loader
 

كما في القرآن: الإحسان مدار النجاة في الإنجيل

كما أن القرآن قد لخص رسالة الإسلام بأنها الإحسان؛ الذي هو إحسان العبودية للخالق والتفاني في عبوديته والإحسان إلى الخلق في تأدية حقوقهم، وكما أكّد القرآن أن الإحسان هو مدار النجاة الذي يصبح به المؤمن في مأمن من الخوف والحَزَن في الدنيا والآخرة، في قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 113)، كذلك نجد أن هذه القيمة العظيمة موجودة بوضوح في الإنجيل.
ففي إنجيل متى، الإصحاح 25، نقرأ ما يلي:
{«وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. 32وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، 33فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. 34ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. 35لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. 36عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. 37فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ 38وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ 39وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ 40فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ.
41«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، 42لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. 43كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. 44حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ 45فَيُجِيبُهُمْ قِائِلاً: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. 46فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».} (إِنْجِيلُ مَتَّى 25 : 31-46)


وبالنظر في هذا النص، نجد أن الذين يباركهم الله (مبارَكي أبي) بسبب إيمانهم به وحده، والذين أحسنوا إلى الخلق هم الذين سيدخلون الجنة - وهذا تماما هو ملخص الإسلام الذي هو الإحسان في العبودية إلى الله، والإحسان إلى الخلق-، فلم يقل لهم المسيح تعالوا يا مباركيَّ أنا، فأنا والآب واحد! ولم يسألهم المسيح عن عقيدة الكفارة، ولم يقل لهم: تعالوا يا من آمنتم بفدائي! أو يا من حملتُ عنهم خطاياهم واستحقوا الجنة بالنعمة لا بالأعمال!


فأين النظرية المسيحية من هذا النص العظيم الذي حفظه الله تعالى في الإنجيل ليرشد إلى صلب تعاليم المسيح الحقيقية؟! فالنظرية المسيحية البولسية تقول بأن عهد النعمة قد ابتدأ بفداء المسيح وموته على الصليب تكفيرا عن خطايا الخلق، وأن النجاة متوقفة على النعمة لا على الأعمال. أي أن الذي يؤمن بفداء المسيح يدخل الجنة حتما ولو لم يقم بأي عمل صالح، ولو كانت آثامه مثل زبد البحر، وأن الذي لا يؤمن بفداء المسيح سيدخل النار ولن ينفعه عمله أو إحسانه! وليس صعبا الإدراك أن هذه النظرية تنافي الفطرة وتؤدي إلى أضرار سلوكية بالغة، ولا تقود إلى الصلاح والتقوى، بل تدفع باتجاه الفسق والفجور والرذيلة وارتكاب الجرائم. ويطول الحديث في ذكر مضارها، كما يصعب العثور على جانب مفيد لها.


إن الحقيقة الناصعة هي أن الإنجيل على حاله، ورغم طبيعته وما فيه من أمور تشوهت أو حُرفت، لا يدعم العقائد المسيحية، بل هو يخلو تماما من ذكرها. فلا أثر لعقيدة الفداء أو الكفارة أو الثالوث أو الإثم الموروث، بل إن الدراسة المتأنية ستجد أن هناك نصوصا واضحة تتصادم مع هذه العقائد وتناقضها. فلو حكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، وبما أبقاه من حقٍّ يصلح لإرشادهم إلى الهدى، لأصبح من السهل الاجتماع على الكلمة السواء التي دعا إليها الإسلام؛ دين الفطرة النقية والطهارة والتقوى.


نسأل الله تعالى أن يوفقهم لهذا، وأن يفتح قلوبهم وعقولهم لمعرفة الحق، آمين.


زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.
 

خطب الجمعة الأخيرة