بسم الله الرحمن الرحيم
من الناس المواطنين من لا يهمه الخطاب الديني ولا يعول عليه ولا على كتب الدين فله إذن الدستور والقانون للتعامل معه فهو رادعه.
ومنهم من يؤثر فيه هذا الخطاب الديني وكتب الدين، ويتبع بفهمه الخاص أو يتبع مشايخ يخطبون أو يكتبون. والخطاب الديني يكون هو جاذبهم ورادعهم. ونتائج الخطأ في طبخة الخطاب الديني الذي يتغذى عليها هذا القطاع المواطن قد تسبب تسمما روحيا عقليا، ونرى التعصب والدم والكراهية والدعاية والدعوة للقتل.
لكل شعب ميزات وعيوب خاصة، ولكن الخطاب الديني الإسلامي الشائع قد اشتركت فيه أمة الإسلام كلها فنتج منه طابع عام له ملامح محددة، فسدت بسببها أخلاق وعقول قطاعات الأمة المهتمة بالخطاب الديني، وصارت سمة شتركة تدمر المواطنة الصالحة.
ومن عجب أن خطابا دينيا إسلاميا عالميا مصدره تراث إسلامي منتشر في العالم هكذا قد سبب تسمما إسلاميا عالميا أفسد المواطنة في عشرات الدول وتعدت مفاسده لأمم العالم تقريبا أجمع.
تجديد الخطاب الإسلامي برهنت الأحداث على ضرورته، وصار تجديد الخطاب الديني مسألة حياة أو موت لشعوب الإسلام، وصار قاسما مشتركا بين كل المسلمين مهما كانت بيئاتهم.
يجب العلم بأن الله الموجود الحي القيوم هو أول أصحاب الشان في هذا الصدد ولابد من بحث دوره فيه إذ الكلام عنه ولابد له من الدفاع عن دينه.
الإعلام له دوره البناء للأمم لو عزم، والإعلاميون حاليا يتصورون أنفسهم قادرين على سياسة مشروع كهذا، ولكن لا يمكن ترك ذلك الأمر العظيم للإعلاميين وحدهم هم وضيوفهم يعالجونه كل بما في ذهنه، فمصير الأمم أخطر من أن يترك لجماعات إعلامية وضيوفها. لقد اقتنعت الجهات المعنية بصلاح الحال بحتمية التجديد، وانطلق الإعلاميون يتكلمون، واستضافوا جهات شتى وتصاعد الاختلاف واحتدت الكلمات، واشتبك المشايخ وانطلقت القذائف مع وضد إسلام بحيري وإبراهيم عيسى، وتصاعدت الاتهامات بين الأزهر وبين الشيخ محمد عبد الله والشيخ الجندي وحار المذيعون بين الشيخ أحمد كريمة وبين مناوئيه من المؤسسة الأزهرية، وزعم الوهابيون أنهم لو صعدوا المنابر فهم قادرون على معالجة التجديد الديني.. ومن الواجب فض الاشتباك حتى لا يفسد الأمر وتستفيد جهات الخراب مادة لدوام الحال، والحق أن دوام الحال لم يعد مقبولا.
المسألة تتحدد بأن هناك نصوصا لا يمكن إلغاؤها أو تجاهلها وهي تتعلق بحقائق صلبة
مثل نصوص أن من فعل كذا فقد كفر أو أشرك، وموضوعات وظيفة الدولة ومسألة الجهاد وإقامة الخلافة وضلال الأمة وفتح القسطنطينية والدجال ونزول المسيح وقتل الدجال وكسر الصليب ونشر الدين الحق وفتح روما والمهدي ويأجوج ومأجوج. ومن المستحيل التجاهل.
من حق الشعب المظلوم أرضا أو مالا أو عرضا أن يدافع عن نفسه، وأعمال القتال تقوم بها شعوب ذا قيادة. لها أسباب وتتعرض للتدخل مناصرة أو إصلاحا. وليس هذا هو جهاد القرآن. ويختلط الجهاد القرآني بالدفاع الواجب إنسانيا على كل مظلوم ضد من يهاجمه.. قد يهاجم شعب مسلم (أ) أرض جيرانه المسلمين (ب) لاعتبارات يراها، فيقاتله الشعب المسلم (ب) والقرآن لا يأمر هنا إلا بالإصلاح.. الجهاد القرآني الوارد في النصوص الربانية قاصر على مسألة واحدة: وهي حالة جيش يقاتلنا لنكفر ولا نوحد الله ربنا. جيش يفتننا بالقوة المسلحة عن اختيارنا الروحي. والله يحرم الأسر إلا في قتال، والأسير في القرآن مآله المن أو الفداء. وأما الدفاع عن المال والنفس والحدود والعرض فهو أمر إنساني فطري، يسري خلال التاريخ ولا يحتاج أهله بالضرورة لانتظار القرآن. ولكن يتدخل القرآن فقط ليكون الدفاع أخلاقيا لأن القرآن لا يعفي حياتنا كلها بشمولها من الالتزام بالخلق القويم.
وهناك فكرة في الإعلام ترمي لإلغاء الخلافة. إن التركيز الإعلامي على مثالب الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية لإلغاء مبدأ الخلافة من الجو الإسلامي الثقافي لن يكون تجديدا ولن يكون مجديا.
والمشكلة في الذهول والخلط والدهس المتعلق بهذه النصوص
النصوص لها تفصيل. والخلافة أو الإمارة مثلا تنقسم إلى 1 خلافة او إمارة روحية و 2 خلافة أو إمارة سياسية هي في الحقيقة خلافة لأمور الدنيا أو للماديات، وخلافة ثالثة عامةجامعة للروح والدنيا. خلافة أو ملك أو إمارة الدنيويات هي قضية فطرية إنسانية سابقة للنبوة ولا تحتاج للقرآن ليقيمها، ويتدخل القرآن فقط ليأمرها بالصدق والعدل، والخلافة الروحية هي الفريضة، ولأنها فرض الله فهو تعالى بنفسه يتدخل ليساعد على إقامتها تدخلا مبرهنا مدوي البرهان. لأنه السلام سبحانه وضامن السلام بحمده. فلو جهل الناس هذا التقسيم أو تصور الناس أن الخلافة فقط هي ولاية الروح والمادة أي الخلافة الجامعة، أو تصوروا أن إقامة خلافة الروح كلأ مباح لكل من يحاول ويجمع جمعا ويقيمها، فسترى دماء للركب، وتأتي كل أمة بخليفتها ثم كل جماعة منها وكل مذهب بخليفته.
في دين عام كالإسلام فإن المفترض منطقيا أن طبيعة خلافة الملك الروحاني عامة لأمة هذا الدين، وطبيعة تدبير أمور الدنيا خاصة بكل شعب يسوسها.. والإسلام فيه مهمة لخلافة موحدة لسياسة الأمور الروحية تحكم كل شعوب الإسلام، ولكن لكل شعب رؤساء يدبرون أمور حياته، وليس شرطا الجمع بين الأمرين.
ونصوص الخلافة الأخيرة لها تسلسل وحيد يشبه تسلسل تفاعل مواد كيماوية منظمة.
من التسلسل مثلا أنه يجب ترقب حدث نهاية صراع بيزنطة بالذات مع المسلمين، ولا نهمل أنها هي حروب الروم، وكانت عاصمتها القسطنطينية. فلا نخلطها بالحرب الصليبية، وينبني على فتح القسطنطينية أن يخرج دجال شديد الفتنة والتأثير، يحاج ويناقش وهو ثقافي الضلال، عالمي النزعة يجتاح العالم ويسيح ويملأ الدنيا ظلما لأعظم دين، تغطي فتنته أبعادا في الزمان والمكان، في مأزق يهدد دين الله بالفناء،(ومن ذلك تهمة الإسلام أنه دين الإكراه بالسيف) ولا حل له سوى مسيح من الله معه قوة حجة وسلطان ثقافي غلاب يهزم ثقافة الدجل. فعلى شعوب الإسلام في تجديد الخطاب أن تتحقق مثلا أن القسطنطينية لما فتحت عام 1453 ميلادية فإن ذلك الخبر والحادث كان هو بالضبط دقة الناقوس التي كان يجب أن تلفت علماء الأمة يومها إلى أن الدجال خارج وسيجتاح العالم. وعلى العلماء تقديم اعتذار عام للأمة أنهم لم يلتفتوا لهذا الخبر ولم يقدروه قدره. ولم يهتموا بإبادة الإسلام من الأندلس، ولم يهتموا بمحاكم التفتيش ودلالاتها وقساوستها بما يكفي.
أو معادلة رياضية ينبثق بعضها من بعض.
إن تسلسل المعركة مع الروم ( بيزنطة) =الفتح المذكور= خروج الدجال = السياحة العامة له= بلوغ كارثته الحلقوم على الإسلام وتركيزه على تهمة الإكراه= تدخل الله وبعث حل مكافيء= أن يقيم الله خلافته تعالى وعلى نهج نبيه محمد صلى الله عليه وسلم= جماعة تدين بحقوق الإنسان بكل تقديس = يري العالم كذب كل الادعاءات المرفوعة ضد الله ودينه ورسوله وما يمت له بصلة. كل هذا تسلسل صحيح له قوة الاستدلال الرياضي المحكم. فالعمل بالخلاف معه ينتج معادلات فوضوية تترجم للواقع دما وخرابا.
وكل مزج خاطيء وكل حلول خطا تسبب انفجارا وتعقيدات مأساوية
وقد خلط الوهابيون النصوص ودمروا تسلسلها، وسلوا السيوف للإكراه على التوحيد، ففسدت طبخة الدين وأنتجت مغصا وتسمما، وهلاكا عاما، وينكرون الفتح الإسلامي للقسطنطينية، ويبحثون مثلا عن ذريعة لتكفير تركيا واعتبارها هي الروم، ثم غزوها من طرفهم هم، وبالتالي يتجاهلون تماما ما حدث فعلا من خروج الدجال، وقد رأينا شبح مندوب داعش الملتزم بنهج الوهابية، الذين ضلوا في أمر ما يسل له السيف وما لا يسل، ورأينا منظر هذا المنقب العملاق وهو يذبح من يخالف في الدين، ويتهرب من فتح قسطنطينة ويخلط الأمور ويقفز إلى تهديد روما. ويعجن نزول عيسى بذبح الخلق. منظر يدل على عمق الجهل وعمق الخلط وعمق العناد وعمق الهروب والتجاهل وعمق الفشل الذي ينتظرهم قضاء من الله لا يرد، وعمق العار الذي يجلبونه على طبختهم في فهم الإسلام.
إنه لمنظر مثير للشفقة والعجب منظر المتحاورين معنا حين نرتب لهم الاستدلال بدءا من فتح القسطنطينية. فترى منهم حيرة كبرى ثم الإنكار والتجاهل والهروب الكبير.
هناك موضوع الخلافة المتجذر الذي لا يمكن القضاء عليه
مفتاح الحل في التجديد هو أن يتفق العقلاء على ماهو واضح وما تقضي به ضرورة العقول وتحكم بأن للناس في كل بيئة رئيسا يخدمهم ويدبر أمورهم يختاره أهل البلد ممن علموه خدوما وتبينت سوابق خدمته.
ودين الإسلام واحد لكل أمته فالبيئة الدينية للمسلمين كلهم واحدة لأن الله واحد والحق لديه واحد. وضرورة الدين تحكم بأن للمتدينين بالتوحيد رئيسا يدبر أمر الدين، اختاره الواحد صاحب الدين نفسه، ممن علمه سبحانه خدوما للدين.
ومفتاح حل هذا الأمر يبدأ بأن نوقن بصحة الخلافة الروحية، ونفصلها عن الخلافة المادية التي لا تسمى خلافة إلا مجازا.
اتجاه التجديد العام المشرف
ليس أمام العالم العربي والإسلامي من خيار سوى تجديد الخطاب الديني تجديدا شاملا مشرفا يقر العين ، لأن فساده نبع منه من الكوارث ما تشيب لهوله الولدان.
وتجديده هو أن يعاد لأصله النبوي الصحيح الذي لاشك في أنه مجلبة الشرف.
وكي يتحقق ذلك فسيرتكز تجديد الخطاب الديني الإسلامي لا محالة إذن على احترام حقوق الإنسان ومنها حق التدين وعدم استحلال حرماته بسبب الدين، وعدم تغريمه بسبب دينه وبالتالي احترام حق المرتد في الردة وعدم القيام بأي عمل فيه إكراه له.. وسيكون من فروع ذلك الالتزام بالمعاهدات الدولية المرتبطة بحقوق الناس. وذلك لأن الفساد الحاصل هنا هو أم الفساد. علم الناس الآن ذلك عقلا وجربته أمم شتى.
مواصفات تضمن صلاحية التجديد المطلوب
أهم صفة هي التجذر الراسخ. تجذر في عمق القلوب على المستوى الشعبي كله.
احترام للإنسان مطلوب له صفة الرسوخ، الرسوخ في النفوس، الذي يضمن له الفاعلية والبقاء.
قد يكون للحقوق بعض الرسوخ والعمق في مجتمعات لها ثقافات أخرى علمانية أو دينية لا تدين بالقرآن ورسوله (ومع التشكك في رسوخ هذا عند الثقافات الأخرى، وقيام التاريخ شاهدا على صحة التشكك) فلنترك كل أمة لفلسفتها.
ولكن طبيعة مجتمع الإسلام حكمت عليه أنه يجعل خطاب الدين حاكما، وقد تم اتخاذ الدين ذريعة لانتهاك الحقوق، لذا لا بد من تلافي هذا العيب بتجديد ديني يضمن الرسوخ.
ولن يكون الرسوخ والعمق متوافرا بالنسبة لطبيعة شعوبنا مالم يكتسب قدسية وموثوقية.
باب التقديس والموثوقية
الرسوخ مفروغ منه إذن وبابه هو التقديس العميق .. والله كان عليما بهذا وحكيما في تحقيقه وعرضه على الناس كتكليف مفروض. فالرسوخ في النفس يعمله الله بطرقه، وطرقه هي أن يحمل مسيح الله تعالى هذا التعليم، وهو ابن مريم الذي ترك محمد صلى الله عليه وسلم وصية لأمته تخصه.
احترامنا الراسخ المفروغ منه للناس وحقوقهم هو وصية الخلافة التي تركها لنا المسيح ابن مريم، وهو الذي سيجعلنا خير أمة أخرجت، ومصدره سيكون إلهيا مضمونا، والقدسية تأتي من الارتباط بالله رب العالمين، وتأتي من بركة خاصة تعين هذه الخلافة، فالله هو أقامها وهو تعالى يبرر فعله بمدد من عنده يثبت به أفعاله، وبركات الله تسبب غرس الصفة في الإنسان، وهي باب الموثوقية الحقيقية الدائمة، وبها سوف تتميز شعوب الإسلام المطيعة عن كل الشعوب التي لديها أسباب لاحترام الحقوق ولكن تشوبها الهشاشة (بسبب مصدرها الغير مضمون من قبل الله نفسه). ولن تنتج القدسية من مجرد ضغط إعلامي أو تغيير شكلي لمناهج تعليم في أزهر أو سعودية، ولا قدسية في مجرد اجتهادات العقول التي سيتجه بعضها لإلغاء الخلافة وبعضها سيتجه لأنواع من العجن ستشبه عجين الوهابية أو أقل.
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.