loader
 

المفهوم الحقيقي للجهاد الإسلامي..

 ردّ فكرة الجهاد الدامي الخاطئة 

لقد ظلت فكرة الجهاد في الإسلام مثارًا لكثير من الجدل في السنوات الأخيرة. إن بعض المشايخ يُلبسون فكرةَ الجهاد الإسلامي معاني خاطئة، فيسيئون إلى الإسلام ونبي الرحمة محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، ويضرون بالأمة، ويجلبون عليها الويلات تلو الويلات.

ولقد بيّن مؤسسُ الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدُنا مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام - الذي بُعث من الله تعالى قبل أكثر من قرن من الزمن، بصفته مسيحًا موعودًا ومهديًا معهودًا وحَكَمًا عَدْلاً، ليفصل الخلافات بين المسلمين، وليعيد للإسلام عصرَه الذهبي - فأعلن عليه السلام أن استخدام القوة ممنوع بتاتًا فيما يتعلق بأمور الدين، وأنه لا بد من الرجوع إلى القرآن والحديث النبوي والسنة الشريفة لمعرفة المفهوم الحقيقي للجهاد. فقد بيّن الله تعالى بوضوح أن الجهاد الكبير لا يتم بالسيف والسنان بل بالقرآن؛ حيث أمر رسولَه الكريم (صلى الله عليه وسلم): { وجَاهِدْهم به جهادًا كبيرًا }(الفرقان: 53).. أي جاهِدْهم بالقرآن الكريم الجهادَ الكبير. وفي إحدى المرات قال النبي (صلى الله عليه وسلم) حين رجع من إحدى الغزوات: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر." (كشف الخفاء للإمام إسماعيل العجلوني، دار إحياء التراث العربي بيروت الطبعة الثانية 1351هـ رقم الحديث 1362).

أما القتال بالقوة المادية فقد شرعه الله تعالى لردّ عدوانِ المعتدين فقط، وليس لإكراه الناس على اعتناق الإسلام. قال الله تعالى: { وقاتِلوا في سبيل الله الذين يُقاتِلونكم ولا تَعتَدوا إن الله لا يحبّ المعتَدين }(البقرة: 191).
وفيما يلي نبذة من أقوال مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عليه السلام تفصل وتوضح الأمر تمامًا. وقراءتها تؤكد أن مفهوم الجهاد الإسلامي الذي يقدمه حضرته هو المفهوم الصائب والصحيح، لأن القرآن الكريم يؤيده، وسنة النبي (صلى الله عليه وسلم) تدعمه، وشهادة الله الفعلية، أي الأمر الواقع، تؤيده.


-  انتشر الإسلام بسبب ميزاته
-  مفهوم الجهاد
-  القلم والدعاء

انتشر الإسلام بسبب ميزاته

قال حضرته عليه السلام ما تعريبه:
"يأمر القرآن الكريم صراحة ألا ترفعوا السيف لنشر الدين، بل قدِّموا ميزاته الحسنة، واجذِبوا الناس من خلال أسوتكم الحسنة.
ولا تظنوا أن الإسلام في بداية عهده أمر برفع السيف لنشر الدين. كلا! إن ذلك السيف لم يُرفع لنشر الدين، بل رُفع ردًّا لعدوان الأعداء، أو توطيدًا لدعائم الأمن؛ ولم يكن الهدف منه الإكراه في سبيل الدين إطلاقًا." (ستارة قيصرية، الخزائن الروحانية ج 15 ص120-121)

وقال عليه السلام أيضا ما تعريبه:
"إن كافة المسلمين الصادقين الذين خلوا من قبل لم يعتقدوا قط أنه يجب نشر الإسلام بحدّ السيف، بل الحق أن الإسلام قد انتشر في العالم بقوة محاسنه الخالدة دائمًا. فالذين يُدْعَون مسلمين، ومع ذلك يتبنَّون فكرة نشر الإسلام بحدّ السيف، لا يعترفون في الحقيقة بميزاته، وإن سلوكهم هذا يشبه سلوك الوحوش الضارية." (ترياق القلوب، الخزائن الروحانية ج 15 ص167 الهامش)

وقال عليه السلام في بيت شعر لـه بالفارسية ما تعريبه:
عزيزي، إن الطريق لتأييد الدين مختلف تمامًا، وليس أن تشهر السيف على من لا يقبَل.

ما الحاجة لأن تشهر السيف من أجل الدين؟ إذ ليس بدين أبدًا ذلك الذي لا يمكنه البقاء إلا بسفك الدماء." (ترياق القلوب، الخزائن الروحانية ج 15 ص 132)


مفهوم الجهاد

وقال حضرته عليه السلام ما تعريبه:
"إن فكرةَ الجهاد (العدواني) لدى المسلمين اليوم وانتظارَهم لإمام سفّاك للدماء، وبُغْضَهم للأمم الأخرى، كلّ ذلك ليس إلا بسبب خطأ وقع فيه بعض العلماء القليلي الفهم. أما الإسلام فلا يأذن برفع السيف إلا في حرب دفاعية، أو في محاربة الظالمين المعتدين عقابًا لهم، أو في الحرب التي تُشَنُّ حفاظًا على الحريات المشروعة." (المسيح الناصري عليه السلام في الهند، الخزائن الروحانية ج 15 ص 4)

يقول عليه السلام في موضع آخر ما نصُّه:
"ما أُمر المؤمنون للحرب والقتال إلا بعد ما لبثوا عمرًا مظلومين مضروبين، وذُبحوا كالمعز والجِمال، وطال عليهم الجور والجفاء، وتَوالى الظلم والإيذاء، حتى إذا اشتد الاعتداء، وسُمع عويل المستضعَفين والبكاء، فأُذن للذين قتَلَ الكَفَرةُ إخوانَهم والبنين، وقيل: اقْتُلوا القاتلين والمعاونين، ولا تعتدوا فإن الله لا يحب المعتدين. هنالك جاء أمر الجهاد، وما كان إكراه في الدين وما جبرٌ على العباد. وما بُعث نبي سفّاكًا، بل جاءوا كالعِهاد، وما قاتَلوا إلا بعد الأذى الكثير والقتل والنهب والسبي من أيدي العِدا وغُلُوِّهم في الفساد. فرُفعت هذه السُّنّة برفع أسبابها في هذه الأيام، وأُمرنا أن نُعِدَّ للكافرين كما يُعِدُّون لنا، ولا نرفع الحُسامَ قبل أن نُقتَل بالحُسام." (حقيقة المهدي، الخزائن الروحانية ج 14 ص 454)

ويقول عليه السلام عن أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) ما تعريبه:
"سبحان الله، كم كانوا أتقياء، ومتحلّين بروح الأنبياء، أولئك القومُ الذين حين نهاهم الله في مكة عن مواجهة الشر بالشر ولو مُزّقوا إربًا، تواضعوا فورَ تلقيهم هذا الأمر، وضعفوا كأطفال رُضّعٍ، وكأنهم ليست بأيديهم وأرجُلهم من قوة. فقُتل بعضهم بحيث رُبطت إحدى رِجلي المرء ببعير ورِجله الأخرى ببعير آخر ربطًا محكمًا، ثم أُركِض البعيران في اتجاهين معاكسين، فقُطع المسكين جزأَيْنِ في لمح البصر كما تُقطَع الجَزر وغيره من الخُضار. ولكن المؤسف أن المسلمين، ولا سيما المشايخ منهم، صرفوا الآن أنظارهم عن كل هذه الأحداث، وزعموا أن أهل الدنيا كلهم صيدٌ لهم؛ وكما أن الصياد عندما يرى الغزالَ في الفلاة يتسلل إليه في الخفاء ويتحين الفرصة فيطلق عليه الرصاص، كذلك هو حال معظم المشايخ.

إنهم لم يقرؤوا حرفاً واحداً من دروس الرفق والعطف على بني الإنسان، بل يزعمون أن إطلاق الرصاص على شخص بريء على حين غفلة منه هو الإسلام فقط. أين فيهم أولئك الذين يمكن أن يصبروا على الضرب كالصحابة رضوان الله عليهم؟ هل أمرنا الله تعالى أن نفاجئ رجلاً، لا نعرفه ولا يعرفنا، على حين غفلة منه، دونما سبب أو جريمة ارتكبها، فنقطّعه بالسكين إرباً ونُنهي حياته بالرصاص؟ هل يُعقل أن يكون من عند الله تعالى الدينُ الذي يحض أتباعه، بوعد الجنة، على قتل العباد دونما جريرة ارتكبوها أو بدون أن يتم تبليغهم.

إنه لمن المؤسف بل من المخجل أن نصادف إنسانًا - ليس بيننا وبينه عداوة أو معرفة سابقة - يشتري بعض الحاجيات لأولاده في أحد المحلات أو مشغولاً في بعض أعماله المشروعة الأخرى، فنطلق عليه النار بدون سبب أو مبرر، فنجعل زوجته أرملة وأولادَه أيتاماً وبيته مأتماً. في أية آية من القرآن الكريم أو في أي حديث من أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) ورد مثل هذا الأمر؟ هل يستطيع أحد من هؤلاء المشايخ أن يجيب على هذا؟ الواقع أن هؤلاء الجهّال سمعوا اسم الجهاد، ثم أرادوا أن يتخذوه ذريعة لتحقيق أغراضهم النفسانية." (الحكومة الإنجليزية والجهاد، الخزائن الروحانية ج 17 ص 12، 13)

وقال عليه السلام ما تعريبه:
"...تذكَّروا أن الإسلام لا يسمح برفع السيف إلا على الذين يرفعونه عليكم أوّلاً، ولا يأمر بقتل أحد إلا الذين يبدؤون بقتلكم. ولم يعلّم بتاتًا أن تعيشوا تحت إمرة سلطان كافر وتستفيدوا من عدلـه وقسطه، ثم تهاجموه كالمتمردين. إن ذلك دَيْدَنُ الأشرار، وليس من شيم الأبرار حسبما قرره القرآن الكريم." (عاقبة آثم، الخزائن الروحانية ج 11 ص 37)

الوقت وقت القلم والدعاء وليس قتل الأعداء

ويقول عليه السلام ما نصُّه:
"كيف الجهاد ولا يُمنَع أحدٌ من الصوم والصلاة، ولا الحج والزكاة، ولا من العفّة والتقاة، وما سَلّ كافرٌ سيفًا على المسلمين ليرتدّوا أو يجعلهم عِضِينَ؟ فمِن العدل أن يُسَلُّ الحسام بالحسام، والأقلام بالأقلام." (إعجاز المسيح، الخزائن الروحانية ج 18 ص 156- 157)

ويقول عليه السلام ما تعريبه:
"يجب أن تكون حربنا كحربهم. علينا أن نخرج إلى الساحة لمواجهتهم متسلحين بمثل أسلحتهم التي خرجوا بها، وذلك السلاح هو القلم. ولذلك فقد خلع الله تعالى عليّ أنا العبد الضعيف لقبَ "سلطان القلم"، وسمّى قلمي بـ "ذوالفقار علي". والسرُّ في ذلك هو أن الزمن الراهن ليس زمن الحرب والقتال، وإنما هو زمن القلم". (الملفوظات ج 1 ص 232)

ثم يقول عليه السلام ما نصه:
"اعلموا أرشدكم الله أن الأمر قد خرج من أن يتهيأ القوم للجهاد.... فإنا نرى المسلمين أضعفَ الأقوامِ، في ملكنا هذا والعرب والروم والشام، ما بقيت فيهم قوة الحرب، ولا عِلْمُ الطعن والضرب. وأما الكفار فقد استبصروا في فنون القتال، وأعدّوا للمسلمين كل عدَّة للاستئصال، ونرى أن العِدا من كل حدب ينسِلون، وما يلتقي جمعانِ إلا وهم يغلِبون. فظهر مما ظهر أن الوقت وقت الدعاء، والتضرعِ في حضرة الكبرياء، لا وقت الملاحم وقتل الأعداء. ومن لا يعرف الوقتَ فيُلقي نفسه إلى التهلكة، ولا يرى إلا أنواع النكبة والذلة...

فاعلموا أن الدعاء حربةٌ أُعطيتُ من السماء لفتح هذا الزمان، ولن تغلبوا إلا بهذه الحربة يا معشر الخلان. وقد أخبر النبيون مِن أولهم إلى آخرهم بهذه الحربة، وقالوا إن المسيح الموعود ينال الفتح بالدعاء والتضرع في الحضرة، لا بالملاحم وسفك دماء الأمة." (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية ج 20 ص 81-82)

يقول حضرته عليه السلام ما نصه:
"وأما الآفات التي قُدِّر ظهورُها في وقت المسيح فمِن أعظمِها خروج يأجوج ومأجوج وخروج الدجال الوقيح، وهم فتنة للمسلمين عند عصيانهم وفرارِهم من الله الودود، وبلاء عظيم سُلِّط عليهم كما سلِّط على اليهود.

واعلم أن يأجوج ومأجوج قومانِ يستعملون النار وأجيجَها في المحاربات وغيرِها من المصنوعات، ولذلك سُمّوا بهذين الاسمين. فإن الأجيج صفة النار، وكذلك يكون حربهم بالمواد الناريات. ويفوقون كلَّ مَن في الأرض بهذا الطريق من القتال، ومِن كل حدب ينسِلون. ولا يمنعهم بحر ولا جبل من الجبال، ويخرّ الملوك أمامهم خائفين، ولا تبقى لأحد يد المقاومة، ويُداسون تحتهم إلى الساعة الموعودة. ومَن دخل في هاتين الحجارتين ولو كان لـه مملكة عظمى فيُطحن كما يُطحن الحَبُّ في الرحى؛ وتُزلزَل بهما الأرض زلزالها، وتحرَّك جبالُها، ويُشاع ضلالها، ولا يُسمَع دعاءٌ ولا يصل إلى العرش بكاءٌ.

ويصيب المسلمين مصيبة تأكل أموالهم وإقبالهم وأعراضهم، وتُهتَك أسرار ملوك الإسلام، ويظهَر على الناس أنهم كانوا مورد غضب الله من العصيان والإجرام. ويُنـزَع منهم رعبهم وإقبالهم وشوكتهم وجلالهم بما كانوا لا يتقون. ويبارون الأعداء من طريق وينهزمون من سبعة طرق بما كانوا لا يُحسنون. يُراءون الناس ولا يتبعون رسول الله وسنته ولا يتدينون، وإنْ هم إلا كالصوَر ليس الروح فيهم، فلا ينظر إليهم الله بالرحمة ولا هم يُنصرون. وكان الله يريد أن يتوب عليهم إن كانوا يتضرعون، فما تابوا وما تضرعوا، فنـزل على المجرمين وَبالُهم - إلا الذين يخشعون - ويرون أيام المصائب ولياليها كما رأى الملعونون.

فعند ذلك يقوم المسيح أمام ربه الجليل، ويدعوه في الليل الطويل، بالصراخ والعويل، ويذوب ذوبانَ الثلج على النار، ويبتهل لمصيبة نـزلت على الديار، ويذكر اللهَ بدموع جارية وعبرات متحدرة، فيُسمع دعاؤه لمقامٍ لـه عند ربه، وتنـزل ملائكة الإيواء فيفعل الله ما يفعل، ويُنجّي الناس من الوباء. فهناك يُعرَف المسيح في الأرض كما عُرِف في السماء، ويوضع لـه القبول في قلوب العامة والأمراء، حتى يتبرَّك الملوك بثيابه. وهذا كله من الله ومن جنابه، وفي أعين الناس عجيب." (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية ج 16 ص 317-318)

أخي القارئ الكريم، اعلم أن القرآن الكريم كلما ذكر الجهاد ذكره مقرونًا بوعد الله تعالى بنصر المؤمنين وتأييدهم، فكان النصر والغلبة على الأعداء حليف المسلمين زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، دون أي استثناء، وذلك رغم قلة عددهم وعتادهم. ولكن الواقع المرَّ الذي نراه اليوم هو عكس ذلك تمامًا، إذ يتلقون هزيمة تلو هزيمة في كل مكان. فهل لأحد أن يثبت أن المسلمين اليوم يحظون بالنصر والتأييد من الله تعالى في جهادهم في أي مكان على وجه المعمورة؟ فهل فكروا يوما لماذا حُرموا من تأييد الله سبحانه وتعالى؟ لقد سبق أن نصحهم المسيح الموعود عليه السلام في أبيات شعر لـه ما تعريبه:

أيها الأحبة، تخلَّوا عن فكرة الجهاد العدواني الآن، فإن الحرب والقتال ممنوع بتاتًا من أجل نشر الدين. لقد جاء المسيح الذي هو إمام الدين، وقد انتهت الآن الحروب من أجل نشر الدين.

لقد قال سيد الكونَين محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) إن عيسى المسيح الموعود سيضع الحروب. فالذي يخرج للقتال بعد الاطلاع على هذا الأمر النبوي سوف يلقى هزيمة نكراء على يد الكفار. (تحفة غولروية، الخزائن الروحانية ج 17 ص 77-78)


وما علينا إلا البلاغ. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 


 

خطب الجمعة الأخيرة