حكَم ودلالات عيد الفطر المبارك
ها قد حل عيد الفطر السعيد بعد انقضاء شهر رمضان المبارك لهذا العام.. نسأل الله تعالى، العلي القدير، أن يعيده على الأمة الإسلامية والعربية باليمن والبركات والهدى والرشاد والسداد، آمين.
ولعل قدوم العيد يكون مناسبة لنا لاستذكار بعض من الحِكَم والدلالات التي جعلها الله في تخصيصه للمسلمين بعد انقضاء شهر رمضان المبارك، وتسليط الضوء عليها في لمحة سريعة.
لا شك أن قدوم شهر رمضان المبارك يورث الفرح والسرور في قلوب المؤمنين، فتراهم يستبشرون به لما شهدوا من بركات كثيرة تحل عليهم بحلوله كلما هل عليهم وحلّ. وتمضي أيام رمضان والمسلمون مبتهجون بأيامه ولياليه، وكثيرا ما يعبرون عن خوفهم من انقضائه سريعاً، ويتمنون لو أن أيامه تمتد ولياليه تطول. فلا يمكن لمسلم مخلص أو مؤمن صادق أن يرى في هذا الشهر ضيقاً في صدره أو ثقلاً على قلبه. فرمضان شهر البركة والخير والعبادة والطمأنينة ولا يفرح المسلمون بانقضائه. ولا تنبعث فرحة العيد التي يستشعرها المسلمون من كونه إيذاناً بنهاية رمضان وزواله.
إن الصوم، الذي هو ركن من أركان الإسلام، لا يمكن أن نحصر مزاياه وفوائده على نفس المؤمن وروحه، فللعبادات حِكَمٌ، قد ندرك بعضا منها، وأسرار عظيمة، لا يعلم بها إلا الله تعالى الذي فرض تلك العبادات لتكون سبيل صلاح الإنسان وتقربه إلى ربه. ولعل من أهم ما يمكن أن يتعلمه المسلم من الصوم هو أن يكون المسلم مستعداً لترك الحلال والمباح لله تعالى إن أمره الله بذلك، أو إذا اضطر لذلك، أو إذا استحسن الأمر في سبيل الله وقام به لوجهه، بعد أن تعلم من الشريعة أن يترك الحرام دائما طوال حياته. وهكذا يؤكد الصوم على أن تكون علاقة المؤمن بربه علاقة إحسان وليست علاقة مقايضة وميزان. فلا يأبه المسلم بما يظن أنه من حقه بل يكون مستعدا لتركه طواعية. وهذا التعليم وحده كفيل برفعة المؤمن وتقويم سلوكه ودفعه إلى الأمام على الصراط المستقيم، كما أنه تعليم كفيل بنشر السلْم في العالم أجمع. فلو ترك الإنسان ما يدعي بأنه من حقه أحيانًا، أو لو كان مستعدا لذلك، لنزع فتيل معظم الصراعات التي يخوضها بنو الإنسان على امتداد الأزمنة، ولعاشت الإنسانية في ود وتفاهم وأمن وانسجام.
ولا شك أيضا أن فترة التنازل عن الحق وعن المباح لن تكون ديدن المسلم طوال حياته، بل هي فترة قد تمر عليه في أوقات محددة ولا بد أن تزول إذا قضى الله تعالى بذلك. لكن ينبغي على المؤمن أن يكون في تلك الفترة في طمأنينة كالتي يستشعرها أثناء صيامه في رمضان، حتى إذا انقضت تلك الفترة، والتي يمكن أن تسمى فترة عسر في حياته، فرح بانقضاء العسر وربح قبل ذلك وبعده وفي أثنائه. لذلك فإن الفرح لا يكون بانقضاء الإحسان والطاعة التي أبداها أثناء فترة تسليمه وتنازله عن حقه المشروع والمباح، بل بزوال تلك الفترة التي قدم فيها هذا التنازل طاعة لأمر الله أو تقربا إليها. وسيشعر عندها بأن هذا اليوم الذي انقضت فيه تلك الفترة هو يوم عيد، حيث حقق الله وعده بإتباع العسر باليسر، وفرح المؤمن بسبب أن الله قد وفقه لكي يصبر في تلك الفترة ويحتسب لوجهه، وأنه لم ينسحب منها بنفسه، بل إن الله تعالى قد قضى بانتهائها وأكرمه بذلك. ولعل ارتباط ثبوت شهر رمضان وانقضائه بالقمر من خلال ظهور الهلال يشير إلى أن نزول العسر وزواله هما بيد الله تعالى وبإشارة منه. فإنْ جاء العسر فعلى المؤمن أن يستعد لكي يتكيف معه ويتصرف بما يرضي الله تعالى، وإن زال فرح بانقضائه واستبشر، وكانت تلك فترة العسر السابقة سببا في رفعته وتقربه لله تعالى.
والله تعالى في كل الأحوال لا يريد العسر بالمؤمنين وإنما يريد بهم اليسر، وهذا ما ذكره الله تعالى مباشرة بعد آيات فرض الصيام في سورة البقرة. ولا يمكن النظر إلى الصوم على أنه فترة عسر أصلا، وإن حدثت مشقة فيه فليست هي المقصودة بعينها. وكأن الله تعالى بذلك يريد أن يوجه المؤمن إلى الجوانب الإيجابية و الجيدة والمضيئة في تلك الفترات الخاصة التي يعاني فيها المؤمن أو قد يراها البعض عسرا مؤقتا. فلو أحسن المؤمن وصبر واحتسب لرأى في تلك الفترة جوانب كثيرة من اليسر أيضا. ومن العجيب أن جعل الله لرمضان فرحة في صدور الناس لا يمكن أن يتغلب عليها أي شعور بالصعوبة أو المشقة التي قد يعانونها أثناء الصيام. وهكذا تغلبت بركاته على ما يحتويه من صعوبات، وهذه هي النظرة التي يطلبها الله تعالى من المؤمن إن قضى أن يدخله في فترة من العسر المؤقت، والتي ستتحول إلى فترة من الاستبشار والسرور إن أحسن فيها المؤمن وصبر واحتسب. ولكن ما يلبث الله تعالى إلا أن يزيل تلك الفترة ويكون المؤمن قد نال فيها كل اليسر وكل الأجر وكل الفوز والقرب من الله تعالى. فيفرح المؤمن عندها فرحاً عظيماً، ولا تراه يذكر فترة العسر السابقة بالحسرة والألم، لا بل هو يتذكر أنها كانت فترة قرب من الله تعالى وبركة. وسبحان الله تعالى الذي جعل رمضان والعيد من بعده تعليما عمليا لهذه الأمر الدقيق بشكل عجيب.
إن رمضان ضيف عزيز، ولا شك أن ابتهاج المسلمين به هو عيد حقيقة. ولعل من حكمة الله أنه لم يشرع أن يكون العيد في أوله بل في آخره لكي لا تكون فرحة استقباله فرحة كاذبة أو خادعة أو شكلية. بل إن الفرحة الحقيقية تكون للمؤمنين في نهايته بعد أن نالوا بركاته وعملوا وأحسنوا وفازوا. لذلك فإن الفرحة تتفاوت بين المؤمنين بحسب ما قاموا به خلاله وبحسب عملهم فيه. فحق لهم أن يفرحوا عندها، لا محتفلين بانقضاء رمضان، بل مبتهجين بما وفقهم الله تعالى للقيام به خلاله، وهكذا يودعون هذا الضيف العزيز بالسرور. ولربما كان من الحِكَم الإلهية أيضا أن جعل الله تعالى للعيد بهجة تنبعث في القلوب و الصدور كي يسلِّي الناس ويخفف عنهم بسبب ذهاب شهر رمضان الكريم، الذي لا يشعرون فيه إلا بالرضا والسرور والرحمة التي جعلها الله سِمَته وطابعه. فوداعا يا شهر رمضان الكريم، ونسأل الله أن تحلّ علينا في العام القادم بخير مما حللت به علينا هذا العام، وأن يعيد الله تعالى أيامك لتشهد النصر والفوز والرفعة لأمة الإسلام إلى يوم الدين، وأهلاً بالعيد السعيد، وكل عام وأنتم بخير. |
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص،
كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.