المسيح الموعود يكسر الصليب ح 15
نتناول عزيزي القاريء فيما يلي حقيقة هذا الادعاء الذي طالما نشره القساوسة المُنصِّرون لكي يوهموا الناس بأن يسوع هو الوحيد بلا خطيئة ولذلك يمهدون لألوهيته وبالتالي الشرك بالله تبارك وتعالى. وقد تعلّمنا على يد مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الكثير من الردود الدامغة على هذه الفريات وفيما يلي بيان بعضها فيما يتعلق بهذه النقطة. وبالمناسبة فقد اخترنا مقتطفات من حجج المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام من مقال نُشر في مجلة "مقارنة الأديان" سنة 1902 أي في حياة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. ولنبدأ بأول نص إنجيلي يرد هذا الزعم:
"وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟» فَقَالَ لَهُ: لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ.". (متى 19: 17)
أما تفسير القسس لهذا النص الواضح فهو أن يسوع قد أجاب السائل بطريقة التفافية وقصَدَ بقوله لماذا تدعوني بالصالح؟ لا أحد صالح إلا الله! قصد بها أن كل إنسان يُولَدُ مكبّلاً بالخطيئة الأصلية فلا يوجد صالح بين البشر بهذا المعنى أما أنا كيسوع فأنا الله نفسه وأنا كامل.
فهل يتحمل النص هذا التفسير؟ نترك الأمر للقاريء العزيز.
هذا التفسير في الواقع يرد نفسه بنفسه فيسوع قد تعمّدَ معمودية التوبة على يد شخص آخر هو يوحنا الذي كان معروفاً بتعميد الناس الذين ينوون التوبة للتوبة عن الخطايا بعد الاعتراف بها. كما أن المعمودية تحت شخص آخر يعني الحاجة إلى المغفرة والتوبة عن الذنب وإلا فلا معنى لتعميد التوبة أصلاً. وهذا النص هو أحد الأمثلة على ذلك:
"كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا فِي الْبَرِّيَّةِ، فَجَاءَ إِلَى جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا." (لوقا 3: 2-3)
وفي نص آخر يقول يوحنا:
"أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ.". (متى 3: 11)
إذن المعمودية للتوبة من الخطايا فقط!
كما أن يسوع بنفسه وضعَ معيار ابن الله بأنه الرغبة في نَيل الصلاح والبر:
"طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ ... لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ.". (متى 5: 7-9)
إذن فمعمودية يوحنا وطقس التغطيس في الماء كله للتوبة من الخطايا فقط. فالقول بأن يسوع قام بهذه الطقوس كلها دون قصد وبلا معنى إنما هو قول سخيف يطعن أولاً بالمسيح قبل غيره.
والأمر الآخر أن الاناجيل تصرّح بأن الروح القدس لم يحل على يسوع إلا عند تعميده على يد يوحنا، فَلَو تأمّل القساوسةُ قليلاً في هذه النكتة لأدركوا أن تعميد يوحنا ليسوع هو أعظم حدث في حياة يسوع لأنه سبب نزول الروح القدس على يسوع ولولاه لم تنزل ولبقي يسوع محروماً من الروح القدس! فلماذا حَرَمَ اللهُ تعالى يسوعَ من هذه الهدية العظيمة أي الروح القدس طيلة الوقت قبل معمودية التوبة؟ إن نزول الروح القدس عند التعميد فقط يشير بقوة إلى أن معمودية التوبة التي نالها يسوع على يد يوحنا هي أهم حدث في حياته بكل تأكيد.
لهذا قال يسوع بعد إتمام التعميد على يد يوحنا:
"هٰكذا يَليقُ بنا أنْ نُكَمّلَ كُلَّ بر". (متى 3: 14-15)
إذن كمُلَ بِر يسوع فقط بواسطة المعمودية! إذن، لَمْ يكن يسوع كامل البِر قبل المعمودية على يد يوحنا!
ما سبب اعتقاد يسوع بأنه أقل برّاً من يوحنا لكي يتعمد على يديه؟ يُعلّل يسوع ذلك بنفسه فيقول:
"فَقَدْ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشْرَبُ خَمْراً، فَقُلْتُمْ: إِنَّ شَيْطَاناً يَسْكُنُهُ. ثُمَّ جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَقُلْتُمْ: هَذَا رَجُلٌ شَرِهٌ سِكِّيرٌ، صَدِيقٌ لِجُبَاةِ الضَّرَائِبِ وَالْخَاطِئِينَ." (لوقا 7: 33-34)
أي أن يوحنا كما يقول يسوع لم يأكل المحرمات ولم يشرب الخمر فعجبتم له بينما أنا أكلتُ من ذلك وشربتُ من الخمر فقلتم بأني سكّير شرير أمشي مع رفاق السوء! فهذا ما كان يسوع يراه في نفسه مقارنة مع يوحنا! فالذي هو أقل خطأ بنظر يسوع هو يوحنا! ومع ذلك وبنظر يسوع أيضاً لا يوجد صالح كامل الصلاح والبر إلا الله وحده.
للأسف فبحسب الأناجيل كان يسوع قدوة للكثيرين ممن تأثروا به وأصبحوا فريسة للسكر الذي لم يمنعه يسوع بل شجع عليه. بل وصلَ الحدُّ بالأناجيل أن جعلت يسوع يمتدح الموامس الزانيات والعشارين بسبب تصديقهم بيوحنا:
"فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ جُبَاةَ الضَّرَائِبِ وَالزَّانِيَاتِ سَيَسْبِقُونَكُمْ فِي الدُّخُولِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ." (متى 21: 31)
والأمر الآخر الذي لا يفسره القساوسة هو تسبب يسوع في خسارة الرعاة لقطعانهم حين أسقط ألفين من خنازيرهم التي كانت ترعى بسلام على سفح الجبل فقام يسوع بتهييجها ورميها من على الجبل وإخافة الرعاة أصحابها دون أن يعوضهم ولو بمجرد اعتذار فغضبوا منه وطلبوا أن يتركهم بسلام ففعل وذلك بعد أن قام يسوع بإخراج الجن من شخص مجنون فتسبب في تهييج الخنازير فماتت جميعها غرقاً بعد سقوطها من الجبل إلى البحيرة كما يلي:
"فَإِنَّ يَسُوعَ كَانَ قَدْ قَالَ لَهُ؟ «أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِسُ، اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ!» وَسَأَلَهُ يَسُوعُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَأَجَابَ: «اسْمِي لَجِيُونُ لأَنَّنَا جَيْشٌ كَبِيرٌ!» وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِإِلْحَاحٍ أَلاَّ يَطْرُدَ الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ إِلَى خَارِجِ تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى عِنْدَ الْجَبَلِ، فَتَوَسَّلَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلَةً: «أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا!» فَأَذِنَ لَهَا بِذَلِكَ. فَخَرَجَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ مِنْ عَلَى حَافَةِ الْجَبَلِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ، فَغَرِقَ فِيهَا. وَكَانَ عَدَدُهُ نَحْوَ أَلْفَيْنِ. أَمَّا رُعَاةُ الْخَنَازِيرِ فَهَرَبُوا وَأَذَاعُوا الْخَبَرَ فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الْمَزَارِعِ. فَخَرَجَ النَّاسُ لِيَرَوْا مَا قَدْ جَرَى، وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ، فَرَأَوْا الَّذِي كَانَ مَسْكُوناً بِالشَّيَاطِينِ جَالِساً وَلاَبِساً وَصَحِيحَ الْعَقْلِ، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمِ الْخَوْفُ. فَحَدَّثَهُمُ الَّذِينَ رَأَوْا مَا جَرَى بِمَا حَدَثَ لِلْمَجْنُونِ وَلِلْخَنَازِيرِ فَأَخَذُوا يَرْجُونَ مِنْ يَسُوعَ أَنْ يَرْحَلَ عَنْ دِيَارِهِمْ.". (مرقس 5: 9-17)
للأسف هذه القدوة السيئة هي التي حدت بالمسيحيين اليوم في أوروبا وأمريكا وغيرها أن يصبحوا أكثر الشعوب شرباً للخمر وأكل الخنزير والمفاسد بأنواعها. فهل هذا الذي يقال بأنه بلا خطأ!
في المقابل نجد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بكلمات بسيطة خلَّص بلاد العرب بأكملها التي كانت تتغنى بالخمر خلّصهم من الخمر والذنوب جميعها! فأي مثال هو الصالح بين الإثنين؟!
طبعاً لا نعني من ذلك كله تصديق ما ذكرنا أنه ورَدَ في الأناجيل ورددنا عليه بل نقوم فقط بأخذ إدِّعاء المنصِّرين أنفسهم بأن يسوع هو الوحيد الذي كان بلا خطيئة ولا ذنب ويحتجون بما ورد في الحديث الشريف أن مريم وابنها أعاذهما الله تعالى من الشيطان الرجيم بينما باقي البشر جميعهم نغزه الشيطان عند ولادته بما فيهم النبيين عَلَيْهِمْ الصَلاة وَالسَلام وقد رددنا على ذلك في منشور كسر الصليب بلسان المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام أن المقصود المسيح وأمه وكل من كان مثلهما فلا خصوصية للمسيح وأمه، وما دام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم هو خاتم النبيين فهو فوق ذلك كله بالبداهة. (من هنا: https://shrtm.nu/Wnja). إذن لا نقصد المسيح عَلَيهِ السَلام الذي ذكره القُرآن الكَرِيم بل ما يحتج القسس المُنصِّرون به من أناجيلهم لكي يذيعوا ألوهية يسوع المزعومة. أما تكريم المسيح عَلَيهِ السَلام فقد نشرناه سابقاً (من هنا: https://shrtm.nu/aFCS).
إذن الخلاصة هي أن يسوع بحسب الأناجيل لم يدّع الكمال وعدم الخطيئة بل العكس من ذلك كما تقدم، أما الولادة من عذراء والقيامة من الموت وهذه الأمور فكلها يقولها الهندوس والبوذ وغيرهم عن أنبيائهم، فهل نأخذ عقائدنا من مجرد قصص وقصور في الهواء؟ الحقيقة هي أنه لم يعترف أحدٌ بصدق عيسى عَلَيهِ السَلام إلا النبي الخاتم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فهو الوحيد الذي كرّمَ المسيح عيسى ابن مريم عَلَيهِ السَلام واعتبر الإيمان بصدقه واجباً ومن أسس الدين. فلولا سيدنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ما عرَفَ المسيح ؑ أحدٌ ولا شهد له أحد.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
مُسْلِم للّه
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.