معنى الإلهام: "أنت مني بمنـزلة توحيدي وتفريدي - أنت مني بمنـزلة عرشي".......... "أنت مني" أي أنت مبعوث من قِبَلي، أي أن المسيح الموعود عليه السلام مُرسلٌ من قِبَلِ الله تعالى ويتمتّع بحبه وقربه منه. وفي عصرنا الحالي يعلو توحيد الله تعالى في العالم بواسطته، وينتشر عن طريق دعوته، التي تحملها جماعته المباركة في جميع أكناف الأرض. وقد فسر المسيح الموعود عليه السلام هذا الوحي حسبما أفهَمَه الله تعالى وقال له ما تعريبه عن الأردية:
"إنك تحظى بقربي وحبي، وأنا أحب توحيدي وتفريدي، وكما أحب ذيوع توحيدي في الدنيا، فكذلك سوف يُذاع اسمك، وأينما يصل اسمي يصل اسمك أيضا". (الأربعين، رقم 3، ص25)
ويقول أيضا: "... فمعناه بأن ذلك الرجل يكون بمنـزلة التوحيد، ويُبعث في عصر الإلحاد الذي يستهين الناس فيه بتوحيد الله سبحانه، ويكون ذلك المبعوث رمزا للتوحيد، وكل شخص يُحدد مقصده وغايته في حياته، وكذلك يُعين ذلك المبعوث لقيام التوحيد في العالم...". (الخطاب المطبوع في صحيفة الحكم بتاريخ 10-4-1907، ص9)
ويتضح جليا حسب الشرح الذي قدّمه المسيح الموعود عليه السلام أن معنى كلمات هذا الوحي هو أن الله قد بعثه من أجل أن يُعلم الناس توحيد الله، وأقامه من أجل قيام التوحيد في هذا العصر.. عصر الكفر والإلحاد.
إن التوحيد قد تأسس في الأرض منذ عهد سيدنا آدم عليه السلام، ولكن كل نبي يأتي من عند الله تعالى يعيد تأسيس ذلك التوحيد مرة أخرى بعد أن يكون قد خالطه الكفر وامتزج به الشرك، حتى بين أولئك الذين يزعمون أنهم مؤمنون بالله تعالى، وقد زعم العرب في زمن بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنهم يعبدون الله تعالى فقالوا عن الأصنام:
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى (الزمر:4)
ولذلك يقول تعالى عن هؤلاء الذين يدّعون أنهم من المؤمنين حين يبعث الله تعالى نبيا لدعوتهم إلى التوحيد الحقيقي:
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ (يوسف:107)
ولذلك فقد قضى الله سبحانه أنه حين يبعث نبيا لنشر التوحيد في الأرض، فإن طاعته تكون واجبة على كل إنسان يبتغي بالفعل أن يكون على صراط التوحيد المستقيم. ولا يمكن أن يصل المرء إلى التوحيد الحقيقي إلا بطاعة النبي المرسل من قبل الله تعالى، فإن طاعته من طاعة الله تعالى، ولذلك قال سبحانه في الكتاب العزيز:
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ (النساء:81)
وليس ذلك لأن الرسول المبعوث من قبل الله قد صار مثيلا لله والعياذ بالله أو أنه قد أصبح كفئًا له، ولكن لأن التوحيد الحقيقي لا يتأتى، ولا يمكن الوصول إليه إلاّ عن طريق ذلك النبي المرسل من عند الله تعالى. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع المسلمين أن يؤمنوا بالإمام المهدي وقال: "...فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي" (سنن ابن ماجه؛ كتاب الفتن، باب خروج المهدي)، وبذلك فإن طاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تقتضي طاعة الإمام المهدي عليه السلام، والإيمان بسيدنا خير الرسل صلى الله عليه وسلم يتطلب الإيمان بالمسيح الموعود عليه السلام. وكما أن طاعة رسول الله هي بمنـزلة طاعة الله تعالى، لأن توحيد الله الحقيقي لا يمكن أن يناله أحد إلاّ عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكذلك كان المسيح الموعود عليه السلام في هذه المنـزلة التي لا يمكن الوصول إلى التوحيد الحقيقي إلا عن طريق طاعته.
ثم جاء في الإلهام الذي نحن بصدده، وهو قوله تعالى: "أنت مني بمنـزلة عرشي". ويعني هذا أنك تقيم في العصر الحاضر عرش الله تعالى في قلوب الناس، والناس يتعلمون منك المفهوم الحقيقي لعرش الله وقدرته. ومع انتشار الجماعة الإسلامية الأحمدية في أكناف العالم، بدأ الناس يستوعبون المفهوم الحقيقي لتوحيد الباري تعالى. ودعوة المسيح الموعود عليه السلام وكلماته ومؤلفاته أدخلت وأنشأت حب الله سبحانه وتعالى وغرست توحيده وأقامت عرشه في قلوب الملايين من الناس في الهند وفي أمريكا وفي روسيا وفي أوروبا وفي أفريقيا، ممن لم يكونوا يعرفون اسم الله سبحانه وتعالى، بل كان بعضهم يكفر به، وكان البعض يستهزئ بوجوده، وكان البعض يعبد الأصنام والبقر والنار والثعابين، ولكن بفضل دعوة المسيح الموعود عليه السلام، تحولوا جميعا إلى عبادة الله سبحانه الأحد الذي لا شريك له، وكان ذلك هو الهدف من مجيئه والغاية من قدومه والغرض من بعثته. ويقول حضرته تعريبا عن اللغة الأردية:
"... فالله يريد أن يجمع على التوحيد جميع الأرواح ذوي الفطرة الصالحة من مختلف أقطار المعمورة، لا فرق إن كانوا أوروبيين أو آسيويين. ويريد أن يجمع عباده على دين واحد، فهذه هي غاية الله عز وجل التي أرسلني من أجلها..." (كتاب الوصية، ص 4)
أما الإلهام: "أنت مني وأنا منك، أنت مني بمنـزلة ولدي" فيدل على علاقة المودة والمحبة التي كانت بين الله تعالى وبين المسيح الموعود عليه السلام. وقد استُعمِل نفس هذا الأسلوب في القرآن المجيد وفي الأحاديث الشريفة وفي كلام العرب بغرض إظهار غاية المحبة والمودة بين المتكلم والمخاطب. فقد ورد في القرآن الكريم على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام:
فَمَنْ تَبِعَنيِ فَإِنَّهُ مِنيِّ (إبراهيم:37)
وبطبيعة الحال.. لا يفهم أحد من كلمة مِنيِّ بأن كل من اتبع سيدنا إبراهيم عليه السلام قد أصبح من أولاده، بل هي تدل على غاية الحب بينه وبين أتباعه، حتى لكأنهم صاروا مثل أولاده.
كذلك ورد في القرآن المجيد بأن طالوت قال لجنوده: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنيِّ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنيِّ (البقرة:250)، ولا يُفسر أحد هذه الآية بأن كل من لم يشرب قد صار من أولاد طالوت، بل تعني أن من شرب لن يكون من أتباع طالوت، وأن من لم يشرب فهو مع طالوت، وطالوت معه.
ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أقوال كثيرة مشابهة لهذا التعبير، إذ ورد عنه أنه قال: "إن عليًّا مني وأنا منه" (الترمذي، مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه)، ولا يُفسر أحد هذا الحديث على أن العلاقة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عليّ رضي الله عنه هي علاقة أبوة وبنوّة مادية، فالجميع يعلم أن علي كان ابن أبي طالب. وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: "حسين مني وأنا من حسين" (الترمذي؛ أبواب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). وأيضا قال صلى الله عليه وسلم: "العباس مني وأنا منه" (المرجع السابق)، كذلك قال عن سلمان الفارسي: "سلمان منّا أهل البيت" (المستدرك، كتاب معرفة الصحابة). كما ورد عنه كذلك أنه قال عن الأشعريين: "هم مني وأنا منهم" (البخاري؛ كتاب المغازي، باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن).
يتضح من استعمال القرآن الكريم والحديث الشريف لهذا التعبير: "أنت مني وأنا منك" أن مثل هذه الكلمات تُطلق لتبيان غاية المحبة وإظهار كمال المودّة. وهي قد جاءت في إلهامات المسيح الموعود عليه السلام للدلالة على مدى العلاقة الوثيقة والحب العظيم الذي كان بين الله سبحانه وعبده أحمد الإمام المهدي عليه السلام. وفي الحديث القدسي يشير الله تعالى إلى أنه حينما يُحب إنسانا فإنه سبحانه يكون سمعه وبصره، ويكون يده ورجله التي يمشي بها:
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: من عادى لي وليّا آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبَّ إليّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها". (البخاري؛ كتاب الرقاق، باب التواضع)
ولم يقل أحد بتاتا أن كون الله قد صار يد المؤمن التي يبطش بها أو رجله التي يمشي بها يعني أن الله قد حلّ في جسد هذا المؤمن، بل يفهم الجميع أن ذاك المؤمن قد صار قريبا من الله تعالى وتفانى في حبه وطاعته، حتى أن يده التي يبطش بها لا تفعل أمرا إلاّ ما يتفق مع أمر الله ومحبته، ورجله التي يمشي بها لا تخطو إلاّ في سبيل محبة الله وطاعته.
وقد فسر المسيح الموعود عليه السلام هذا الوحي، وشرح معناه بكل وضوح. ويتلخص تفسير الإمام المهدي عليه السلام لهذا الوحي أن قوله تعالى: "أنت مني" يعني أنك مبعوث من قِبَلي، وقوله: "أنا منك" يشير إلى وحدانية الله التي فُقِدت في العصر الحاضر بين الناس، حيث يُنكر الملحدون وجود الله تعالى، ويزعم المسيحيون أن الله ثالث ثلاثة، واتخذ اليهود أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، واتخذ غيرهم من البشر مثل الهندوس والبوذيون وغيرهم رجالا رفعوهم إلى مرتبة الآلهة كما فعل المسيحيون بعيسى بن مريم عليه السلام، وانصرف المسلمون عن جوهر الشريعة وتمسكوا بالمظهر حتى يكاد ينطبق عليهم قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ (يوسف: 107). ففي هذه الظروف يقول تعالى لعبده المسيح الموعود عليه السلام: "أنا منك" إشارة إلى أن وحدانية الله المفقودة في هذا العصر.. عصر الإلحاد وفقدان الإيمان وانتشار التثليث والشرك.. هذه الوحدانية سوف تعود وتعلو وتظهر بواسطتك، وبواسطة جماعتك.
وأما ما جاء من قول الله تعالى في وحي المسيح الموعود عليه السلام: "أنت مني بمنـزلة ولدي"، فقد فسّره المسيح الموعود عليه السلام نفسه فقال:
"... سبحان الله وتعالى أن يكون له ولد، ولكن هذا استعارة كمثل قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ، والاستعارات كثيرة في القرآن ولا اعتراض عليها عند أهل العلم والعرفان، فهذا القول ليس بقول منكر، وتجد نظائره في الكتب الإلهية وأقوال قوم روحانيين يسمّون بالصوفية، فلا تعجلوا علينا يا أهل الفطنة..." (الخزائن الروحانية: ج22، كتاب: الاستفتاء، ص709).
كذلك لا يغيب عن البال أن الله تعالى قد بعث المسيح الموعود عليه السلام وجعله المسيح الموعود، أي جعله مثيلا لعيسى بن مريم عليه السلام، وحيث إن المسيحيين قد غلوا في أمر المسيح ابن مريم واعتبروه ابن الله، وأنه وحده من دون الخلق جميعا الذي يعتبر "ولد الله" والعياذ بالله، لذلك أراد سبحانه أن يُبيّن مرتبة رسوله الأعظم وسيد الخلق أجمعين، عليه وعلى أهله وأصحابه وأتباعه أفضل الصلاة والتسليم، فبعث رجلا من خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه، وجعله مثيلا لذلك الذي اتخذه النصارى "ولد الله"، وقال له أنت بمنـزلة ذلك الذي زعموا أنه ابن الله، وكأنه سبحانه يُبكّت أولئك المغضوب عليهم والضالين الذين قال تعالى عنهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ (التوبة:30)، فكأنه سبحانه يقول: إنني جعلت واحدا من خدام محمد صلى الله عليه وسلم في منـزلة ذلك الذي زعمتم أنه ولدي، فإذا كانت هذه منـزلة الخادم، فما أعظمها وأرفعها وأعلاها منـزلة السيد الذي أنتم عنه غافلون! اللهم صل على هذا النبي الصادق الأمين، وسلم على هذا الرسول الكريم العظيم، وبارك على من جعلته رحمة للعالمين إلى يوم الدين يا أرحم الراحمين.
نقلها من كتاب الشبهات والردود
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8