نحن نقرّ بوجود الجنّ الذي ذكره القرآن الكريم. ولكن القرآن الكريم لم يتحدث قط عن وجود كائن غير مرئي يركب الناس ثم يتحدث بألسنتهم. وما يرونه استنطاقا للجنّ ليس أكثر من مرض نفسي، الذي من أعراضه أن يتحدث المريض بطريقة مختلفة عما يتحدث به في الوضع الطبيعي أحيانا.
وأما وأما (يتخبطه الشيطان من المسّ)، فهذا من باب ضرب المثل. ولا يُشترط في المثل المضروب أن يكون حقيقيا، بل المهم أن يكون معبرا ومفهوما للسامع. ومثله قوله تعالى (طلعُها كأنه رؤوس الشياطين)، فإن العرب لا يروْن شيئا أقبح من رأس الشيطان رغم أن أحدا لم ير هذا الرأس، فالله تعالى يخاطبهم بصورة فنية حسب إيمانهم وعُرفهم. فهذه طريقة في الخطاب لإيصال الفكرة، ولا يلزم منها أنّ المثل المضروب شيء حقيقي.
ومن معاني المس الجنون، فآكل الربا يتعامل كالمجنون.
جاء في التفسير الكبير للخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام:
المس هو الجنون. والجنون يسبب انحرافا في أعمال الإنسان ، ويُفقده إعمال الفكر والتدبر. فقوله هذا يعني أن أعمال من يتعاملون بالربا تكون كأعمال شخص ركبه الجنون؛ فلا يتصرف في وقار واطمئنان، وإنما يأتي عمله بسرعة وعجلة وعدم مبالاة. كذلك آكلو الربا. تكون أعمالهم موصومة بعدم الأناة واللامبالاة وقلة الحذر. ومن الملاحظ عموما بين المتعاملين بالربا أنهم يثيرون فتنا تؤدي إلى الحروب لكي تستثمر أموالهم. فكأنهم كالمجنون الذي لا يبالي بالنتائج.. لأنهم يعطون أموالهم لتربو بالربا دون نظر إلى النتيجة والمال. كل همهم أن تحدث الفتن، ويقترض الناس منهم الأموال بالربا.. وهكذا تزداد ثروتهم.
أما من لم يؤمن بالمسيح الموعود والإمام المهدي حضرة ميرزا غلام أحمد عليه السلام فحكمه إلى الله لا للبشر. وقد بيّن الله تعالى أنّ مَن وصلته دعوة مبعوث السماء بأدلتها ورفَضَها فكأنه كفر بالله نفسه؛ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (151) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (النساء 151-152)