loader
 

الزواج انتقال للمرأة من الإحصان إلى الإحصان

 يصفُ القرآنُ الكريم المرأةَ غير المتزوجة الحرَّة المصانة الشريفة بالمحصَنة، كما يصف المرأة المتزوجة الحرَّة الشريفة بالمحصنة أيضا، وهذا الاشتراك اللفظي وُجِد لحكمة عظيمة متعلقة بالزواج أراد أن يوجِّه القرآنُ الكريم إليها ويرسِّخها.
فالإحصان يعني الِحفاظة والحماية والوقاية والرعاية والصوْن والستر والتكريم، وعكسه المسافحةُ التي تعني سفح العِرْض وعدم مراعاة تأمين الإحصان للمرأة بمعانيه المتنوعة. والفتاة في بيت والدها، أو المرأة في بيت ذويها، تكون محصَنةً ومُصانةَ العِرْض ومكرمةً من قبل والدها أو وليها، ومن الواجب أن تنتقل إلى بيت زوجها لتكون محصنةً مصانةَ العرض ومكرمة. وإذا كان الزواج يعطي للزوج رخصةً للعلاقة الخاصة مع الزوجة فإن هذا ينبغي أن يكون في إطار الإحصان؛ أي أن يقدم لها الحماية والرعاية والوقاية والصون والستر والتكريم، وأن يؤدي حقوقها المشروعة، ويلتزم بما تعهد به من مهر والتزامات أخرى، وإذا لم يلتزم الزوج بالإحصان ويبذل جهده للقيام به فإن هذه العلاقة تصبح سَفْحا لعِرْضها الذي كان مُصانا من قبل، حتى وإن كان الزواجُ شرعيا مكتمل الشروط ظاهريا.
هذه هي الحكمة التي أرادها الله تعالى، وتوجيها إلى هذا الأمر جاء قوله تعالى:
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } (النساء 25) حيث كان قد ذكر الله تعالى قبل ذلك فئات النساء المحرَّمات، ثم أضاف إليهن فئة المحصنات؛ أي أن كلَّ النساءِ حرامٌ عليكم أيضا، ولا يحل لكم إلا العازبات من النساء اللاتي يمكن أن تبتغوا الزواج بهن مُحصنين لهن محافظين عليهن غير مسافحين في علاقتكم بهن؛ أي لا تسفحون أعراضَهن دون أن تقدموا لهن الإحصان. وبما أن الله تعالى قد متَّعكم بهذا الحق، وأباح لكم أعراضَهن ضمن إطار حِصن الزوجية، فعليكم أن تؤدوا حقوقهن المفروضة كاملة التي من ضمنها مهورهن ونفقاتهن التي تعهدتم بها، كما يمكن أن تتراضوا وتؤدوا فوق ما تعهدتهم به.
والواقع أن القرآن الكريم في ذلك قد بيَّن تلقائيا فساد النماذج المتنوعة من الزواج التي لا يتحقق فيها الإحصان، كالزواج بنية الطلاق والمسيار وغيره من الأنواع المبتدعة، وبيَّن بأن الذي لا يحقق الإحصان- حتى لو استوفى الشروط الشرعية- فلا يُعتبر زواجا بل يصبح سفاحا يتمتع فيه الرجل بالمرأة ويسفح عِرْضها ثم لا يؤمن لها الإحصان اللائق بها.
وبإدراك هذه الحقيقة يصبح الحديث عن زواج المتعة عند الشيعة أمرا مفروغا منه، فهو ليس إلا السِّفاح الذي يبتغي فيه كلٌّ من الرجل والمرأة متعته دون أدنى نوع من الالتزام، ناهيك عن الإحصان.
والرائع في هذا التعليم القرآني الحكيم هو أنه لا يبطل النماذج الفاسدة من الزواج فحسب، بل يتضمن توجيها من الله تعالى للمؤمنين أن من واجبهم أن يراعوا الإحصان في زواجهم بأقصى ما يستطيعون، وألا يقصروا فيه، كما يبيِّن للمؤمن بأن أي زواج يعزم عليه وينوي فيه التقصير في تأمين الإحصان عمدا يعرِّضه للإثم ويقرِّبه من السفاح. فلا يجوز مثلا أن يتزوج الرجل امرأة لكي يتمتع بها فحسب، ثم لا يعقد العزم على أن يقدِّم لها ما يستطيع من حماية ورعاية وتكريم. ولا يجوز مثلا أن يتزوج الرجل امرأة ثانية لمجرد المتعة ويجعلها في مرتبة ومكانة أدنى من زوجته الأولى، ولا يعطيها ما تستحقه من كرامة ومنزلة، حتى وإن أمَّن لها المسكن والنفقة والحقوق الظاهرية. كما لا يجوز أن يتزوج بامرأة ينوي أن يقضي معها مدة من الزمن ثم يطلقها بعد ذلك، حتى وإن أدى لها كل حقوقها المالية من قبل ومن بعد. كل هذا لا يجوز حتى وإن وافقت المرأة وعلمت مسبقا بنيَّة الرجل، فالتراضي لا يجعل الفاسد مشروعا؛ فالزناة يقومون بفعلتهم بالتراضي!
إن الذين يركزون على تحقق الشروط الشرعية ظاهريا لصحة عقد الزواج، وبناء عليه يشرِّعون أنماطا ونماذج فاسدة، والذين يظنون أنهم التزموا بما تعاقدوا عليه ونفذوا ما هو مطلوب منهم ولم يخدعوا ولم يغدروا، إنما وقعوا في التحايل على الشريعة وإتيان البيوت من ظهورها، وهذا ليس من التقوى والبر في شيء، كما يقول الله تعالى:
{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (البقرة 190)
إن الشريعة الإسلامية ليست قانونا يُحاسَبُ المرْءُ على الالتزام به ظاهريا، بل إن الالتزام الظاهري التام دون الالتزام بروح التقوى ودون عقد النية الصحيحة السليمة يبطل الأعمال مهما بدت لا شائبة فيها ظاهريا، ويعرِّض المرء للمساءلة والعقوبة الإلهية. فكيف إذا استُخدمت الشريعة- بالتحايل عليها ظاهريا أو بتحريفها معنويا- وسيلة لإتيان ما لا يرضى به الله؟


زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.
 

خطب الجمعة الأخيرة