إن الدارس لفكر حضرة مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عليه السلام، قبل أن يأمره الله بتأسيس الجماعة وبعدها، لا يملك إلا أن يَخْلُص بوضوح إلى القانون الذي بنى عليه فكره، وهذا القانون يمكن أن يطلق عليه "قانون الكمال" الذي آمن به حضرته منذ أول عهده إلى آخر يوم في حياته.
إن هذا القانون، بكل اختصار، قانون نابع من إيمانه العميق بالله تعالى وبصدق الإسلام والرسالة المحمدية التي ينبع كمالها من الكمال الإلهي. فبما أن الله تبارك وتعالى هو الكمال الكامل المتصف بالأسماء الحسنى المتكاملة غير المتناقضة وهو المنزه عن النقص والعيوب، كذلك فإن كلمته ورسالته وسننه ومظاهر خلقه لا يمكن أن يعتريها عيب أو تناقض أو تفاوت أو خطأ. وكمال الإسلام، الذي هو مظهر كمال الله، يرتكز على كمال عناصره الثلاثة وهي: كمال القرآن الكريم ؛ كمال الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وكمال الأمة الإسلامية التي خصها الله بهذه النعمة وهذه البركة. هذا هو المحور الذي آمن به حضرته وعمل على توضيحه والتدليل عليه بكل الحجج والبراهين.
وعندما كان يتعرض الإسلام إلى أشد الهجمات انبرى حضرته عليه السلام ليقدم الأدلة والبراهين على هذا القانون الذي آمن به إيمانا عميقا. فقام بإعداد المجلد تلو الآخر من كتابه "البراهين الأحمدية على حقيقة كتاب الله القرآن والنبوة المحمدية" بحجج وبراهين دامغةٍ دعا من شاء من المخالفين لنقضها وعرض لمن يستطيع نقض خمسها أن يعطيه مبلغ 20000 روبية، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت ويعادل كل ميراثه الذي ورثه عن أبيه من عقارات وأملاك. لقد كان مبعث ذلك ثقته العميقة بالله تعالى وبصدق الرسالة الإسلامية، وطرح هذا التحدي لمن شاء من أعداء الإسلام ومن المشككين بصدق رسالته السمحة الكاملة. وقد بدأ هذا المشروع قبل أن يبلغه الله ويكلفه بمهامه كإمام مهدي ومسيح موعود. كذلك وأثناء مسيرته العطرة التي دافع فيها عن الإسلام، كتب حضرته عليه السلام مجموعة من الكتب سمّى أحدها "مرآةَ كمالات الإسلام" تأكيدا على هذا المبدأ الذي كان محور إيمانه وفكره وجهاده.
ولم يكن هذا القانون مجرد فرضية افترضها دون دليل، بل إن الأدلة على هذا القانون راسخة ومتصلة عميقا في كل أركان الإيمان. وإن القرآن الكريم قد عبر عن قانون الكمال هذا في مواضع عديدة بشكل مباشر وغير مباشر، بل إن رسالة القرآن حقيقة تعمل على خلق الإيمان بهذا القانون عند كل من يُقبل على هذا الكتاب بكل إيمان وحب ويقين. كذلك فإنه لو تولد هذا القانون فإن النظرة إلى القرآن والنظر فيه سيفتحان أبوابا عظيمة من العلوم الدينية التي تفيض وتتموج في هذا الكتاب الكريم. لقد كان حضرته محبا للقرآن الكريم وكان يعتبره كعبته التي يطوف حولها، وكان يردُّ كل فضل أنعم الله به عليه وكل علم قد تعلمه من لدنه إلى بركات هذا الكتاب الكامل.
لقد أعلن القرآن الكريم عن كمال الإسلام في قوله تعالى:
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"
إن هذا الإعلان الذي تضمنته هذه الآية الكريمة كان إعلانا عظيما جدا وهاما. ويروى أن أحد اليهود عندما سمع بهذه الآية قال لأحد المسلمين: " والله لو نزلت علينا آية كمثل هذه الآية لجعلنا يوم نزولها عيدا لنا". فلقد كان هذا الإعلان الإلهي حُلمَ كل الأديان من قبل، لكي تعلن تلك الأديان ألا ناسخ لها من بعدها، وأنها ستكون الدين الأخير الكامل المتكامل الذي يصلح للبشر في كل الأوقات.
ولكن هيهات، فلم تكن تلك الأديان إلا نقطة في بحر هذا الدين العظيم، ولم تكن سوى مظهر صغير لقصر كبير أراد الله تبارك وتعالى أن يضع المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه اللبنة الأخيرة ويسكنَه ويدخلَه المسلمون معه بسلام آمنين. فحقَّ لدين محمد صلى الله عليه وسلم أن يسمى ب"الإسلام" لأنه قد ظهر فيه الكمال الإلهي وحقق المقاصد التي أرادها الله من الدين منذ خلق الله الأرض ومن عليها.
وبما أن القرآن الكريم هو كلام الله القطعي الذي لا ريب فيه ولا شك والذي لم يختلط بقول البشر، والخلق هو فعل الله، فلا يمكن أن يتناقض قول الله في كتابه القرآن مع فعله في خلقه. وعلى العكس تماما، فلا بد أن يكون الإتقان الكامل للخلق مظهرا لكلمة الله، كما لا بد لكلمة الله أن تظهر في صور عديدة من الخلق. وهكذا، فقد تنبّه حضرته عليه السلام إلى هذه الحقيقة وصاغها بكل وضوح، وهي الحقيقة التي عبر عنها القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى:
"تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (3) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (4) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (5)"
فالمتدبر في الخلق سيجد التناسق العجيب ولن يجد فطورا أو تفاوتا. كذلك فإن كلام الله لا يمكن أن يتضمن فطورا وتفاوتا أيضا. كما بين حضرته أن التدبر في الخلق سيفيد في فهم كلمة الله تعالى، كما أن التدبر في كلمة الله سيفتح آفاقا عظيمة لفهم قوانين الخلق وكشف أسرار العلوم والقوانين التي من شأنها أن ترتقي بحياة الإنسان على كل الصعد. وهذه القاعدة المستمدة من قانون الكمال أصبحت أحد الأركان التي بنى عليها منهجه في النظر في القرآن الكريم وتفسيره وفهم دقائقه.
وهكذا نرى حجم التحدي الذي وضع نفسه فيه وجماعته ، مقابل فكر إسلامي غاب عنه هذا القانون وبرز هذا الغياب أكثر فأكثر مع تقدم الزمان. بل إن تغييب هذا القانون قد أودى بالفكر الإسلامي إلى مهاوٍ عميقة، حتى أصبح يؤصِّلُ النقص وعدم الكمال ويقننُه ويضعُ له قواعد وعلوما تدرس في الجامعات والمعاهد والمدارس. إن هذا ما جعل الإسلام الذي بين يدي الناس بعيدا عن روحه الحقيقية، وهذا ما زعزع ثقة المسلمين بدينهم، وما جعلهم عرضة للهجوم من أعدائهم بسبب بعض العقائد الركيكة المتناقضة المتضاربة التي لا أصل لها في الإسلام حقيقة. وقد كان حضرة مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عليه السلام مدافعا عن الكمال وناقضا لكل ما بني على تغييبه. فإذا كان نقض كل الأفكار التي بنيت على غياب قانون الكمال، وعرض كل فكرة أو ظاهرة جديدة على هذا القانون لتقرير قبولها أو رفضها يعتبر تجديدا فقد كان مجددا بهذا المعنى. أما إن كان القصد إيجاد مبادئ جديدة أو خلق أمور محدثة في الدين الكامل فهذا ما هو بريء منه ، وما يمكن اعتباره أصوليا في مقابله.
ولشديد الأسف، فلقد كان القرآن الكريم الضحية الأولى لغياب قانون الكمال في الفكر التقليدي.وإذا حاولنا أن ننظر في آثار غيابه فسنجد أنها وخيمة جدا، وقد ألقت بظلالها الثقيلة على الفكر الإسلامي التقليدي عامة. وما نقصده بالفكر الإسلامي التقليدي عامة هو الفكر السني الشائع المتفق عليه إلى حد كبير بين أهل السنة. ولا يتسع المجال هنا لعرض ما يقول به الفكر الشيعي الذي أسرف في تغييب الكمال بشكل لافت.
فبخصوص متن القرآن الكريم، فقد ابتدع الفكر التقليدي بدعة الناسخ والمنسوخ التي جعلها علما لمعرفة الأحكام العاملة والأحكام المعطلة أو المرفوعة. وهكذا فقد افترضت هذه العقيدة أن هذا الكتاب الكريم يحتوي آيات معطلة لا يجوز العمل بها بسبب نزول آيات بعدها نسخت حكمها، كما يفترض وجود آيات رفعت محلا وبقي حكمها الذي لا بد من العمل به مع عدم وجود تلك الآيات في القرآن الكريم. والأخطر من ذلك، أنه لا يوجد تحديد متفق عليه لهذه الآيات المنسوخة والناسخة. إن مبحث الناسخ والمنسوخ هو مبحث طويل جدا ومتشعب، كما أن أضراره على الفكر الإسلامي متشعبة جدا أيضا، ألا أننا بكل ثقة يمكن أن نقول أن نقض هذه العقيدة وحدها بكل ما يتعلق بها من جزئيات سينهض بالفكر الإسلامي بشكل كبير. وقد قام حضرته عليه السلام بنقض هذه العقيدة والتدليل على بطلانها بالأدلة القرآنية وغيرها، كما قدمت الجماعة تفسيرا لأشهر الآيات التي اعتقد الفكر التقليدي بنسخها بشكل سهل ومقنع. ومن أشهر العقائد التي شوهتها عقيدة الناسخ والمنسوخ هي عقيدة الجهاد. فقد افترض القائلون بالنسخ أن آية واحدة، وهي آية السيف، قد نسخت ما يزيد على مائة آية أخرى تدعو إلى الحرية الدينية والعفو والتسامح. ونحتوا مبدأ مرحلية الجهاد الذي ما هو إلا قمة الانتهازية، كما أن آثاره السيئة قد جعلت من يؤمن بهذه العقيدة يعاشر الناس بالنفاق ويتحين الفرصة للانقضاض عليهم.
وقد افترض الفكر التقليدي، أن القرآن مجمل وحمال أوجه ولا سبيل للاستفادة منه بغير الحديث الشريف. وأن الحديث هو الذي يحكم على القرآن وليس العكس؛ إذ أن الحديث مفصل والقرآن مجمل. لقد بين حضرته عليه السلام أن القرآن هو كتاب كامل يقيني لا شك فيه ولا ريب، بينما الحديث لا يمكن أن يرقى إلى هذه المرتبة بل هو في غالبيته العظمى في مرتبة الظن من حيث ثبوت روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقدم الظن على اليقين؟ وقد أكد حضرته أن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في أصله لا يمكن أن يتناقض مع القرآن، وأن التناقض أو التعارض – إن لم يكن هنالك من سبيل لإزالته – فهو ناتج عن عملية انتقال الأحاديث إلينا وتدوينها. إلا أنه لا ينبغي التجرؤ على الحديث ورفضه والنظر إليه بعدم الاهتمام، فما لم نستطع إزالة التعارض فيه مع القرآن الكريم نتركه ولا نكذبه، ولكن الحديث هو خادم للقرآن وشارح له وليس حكما عليه ولا قاضيا فيه.
وقد فرق حضرته بين الحديث وبين السنة النبوية التي هي فعل الرسول وتقريره التي انتقلت إلينا بطريق يقيني لا ريب في نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم. وهذه الأفعال ما هي إلا التطبيق الدقيق للقرآن الذي تجلى في أبهى صوره في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم. لقد ساق من الأدلة، من ضمن ما ساقه حول مكانة الحديث، قوله أن الحديث لم يكن مدونا ومجموعا في أبرز وأهم عصور الإسلام وهي مرحلة الصحابة وأول مرحلة التابعين، فهل يصح أن نقول أن مصدرا من مصادر الشريعة كان غائبا آنئذ!
كذلك فقد بين حضرته الخطأ الذي وقع فيه المفسرون من خلال إقحام الإسرائيليات من القصص في تفسير القرآن الكريم، وبين أن القصص الموجودة في القرآن الكريم، وإن تشابهت مع القصص الإسرائيلية، إلا أنه من الخطأ أخذ تفصيلاتها من هناك والتحكم بالتفسير وحصره. فهذه القصص كما قدمها القرآن الكريم تذكر الجزء المفيد من كل قصة والذي يتضمن أنباءً غيبية تتعلق بالمسلمين. وهكذا فبدلا من أخذ العبرة من تلك القصص وفهم الأنباء الغيبية الواردة فيها، فقد حوّل الفكر التقليدي القرآن الكريم إلى كتاب قصص مفرقة غير مكتملة وغير مرتبه ترتيبا زمنيا مع ترتيب القرآن الكريم.
وفي مقابل عدم تيقن الفكر التقليدي من أهمية الترتيب عامة وترتيب سور القرآن وآياته خاصة؛ فقد أكد حضرته عليه السلام أن القرآن الكريم مرتب ترتيبا حكيما محكما بحيث أن كل كلمة أو آية أو سورة هي في موضعها، وسياقُها يرسم صورة متكاملة لرسالة القرآن الكريم وتفسيره ومعانيه. فمن خلال الانتباه إلى هذه الحقيقة يمكن الاستفادة في التفسير بحيث أن كل ما شذ عن هذا الإحكام لا بد وأن يكون من خطأ المفسر. وقد أمعن حضرته في تبيان كمالات القرآن الكريم، فأثبت مثلا أن القرآن الكريم لم يقدم حجة إلا وساق الدليلَ عليها بعدها مباشرة، وأضاف هذه القاعدة إلى قواعد التفسير العظيمة في فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية.
وهكذا فمن خلال إصلاح العقيدة في القرآن الكريم وما يتبعها من إصلاح كل العقائد الأساسية المرتكزة على القرآن، فقد عمل حضرته على إصلاح العقيدة والذبِّ عنها بكل قواه.
وفيما يخص الشريعة فلم يغفل حضرته عن الكمال الذي في الشريعة الإسلامية أيضا. لقد بين حضرته عليه السلام أن الشريعة لازمة لنشوء الحالة الروحانية في الإنسان، وهي ليست مجرد أمور شكلية لا قيمة لها. لقد تفرد حضرته بتبيان أثر السلوك والأطعمة والأشربة على الحالة الخلقية للإنسان، كما بين أثر الحالة الخلقية على الحالة الروحانية. وبين أن إصلاح السلوك والعادات الذي تتضمنه الشريعة سيؤدي إلى إصلاح الأخلاق، وإصلاح الأخلاق سيفتح الطريق لنشوء الحالة الروحانية. وقد كتب حضرته عليه السلام كتابا عظيما بعنوان "فلسفة تعاليم الإسلام" بين من خلاله الفلسفة وراء كل الأوامر والنواهي الإسلامية. كما بين أن الحالة الروحانية لا تنشأ فجأة وتختفي فجأة بل هي عملية خلق تحتاج إلى كثير من المثابرة والمحافظة.
إن الهدف الأسمى للدين بل ولخلق الإنسان بداية هي العبودية لله تعالى وحده. وهكذا فإن كل العقائد نابعة أصلا من عقيدة التوحيد كما أنها تؤول إليها وتخدمها. كذلك فإن الشريعة هي النظام الذي يضع الإنسان على طريق العبودية ويكفل أن يكون سلوكه موجهاً نحو العبودية لله تعالى. ومن خلال العقائد الراسخة في النفوس والشريعة التي تظهر على الجوارح يصبح المؤمن مؤمنا عابدا موحدا لله تعالى. وهكذا فقد أراد الله تعالى ألا يكون حضرته مجرد مصلح أو مجدد ينادي بتقويم العقائد وبأهمية الشريعة، بل أراد الله تعالى أن يكلفه بدعوى تتضمن في طياتها إصلاحا للعقائد والسلوك بطريقة عجيبة هي في حقيقتها آية من آيات صدقه.
إن دعواه من ناحية فكرية تستند على ثلاثة مواضيع: وهي حياة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ووفاته، ونزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان وقتله الدجال، والمفهوم الحقيقي لخاتم النبيين، لقب حضرة سيده وسيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم.
لقد أعلن حضرته أن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام قد توفي كغيره من الأنبياء ولا حقيقة لرفعه إلى السماء بجسده وحياته فيها حتى هذا الوقت، وقدم الأدلة والبراهين الواضحة على هذا الأمر من القرآن الكريم والحديث الشريف ومن الكتاب المقدس وغيره من المصادر التاريخية والطبية. كما بين حضرته عليه السلام المقصود بنزوله في آخر الزمان ما هو إلا قدوم شخص يشابهه في صفاته وفي ظروف بعثته من الأمة الإسلامية. أما مفهوم خاتم النبيين فقد بين حضرته أن المقصود به هو الأفضلية المطلقة للرسول صلى الله عليه وسلم على الأنبياء والمرسلين، وأن الفهم التقليدي لهذا الموضوع لم يصن مقام المصطفى صلى الله عليه وسلم وأفضليته وخاتميته.
إن هذه المواضيع الثلاثة تعتبر تطبيقا عظيما لقانون الكمال. فالفهم الصحيح لموضوع حياة المسيح عليه السلام ووفاته يقوم عقيدة التوحيد وينقيها، كما ُيقوّم النظرة إلى النصوص القرآنية ويجلّي كمال القرآن ودقة تعابيره وعدم وجود التناقض في آياته. أما النزول في آخر الزمان لمواجهة الدجال فيعمل على تقويم النظرة إلى الحديث الشريف وإلى أنبائه، كما يقدم مثالا على الطريقة الصحيحة للتعامل معه والاستفادة منه. أما موضوع خاتم النبيين، فهو يعمل على إبراز كمال الرسول صلى الله عليه وسلم وكمال أمته بشكل خاص، إضافة إلى أن المواضيع الثلاثة مع بعضها البعض تبرز كل عناصر الكمال في الإسلام.
إن هذه المواضيع الثلاثة لا تقوم العقائد فقط وإنما تعمل على خلق آلية لفهم العقائد والتعامل مع النصوص. ومن العجيب جدا أن يكون النظر فيها الخطوة الأولى التي بحسمها يفتح الطريق أمام كل من يسمع بدعوى الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام. و المتدبر سيجد أن هذه الأمور الثلاثة كانت تشكّل في طياتها ثالوثا يختزل كل عناصر فساد الفهم التقليدي من خلال أمثلة مركزة شاملة، وتدمير هذا الثالوث يؤدي إلى إصلاح هذا الفساد من جذوره. ويمكن القول أن الفهم الصحيح أصبح يشكل ثالوثا جديدا للإيمان والتوحيد في مقابل ثالوث الفساد في العقائد عند عامة المسلمين. كما أن ثالوث التوحيد هذا يحطم ثالوث الشرك النصراني بشكل حاسم ودقيق ومختصر، ويحقق النبأ الخاص بكسر الصليب في آخر الزمان على يد المسيح الموعود.
أما بعد تجاوز هذه الأمور واضمحلال أثرها على الإسلام، فإن مسيرة التجديد في الجماعة الإسلامية الأحمدية ستبقى مستمرة إلى الأبد إن شاء الله تعالى. إن ما يميز فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية الذي اختط قواعده الأصلية حضرة المؤسس عليه السلام هو أنه فكر متجدد غير جامد قادر على التصدي لكل ما يستجد من أمور. فالقانون الأساس التي بقوم عليها كما أسلفنا هو قانون الكمال، مما يجعل كل مسألة مستجدة أو فرعية يجب أن تخضع لهذا القانون لكي يتقرر القبول بها أو رفضها. إن هذا القانون وإن كان بسيطا في عرضه وفي مضمونه إلا أنه يتطلب عرض كل الأدلة المتعلقة بأي مسألة ودفع أي تناقض ظاهر بين هذه الأدلة تحت هيمنته. وهذا يجعل الأدلة شاملة متكاملة ويجعل النتائج المستخلصةَ نتائج أقرب إلى الكمال. أما إذا لم تكن الأدلة خاضعة لهذا القانون، فقد تنحرف بعيدا بصاحبها وتورث بعض الأخطاء العقدية القاتلة التي تترك أثرا مدمرا في الحاضر أو في المستقبل أحيانا.
وهكذا، فإن التجديد في الجماعة الإسلامية الأحمدية هو أصولية قانون الكمال وثباته وحركية التعامل مع كل ما يستجد من مسائل فهمت خطأ في الماضي وبرزت في هذا الوقت، أو برزت في هذا الوقت وفهمت خطأ، أو ما يمكن التنبه له من أفكار قد تكون برزت في الماضي والحاضر وستترك أثرا سيئا متوقعا في المستقبل. فقد آمنا كما آمن حضرة المؤسس عليه السلام بهذا الكمال المتكامل لله تعالى ورسالة الإسلام وكتابه ونبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعقدنا العزم على الجهاد في الله ورأينا أن الله تبارك وتعالى قد هدانا سبله. فحمدنا الله تعالى على هذه النعمة التي أنعم بها علينا. فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على نبينا وإمامنا وحبيبنا ومعلمنا حضرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.