القرآن كتاب عظيم شامل وصف كل صفات المؤمنين والكافرين والمنافقين بطريقة مفصلة. هكذا يستطيع الإنسان أن يقارن نفسه بهذه الصفات ليعرف في أي فئة هو.
منذ بداية تاريخ البشرية، نجد أن الأعداء يعارضون الأنبياء والرسل وخلفاءهم. وكان بعض الأعداء خارج أمة المؤمنين ويسمّون الكافرين، وبعضهم يهاجمون من الداخل ويسمّون المنافقين. والمنافقون أسوأ من الكافرين العاديين في كفرهم حيث إنهم يعارضون الأنبياء والرسل والخلفاء لأن الطاعة أمرٌ مستحيلٌ بالنسبة لهم، فهم فخورون متكبرون، ويعتقدون أنهم أفضل من أنبياء الله ورسله وخلفائه كما ورد في القرآن الكريم:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لِآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ. أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ﴾
ومن هذه الآية نفهم أن إبليس يمثّل كل إنسان يرفض الطاعة ويعلن رفضه، أي يعلّم أصدقاءه رفض الطاعة. ويعتقد أنه أكبر من الأنبياء والرسل والخلفاء ويعلن عظمته، أي يعلّم أتباعه ما يلي: نحن أفضل من هؤلاء، وأنا خير منهم.
وهذا ما نقرأه في الآية التالية:
﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾
ومن أوصافهم ميلهم للفساد، أي هجماتهم الشريرة على النظام بحجة الإصلاح كما نرى فيما يلي:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾
ومن صفاتهم رفضهم الإيمان كما يؤمن عامة الناس وقولهم إن المؤمنين سفهاء كما تخبرنا الآية التالية:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾
ومن خصائصهم الخداع والاستهزاء كما يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾
ولماذا يستهزئون؟ لأنهم فخورون بعلمهم كما نقرأ في الآية التالية:
﴿فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾
وهم يحسبون أن علمهم هو سبب نجاحهم في الحياة الدنيا كما ورد في الآية الكريمة:
﴿إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾
وهكذا صارت نعمة الله فتنة لكل متكبر فخور.
ومن اعتراضاتهم اعتبار الأنبياء والرسل والخلفاء رجالا عاديين لا ميزة فيهم ، كما يسألون لماذا لا تنـزل الملائكة عليهم بالوحي بانتظام؟ ولماذا ليس لديهم قوة على وجه الأرض؟ وهكذا يضربون الأمثال ليضلوا الناس كما نقرأ في الآية التالية:
﴿وَقَالُواْ مَا لِهَـذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً. ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً﴾
هنالك جانب آخر للمنافقين وهو ظنهم أنهم يستطيعون الوصول إلى الله بدون طاعة قائلين لا حاجة لأي أمير بيننا وبين الله. ولا يتحاكمون إلى قول الله وأوامر النبي صلى الله عليه وسلم بل يتحاكمون إلى الطاغوت، أي يتبعون أهواءهم. فالله يدحض هذا الفكر الباطل قائلا:
﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً.أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً
فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً﴾
يرسمون خططاً كبيرة لتضليل البشرية كما ورد في الآية التالية:
﴿قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَـأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَـأَتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾
نلاحظ هنا أن أول المضلين أقرباءهم الذين هم أكثر ولاء لزعماء المنافقين من الله؛ وأحباءهم الذين يحبون الدنيا ومنافعها أكثر من الدين ويفضلون مساكن الكفار على مساكن المؤمنين كما يقول الله عز وجل:
﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ. قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ﴾
وهم ينسون ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي ."
ويعتقدون أنهم قادة أحرار يمكنهم أن يختاروا عدم القيام بكل ما لا يحبون. فالله يرد على ذلك قائلا:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ. وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً﴾
ومن المنافقين من يرتد عن الدين من كبار الأمة المشهورين كما حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وورد في الأحاديث: كان عبد الله بن أبى سرح يكتب لرسول الله (ص) فأزله الشيطان فلحق بالكفار. رواه النسائي ( 4069 ) وأبو داود ( 4358 )
فبالرغم من قربه من الرسول صلى الله عليه وسلم ارتد عن دين الإسلام ولحق بأعداء جماعة المؤمنين.
وكذلك قضية المولوي محمد علي صحابي الإمام المهدي عليه السلام، الذي كان يكتب مقالات دينية له. فقد خرج عن الطاعة وفارق الجماعة في عهد خليفة المسيح الثاني رضي الله عنه.
وتكررت القصة في عهد خليفة المسيح الرابع رحمه الله عندما ارتد كاتب في المكتب العربي ولحق بأعداء الجماعة الإسلامية الأحمدية.
لذلك فإنه ليس من المستغرب حدوثه. فهذه سنّة الله ولن تجد لسنّة الله تبديلا:
﴿وَكَذلِكَ جَعَلْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾
فالله الغني المستغني عن الناس لا يحتاج إلى أحد. يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك مِمّن يشاء. فلا ينبغي لأحد أن يجعل شخصا مشهورا أساس إيمانه ودينه. وإلا فإذا ضلّ ذاك الرجل عن الصراط المستقيم، فإيمانه سوف ينهار. وذلك خسران مبين.
إن الله يعلن لهؤلاء الضالين المضلين:
﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ﴾
وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص،
كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.