كنا قد بيّنا في الجزء الأول وصف المسيح الموعود عليه السلام لأحداث ثورات الربيع العربي من المقتبسات التالية المأخوذة من الخطبة الإلهامية:
- ( واعلم أن يأجوج ومأجوج قومان يستعملون النار وأجيجه في المحاربات وغيرها من المصنوعات، ولذلك سُموا بهذين الاسمين، فإن الأجيج صفة النار)
- ( وكذلك يكون حربهم بالمواد الناريات، ويفوقون كل من في الأرض بهذا الطريق من القتال)
- ( ومن كل حدب ينسلون، ولا يمنعهم بحر ولا جبل من الجبال)
- (ويخر الملوك أمامهم خائفين، ولا تبقى لأحدهم يد المقاومة، ويُداسَون تحتهم إلى الساعة الموعودة)
- (ومن دخل في هاتين الحجارتين ولو كان له مملكة عظمى، فطُحن كما يُطحن الحب في الرحى، وزلزَل بهما الأرض زلزالها)
- (وتُحرك جبالُها)
أما الآن فنتابع مع المقتبسات الأخرى من نفس الخطبة:
(ويشاع ضلالها) الزمان زمان الضالين، والوقت وقتهم، كما أشارت الفاتحة في آيتها السابعة الخاتمة، فعليهم تختم الدنيا فصول روايتها، وتنزل أستارها، ولأن يأجوج ومأجوج أحد جناحي الضلال والإضلال، حيث جناحه الثاني هو الدجال، فتضليل الشعوب كان الغاية، فمن لم يكن استعبادُه بالسيف والسنان، كان إضلاله بالأوراق والأقلام والتزييف والدجال، وتلقفنا منهم بضاعتهم الراكدة الكاسدة، وظنناها بضاعة رابحة مُنجدة، فأضلونا، وتبعناهم في ضلالهم، وكنا كأمثالهم ضالين، فقد اعتقدنا بعقائدهم، وقلنا بأقوالهم في تأليه يسوعهم، وأنه واحد لا شريك له في ذاته وصفاته كأنه رب العالمين، وأنه يحيي كإحياء الله، ويخلق كخلقه، وباقٍ بقاءه، وكان له في السماء ما لم يكن للمرسلين ولا لخاتم النبيين، فرآنا الله ضالين كما كانوا ضالين، فضلّ سعينا في الحياة الدنيا، وقد كنا نحسب أننا نحسن صنعاً، فلم يعد لثوراتنا في بلادنا ثمرة تؤكل، ولا ماء يُشرب، وما وجدنا عند منتهى آمالنا إلا السراب، فأدركنا أننا ضُلّلنا من قِبل أكبر فوجٍ مضلِّلين، وتبددت آمالنا، وكنا قوما واهمين، وقد علمنا أنه ما هكذا تورَد الإبل، ولو أننا أصلحنا أنفسنا لأصلح الله لنا حكامنا، ولا سبيل إلى ذلك الإصلاح إلا باتباع مبعوث السماء الذي جاء منقذا من الضلال بهدي رب العالمين، وقتل الدجال بحربة سماوية فاتبِعوه إن كنتم للهدى طالبين، وهذا هو السبيل الأوحد لاتقاء ضلال المضللين إن كنتم فاعلين
(ولا يُسمع دعاء، ولا يصل إلى العرش بكاء، ويصيب المسلمين مصيبة تأكل أموالهم وإقبالهم وأعراضهم) بعدما أصبح المحكومون شركاء حكامهم في الانصياع لأهوائهم النفسانية، وجذباتهم الثورية، وغضبهم عليهم، كان الجميع مذنبين، في حق بعضهم البعض خطائين، ولم يعد ظالم ومظلوم، إنما الجميع في الظلم سواء، فإن كان الحكام لم يرعوا محكوميهم حق الرعاية، فالمحكومون ثاروا عليهم، وكشفوا سوءاتهم، وأذاعوا مثالبهم، ونشروا في العوالم أنهم لمناصبهم لا يصلحون، ولأوطانهم خائنون، فكيف يُسمع دعاء ظالمين على ظالمين؟ فإن الشعوب وإن كانت قد سُلبت حقوقهم، وضُيعت أماناتهم، فقد حاولوا رد الأمر إلى نصابه بأيديهم وقدراتهم، ولم يردوه إلى الله الذي ينتصر للمظلومين، وإن ملوكهم لو لم يكونوا يصلحون لكراسيهم، فقد حاولوا إنزالهم عنها بتدبيراتهم، وقد نسوا أو تغافلوا أن الله هو الذي يؤتي الملك وينزعه لا هم، فقد تدخلوا في عمل الله وكانوا قوما عَجِلين، فكيف يسمع الله دعاءهم، وقد نسوه، وظنوا أنفسهم هم الآلهة ينزعون المُلك ويُؤتون؟
ومهما بكوا متضرعين وهم على حالهم تلك من شرك الأفكار الغربية والبعد عن نهج الله القويم، فقد حيل بين دعائهم وبين العرش، وبقوا في حال أسوأ مما كانوا عليه بعصيانهم أوامر الله وبما كانوا غافلين، فضاعت أموالهم حيث أحرقوها وهدموها وخرَّبوها وسلبوها ظلما وعدوانا، وفشلت كل مساعيهم للإصلاح الذي كانوا يتوهمون، ونتيجةً لتلك الفوضى وغياب أسباب الأمن انتُهكت أعراضهم، وترملت نساؤهم، وانتُزع من أحضانهم إلى الموت أبناؤهم، وباتوا وهم يبكون ويصرخون، هذا مآلهم لأنهم أخلدوا إلى أنفسهم ومستحدثات بلاد الدجال وعوَّلوا عليها آمالهم، ونسوا ربهم وقيومهم ومدبر أمورهم، فأنساهم أنفسهم وأحبط أعمالهم، تلك نتائج الثورات العربية ومآل أمورها، وثمراتها التي غُصت بها حلوقُهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(وتُهتَكُ أسرار ملوك الإسلام، ويظهر على الناس أنهم كانوا مورد غضب الله من العصيان والإجرام) ظهرت المواثيق المخفية، وانكشفت الأخبار المطوية، واستباح الجميع الأسرار وفضحوها، وأذاعوها بالصوت والصورة ونشروها، ولم يراعوا حرمة ولا قدسية، واستباحوا خصوصياتهم وأسرارهم وتتبعوا عوراتهم وأغفلوا تعاليم ربهم وظنوها بطولات، وراحوا يعبثون في غرفاتهم وخزاناتهم، وتحت أسرتهم وفُرشهم، وكذلك زجوا أنفسهم في دخائل أنفسهم وذوات قلوبهم، واطَّلعوا على نياتهم وظنونهم ومقاصدهم الآتية الخفية، وأعلنوا على الناس كل كبيرة وصغيرة مما يُحقِّرهم في أعينهم، ويجزم أنهم كانوا عليهم متواطئين، ويستوثق الناس أنهم ما آل أمرهم إلى ما آل إليه إلا لأنهم غضبوا على شعوبهم، فغضب الله عليهم بغضبهم، وتبيَّن لهم أنهم كانوا عاصين، ولم يكونوا أهلاً لاعتلاء عروش بلادهم، وأنهم كانوا في حق شعوبهم مجرمين، لكن ذلك لا يجعل من الذين ثاروا عليهم وهتكوا أسرارهم واستباحوا أعراضهم مُحقِّين، إنما هو الله الذي من سُنته أن يضرب الظالمين بالظالمين، فإن الحق والحق أقول لكم، إننا جميعا آثمون مذنبون خطاءون، ولم ينجُ من رءوس بلاد الإسلام ناجٍ في تلك الفتنة، إنما من سقط فيها لم يخرج منها سالما، وإنما كانت أسرار حياته وأهله وعياله كتابا مفتوحا يقرأه القارئون وغير القارئين، وما تلك الأحداث عنا ببعيد، وكذلك الأسرار التي انتُهكت وفُضحت ونُشرت على القاصي والداني، وما ثبوت غضب الله عليهم بغضبهم على شعوبهم وهتك أسرارهم بالأمر الخفيّ، وكذلك ثبوت مخالفتهم للشرائع والقوانين التي يحملون الناس عليها حملاً باسم دولة الدستور والقانون، وظهر على الجميع بالأدلة والمواثيق أنهم كانوا ـ في حق شعوبهم ـ مجرمين.
( ويُنزع منهم رعبهم وإقبالهم وشوكتهم وجلالهم بما كانوا لا يتقون) وقد نُزعت هيبتهم، ولم يعد أحد من الناس مهما قل شأنه يخشاهم، وجُردت أسماؤهم من الكُنى والألقاب والتعظيم والتبجيل، ولم تبق لهم في نفوس الناس مكانة، ولم يعد أحد يُجِلُّهم ويُكبرهم، بل صبوا فوق رءوسهم اللعنات، فلم يكونوا يتقون الله، بل على عروشهم كانوا يحافظون، وأصبح الناس يقولون: راح فلان وسُجن فلانٌ وحوكم فلانٌ، فلا رئيس ولا زعيم ولا قائد ولا هم يحزنون، وراحوا يسخرون منهم، ويطلقون في حقهم النكات الساخرات الهازئات بعدما كانوا يُسيَّدون ويُعظَّمون، ولهم تُحنَى الرؤوس.
( ويبارون الأعداء من طريق وينهزمون من سبعة طرق بما كانوا لا يُحسنون) فإنهم في أول الأمر لم يستسلموا، إنما وعدوا، وتوعَّدوا، وتنازلوا، وبسيف القانون وطول يد الحكومات وبطشها لوَّحوا، وبأصدقائهم استعانوا، وكل طريق لإنقاذهم وتثبيت أقدامهم ودحض الثائرين عليهم سلكوا، لكنهم ما أفلحوا، لأنهم لا يُحسنون تلك المسالك، وليسوا خبراء بتلك الوعور، أما أعداؤهم فهم أعلم منهم وأخبر، وأكثر حنكةً وأبْصر، فأحاطوهم وقوَّضوهم، ولم يتركوا لهم أي منفذ ينفذون، ولا مُنقذ ينقذهم من ورطاتهم.
(يُراؤون الناس ولا يراعون رسول الله وسنته ولا يتدينون، وإن هم إلا كالصور وليس الروح فيهم، فلا ينظر إليهم الله بالرحمة ولا هم يُنصرون) تلك هي المصائب التي أردتهم، والخطايا التي صرعتهم، فلم يكن لهم حظٌّ من الإخلاص، إنما هو النفاق والرياء لساداتهم وشعوبهم، ولم يكن لهم من سنة رسول الله وسيرته وأسوته نصيب، إنما باسمه كانوا يتشدقون، وبأسوته كانوا يتظاهرون، وباتباع كتاب الله كانوا يشيعون ويدَّعون، فكانوا خالين من روح الحق والعدل والإحسان، وبأسمائها يخادعون، وكانوا كأنهم يُخلصون ولم يكونوا يُخلصون، فأدار الله عنهم وجهه، وحجب عنهم عين عنايته، وتركهم في ظلمات لا يبصرون، حتى هُزموا واندحروا وسُيِّروا وزالوا، ولم يكونوا لنصرة الله مستحقين.
(وكان الله يريد أن يتوب عليهم إن كانوا يتضرعون، فما تابوا وما تضرعوا، فنزل على المجرمين وبالهم إلا الذين كانوا يخشعون، ويرون أيام المصائب ولياليها كما رأى الملعونون) هكذا حال الله مع العباد دائما، حتى العصاة منهم والمجرمين، فلا يعاقبهم إلا ليدركوا خطاياهم فيعتبروا، وعن غيهم يرجعون، وشرع الله لهم الدعاء لكنهم لم يدْعُوه، ولم يستعينوا به في تصريف أمورهم، وعوَّلوا على قدراتهم وعلومهم وخبراتهم ودهائهم، واستغنوا بقدراتهم عنه كأنه عندهم غير موجود، ولم يشعروا يوما أنهم قد أذنبوا، لذلك لم يتوبوا، وكيف يتوب المرء من ذنب لم يَرتكب، وكيف يندم على جريرة لم يَفعل، فكان حقا على الله معاقبتهم ليتيقنوا أنهم ما سُلبت منهم رياستهم وما حُرموا من عروشهم إلا أنهم كانوا مذنبين خاطئين، أما الذين هم نظراؤهم، ورأوا ما حل بهم، وكان فيهم شيء من الخشية ورائحة من التقوى، فتابوا وأنابوا إلى شعوبهم مصلحين، وكانوا لهم مواسين، فأفلتوا من العقاب بأوبتهم ورجوعهم عن غيهم، فهؤلاء هم الذين يعتبرون ويخشعون.
( فعند ذلك يقوم المسيح أمام ربه الجليل، ويدعوه في الليل الطويل، بالصراخ والعويل، ويذوب ذوبان الثلج على النار، ويبتهل لمصيبة نزلت على الديار، ويذكر الله بدموع جارية وعبرات متحدّرة، فيُسمَعُ دعاؤه لمقامٍ له عند ربه، وتنْزل ملائكة الإيواء فيفعل الله ما يفعل، ويُنجّي الناس من الوباء، فهناك يُعرَف المسيح في الأرض كما عُرِفَ في السماء، ويوضع له القبول في قلوب العامة والأمراء، حتى يتبرّك الملوك بثيابه. وهذا كله من الله ومن جنابه، وفي أعين الناس عجيب. ففكر في القرآن والأحاديث إن كنت تريب، وما قلتُ من عندي بل هو عقيدة الجمهور من الصلحاء المسلمين، ومكتوبٌ في كتاب رب العالمين.) وقد قام المسيح الموعود عليه السلام في صورة أتباعه المخلصين لأوطانهم يدعون ربهم الليالي الطويلة من أجل نجاتها من تلك الفتن، ويدعون أقوامهم للإيمان بدعوته لأنها هي سبيل الخلاص الوحيد لهم من تلك المصائب التي حلَّت بديارهم، وقد كان ذلك واضحا جليا في خطب الخليفة الخامس رضي الله عنه، الذي كان يتضرع لربه من أجل نجاة تلك البلاد من تلك الويلات، حتى إنه يدعو للدولة الظالمِ أهلُها (باكستان) التي كفَّرته وآذته وأتباعَه ولا تزال، ويرجو من ربه أن يجنبهم الدمار والويلات والفتن، في الخطابات المتواصلة في القنوات التليفزيونية للجماعة، والمنشورات والصحف، وقد استجاب الله لهم، وتوقف سيل المفاتن التي كانت مؤمَّلة عند أصحابها، ونجَّى الله تعالى تلك البلاد من ذلك الوباء، وانظر بعين التدقيق إلى كلمة (الوباء)، فإن تلك الثورات بالفعل كانت كأنها الوباء الذي ينتشر بين الناس بالعدوى، فينتقل من مكان إلى مكان كالطاعون، وبدعاء الأحمديين ـ في كل بلاد العالم ـ وتضرعهم إلى ربهم، توقفت سيول التمردات والثورات، وعرف المخطئون ما أخطؤوا في حقهم، ومنحوهم مساحة من الحرية اعترافا بطهارتهم وصدق طويتهم وقربهم من ربهم، وتبرَّك بهم الملوك والسلاطين، وراحوا يستشيرون خليفتهم أنْ كيف نتخلص من العدوان، ونفرُغ إلى السلام والوئام، وراح بدوره يرشدهم كناصح أمين، فأجلُّوه ووقروه، وأدركوا بأعين رؤوسهم أنه وأتباعه من عباد الله الصالحين المقربين، وسوف يتبيَّن نبأهم كاملا بعد حين، والحمد كله لله رب العالمين.
المقتبسات ــ الخطبة الإلهامية ـ ص 97 ، 98
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.