يقول المسيح الموعود عليه السلام في هذا الشأن :
1: إن مذهبي في حُجّيّة الكتاب والسنة هو أن كتاب الله مقدَّم وإمامٌ. المعاني التي تُستنبَط في قضية ما من الأحاديث النبوية ولا تخالف كتاب الله ستُقبل حجةً شرعية، أما المعاني التي تعارض نصوص القرآن البينة فلن نقبلها أبدا، بل سنستنبط من الحديث، قدر استطاعتنا، معانيَ توافق وتطابق نصًّا بيِّنا في كتاب الله. ولو وجدنا حديثا يخالف نص القرآن الكريم ولم نقدر على تفسيره فسنعتبره موضوعًا، لأن الله جلّ شأنه يقول: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} (1). ففي هذه الآية إشارة صريحة إلى أنه إذا حكم القرآن الكريم في أمر ما حكما قاطعا ويقينيا دون أن يبقى فيه أدنى شك وتبيَّن المقصود تماما فلا يليق بالمؤمن أن يؤمن بحديث يعارضه صراحة. ثم يقول الله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (2)، ولهاتين الآيتين معنى واحد فلا حاجة إلى شرحه أكثر. فمن منطلق الآيتين المذكورتين يجب أن يكون مذهب كل مؤمن هو الإيمان بكتاب الله حجةً شرعية بدون أيّ شرط، وأن يؤمن بالحديث حجةً شرعية مشروطة، وهذا هو مذهبي. [مناظرة لدهيانة (الخزائن الروحانية مجلد 4) ]
2: أنّ ما ذُكر في الأحاديث منسوبا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قولا أو فعلا أو تقريرا سوف نختبره أيضا بالمحك نفسه، وسنرى من منطلق الآية: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} إذا كان ذلك الحديث المبني على القول أو الفعل أو التقرير يعارض آيةً من آيات القرآن الصريحة والبينة أم لا. فإن لم يكن معارضا فسنقبله على الرأس والعين، ولكن إذا كان معارضا في الظاهر فسنحاول قدر المستطاع لتوفيقه، وإن لم ننجح في ذلك مع بذل الجهود المضنية ووجدناه معارضا للقرآن الكريم بصراحة تامة فلسوف نردّ ذلك الحديث متأسفين لأن مكانة الحديث لا تبلغ مكانة القرآن الكريم. القرآن وحيٌ متلُوٌّ، وقد اهتُمَّ بجمعه وحفظه اهتماما بالغا بحيث لا مجال للمقارنة بينه وبين الاهتمام بحفظ الأحاديث. إن غاية ما يفيده كثير من الأحاديث هو الظن ويؤدي إلى نتيجة ظنية. وإن كان هناك حديث يحظى بمرتبة التواتر فإنه مع ذلك لا يساوي تواتر القرآن الكريم قط. فأكتفي بكتابة هذا القدر. [مناظرة لدهيانة (الخزائن الروحانية مجلد 4)]
3: ما دامت الأحاديث لم تُجمع بصورة قطعية ويقينية لا تقبل الجرح والقدح بحال من الأحوال، وأن الإيمان بها لا يحتل المرتبة والمنزلة التي يحتلها الإيمان بالقرآن الكريم، لذا ليس مذهبنا قط أن نضع الحديث من حيث الرواية أيضا في المرتبة اليقينية نفسها التي نعتقدها للقرآن الكريم. ولقد قلتُ من قبل بأن غاية ما تفيده الأحاديث هو الظن، وما دامت تفيد الظن فأنّى لنا أن ننزلها من حيث الرواية أيضا منزلة القرآن الكريم؟ وبمجرد إلقاء النظر على أسلوب جمع الأحاديث، يُدرك كل عاقل أنه لا يسعنا أن نؤمن بصحة روايتها بحال من الأحوال باليقين نفسه الذي نؤمن به بالقرآن الكريم [مناظرة لدهيانة (الخزائن الروحانية مجلد 4)]
4: "من أين ثبتت عصمة الإمام محمد بن إسماعيل والإمام مسلم؟...أن الذي يهبه الله تعالى علم القرآن الكريم بفضله ورحمته ويحظى بتفهيم من الله تعالى ويُكشف عليه أن حديثا ما يعارض آية قرآنية ما، ويبلغ علمه هذا مبلغ القطعية واليقين الكامل يتحتّم عليه أن يؤوّل الحديث أولا سالكا مسلك الأدب ويحاول توفيقه مع القرآن الكريم قدر الإمكان، وإذا كان التوفيق من المحالات ولا يكاد يتحقق بحال من الأحوال فيقول بعدم صحة الحديث مضطرا، لأنه من الأفضل لنا أن نتوجّه إلى تأويل الحديث في حالة معارضته للقرآن الكريم. ولكن من الإلحاد السافر والكفر الصارخ أن نترك القرآن من أجل الأحاديث التي وصلت على أيدي الناس. وإن اختلاط أقوال الناس ليس محتملا فقط بل يقين." [مناظرة لدهيانة (الخزائن الروحانية مجلد 4)]
5: أرى أنّ كلَّ من يؤمن بالقرآن الكريم- سواء أكان من السابقين أو المعاصرين- ملتزم باعتقاد أن القرآن الكريم ميزان ومعيار ومحك لصحة الأحاديث، لأنه ما دام القرآن الكريم بنفسه نصّبَ نفسه في هذا المنصب ويقول: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (1)، ويقول: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى} (2)، ويقول أيضا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا} (3) ثم يقول: {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى} (4)، ويقول أيضا: {أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} (5)، ويقول: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} (6) {لَا رَيْبَ فِيهِ} (7)، فهل من مؤمن لا يجعل القرآن الكريم حَكَما على الأحاديث؟ وما دام الله تعالى يقول بنفسه بأن كلامه حَكَمٌ وقولٌ فصلٌ وفرقانٌ للتمييز بين الحق والباطل وميزانٌ، فهل من الأمانة ألا نؤمن بكلام الله تعالى هذا؟ وإذا كنا نؤمن به فلا بد أن يكون مذهبنا أن نعرض كل حديث وقول على القرآن الكريم حتى نعلم على وجه اليقين هل يستمد النور في الحقيقة من مشكاة الوحي نفسه الذي خرج منه القرآن الكريم أو يعارضه؟ [مناظرة لدهيانة (الخزائن الروحانية مجلد 4)]