عقائد الجماعة الاسلامية الأحمدية
خطبة الجمعة التي ألقاها حضرة مرزا ناصر أحمد رحمه الله, الخليفة الثالث للمسيح الموعود و الإمام المهدي عليه السلام
يوم 24-12-76 خلال الجلسة السنوية بربوة باكستان
**************** أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ}. (آمين) {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإخلاص: 1-5)
من المعتاد في جماعتنا أنه إذا كان يوم الجمعة في أيام الجلسة السنوية نلقي خطبة قصيرة بسبب فعاليات الجلسة من خطابات وغيرها، لذا سأتناول في هذه الخطبة الوجيزة عقائدَ الجماعة الإسلامية الأحمدية والدينَ الذي نؤمن به.
لقد آمنّا بالله الذي قدَّمه الإسلام. وإن القرآن الكريم زاخر بالمعارف عن ذات البارئ وصفاته. لقد اخترتُ الآن سورة قصيرة من القرآن الكريم وقرأتها عليكم. إن الله أحد وحيد فريد، ليس كمثله شيء. وهو خالق أيضا إذ إن كلَّ ما يوجد في هذا الكون بل في العالمين كلها هو مخلوق له، وأما ما هو مخلوق فلا نؤمن بإلوهيته أبدًا، ولا يمكن أن نؤمن بذلك، إنما نؤمن بالإله الواحد الأحد الذي عرَّفنا الإسلام بذاته وصفاته بواسطة القرآن الكريم.
{اللهُ الصَّمَدُ}.. أي أن الله تعالى غني في ذاته، وليس بحاجة إلى أي شيء من أجل وجوده أو صفاته أو تجلِّيها. إنه تعالى ليس بحاجة إلى مادة لأنه هو خالقها حين لم يكن هناك شيء، وسيفنيها متى شاء. إن صفاته وتجلّيها ليست بحاجة إلى غيره بشكل من الأشكال ولا بمعنى من المعاني. وكل ما سواه بحاجة إليه (سبحانه وتعالى) من أجل وجوده إذ لو لم يخلقْه الله تعالى لما كان، كما أن كل ما سواه بحاجة إليه تعالى من أجل بقائِه أيضا، لأنه سيبقى ما دامت علاقته بصفاته (عز وجل) وأراد أن يبقيه. وهذه الصفة كسائر صفاته تعالى أزلية وأبدية.. أي أنها منذ البداية وستدوم إلى الأبد ولن تنقطع. وبتعبير الأزل والأبد يتبادر ذهن المرء إلى الوقت، ولكنه تعالى أسمى من الزمان والمكان فيما يتعلق بوجوده وصفاته.. فهو لا يخضع للمكان والزمان، إنما هما يخصاننا نحن المخلوقات، ولا يخصّان اللهَ تعالى، فهو (سبحانه وتعالى) لا يتقيد بمكان، ولا ينحصر في زمان، بل هو فوق الزمان والمكان. وكل ما سواه (سبحانه وتعالى) لا يمكن أن يباريه (سبحانه وتعالى) من حيث إنه تعالى خالقه، أما هو فسيأتي عليه الفناء، وإذا فني انتهى لا محالة، فلا مجال لأن يكون أبديًا.
ثم يقول الله تعالى: {لم يلد ولم يولد}.. أي أنه لم يلد كيانًا مثله ومن جنسه، ولم يلده غيرُه. وهذا أيضًا يتضمن مفهوم كون الله تعالى أزليًا أبديًا. عندما نلقي نظرة على السنن الكونية نكتشف أنه لا يلد إلا ما هو عرضة للزوال والفناء، وهو يلد لكي يحل أولادُه محله، ولكن الذي يدوم إلى الأبد فهو لا يحتاج إلى الولادة، كما أنه تعالى لم يلد أحدًا بالفعل لأن ذلك ينافي صفاته. كما أن إلهنا لم يلدْه أحد، فهو الأول أي هو قبل كل شيء، وإذا لم يكن قبله أحد فمن كان سيلده؟
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.. أي لا شريك لله تعالى في صفاته أيضا، بمعنى أنه إذا وجدنا تماثلاً أو تشابهًا بينه وبين أحد مِن خلْقه فهناك أيضًا نجد فرقًا أساسيًا هائلا بينهما بحيث لا نستطيع أن نصفهما واحدا. مثلا نقول إن الله يسمع إذ من صفاته السمع، لكن ثمة فرق أساسي هائل بين سماع الإنسان وسماع الله تعالى. إن الله تعالى يسمع بدون حاجة إلى أي جهاز، بينما يسمع الإنسان بأذنه. ثم إن الله تعالى غني عن الذبذبات الصوتية للسماع بينما تحتاج أذننا للسماع إلى ذبذبات صوتية معينة مقيدة في الحدود حيث لا تسمعها الحيوانات، كما أن هناك ذبذبات صوتية معينة تسمعها الحيوانات فقط ولا يسمعها الإنسان. إن ما أبينه هنا أن الله (سبحانه وتعالى) أيضًا يسمع بالتأكيد والإنسان أيضا يسمع بالتأكيد، لكنّ الله تعالى يسمع بدون احتياج إلى مادة أو أُذن أو ذبذبات صوتية، فالأدعية التي نرفعها إليه لا تصل إليه عبر الذبذبات الصوتية وإنما يسمعها مباشرة دون حاجة إلى موجات صوتية. كذلك نرى أننا بحاجة إلى العين وضوء الشمس من أجل الرؤية، بينما يرى الله تعالى بدون عين وبدون ضوء خارجي، فهو نفسُه نور الكونين: {اَللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(النور: 36). فحيثما يبدو لنا شبهة أو تشابهٌ بسيط بين الله تعالى وخلْقه فهناك فرقٌ هائل فيما يتعلق بتجلّي صفات الله بحسب ما يعلّمنا الإسلامُ. لقد منح الله تعالى الإنسانَ وغيره من المخلوقات شيئا بسيطا من صفاته من أجل العمل بقوله "تَخلّقوا بأخلاق الله". إذن ففيما يتعلق بصفات الله تعالى فلا شريك له فيها مطلقًا بأي معنى.
لقد آمنّا بهذا الإله، لذا فلسنا بحاجة إلى أن نطرق باب غيره، كما لسنا بحاجة إلى أن نسجد للقبور، ولا أن نعبد أصحاب الزوايا. ليس لنا حاجة إلا إلى ربنا الأحد، وهو الباب الوحيد نطرقه عند الحاجة، ولا نعرف بابًا سواه مطلقًا. هذه هي عقيدتنا. لقد قال ربّنا هذا إن محمدا (صلى الله عليه وسلم) حبيبي، وأمَرَهُ ربُّنا: {قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}(آل عمران:32)، وامتثالاً لأمر الله (سبحانه وتعالى) نحبُّ النبي (صلى الله عليه وسلم) حبًا لم ولن يحب بمثله إنسان إنسانًا آخر إلى الأبد، لأن حبنا له (صلى الله عليه وسلم) قد بلغ الذروة التي لا يمكن أن يبلغها غيرنا. وقد بلغنا في حبه (صلى الله عليه وسلم) الذروة لأن ربنا (سبحانه وتعالى) أمرنا أنكم إذا كنتم تريدون حبي فأَحِبُّوا حبيبي محمدا (صلى الله عليه وسلم)، وكونوا عبادًا له - حيث قال له (صلى الله عليه وسلم) {قُلْ يا عبادي}- واتبِّعوه تحظَوا بحُبِّي. لقد قال الله لنا إنه (سبحانه وتعالى) قد أنزل القرآن العظيم على محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهو كلام الله وهو الشرع الكامل القادر على حل قضايا الناس إلى يوم القيامة. إن كثيرًا منا قد آمنا به كإيماننا بالغيب لحدٍ ما، ولكنا لما تدبرنا هذا الكلام الإلهي العظيم الذي وضعه محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أيدينا، ولما رأينا العقول الناقصة تائهةً في الظلمات ناكسةً رؤوسها، ووجدناها تخلق المشاكل بدلاً من حلها، فشعرنا أن هذا الكتابَ العظيم القرآنَ الكريم الذي أعطانا الله تعالى إياه يهب النورَ للعقول الناقصة ويحل مشاكل الناس، ولا يمكن للإنسان أن تقوم له قائمة بدون القرآن الكريم، ولا بد للإنسان أي يفهم هذه الحقيقة اليوم أو غدًا من أجل بقائه ومن أجل رقيه. هذا هو الإسلام الذي آمنّا به. لقد آمنّا بالدين الذي قدّمه سيدُنا محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) أمام العالم لأن الله تعالى أمرنا بالإيمان به. لقد آمنّا بالقرآن الكريم أيضا.
إن جزءًا من الدين يحتوي على الفقه أي الإفتاء في المسائل السائدة بعد الاجتهاد، والمذهبُ الفقهي الذي نتبعه هو المذهب الحنفي.. وأعني بذلك أن الجماعة الإسلامية الأحمدية تتبع الإمام أبا حنيفة رحمه الله في الأمور الفقهية بشكل عام، مع الفارق أنه إذا قامت الجماعة الأحمدية باجتهادها الخاص في قضية وكان اجتهادا مختلفا عن رأي الإمام أبي حنيفة (رحمه الله)، فإننا نأخذ باجتهادنا، أما إذا لم يكن للجماعة الإسلامية الأحمدية اجتهاد في قضية معينة اتبعنا الفقه الحنفي عادةً في قضايانا العائلية كالزواج والميراث وغيرهما. وأعيد قولي هذا عمدًا وأقول: إن الجماعة في كثير من المسائل قد اجتهدت واختلفت عن الفقه الحنفي، ولا مجال للاعتراض على اختلافنا في بعض المسائل الفقهية، لأن أصحاب المذاهب الفقهية المختلفة الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي.. كلهم متفقون على أن هناك مجالا للاختلاف في الأمور الفقهية ولا اعتراض على ذلك. وهذا الأمر متفَق عليه ولم يختلف فيه أحد. وبناء على هذا القرار المتفق عليه وبناء على حرية الاجتهاد التي أقرّوها وبناءً على النور الذي اقتبسناه من الإمام المهدي (عليه السلام)، يحق لنا أيضا أن نقوم بالاجتهاد ونختلف مع الفقه الحنفي حيثما نحظى بنور جديد من خلال الاجتهاد، وإلا فنحن متمسكون بالفقه الحنفي وملتزمون به عادة.
إن الله الواحد الأحد هو ربُّنا، وإن محمدا (صلى الله عليه وسلم) خاتمَ الأنبياء هو رسولنا، وإن القرآن المجيد هو كتابنا وإن الإسلام هو ديننا. هذه هي عقيدتنا، وإذا أراد غيرنا أن ينسب إلينا معتقدات من عنده فنفوّض أمره إلى الله. إن المرء نفسه يحكم بما يؤمن به. إن الحكم على إيمان المرء غير ممكن في هذه الدنيا، لذلك يقرره الله تعالى وينال الإنسان جزاءه بعد الموت. عندما يموت الإنسان ليمثل أمام الله تعالى فهو الذي سيصدر قراره عما كان في صدره.
باختصار، إننا نعلن ما نعتقد به، وسنظل نعلن ما نعتقد به، وليس في الدنيا قوة يمكن أن تُبعِدنا عن الله تعالى، أو تفصِلنا عن القرآن الكريم، أو تنـزع من صدورنا حب سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، أو تطردنا بعيدًا عن حضرة الله (سبحانه وتعالى). هذا لن يحدث أبدا. ونقول لأجيالنا أيضا: افرحوا فإننا نعاهدكم أننا لن نَدَعَكم تبتعدون عن الإسلام، ولن نسمح لأحد أن يفصلكم عنه، غير أن عهدنا هذا ليس إلا عهد أناس ضعفاء، لذا ندعو الله تعالى دائما ونقول: يا ربنا، لقد قمنا بإعلان ما نشعر به في صدورنا، لقد أعلنّا حبك بحسب ما تشعر به قلوبنا، وإذا وُجد فينا ضعفٌ أو تقصير فاعفُ عنا وكفِّرْ عنا خطايانا، واجعلْنا محبين صادقين لك، واجعلْنا خادمين مخلصين لسيدنا ومولانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وانصرْنا وساعدْنا في مهمتنا الملقاة على عواتقنا وهي إرساء عظمة القرآن الكريم في الدنيا كلها. وندعوك يا ربّ أن تعجِّل ذلك اليوم الذي ترفرف فيه راية سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في جميع بقاع الدنيا وفي كل أنحاء العالم، وأن يفتح حبُّ محمد (صلى الله عليه وسلم) قلوبَ الناس جميعا ويجمعهم عند أقدامه (صلى الله عليه وسلم)، آمين.
|
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص،
كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.