يُقسم الكتاب المقدس إلى قسمين، عهد قديم، وهو ما كُتب قبل المسيح عليه السلام، والعهد الجديد وهو ما كتبه الناس بعده عليه السلام.
أما العهد القديم فيتكون من خمسة أسفار نزلت على موسى عليه السلام، وما تبقى فمعظمها كتب تاريخية. ومن الخطأ اعتبارها مقدسة، لأنها ليست من عند الله تعالى. وبالتالي لا معنى للحديث عن التحريف فيها، لأنها ليست من عند الله، وما دامت كذلك فليس مهما أن نثبت أنها بقيت كما هي منذ كتبها مؤلفوها، أو زيد فيها ونُقص.. فمجرد اعتبارها كتبا مقدسة هو التحريف. وهناك نوع ثالث في العهد القديم اسمه المكتوبات، مثل سفر نشيد أناشيد، والمزامير والأمثال.
أما أسفار موسى (التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية) فلا خلاف أنها ضاعت، ثم كتبها عزرا ومن معه من خلال ذاكرتهم. ولكن، هل كانت ذاكرتهم تحفظ النصّ حرفيا؟ وهل تدخّل الله تعالى ليكتبوه كما هو؟ هذا ما لا نجد عليها أي دليل، فليس هنالك دليل يفيد أن الله تعهّد بحفظ التوراة والكتب التاريخية والمكتوبات.
إننا نجد نصوصا في التوراة تتناقض مع الحقائق القرآنية والعقلية والعلمية.. وهذا يشير إلى أن الله تعالى لم يُرِد أن يحفظ هذه النصوص بعد ضياعها.
ثم إنه لا خلاف أن التوراة تضم نصوصا كارثية في العنف والتخريف، وهذه لا يمكن أن تكون من عند الله تعالى. ولا داعي للتفصيل فيها الآن. كما أن هناك نصوصا داخل النصوص الأصلية قد كتبها متأخرون، وأُدرجت إدراجا. وهناك التحريف في الترجمة الغني عن البيان.
ومع هذا فلا خلاف أنه لما نزل القرآن الكريم كانت التوراة كما هي الآن إلى حدّ كبير، ولا خلاف أن القرآن الكريم أمر اليهود والنصارى بالرجوع إلى هذه التوراة ليحكموا بصدق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بناء على ما فيها من نبوءات. أي أن القرآن اهتمّ بالتوراة وأمر بالرجوع إليها واحترامها. وهذا يدل على أن فيها الكثير من الصحّة والنفع.
أما قضية التحريف في التوراة، فلا أرى أن القرآن الكريم قد انتقد أهل الكتاب لتحريف النص بالطريقة المتخيَّلة عند العامة، بل لتحريف معاني النصّ، وإضافة أسفار واعتبارها مقدسة، وخداع المسلمين بإخبارهم عن وجود نصوص في الكتاب المقدس وهي غير موجودة.
أما الآيات القرآنية المتعلقة بتحريف النصوص في التوراة فهي:
أولا: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (البقرة: 76)
الآية تقول: "يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ"، ولا تقول يسمعون التوراة. وكلام الله هنا القرآن الكريم. فكان "من عادة اليهود أن يأخذوا آيات القرآن الكريم مبتورة عن سياقها أو يُلبسوها معنى مخالفًا للمراد منها، ويعرضوها للناس هكذا لإثارتهم ضد الإسلام".
ثانيا: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا } (النساء: 47)
الآية تقول: "يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ" ولا تقول: يُحَرِّفُونَ التوراة عَنْ مَوَاضِعِها. وتحريف الكلام عن موضعه يعني أن يلوي المرء لسانه حتى لا يُسمع بوضوح. وذلك من أجل: "إخفاء المشاعر السيئة التي كانوا يحملونها تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ومن أجل أن يقلدهم المسلمون باستعمال تعبيرات مشابهة عند التخاطب مع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ للسخرية من المسلمين في الأمور التي تتعلق بدينهم، وكأنهم يقولون لهم في واقع الأمر: إننا نخاطب نبيّكم بأسلوب ساخر ونهزأ به باستعمال بعض الكلمات ذات المعاني الملتبسة، ولو كان نبيًّا من الله لكان قد عرف ذلك". وهذا مطابق لقصة (راعنا)، فطلب الله من المسلمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ثالثا: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (المائدة: 14)
هذه الآية تقول: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، ولم تقل: يُحَرِّفُونَ كلام التوراة، فهي كسابقتها.
رابعا: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } (المائدة: 42)
هذه الآية كسابقتها أيضا. إنهم يحرفون معاني الكلمات عن معناها الذي وضعت له.
خامسًا: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } (البقرة: 80)
تقول الآية: الويل لهؤلاء الذين يكتبون أسفارا من عند أنفسهم ثم يقولون إنها من عند الله. وما أكثر الأسفار الموجودة اليوم في الكتاب المقدس وهي ليست من عند الله، بل هي كتب تاريخ. لقد كان اليهود يكتبون الكتب والأسفار ثم ينسبونها إلى الله. وهذه هي الطامة. ولا تقول الآية أنهم كانوا يأتون إلى صفحات التوراة فيضيفون عبارة ويحذفون أخرى، أو يمزقون صفحة ثم يضعون صفحة مكانها.
ويمكننا هنا أن نعتبر "الكتاب" بمعنى التوراة نفسها، فيكون المقصود أنهم يكتبونها بأيديهم ويعلمون أن عزرا كتبها بيده، ثم يقولون للناس إنها كلام الله تعالى، مع علمهم أنه دخلها التحريف بعد ضياعها، سواء بسهو أم بقصد.
سادسًا: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }..
فجريمة هذا الفريق من أهل الكتاب أنهم كانوا يلوون ألسنتهم ويقرءون نصوصا من تأليفهم بطريقة توحي أنها من التوراة، فيظن المسلمون أنها من عند الله، فيستدلوا بها في تفسير الآيات.
فهذه الآية ليست دليلا على تحريفهم نصوص التوراة، بل على اختراعهم نصوصا وإيهام المسلمين أنها من التوراة. وهذا لا يعني أنهم يضيفونها إلى التوراة.
إذن، لا يقول القرآن إن أهل الكتاب قد حرفوا كتابهم بالطريقة التي يتوهمها عامة الناس، بل تحريفهم كان بإضافة أسفار واعتبارها مقدسة، وبتحريف المعاني وبزعمهم أن ذلك كله كلام الله. وقد ركّز القرآن الكريم على هذا التحريف لأنه أشد خطرا من ذلك التحريف الموهوم، ولأنه واقع بكثرة وبشكل حقيقي وآثاره ملموسة. أما التحريف الموهوم والمبالغ فيه فلا يضرّ شيئا يُذكر.
ومن تحريف المعاني ما يقومون به من تحريف عند الترجمة، كما حصل عند ترجمة النص: ) {«جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مع عشرة آلاف قدوسي، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ.} (اََلتَّثْنِيَة 33 : 2)، حيث جعلوه: {«جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مِنْ رِبْوَاتِ الْقُدْسِ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ.}، فلما كان الرقم عشرة آلاف يشير إلى عدد المسلمين الذين دخلوا مكة مع رسول الله فاتحين، فإن المترجم جعله (ربوات)، والذي ساعده في ذلك أن الكلمة الأصلية العبرية لها معنيان، أحدهما عشرة آلاف والثاني ربوات جمع ربوة. كما ساعدته الصياغة أيضا أن يحول كلمة قدوسي أو قديسين إلى القدس ويجعل الربوات مضافة إليها. فهنا تحريف في المعنى وليس في اللفظ.. وهذا هو الأخطر.
العهد الجديد:
يتكون العهد الجديد من أربعة أناجيل تتضمن كل منها سيرة المسيح وبعض مواعظه. فهذه ليست من عند الله، أي ليست كتابا مقدسا، بل سير كتبها تلامذة المسيح أو تلامذة تلامذته. وحيث إنها ليست وحي الله فلا داعي للبحث في تحريفها وعدمه، لأنه لا بد أن ينطبق عليها ما ينطبق على أي كتاب سيرة في هذا العالم؛ من سهو الكاتب وخطئه في فهم الحدث ومبالغته ونسيانه وتداخل معلوماته وغير ذلك. فلو كانت هذه الأناجيل الأربعة قد وصلتنا كما كُتبت حرفا حرفا، فهذا لا يعني أنها صحيحة، كما لا يعني أنها من عند الله. إذن، فإن البحث في تحريف نصوص هذه الأناجيل بعد كتابتها مضيعة للوقت. كما أن المقارنة بين الأناجيل الأربعة لمعرفة الفروق بينها واكتشاف التحريف من خلال إظهار الفروق مضيعة للوقت، لأنه لا بدّ من هذه الفروق في كتب سيرة أي شخص بناء على أخطاء المؤلفين وليس بناء على تحريفات دخلت في كتبهم.
وهناك سفر أعمال الرسل الذي ليس أكثر من سيرة بعض تلامذة المسيح. فيمكن أن نُلْحِقه بهذه الأناجيل الأربعة.
والقسم الثاني من العهد الجديد هو رسائل بولس، ورسائل أخرى. فهذه مجرد رسائل كتبها شخص أو أشخاص، وسواء كان صالحا تقيا أو فاسدا، فهي رسائل. والرسائل ليست وحي الله، ولا كتابا مقدسا، بل هي رسائل. لذا فإن البحث في تحريفها مضيعة للوقت، وقبل ذلك يتضمن هذا البحث اعتبارَها كتابا مقدسا ثم البحث في مدى ما طرأ عليه من تحريف متعمد أم غير متعمد. فالبحث في تحريف رسائل بولس وغيره تعظيم لها، فهي لا تستحق هذا البحث أصلا.
والقسم الثالث والأخير من العهد الجديد هو رؤيا يوحنا اللاهوتي. وهذه رؤيا، والرؤيا مهما كانت فهي رؤيا، وهي بحاجة إلى تأويل، ولا بد أن يختلف الناس في تأويلها. ونحن سنفترض أنها رؤيا حق، وأنها من الله تعالى، وسنفترض أن الكاتب كتبها كما هي، لكن هذا لا يعني الكثير.. فهي في أقصى حال رؤيا، مع ما يعني ذلك من مجال رحب للتأويل والاختلاف.
الآن، هناك أناجيل غير هذه الأربعة، أي هناك أشخاص كتبوا سيرة المسيح غير متى ومرقس ولوقا ويوحنا، وهذا أمر طبيعي، لكن النصارى لم يأخذوا بهذه السير باعتبار أنه دخلها تحريف كبير.
وهذا اجتهادهم، ولا يعنينا كثيرا مدى دقتهم في هذا الاجتهاد، وإن كنتُ أتمنى لو بقيت الأناجيل كلها، أي لو بقيت كل سير المسيح، لأنها في هذه الحالة ستزداد ثقتنا بدقة هذه السير، لأن كلما ازداد عدد رواة الحدث ازدادت ثقتنا به.
ومن هذا القبيل انجيل برنابا، الذي لم يثبت أنه كان معروفا في القرون الأولى، ولكنه ليس إنجيل المسيح، لأن المسيح عليه السلام لم يكتب إنجيلا، بل حكى مواعظ، وهذه المواعظ سجلها التلاميذ مع سيرته في أناجيلهم.
إذن، ليس هناك إنجيل أصلي ثم حُرِّف، بل الإنجيل هو البشارة التي جاء به المسيح عليه السلام ببعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى مواعظه. وهذا لم يُكتب في كتاب اسمه الإنجيل، بل كتب هذا التلاميذُ خلال كتابتهم لسيرة المسيح التي سميت أناجيل.
لذا فإن سؤال النصارى: أين الكتاب الأصلي الذي حُرّف، لا معنى له، لأننا نرى أن المشكلة الكبرى هي تقديس ما ليس حقه التقديس. وهذا هو التحريف الأكبر. ثم الكفر بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الجرم الأعظم.
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8