خطاب ألقاه الأخ جمال أغزول بمناسبة يوم المسيح الموعود / 2013
في كل عام تحيي الجماعة الإسلامية الأحمدية ذكرى يوم المسيح الموعود وتأسيس الجماعة بأمر الله تعالى، إذ يستحضر المسلمون الأحمديون بهذه المناسبة العبر والدلالات التي تعمق الإيمان وتجلي معانيه في نفوسهم بما يزيد من عزيمتهم في سيرهم الروحاني وتحقيق أهداف بيعتهم.
فقبل 124 عاما، من عام 1889 أُخِذت البيعة على يد المسيح الموعود والإمام المهدي حضرة ميرزا غلام أحمد عليه السلام. و أعلن حضرته شروطها العشر التي هي في جوهرها زبدة التعاليم الإسلامية التي تصحح ما اعوجّ من ممارسات الاعتقاد والسلوك ..وفي هذا الزمن العصيب الذي توالت فيه حقب الجفاف الروحي في الأمة الإسلامية حتى طفقت روح الإسلام تخمد شيئا فشيئا حتى ماتت أو كادت ، وبخروج جحافل المنصرين الذين سعوا بخيلهم ورجلهم للإغارة على حياض الإسلام انبرى حضرته عليه السلام مجاهدا بقلمه وقرطاسه ليعيد للاسلام اعتباره وفوقيته حتى أذن الله تعالى له بأخذ البيعة ليعيد الإسلام روحه المفتقدة وتنطلق شرارة الإيمان وهّاجة في كل أرجاء الأرض مبشرة بفجر جديد يُلهب المشاعر ويُبهر الأبصار ...
لقد كان يوم البيعة الخالد -يوم المسيح الموعود- سِفراً عظيما في التاريخ الاسلامي الحديث شاء الله تعالى من خلاله أن تطوى صفحة الجهالة والظلمة ، وتُشرق فيه شمس الإسلام الصحيح وتعاليمه الأصيلة الغرّاء في النفوس من جديد.. لترتفع همم المسلمين من السفلية إلى التسامي و تتبدد الأساطير الدينية والعقائد المبتدعة التي أساءت لطُهر النبوة وعصمتها وقدوسية الله وجميل صفاته ومن مظاهر الطقوس الجافة الخاوية إلى حقيقة روحانية وعرفانية قائمة على أساس التوحيد الخالص والإيمان المؤسس على التجربة والصلّة بالله تعالى باتباع التعليم الصحيح الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ...
وحينما نستحضر مناسبة جليلة كهذه فلا بد من معرفة أهمية البيعة وحقيقة مقاصدها للحفاظ عليها، وإذا كان الإنسان بطبعه وفطرته يحافظ اكثر على الشيء المادي الذي يجلبُ ضياعه وتلفه خسارة كبيرة له فكم بالحري مثل هذا الأمر الروحاني الذي أنيط بموجبه تحقيق ممارسة روحية إيمانية أن يتعهّده بالمراقبة والمجاهدة ، والرعاية اللازمة والتعظيم الكبير بما يُكسبهُ الحكمة والعرفان والضياء والنور والوصال والهداية وحُسن العُقبى. ولبلوغ هذه الأفضال الإلهية فلا بد من المحافظة على هذا الإلتزام الأدبي والأخلاقي والروحاني ومعرفة جوانبه ومعانيه للظفر بهذا الفضل، إذ البيعة في حقيقتها مشتقة من البيع وهي في معناها كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111
أما الأفضال الألهية المنوطة بالبيعة الصادقة فقد عدّدها سيدنا المسيح الموعود عليه السلام بما يلي:
الهداية إلى صراط الايمان الحقيقي
الهداية إلى الطهارة الحقيقية
الهداية إلى المحبة الإلهية
التخلص من حياة الدنس والكسل
حيث يقول عليه السلام: "... أودّ هنا تبليغَ رسالة أخرى إلى خلق الله عمومًا وإلى إخواني المسلمين خصوصًا بأني قد أُمرت بأن آخذ البيعة من الذين يبحثون عن الحق لكي يهتدوا إلى صراط الإيمان الحقيقي والطهارة الحقيقية والحب الإلهي، ولكي يتخلصوا من حياة الدّنس والكسل والخيانة. فالذين يجدون في أنفسهم شيئًا من القدرة على ذلك لا بد لهم أن يتوجهوا إليَّ، فإني سأواسيهم وسأسعى جاهدًا لأن أضع عنهم إصرهم، وسيبارك الله تعالى لهم في دعائي وعنايتي بهم، شريطة أن يكونوا مستعدين بالقلب والروح للعمل بالشروط الربانية..
(الإعلان الأخضر، الخزائن الروحانية المجلد 2 ص 470)
وهكذا كان المسيح الموعود عليه السلام على مستوى مسؤوليته العظمى في إحياء الدين وإعادة الاعتبار لحقيقته بالبيعة وشروطها الجامعة لفقه أعمال القلوب إلى جانب فقه الاعتقاد والسلوك بالعمل ، إذ لم يغفل عليه السلام عن تصوير الصورة المُثلى للمسلم الأحمدي السالك الذي لا يفتر عزمه عن المجاهدة والتخلص من حياة الغفلة والكسل، و التطهر من الأدناس والأرجاس.. و قد صوّر حضرته هذا النموذج الأسمى الذي أسست من أجله هذه الجماعة قائلا:
إنما يريد الله أن يقيم جماعة من المتقين لإظهار عظمته وجلاله، وانه سوف يجعل هذه الجماعة تزداد وتزدهر لإنشاء محبة الله سبحانه والتقوى والصفاء، والورع والسلام وحسن الطوية بين الناس، وستتكون هذه الجماعة من الذين وهبوا حياتهم لله تعالى. إنه سيؤيدهم بروح منه ويبارك فيهم ويطهرهم ويضاعف عددهم فوق العادة حسب وعده إياهم. وسوف يدخل ألوف من الصادقين في جماعته وسوف يراعيهم بنفسه ويجعل الجماعة تنمو وتزدهر حتى تتعجب الدنيا من كثرة عددها وتقدمها الخارق. وتصبح الجماعة منارا عاليا حتى تنوّر أقصى انحاء العالم، ويصبح أبناء الجماعة نموذجا عاليا للبركات السماوية، ويتفوق أتباعي الصادقون على الآخرين. ولا يزال يظهر منهم إلى يوم القيامة اناس يصطفيهم الله تعالى لكل مضمار الحياة. هذا حكم الله وهو يفعل ما يريد. فالحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا. أسلمنا له. هو مولانا في الدنيا والآخرة. نعم المولى ونعم النصير.
(مجموع إعلانات، المجلد الأول، مطبعة الرقيم بلندن 1986 ص 188)
أما كيف تنفع البيعة صاحبها فيقول عليه السلام:
البيعة والتوبة تنفعان إذا تمسك بهما الإنسان وعمل بهما بصدق القلب وخلوص النية. إن الله تعالى لا تسُرّه إطلاقا الكلمات الجافة التي تنزل من الحلقوم. تغيّروا بحيث يبلغ صدقُكم ووفاؤكم وخشوعكم وابتهالكم إلى السماء (الملفوظات ج 5)
وقال أيضا: المراد من البيعة هو الإطلاع على حقيقة البيعة، ولو قام أحد بالبيعة بوضع اليد على يدي ولم يفهم الغاية المتوخاة ولم يهتم بها فلا طائل في بيعته ولا اهمية لها عند الله تعالى..(الملفوظات ج 10 ص140)
يقول حضرته: المبايع الحقيقي هو ذلك الذي يأتي الفناء على حياته السابقة وتبدأ حياة جديدة. لا بد من إحداث التغيير في كل شيء، تنعدم العلاقات السابقة وتبدأ العلاقات الجديدة. (الملفوظات ج 3 ص339-340)
أخي المبايع أختي المبايعة ، ونحن نستحضر ذكرى يوم البيعة الخالد يوم المسيح الموعود كل سنة، يلزمنا أن نجدد دوما عهدنا مع الله بالمراقبة ، ونشيّد علاقتنا الحية مع الله تعالى ، لتكون حياتنا بالإيمان لا بالأماني، ونحقق انقلابا عظيما في أنفسنا وفي من حولنا لنشيع بذلك القيم الإسلامية الغراء التي أقامها القرآن المجيد وعمل بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ودعا إليها حضرة المسيح الموعود عليه السلام ونسترشد بالبيعة ، ونوطّد صلتنا مع خليفة الوقت المزكي الذي يؤدي نفس التزكية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وقام بها النبي صلى الله عليه وسلم وجلاّها خادمه عليه السلام...
إن انضمامنا لهذه الجماعة المباركة والعمل بتعليم البيعة وشروطها لهو شرف عظيم ومقام سام وسُلّمٌ تعرج فيه أرواحنا السعيدة الطاهرة نحو العُلى بما يجلّي التجليات والأفضال الإلهية التي زفّ سيدنا أحمد عليه السلام بُشراها إلى كل من استقامت بيعته في مرآة قلبه ومسلكه بقوله:
[[ إن الله يحمي ويبارك شخصا يرى أن صدره مليء بالصدق والحب. إنه ينظر إلى القلوب لا إلى القيل والقال الظاهرَين. والذي يجد اللهُ قلبه نقيّاً من كل نوع من القذارة والنجاسة ينزل فيه ويتخذه بيتا له]] الملفوظات،ج5 ص 247
ومن الدروس والعبر المستفادة من مناسبة يوم المسيح الموعود وتأسيس الجماعة أن هذه السفينة المباركة ليست كغيرها من السفن التي يصنعها أهل الأرضين من سقط أخشاب نخرة تكاد تغرقها العواصف الهوجاء والأمواج العاتية عند أول إبحارها! .... بل هي فُلْكٌ إلهي ذات ألواح مرصوصة وُدسر متينة يشد بعضها بعضا ، ولا يتقاعس ربانها والعاملون عليها عن مدها بأسباب الاقتدار والقوة ، فلا يتأثرون بالنفوس الخائرة الواهنة عن التضحيات التي لا تستلهم من الايمان والصلة بالله يقينها وتوكلها
وفق الله جميع المبايعين لإدراك مقاصد البيعة وأهدافها الروحانية وجعلنا وإياهم من العاملين بها السالكين إلى الله بموجبها نحو مدارج السالكين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.