخر. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي. أي لا نبي بعدي يكون على شرع يخالف شرعي، بل إذا كان يكون تحت حكم شريعتي، ولا رسول أي لا رسول بعدي إلى أحد من خلق الله بشرع يدعوهم إليه. فهذا هو الذي انقطع وسدّ بابه، لا مقام النبوة." (المرجع السابق ص4) ويصرح بأن ذلك ليس اعتقاده هو فحسب، بل ما زال علماء أهل السنة أيضا يصرحون بذلك، فيقول: "ما زال علماء أهل السنة يصرّحون أنه لا يمكن أن يكون في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم نبي بشريعة جديدة، فإن نبوته صلى الله عليه وسلم عامة. فالنبي الذي يكون في عصره صلى الله عليه وسلم يكون تابعا للشريعة المحمدية." (مجموعة الفتاوى لمحمد عبد الحي اللكهنوي ج1 ص17 مطبعة ايجوكيشنل بريس كراتشي باكستان) |
||||||
قصور الفهم التقليدي ومساسه بالخاتمية | ||||||
إن الفهم التقليدي الذي يحصر معنى خاتم النبيين في كونه آخرهم، يسيء إلى مفهوم الخاتمية ويقزّمه بل وينقضه أيضا. |
||||||
سؤال هام | ||||||
إن حَجْب النبوة عن الأمة الإسلامية، ومنعها من الوصول إلى ما وصلت إليه الأمم السابقة، لهو أمر يستدعي الوقوف عنده والتأمل. فلماذا ستُحجب النبوة عن الأمة؟ (يوسف: 7) فالنبوة حسب القرآن الكريم هي أتمّ نعمة ينالها الإنسان. فهل يمكن أن تكون الأمة كاملة بدون أن توهب النبوة لأحد منها؟ إن ما يطلبه كل مسلم في كل ركعة من صلاته هو أن يهديه الله الصراط المستقيم، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم. فمن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم؟ أليسوا هم الذين قال الله فيهم: (النساء: 70) |
||||||
الخاتمية ونـزول عيسى عليه السلام وإشكالات تواجه الفهم التقليدي | ||||||
إضافة إلى ما وضحناه سابقا حول هشاشة نظرية الفهم التقليدي عن خاتمية الرسول صلى الله عليه وسلم وحول مخالفتها للمنطق والقرآن الكريم ولمفهوم العلماء والفقهاء من السلف الصالح، كذلك فإنها لا تستطيع الصمود مقابل معتقدات هامة أخرى، من أهمها نـزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام التي هي من العقائد الراسخة عند غالبية المسلمين. إن عقيدة نـزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام - كيفما كان هذا النـزول - تنقض نظرية الفهم التقليدي وتثبت بطلانها، وتضع أمامها كمًّا من التساؤلات والتناقضات التي يستحيل حلها. (آل عمران: 50) فهذه الآية ونـزول عيسى بشخصه لا يمكن أن يجتمعا. فإما أن يعلن في أول يوم من نـزولـه نسخَ هذه الآية أو سيأتي بغيرها ويضعها في مكانها ليقال إنه رسول إلى أمة المصطفى خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم! هذا إضافة إلى أن نـزوله بشخصه سيعطل عددا لا حصر له من الآيات الأخرى المرتبطة به مباشرة وبشكل غير مباشر. وهكذا يصبح القرآن الكريم رهينة هذا النـزول وهذه البعثة. |
||||||
أسئلة أخرى | ||||||
وثمة سؤال آخر يفرض نفسه: ألم يكن نبينا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم يعلم أنه خاتم النبيين، وأن عيسى الذي يبشر بمجيئه بعده أيضًا نبي من أنبياء الله؟ ألم يكن يدرك أن مجيء عيسى سيكسر ختم نبوته صلى الله عليه وسلم؟ ألم يعلم صلى الله عليه وسلم أن الدين قد اكتمل، وأن نعمة الله قد تمت، وأن القرآن موجود، (البخاري كتاب أحاديث الأنبياء، ومسلم كتاب الفضائل) كما أن السلف الصالح من الأمة قد أفتوا أن مَن قال بسلب نبوة عيسى عند نـزوله في الزمن الأخير فقد كفَر. (انظُرْ كتاب "نـزول عيسى ابن مريم آخر الزمان"، للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت ص 53) أم أنهم يرون أنه ليس ثمة حاجة لأي مبعوث من عند الله تعالى ولو كان تابعًا للرسول صلى الله عليه وسلم؟ إنه لا يمكن الجمع بين القول بأن محمدا صلى الله عليه وسلم آخر النبيين، وبين نـزول المسيح، إلا بالرضى بنقض خاتمية الرسول صلى الله عليه وسلم وبالأخص نقض كمال القرآن الكريم وكمال الأمة، أو برفض نـزول عيسى عليه السلام جملة وتفصيلا بضرب أدلة نـزوله الثابتة بعرض الحائط. وكلا الاحتمالين هلاك. |
||||||
الزمان يدعو مصلحًا سماويا | ||||||
ونقول للذين ينكرون بعثة مصلح من عند الله تعالى لتدارك وضع الأمة محتجين بتواجد القرآن والسنة بين ظهرانينا؛ أننا لا نختلف معهم إطلاقًا بتواجد القرآن الكريم بيننا غير محرف ولا مبدل، ولكن القولَ بأنه لا حاجة إلى مصلح سماوي بسبب وجود القرآن بين ظهرانينا غير مبدّل، قولٌ يرفضه القرآن نفسه رفضا باتّا. يقول الله سبحانه وتعالى: (الفرقان:31) كم هي أليمة الشكوى التي يرفعها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى فيما يتعلق بهذا الكتاب الكامل. فما هو المراد من هذه الآية، وكيف سيهجر الناسُ القرآنَ الكريم؟ يوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر أيضا بنفسه فيقول: "يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه." (مشكاة المصابيح كتاب العلم الفصل الثالث، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، وكنـز العمال ج11 باب تتمة الفتن من الإكمال) وليكن معلومًا أن الصحابة أيضًا كانوا قد استغربوا من نبأ انحراف المسلمين وفسادهم، رغم وجود الكتاب الكامل والسنة الشريفة في الظاهر بين ظهرانيهم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بتصحيح أفكارهم. حيث ورد: "عن زياد بن لبيد قال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا فقال: ذاك عند أوان ذهاب العلم. قلت يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن، ونُقرئه أبناءَنا، ويُقرئه أبناؤنا أبناءَهم إلى يوم القيامة!؟ قال: ثَكِلتْك أُمُّك زيادُ، إنْ كنتُ لأراك مِن أفقهِ رجلٍ بالمدينة! أوليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل، لا يعمَلون بشيء مما فيهما." (ابن ماجة، كتاب الفتن) وفي رواية أخرى:"هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تُغني عنهم؟" (الترمذي، كتاب العلم) |
||||||
تشابهت قلوبهم | ||||||
ومن المعلوم أن الفهم التقليدي السائد ليس بظاهرة جديدة في التاريخ الديني، بل هي ظاهرة معروفة جدا. وهي كانت دوما السلاح الذي يشهره الناس في وجه مبعوثيهم، فإن صدقوا بمبعوث بعد جهد جهيد، بادروا إلى إشهاره في وجه الذي يليه. يقول الله تعالى: (غافر:35-36) ويقول الله تعالى مبينا سفاهة من يظن أنه لن يبعث الله تعالى أحدا: (الجن: 5-8) |
||||||
النبوة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم | ||||||
كما يتبين من التاريخ الذي يذكره القرآن أن الأنبياء كانوا يُبعثون فيما سبق لكل مرض روحي مهما كان صغيرا، فقام الأنبياء فقط دون غيرهم بالإصلاح، رغم أن الكتب السماوية كانت موجودة في أقوامهم مسبقا. ليس هناك مرض روحي يمكن أن يتصوره الإنسان إلا وهو منتشر على نطاق واسع في أيامنا هذه، ومع ذلك يرفضون بشدة إمكانية مجيء مصلح من الله تعالى. وكأنهم يقولون لو ظهرالدجالون الكذابون فلا بأس، لكن يجب ألا يأتي نبي من الله فإننا لا نقدر على تحمله. (سورة النساء:70-71) فالله تعالى يعلن هنا أن الذين يطيعون الله والرسول أي محمدًا (رسول الله) صلى الله عليه وسلم طاعة صادقة، سوف يحوزون على درجات الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين. ولكن البعض يقول: كلا، بل المعنى أن المطيعين لله والرسول صلى الله عليه وسلم يكونون في صحبة المنعم عليهم ولن يكونوا من المنعم عليهم. فيجب أن نرى أوّلاً ماالذي تعلنه الآيات المذكورة؟ تقول الآية: "من يطع الله والرسول" أي محمدًا صلى الله عليه وسلم. ما أعظمَه من إعلان! ألا ترى أنه كان من المفروض أن يكون هذا الإنعام على أتباع النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من أتباع الأنبياء الآخرين لكونهم خير أمة أخرجت للناس؟ ثم هل الناس من الأمم السابقة الذين أطاعوا رسلهم كانوا يتلقون الجواب بأنهم إذا أطاعوا رسولهم فسوف يكونون في صحبة المنعَم عليهم فقط ولن يكونوا منهم أبدًا؟ ألا ترى أن هذا المفهوم بهتان عظيم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن الكريم؟ أليس هذا الاستنتاج إساءة كبيرة للنبي صلى الله عليه وسلم؟ كما أنه إهانة لأمته صلى الله عليه وسلم حيث حُرمتْ من الإنعامات التي كان يتلقاها أتباع الأمم السابقة. هذا التفسير خاطئ ولاغٍ بكل المعايير، ويكذبه القرآن الكريم بنفسه، لأن "مع" هنا هي في محل المدح، ومن المعلوم أن كلمة "مع" تعطي معنى المعية ومعنى "مِن" أيضا. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك منها قول الله تعالى في القرآن الكريم: (آل عمران: 54) (النساء: 147) (المائدة: 84) (الحِجر: 33) فترى أن "مع" في كل هذه الآيات جاء بمعنى "مِن" لا غير. ثم علّمنا الله تعالى دعاء: (آل عمران: 194) فهل يعني هذا أن ندعو الله تعالى ليلَ نهارَ أنه كلما مات أحد من الأبرار فاقبِضْ روحنا أيضا يا رب؟ أهذا هو الدعاء الذي يعلمنا الله سبحانه وتعالى في كلامه المجيد يا ترى؟ كلا بل المعنى: توفنا يا ربنا ونحن من الأبرار في نظرك. فثبت أن القرآن الكريم يؤكد أن الذين يطيعون الله والرسول صلى الله عليه وسلم حقًّا يكونون من النبيين وليس في معيتهم فقط، ومن الصديقين أيضا وليس في معيتهم فقط، ومن الشهداء أيضا وليس في رفقتهم فحسب، ومن الصالحين أيضا، وليس معهم فحسب. |
||||||
آية الاصطفاء | ||||||
(الحج: 76) يقول البعض: هذه الآية نـزلت حين كان الله عز وجل قد امتنع عن اصطفاء الرسل من الناس. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصبح آخر النبيين. ولكن الحقيقة أن الله تعالى يخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه يصطفي رسلا من الناس، ولم يقل "كان يصطفي". ولو كانت النبوة قد انقطعت نهائيا، فما هو الغرض الذي تفيده هذه الآية؟ إن كلمة "يصطفي" جاءت في صيغة المضارع وتفيد الاستمرار، ليتهم يفهمون هذه النكتة البسيطة. |
||||||
آية أخذ الميثاق من النبي صلى الله عليه وسلم | ||||||
يذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن المجيد ميثاقا ويقول: (آل عمران: 82) ثم يقول سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب التي وردت فيها آية خاتم النبيين: (الأحزاب: 8-9) فميثاق النبيين لم يؤخذ من الأنبياء السابقين فقط، وإنما أُخِذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا كما هو واضح من كلمة "منك". فإذا كان من المقدر أنه لن يأتي بعده صلى الله عليه وسلم نبي من أي نوع كان، فلماذا أُخِذ منه صلى الله عليه وسلم هذا الميثاق؟ فالمراد أنه لو جاء نبي بحسب الشروط الواردة في آية الميثاق، مؤيدا لتعاليمه صلى الله عليه وسلم لوجب عليه، أي على أمته صلى الله عليه وسلم، أن تنصره وتؤيده. علمًا أن المراد من كلمة "منك" هو أمته صلى الله عليه وسلم إذ ليس من الممكن أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأموات لتأييد ونصرة نبي يأتي بعده صلى الله عليه وسلم. فلا يمكن أن يكون المراد هنا إلا أتباعه صلى الله عليه وسلم. ونرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ائتمر بهذا الأمر الإلهي، فأوصى أمته بتصديق هذا المبعوث الموعود، بل وشدد على هذا الأمر لدرجة أن قال "... فبايِعوه ولو حبوًا على الثلج، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ الْمَهْدِيُّ." (ابن ماجة، كتاب الفتن، باب خروج المهدي) |
||||||
آية "وآخرين منهم" | ||||||
يقول الله سبحانه وتعالى: (الجمعة :3-5) وهنا ذكر الله تعالى بعثة ثانية للرسول صلى الله عليه وسلم في الذين لم يلتحقوا بالصحابة. وما دام الرسول قد توفي فلا بد أن يمثله في هذه البعثة الثانية الروحانية أحد من خدامه المتفانين في حبه وطاعته صلى الله عليه وسلم. يحاول البعض الفرار من هذا الموقف قائلين إن المراد من "آخرين منهم" هنا أولئك الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.. أي أولئك الذين لم يلتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد، بل سيأتون في الفترة اللاحقة من عصر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه. ولكنه تأويل قد رفضه الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه. فقد جاءت في صحيح البخاري رواية يصعب العثور على رواية أقوى منها: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنّا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأُنـزلت عليه سورة الجمعة: (وآخَرين منهم لـمّا يلحقوا بهم(. قال، قلت: من هم يا رسول اللّه؟ فلم يراجعه، حتى سأل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسيّ. وضع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يده على سلمان، ثم قال: "لو كان الإيمان عند الثريّا لناله رجال أو رجل من هؤلاء." (البخاري: كتاب التفسير، سورة الجمعة) الأمر الأول الذي يتبين من جواب النبي صلى الله عليه وسلم هو أن الآخرين المقصود بهم هنا هم أولئك الذين سوف يأتون في وقت متأخر جدا. ولأجل ذلك وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسي، الشخص الوحيد الذي كان من غير العرب.. ولم يضع يده على أحد من العرب.. وقال: لو ارتفع الإسلام إلى الثريا سيكون هناك رجال عظام من قوم سلمان الفارسي رضي الله عنه أي من أهل فارس سوف يعيدونه إلى الأرض. إذن مَن هم "آخرين منهم"؟ هم أولئك الذين يظهرون حين يكون الإيمان بالثريا. وهل يُعقل أن يحدث ذلك ويرتفع الإيمان إلى الثريا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه صلى الله عليه وسلم بنفسه يعلن: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب." هنا يقول النبي بأن القرون الثلاثة الأولى بعد فجر الإسلام ستكون مستنيرة، أي إن نوري لن يختفي فجأة. أنا شمس عظيمة، ويبقى نوري مضيئًا إلى ثلاثة قرون بعد وفاتي، وسوف ترون هذا النور بأم أعينكم، ثم يأتي عصر الظلام. ولن يُبعث أثناءه أحدٌ حتى يطول هذا الليل المظلم، وسيبدو وكأن الإيمان قد اختفى من الدنيا وأصبح بالثريا. |
||||||
مهلا.. فالنبوة ليست مفتوحة لكل من هب ودب | ||||||
لعل من أهم الأسباب التي صاغت الفهم التقليدي هو الخوف على الدين والغيرة على مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن المفهوم الحقيقي لخاتم النبيين لا يترك أي مجال لذلك. |
||||||
أقوال الإمام المهدي في تبيان مفهوم خاتم النبيين | ||||||
وننهي هذا البحث بأقوال فيصلة من حضرة المؤسس عليه السلام نفسه في تبيان مفهوم خاتم النبيين ونوع النبوة التي وُهبها من عند الله تعالى.
|
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8