
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما "...صحيح مسلم.
يقول بعض المعترضين: مادام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية مات ولم يحج فليس هو المسيح إذن.
أقول ردًّا على هذا التساؤل وتوضيحًا للموضوع:
لا يخفى على الدارسين أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في المنام أن الدجال يطوف بالكعبة، ورأى المسيح أيضا يطوف بالكعبة كما ورد في الرواية التالية عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سَبِطُ الشَّعْرِ، بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً - أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً - قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ، جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ الْعَيْنِ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الدَّجَّالُ. أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ) رواه البخاري ومسلم.
والرؤيا تحتاج إلی التعبير كما تعلمون، خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أكد أن الدجال لا يدخل الكعبة، مما يعني أن هذه الرؤيا بالفعل تحتاج إلى تأويل صحيح، وقد أوّلَها الإمام المهدي عليه السلام بأن المسيح سيطوف بالكعبة للحفاظ على تعليم الإسلام، أما الدجال فسيطوف بالكعبة لهدمها.
والمعارضون من غفلتهم عندما قرأوا حديث:
"والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما "...صحيح مسلم،" قالوا مادام "الميرزا" مات ولم يحج فليس هو المسيح إذن. وكأنهم لا يعلمون بأن الحج والعمرة في الإسلام يتحققان بثلاث طرق كما بين الفقه في الإسلام:
أولا: أن يحج الإنسان أو يعتمر بنفسه فيتحقق حجه أو عمرته، والأدلة متعددة يكفي أن نذكر قول الله عز وجل :
" وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا "
ثانيا: أن يحج الإنسان أو يعتمر بالنيابة عن إنسان آخر فيتحقق حجه أو عمرته، والأدلة متعددة نذكر أحدها فقط للاختصار، وهو ما رواه البخاري عن ابن عباس:
أن امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها ؟.
قال: ((نعم ، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيته؟، اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء.)).
ولو نحمل هذه النبوءة على الظاهر فقد قام السيد أحمد الله خان بحج البدل عن سيدنا المسيح الموعود عليه السلام.
ثالثا: يقوم بأعمال خيرية تعدل الحج أو العمرة فيتحقق حجه أو عمرته، وفي ذالك مثلا ما أخرجه الترمذي عن أبي أُمامة أنَّه قال:
(مَن صلى الفجر في جماعة ثُمَّ جلَس يذكُر الله - عزَّ وجل - حتى تطلُع الشمسُ، ثم قامَ فصلى ركعتين، كُتب له أجْرُ حَجَّة وعُمرة تامَّة، تامَّة، تامَّة).
ومن خلال تدبر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما" واستقراء كلماته نرى أن في حلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حج المسيح الموعود في آخر الزمان اشارةً واضحة إلى عقبات ستعرقل حجه أو عمرته، وإلى شبهات ستُثار حولهما، حتى يتساءل الناس عن عدم تحقق حجه، ثم بعد ذلك بتقدير الله العزيز ستزال تلك العراقيل والشبهات ويتحقق حجه أو عمرته بالطرق التي شرعها الإسلام.
كما أن حج المسيح الموعود لا يراد به الحج فقط، بل المتدبر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يجد أن قسم رسول الله بتحقق حج المسيح الموعود في آخر الزمان إشارة إلى حدث هام وأمر عظيم سيحدث في آخر الزمان وسيكون آية ربانية يهتدي بها الناس إلى الإيمان به من خلال هذا الحج. فهذه النبوءة شأنها كشأن النبوءة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم عن المسيح الموعود في آخر الزمان "يتزوج ويولد له" إذ ليس الغرض منه زواجًا عاديا ولا ولادة عادية، بل هو اشارة إلى نسل كريم ونافع تنتفع به الأمة سواء المصلح الموعود أو من يأتي بعده من نسله أو من الجماعة.
وبقراءة بسيطة في تاريخ دعوة المسيح الموعود عليه السلام نجد أنه كانت هناك بالفعل عراقيل منعت حجه، ومنعت خلفاؤه وأتباعه أيضا وهي موجودة إلى اليوم، على أساس تكفيره وخلفائه وأتباعه. فلأن رسول الله أقسم بالله أن المسيح سيحج، فهذه بشارة بأن العراقيل الحائلة دون حجه أو عمرته أو حج أتباعه وعمرتهم ستزول في يوم من الأيام، ثم سيتحقق حجه أو عمرته بلا شك تحققا تاما حقيقيا، أي: عندما تزال العراقيل والعقبات التي تعرقل حجه وحج خلفائه وأتباعه، فيحج عنه خليفة من خلفائه ويسمى ذالك الحج "حج المسيح الموعود"، ويأخذ الخليفة حينها البيعة له من المسلمين بين الركن والمقام، فيكون ذالك الحج حدثًا عظيما يظهره الله كآية سماوية تصدّق دعوة المسيح الموعود أمام العالمين، ويكون حجه علامة واضحة يهتدي بها الكثير الكثير من الناس وتدفعهم إلى الإيمان بميرزا غلام أحمد أنه الإمام المهدي حقا. حتى أن إحدى الروايات تقول إن الناس ستعرف المهدي بعد أن يأخذ البيعة في مكة، وحينها ستبدأ النبوءات النبوية التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم أنها ستحدث بعد نزول المسيح بالتحقق الأكبر، فتذهب بشكل أكبر وبارز الشحناء والتباغض في البشرية بعد البيعة بين الركن والمقام، ويظهر القسط والعدل في الأرض بعدما ملئت ظلما وجورا بأوضح الأشكال، ويفيض المال الروحاني في النفوس فيفيض المال المادي حتى لا يقبله أحد، وتكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها.
وإلى مثل هذا التحقق أشار المسيح الموعود عليه السلام في كتابة حمامة البشرى حينا تناول موضوع نزول المسيح على منارة بيضاء شرقي دمشق فقد ذكر أحد مظاهر تحقق هذا الحديث فقال:
"وقد أشير في بعض الأحاديث أن المسيح الموعود والدجّال المعهود يظهران في بعض البلاد المشرقية، يعني في مُلك الهند، ثم يُسافر المسيح الموعود أو خليفة من خلفائه إلى أرض دمشق، فهذا معنى القول الذي جاء في حديث مسلم أن عيسى ينـزل عند منارة دمشق، فإن النـزيل هو المسافر الوارد من مُلك آخر."
ولقد تحقق هذا عند نزول المصلح الموعود رضي الله عنه في دمشق عام 1924.
إن العراقيل دون تحقق حج المسيح الموعود بالنيابة، عن طريق خليفة من خلفاءه، لا زالت موجودة إلى اليوم، ولكن أبشروا أيها المسلمون الأحمديون أن الحديث فيه نبوءة خفية وأمل كبير وشوق إلى رؤية تحقق حج المسيح الموعود عليه السلام بهذه الطريقة الشرعية. وندعو الله تعالى أن يتحقق ذلك في حياتنا لنكون من هذه القافلة التي ستتوجه إلى الكعبة تحت قيادة خليفة المسيح ولنرى تحقق آيات الله تعالى بأم أعينا. وفقنا الله لذلك آمين.
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.