قصة شرارة أدت إلى اضطرام النار في العالم بأسره
عزيزي القارئ! لو قلت لك إن العالم كله تغير بسبب منعطف خاطئ، فهل ستصدقني؟
اسمع هذه القصة ثم أجب مرة أخرى.
في صباح 28 يونيو / حزيران 1914م كان الأرشيدوق النمساوي فرانس فرديناند في زيارة إلى سراييفو عاصمة البوسنة ترافقه زوجته صوفي، ولعلهما كانا يعيشان واحدة من أسعد لحظات حياتهما وهما في سيارتهما المكشوفة يلوّحان للناس الذين أتوا لاستقبالهم وازدحمت بهم أرصفة المدينة. وكان كل شئ يسير على خير ما يرام حتى حدث ما هو غير متوقع؛ قنبلة يتم رميها من قبل أحدهم، ولكنها تخطئ! فترتطم بالسيارة من الجهة الخلفية، وترتد لتنفجر وتصم أذان الحاضرين من دويّ انفجارها.
ما الذي حصل! ما القصة؟
لم يفهم أحد شيئًا، وسارعت سيارات الموكب تتسابق مع الزمن لتلافي أي خطر محدق، فابتعدوا عن مكان وقوع الحادث وهدأ الوضع قليلًا. عبر الأرشيدوق عن استيائه البالغ من الطريقة التي اختارها أهل المدينة للترحيب به وعاتبهم خلال حفل استقباله، وأصر على أن يذهب إلى المشفى بنفسه لعيادة المصابين بالحادث.
وكان الأرشيدوق في طريقه إلى المشفى عندما اتخذ سائقه منعطفًا خاطئًا - لعله لم يدر وقتها أنه على وشك أن يجر العالم كله إلى كارثة عالمية مدمرة عن غير قصد - فكان الصربي غافريلو برينسيب في أحد مقاهي ذلك الشارع بالصدفة، فما إن رأى الأرشيدوق حتى انتهز الفرصة مطلقًا الرصاص عليه وعلى زوجته ما أدى إلى مصرعهما على الفور.
فكان هذا هو المسدس الذي سيغير خريطة العالم، وكانت هذه هي الشرارة التي أشعلت فتيل أكبر مأساة بشرية حتى ذلك الوقت، وتصاعدت وتيرة الأحداث باضطراد ولم يتوقع أحد حجم المصيبة الآتية.[1]
لقد كان غافريلو عضوًا في تنظيم صربي قومي يطمح إلى إزالة النمساويين من الحكم، وكانت عملية الاغتيال تهدف إلى إنهاء نفوذ إمبراطورية النمسا على البوسنة وتوحيد عدد من الدول في فيدرالية واحدة. فرأت النمسا في حادثة اغتيال الأرشيدوق فرصة لتسوية أمر القوميين الصرب إلى الأبد.
ألقت النمسا اللوم على الحكومة الصربية وأرادت أن تسحقها للتخلص من الصربيين القوميين إلى الأبد، ولكنها كانت على علم بأن روسيا تدعم صربيا، وبالتالي هناك احتمال كبير بأنها ستتدخل في حال إقدام النمسا على أي خطوة، وبالتالي سيتدخل كل من فرنسا وبريطانيا اللتان كانتا حليفتان بارزتان لروسيا. فسعت النمسا للحصول على ضمان وتأييد من ألمانيا التي قامت بإعطاء ضمان كامل، وسميت تلك الواقعة بـ "الصكّ الأبيض" أو [The blank check].[2]
قامت النمسا بغزو صربيا.. وكان هذا القرار كفيلًا بزعزعة السلام بين الدول الأوروبية، وفي غضون أسبوع اصطف كل من روسيا وبلجيكا وفرنسا والمملكة المتحدة وصربيا من جهة، وألمانيا والنمسا على الجهة الاخرى.
وانتشر الموت في أوروبا كالنار في الهشيم، وخيمت عليها غيمة الكآبة والبؤس لمدة أربع سنوات، ذاق الأوروبيون الأمرّين خلالها، ولم تكن المعاناة محصورة في أوروبا وحدها.
إن أحدًا لا يمكنه توقع حجم المأساة التي يمكن أن يتسبب بها مسدس بيد مراهق، ولكن مسدس هذا المراهق قام بتغيير وجه العالم بلا أدنى شك.
لقد أدت هذه الحرب إلى سقوط أربع امبراطوريات عظمى في ذلك الوقت[3]، فتلاشى حكم العثمانيين وانتهت الإمبراطورية النمساوية وتم سحب الملك من يد العائلة الحاكمة في ألمانيا، كما تسببت الثورة البلشفية، التي كانت الحرب العالمية الأولى عاملًا مهمًا في تأججها، تسببت بخلع زار روسيا في مشهد مأساوي – كما تنبأ به سيدنا المسيح الموعود عليه السلام قبل ذلك بسنوات عديدة -.
كما سقط العديد ضحايا لهذه الحرب الطاحنة؛ فقد تكلفت البشرية ملايين الأرواح، دع عنك الإصابات والتغير التي أحدثته في المجتمع الأوروبي والذي نلمس آثاره إلى وقتنا هذا، وبالإضافة إلى ذلك ساعدت الحرب بشكل كبير على تفشي وباء الحمى الإسبانية الذي أودى بحياة 20 – 50 مليون شخص.[4] كما لا ننسى أهم ضرر تكلفته البشرية وهو تسبب الحرب بإحداث شروخ في العلاقات ما بين الأقوام الأوروبية ما أدى بشكل كبير إلى أختها الكبرى الحرب العالمية الثانية.
قد يختلف بعضنا حول عدد من الحقائق المذكورة في هذا المقال، ولكن ما لا مجال للشك فيه أن تسلسل الأحداث المؤدية إلى الحرب العالمية الأولى، يدل بشكل قاطع على أن احتمالية حصول حرب عالمية أخرى تظل قائمة دائمًا، لا سيما مع وجود التكتلات والتحالفات بين الدول في عصرنا ما يذكرنا بالتكتلات والتحالفات التي كانت في ذلك الزمن.
وبدأ العالم في هذه الأيام يدرك هذه الخطورة؛ ففي مقابلة له مع شبكة Sky News، قال قائد القوات المسلحة البريطاني الجنرال نيك كارتر أن العالم حاليًا متزعزع وغير مستقر، وعند سؤاله عن احتمالية نشوب حرب عالمية أخرى أكد أن هناك خطورة من نشوب حرب عالمية، وعلينا إدراك مدى هذه المخاطر.[5]
ولا شك أن المطلع على الأخبار العالمية لا يسعه إلا ملاحظة سلسلة التصعيدات المتزايدة باستمرار، ومن أهمها التصعيدات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية التي تقلق المنطقة والعالم بأسره.
لم يترك سيدنا ميرزا مسرور أحمد خليفة المسيح الخامس أيده الله بنصره العزيز أي فرصة إلا واستغلها لمواساة البشرية وأطلق النداء تلو النداء، ولم يترك محفلًا دوليًا إلا وخطب فيه موجهًا عناية البشر إلى أهمية إدراك مدى خطورة حصول حرب عالمية. وكنا في بداية العام الحالي على موعد مع نداء آخر وجهه حضرته، حيث لفت إلى أن الوضع لا يبشر بخير؛ فالإحباط وسوء الوضع الاقتصادي سيؤديان بالدول العظمى إلى الطمع بثروات الدول الصغرى والاستيلاء عليها.
ونبه حضرته إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى تشكل تكتلات وبالتالي حرب تُطحن فيها شعوب الدول الفقيرة والغنية على حد سواء.
ومن هذا المنطلق بين حضرته واجباتنا نحن المسلمين الأحمديين، فذكرنا بأهمية إنذار العالم وتنبيهه قبل أن يلقى هذا المصير. وأكد على أن العام الجديد لن يكون عام تبادل التهاني ما لم نقم بواجبنا على هذا النحو ونصحنا الناس ونبّهنا العالم إلى هذا الأمر، وقال حضرته إن هذا يدفعنا لفحص أنفسنا إذا ما كنا أحدثنا تغيرًا طيبًا في أنفسنا بحيث نؤدي حقوق الله خالصة لمرضاته، ونؤدي حقوق العباد أيضًا، أم أننا بحاجة لإصلاح أنفسنا أكثر ورفع معاييرنا أكثر حتى تتولد في أنفسنا مشاعر الحب تجاه بعضنا البعض.
باختصار.. إن هذه لمهمة عظيمة ألقيت على عاتقنا نحن المسلمين الأحمديين الذين آمنا بمبعوث الزمان سيدنا المسيح الموعود عليه السلام وننعم ببركات الخلافة الراشدة، فنحن بحاجة إلى إصلاح أنفسنا وإحداث انقلاب عظيم فيها بهدف القيام بالمسؤوليات التي أوكلت لنا، ويمكن الاستعانة على ذلك بالدعاء بحرقة والإبقاء على علاقة طيبة تجمعنا بأمير المؤمنين أيده الله من خلال متابعة برامجه ومراسلته وطلب الدعاء منه باستمرار لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.
[1] https://www.alarabiya.net/ar/last-page/2014/06/23/المراهق-الذي-غيّر-العالم-برصاصتين-وقتل-الملايين
[2] https://www.mentalfloss.com/article/57608/wwi-centennial-germany-gives-austria-hungary-blank-check#:~:text=July 5, 1914: Germany Gives Austria-Hungary a “Blank,whatever action Austria-Hungary might take to punish Serbia.
[3] https://www.britannica.com/event/World-War-I
[4] https://www.history.com/topics/world-war-i/world-war-i-history
[5] https://news.sky.com/story/risk-of-new-world-war-is-real-head-of-uk-armed-forces-warns-12126389
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.