loader
 

عدم فناء النار، هل هي عقيدة إسلامية؟..2

 

كذلك قالوا أن أصل تسمية النار ( الحُطمة ) يعود إلى أنها سوف يحطِم بعضها بعضاً، أي يُفني بعضها بعضاً، وقد ورد في ذلك أحاديث صحيحة كثيرة نرى أن ذكرها من التطويل والتكرار.
وكذلك ورد {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا أَوْ خَافَنِي فِي مَقَامٍ } (سنن الترمذي, كتاب صفة جهنم عن رسول الله)، ويقول أيضا {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدْ اسْوَدُّوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَا أَوْ الْحَيَاةِ شَكَّ مَالِكٌ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ، قَالَ وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرٌو الْحَيَاةِ وَقَالَ خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ} (صحيح البخاري, كتاب الإيمان)، ليس هناك ما هو أوضح من هذين الحديثين دلالة على خروج أ هل النار منها، وخُلوّها من ساكنيها، إن الناس جميعا عباد الله، شاءوا ذلك أم أبَوه، ولا يستطيع مُدّعٍ أن يدّعي أن الله رب المسلمين وحدهم، أو رب المؤمنين به فحسب، بل إنه سبحانه رب العالمين، ومن مقتضى ربوبيته سبحانه أنه عندما يجد بذرة خير في إنسان مهما كانت ضعيفة فإنه يرعاها ويقويها ويوفر لها التربة الملائمة والماء اللازم لنموها، ولا يسحقها أو يلقيها في نار محرقة وهو يعلم أن لديها استعداداً أن تنبت وتورق وتزهر وتثمر لو توفرت لها الظروف المناسبة، ولو ألقاها في أتون ناره من بعد علمه بذلك فكيف يسمي نفسه بعد ذلك حكيما ونراه كذلك، وكيف يسمي نفسه خبيرا ونراه كذلك، وكيف يسمي نفسه رحمانا رحيما ونسلم له بتلك الصفات بعد تلك المتناقضات، حاشاه سبحانه، إنه رب الأرباب، ومسبب الأسباب، ومنشئ الكتاب، وخالق الكائنات جميعا من التراب، خلق الخلق ليعلمهم ويربيهم ويزيدهم به معرفة ومنه قربا، واتخذ من أجل ذلك التدابير، وهيأ العالم كله من أجل ذلك الهدف، وسخر ما في السماوات وما في الأرض للإنسان كي يتأمل ويتدبر هذه الحقيقة، أن الله خالقه ورازقه ومحييه ومميته وباعثه وهو منه وله وإليه، وهو في نفس كل بشر وفي يقينه وفي حبة قلبه وسويداء فؤاده وإن أنكره لسانه، لذلك ينظر إليهم وهم يعذبون ويأمر ملائكته أن يُخرجوا من عباده من ذكره يوما أو خافه في مقام، أوليس ربنا القائل {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} (الزلزلة 7) ، فما فائدة هذه الآية إذن؟ أيُدخل الله النار خالدا فيها وما هو منها بمخرَج من وصله إسلام يقاتل العالم كله لإدخاله في حظيرته قهراً وعنوة؟، ويمنع معتنقيه من تركه إذا تصوروا فساده، أو رأوا أنه يعلّم أتباعه أساطير الأولين، وخرافات وجنا تتلبس الناس وتسكن أجسامهم ثم يأتي من يخرجها منهم بالشعوذات والخرافات، ولم يبلغهم عن رسوله سوى أنه قتال نهاب سلاب معدوم الرحمة خالٍ من الرأفة، من يقول أن الله يُدخل النار من بلغه إسلام يُكره الدنيا كلها ويراهم كفارا يجب إبادتهم بدون قلب يرق أو عين تدمع؟ إن هؤلاء الناس لو وصلهم إسلام حنيف حقا لكانوا بلا ريب مسلمين حنفاء.

وإن الحديث الثاني الذي أوردناه آنفا الذي يورد خروج أهل النار منها ثم يُزرعون كما تُزرع الحبة وينبتون كما تنبت لينبئ بلا شك عن حياة أخرى يبدأ الإنسان من خلالها مرحلة جنين ينبت وينمو مرة أخرى كما نبت ونما في الدنيا من قبل بعدما يُطهَّر من أدران الرجس وشوائب الذنوب، الحق أن من يجزم أن الله لن يكون رءوفا رحيما إلا بفئة محدودة من الناس ـ فقط لأنهم منهم ـ لهو ظن فاسد تماما، وينظر للعالم من حوله نظرة عنصرية حمقاء، لأن أولئك الزاعمين يظنون أنهم هم الناجون وحدهم من بين سائر البشر، ولو ظنوا مجرد ظن أنهم هم المعنيون بالخلود بلا نهاية في جهنم ما أطلقوا هذا الحكم، وما تبنوا تلك الفكرة السخيفة الباطلة

ثم إنه من قال أن الخلود يعني البقاء في جهنم أو الجنة إلى ما لا نهاية؟ إن هذا المعنى معنى باطل تماما، إذ إن معاجم اللغة وقواميسها وهي المعوّل الذي نعتمد عليه في فهم معاني الألفاظ والوقوف على مقصودها قد أكدت بكل جلاء أن معنى الخلود هو طول البقاء على حالة واحدة أو في مكان واحد، وليس فيه رائحة المعنى الذي يفهمون، وعلى ذلك ينتفي معنى الخلود في النار أنه بلا نهاية، وخاصة أن القرآن الكريم نفسه يؤكد أنه حتما إلى نهاية كما وضحنا من قبل، أما الخلود في الجنة فهو بقاء أكبر مُكثاً لأن الله تعالى وصفه أنه عطاء غير مجذوذ.

النار فانية، لأن رحمة الله التي تسع كل شيء سوف تسعها، ومن يقول أن رحمة الله تسع كل شيء إلا أهل النار المذنبين المكذبين فلا أدري كيف يعود ويقرأ قوله تعالى ( ورحمتي وسعت كل شيء ) موقنا بها؟ وكذلك يقول تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات 56)، فإن لم يتسنَّ لسائر الجن والإنس أن يعبدوه في الدنيا فيجب ـ حتى يتحقق مضمون هذه الآية ـ أن تتاح لهم فرصة عبادته في الآخرة، وإذا ظلت طائفة منهم تزيد على ثلاثة أرباع البشر مخلدة في النار، فكيف يتصور الناس أن يكونوا عُبّادا لله تحت وطأة سعيرنار تتغيظ ولا يخرجون منها يوما لينتظموا في صفوف المصلين القانتين ؟ وإليك هذا الحديث {قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْ النَّارِ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْوًا فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ ادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ رَبِّ الْجَنَّةُ مَلْأَى فَيَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ مَلْأَى فَيَقُولُ إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ} (صحيح البخاري, كتاب التوحيد)، قد خرج أهل النار جميعا منها وهذا هو آخرهم، وقد دخل أهل الجنة جميعا فيها، وهو نفسه أيضا آخرهم، هل بعد ذلك من بينات واضحات ؟

إن رسول الله (ص) يؤكد غلق أبواب جهنم يوم الجمعة في الدنيا وأن من مات هذا اليوم كان ذلك دليلا على نجاته وسعادته، وهذا يوم جمع الدنيا، فهل يغلق باب رحمته وعفوه وغفرانه يوم جمعة الجُمع وجمع الناس جميعا في أرض المشهد العظيم؟ كذلك في شهر رمضان وفي مواقيت كثيرة أخرى، ولله عتقاء من النار كل ليلة، ثم بعد كل هذا العتق من النار كله يُخرج الله تعالى منها بعلمه ورحمته، انظر، بعلمه ورحمته التي ضمّنها قوله تعالى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} (غافر 7) ، فيقول تعالى على لسان حبيبه ومصطفاه ما يلي : ـ {قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مُيِّزَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فَدَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ قَامَتْ الرُّسُلُ فَشَفَعُوا فَيَقُولُ انْطَلِقُوا أَوْ اذْهَبُوا فَمَنْ عَرَفْتُمْ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدْ امْتُحِشُوا فَيُلْقُونَهُمْ فِي نَهَرٍ أَوْ عَلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ الْحَيَاةُ قَالَ فَتَسْقُطُ مَحَاشُّهُمْ عَلَى حَافَةِ النَّهَرِ وَيَخْرُجُونَ بِيضًا مِثْلَ الثَّعَارِيرِ ثُمَّ يَشْفَعُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا أَوْ انْطَلِقُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ قِيرَاطٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُمْ قَالَ فَيُخْرِجُونَ بَشَرًا ثُمَّ يَشْفَعُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا أَوْ انْطَلِقُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا الْآنَ أُخْرِجُ بِعِلْمِي وَرَحْمَتِي قَالَ فَيُخْرِجُ أَضْعَافَ مَا أَخْرَجُوا وَأَضْعَافَهُ فَيُكْتَبُ فِي رِقَابِهِمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيُسَمَّوْنَ فِيهَا الْجَهَنَّمِيِّينَ} (مسند أحمد, كتاب باقي مسند المكثرين)

وفي حديث أورده البخاريّ ومسلم بعدما أخرج الملائكة والأنبياء والمؤمنون ما يشاؤون من أهل النار يقول تعالى : ( شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض من النار قبضةً فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط )، وإذا كانت الأرض جميعا قبضته يوم القيامة، فهل تترك تلك القبضة من أهل النار أحداً ؟ حاشا لله !

وهنا يتجلى أن الرسل جميعا يُخرجون أتباعهم من النار، فهل يُبقِي نبيٌ من أمته أحدا لا يُخرجه؟ هل يقول إنه لا يعرف أمته التي بُعث فيها؟ وهاهم الجهنميون جميعا باتوا برحمة الله وعلمه من أصحاب الجنة، بعد كل ذلك أما زال هناك شك في خُلوّ النار من أصحابها، الرسل يُخرجون ويُخرجون ويُخرجون، والله يُخرج بعلمه ورحمته التي وسعت أهل النار جميعا كما علمنا أنها تسع كل شيء، الحق أن الذي يشك في ذلك بعدما أوردنا إنما هو شاكٌّ في قدرة الله ورحمته وربما في وجوده أيضا .

وهناك حديث قدسي جليل يقول تعالى فيه أنه ( كل يوم تشرق فيه الشمس تقول السماء أي ربي : مرني أسقط على ابن آدم كسفا فإنهم طعموا خيرك وعبدوا غيرك، وتقول الأرض أي ربي : مرني أبتلع ابن آدم فإنهم طعموا خيرك وعبدوا غيرك، ويقول البحر أي ربي : دعني أغرق ابن آدم فإنهم طعموا خيرك وعبدوا غيرك، فيقول الله تعالى : دعوهم فإنكم لو خلقتموهم لرحمتموهم، إن أطاعوني فأنا حبيبهم، وإن عصوني فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب) صدق الله ورسوله، ذلك الله حبيب الطائعين، طبيب العاصين، يطهرهم بنار جهنم من المعايب التي ألصقوها بانفسهم في الدنيا ليكونوا جديرين بجنات النعيم، وليس بعد تطهير النار تبقى معايب أو أي آثار لمعاصٍ أو ذنوب، وبذلك يكونون جديرين بجنة الله العالية بعدما أصبحوا هم أيضا من العالين المترفعين عن رائحة أي إثم أو سيئة.

إن الأصل في الماء العذوبة، والأصل في الناس الطهارة والنقاء والطاعة والعبادة، وكل ما استحدثوه على أنفسهم كان عرَضا من الأعراض يسهل التخلص منه ومعالجته ثم الرجوع بالشيء إلى أصله ورده إلى سابق عهده من النفع لذاته وللعالم من حوله، وكما نعرض الماء المالح لنار موقدة لنخلصه من ملوحته لتنتفع المخلوقات به، كذلك يُعرّض الله تعالى البشر العصاة المذنبين لنار الخلاص من المعايب والمثالب والآثام حتى يعودوا أطهارا أنقياء كما وُلدوا في هذه الحياة أول مرة.

لو تفكر الناس قليلا لأدركوا أنه لا فائدة تُرجى أبدا من بقاء إنسان في نار تحرقه ولا خلاص له منها هكذا أبداً أبداً إلى ما لا نهاية، لو كان الأمر كذلك لكان هو العبث بنفسه واللهو بذاته واللعب بعينه، لأنه يبدو من ذلك جليا أنه لا غاية تُرجى من وراء ذلك إلا رضاء ذلك الإله الساديّ الحاد المزاج الذي لا ندري من أين أتوا به، وكيف وحاله تلك أن يتخذوه إلها ويعبدوه، لكن إلهنا الغفور الرحيم يتعالى عن العبث واللغو واللعب علوا كبيرا، ولا يتخذ تلك الترّهات منهجا يعامل به أسمى مخلوقاته، الآدمي الذي كرمه على سائر الكائنات.

 

النار حادثة، وكل حادث يزول، ولا يبقى إلا وجه الله ذو الجلال والإكرام، القديم الذي لا شيء قبله، الباقي الذي لا شيء بعده، كل شيء هالك إلا وجهه، وهذا ما قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث { لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه }فتح الباري بشرح صحيح البخاري رقم12182 ، وكذلك رُوي عن ابن مسعود في نفس السياق قوله ( ليأتين عليها زمان ليس فيها أحد ) أي جهنم ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ليأتين على جهنم يوم يصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد، وكذلك من حديث جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ( يأتي على جهنم يوم ما فيها من بني آدم أحد يخفق أبوابها ) { كنز العمال جـ 14 رقم 39506 }

ومما ورد في صحيح مسلم مؤكدا سرمدية رحمة الله وعفوه، وسيادتها وهيمنتها على ما سواها من صفاته سبحانه وتعالى من حديث أبي هريرة وعمران بن حصين يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا بغير حساب، وزاد البيهقي في البعث من حديث عمرو بن حزم: وأعطاني مع كل واحد من السبعين ألفاً سبعين ألفاً، وزاد أحمد من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر بعده هذه الزيادة : فقال : فهلا استزدته، قال : قد استزدته فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفاً ، قال عمر : هلا استزدته، قال : قد استزدته فأعطاني هكذا (نقلا عن إحياء علوم الدين للغزالي كتاب العلم )

لك أن تتأمل في ذلك الحديث الذي رواه أغلب رواة الحديث بزيادات متقافزة تدل على استمرار رحمة الله وقد سبقت عدلَه ، حيث يظل كل رجل من السبعين ألفاً السابقة يأخذ في يده سبعين ألفاً تالية ، ويظل كل رجل من السبعين ألفاً الأخيرة يُخرج من النار سبعين ألفاً جديدة ، وهكذا دواليك حتى لا يبقى في العالمين من هو خارج عن هذا الإطار الذي وعد الله أن يسعهم جميعاً عندما قال ( ورحمتي وسعت كل شيء )، ومن وعد وفى.

وربما اعترض معترض علينا قائلاً : إنكم تدَّعون أنكم تقدمون القرآن على الحديث، وترفضون من الأحاديث ما خالف القرآن مخالفةً صريحة، وإني أراكم قد خالفتم منهجكم هذا في هذه القضية، أولم تقرؤوا قوله تعالى عن أهل النار [ يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ] المائدة 38، والحق أن هذا السؤال له وجاهة، وربما كان أحد الأسباب التي تزيد من قيمة هذا البحث، وتؤكد مصداقيته.

والناظر في هذه الآية الكريمة وما سبقها وما تلاها من آيات يتيقن أن السياق لا علاقة له بنار الآخرة من قريب ولا من بعيد، فالحديث كله عن الدنيا، والقوانين والتشريعات التي وضعها الله تعالى للبشرية فيها ، يشرح الله تعالى أن قتل النفس جريمة عظمى تساوي قتل الناس جميعا، ويُحدد جزاء الذين يفسدون على الناس حياتهم ويسلبون منهم أمنهم ، ويطلب منهم مجاهدة النفس ومنعها من العصيان، وأنه سوف يأتي يوم يقوم المؤمنون فيه إلى ربهم تائبين مستغفرين، فيتوب الله عليهم، ويضع عنهم أوزارهم، ويرفع لهم ذكرهم، وتكون لهم شوكة وغلبة، يومئذٍ يُعذَّب الذين كفروا برؤية فشلهم وزلتهم وهوانهم، وعلو شأن المؤمنين وانتصارهم وعزتهم، فيبيتون في نار لا يشعر حرَّها ولهيبها إلا هم، فيودون أن يخرجوا منها، ويعزُّوا بعد ذل، وينتصروا بعد هزيمة، ويبذلوا قصارى جهودهم في سبيل ذلك لكنهم لا يفلحون، فقد طُويت الصحف وجفت الأقلام

ومن ناحية أخرى، فقد رد المصلح الموعود رضي الله عنه على هذه الوسوسة ، لمن يتمسك بكون النار المذكورة في تلك الآية هي نار الآخرة، كي لا يبقى سبيل لمتشككٍ أو طاعن، في تفسيره للآية 168 من سورة البقرة ، في قوله تعالى ( وما هم بخارجين من النار ) قائلا : (( لقد نفى الله تعالى هنا خروجهم من النار، ... نفى خروجهم منها بقوتهم، ولكن الله تعالى سيخرجهم منها رحمةً منه وفضلا، وقال أيضا قوله [ وما هم بخارجين من النار ] يجب ألا ينخدع به القارئ فيظن أن أهل النار لن يخرجوا منها مطلقا، فالله تعالى لا يذكر هنا معاملته معهم، وإنما يبين حالهم وعجزهم هم عن أن يخرجوا من جهنم بجهودهم الشخصية، ومثال ذلك أن تقول عن مريض أنه لا يستطيع أن يتحرك خطوة واحدة، ثم تأخذه إلى المستشفى للعلاج، فهو لم يتحرك بجهده، ولكنك ساعدته ونقلته، فضعفه لم يمنع من أن يعينه أحد، فالنفي هنا لخروجهم بأنفسهم، فلو حاولوا أن يخرجوا بقوتهم ما تمكنوا من ذلك، ولقد صرح الله بذلك في آية أخرى ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدو فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون)، فلم تقل الآية أن الله لن يخرجهم من جهنم، وأنه سيعاقبهم عقاباٍ مؤبدا بلا نهاية، وإنما لن يخرجوا منه بجهودهم الذاتية، وبالنسبة للجزاء والعقاب، فهناك بون شاسع بين المؤمنين والكافرين، فالجنة حق للمؤمنين كما قال الله تعالى [ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ] كأن هذه الصفقة تمَّت بين الله جل جلاله وبين المؤمنين.

صحيح أنه من ناحية المبدأ لا يمكن أن يكون لأحد حق على الله، ولكن إذا قال الله إنه حق عليّ، فلابد أن يعتبر ذلك حقاً للعبد على الله.
أما الكفار فيقول الله إنهم عندما لا يستطيعون الصبر على عذاب جهنم، ويطلبون الخروج منه لن يستطيعوا ذلك
والباء في اللغة العربية تفيد التأكيد، وتعني في قوله [ بخارجين ] : أبداً .
فالمعنى أنهم لن يتمكنوا أبداً بجهودهم الشخصية من مغادرة جهنم .
نعم، عندما يريد الله فإنه يُخرجهم منها ، كما ورد في الحديث النبويّ : [يأتي على جهنم يوم ليس فيها من بني آدم أحد تخفق أبوابها ] كنز العمال ، كتاب القيامة ))
يا أيها الناس هذا هو الحق، وليس بعد الحق إلا الضلال.


 


زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.
 

خطب الجمعة الأخيرة