loader
 

السؤال: ذكر في مجلد الأديان والمذاهب المعاصرة ، الصادر عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي أن الميرزا أحمد تباهل مع أحد المسلمين وكانت المباهلة أن يموت المخطئ منهما في حياة الآخر ، فكان أن مات الميرزا بعد أيام ، الرجاء تأكيد هذه المعلومة أو توضيحها إن أمكن.

الرد موجود على موقعنا، ومع هذا فنحن نلصقه هنا لعدة أيام
المباهلة مع المولوي ثناء الله الأمرتساري
تمثِّلُ مباهلة أحمد عليه السلام مع المولوي الأمرتساري وعواقِبُها حدثًا آخر في حياة سيدنا أحمد يزعم خصومه أنه قد انقلب عليه. كان المولوي ثناء الله الأمرتساري محرِّرًا مساعدًا في الجريدة الأسبوعية "أهل الحديث"، وكان معارضًا متحمسًا لسيدنا أحمد مثل كثير من المُلاَّت (المشايخ المتعصبين) المعاصرين له، ولم يَدَعْ فرصة لسبِّه تفلت منه.

وفي عام 1897م كتب سيدنا أحمد كتابه "أنجام آثم" توجّه فيه إلى بعض رجال الدين المتعصبين في الهند الذين أطلقوا عليه اسم "المدعي الكاذب"، وتحداهم للدخول في مباهلة، وكان اسم المولوي ثناء الله ضمن القائمة التي تضم أسماء هؤلاء المشايخ المتعصبين. كان سيدنا أحمد عندئذ قد بلغ من العمر 62 عاما؛ في حين كان المولوي الأمرتساري شابًّا عمره 29 عامًا. تدل السجلات التاريخية أن المولوي الأمرتساري تجاهَلَ هذا التحدي لمدة 5 سنوات، ولكنه في عام 1902م - ربما تحت ضغط من بعض زملائه - بادر وتحدى سيدَنا أحمد إلى المباهلة. وما أن تلقَّى حضرتُه إعلانَ المولوي الأمرتساري حتى نشره مشفوعًا بقبول ما عرضه المولوي وصرح فيه بقوله:

"لقد اطلعت على إعلان المولوي ثناء الله الأمرتساري الذي يدعي فيه أن لديه رغبةً مخلصة في أن يدعو كلٌّ منا بأن يموت الكاذبُ منا في حياة الآخر." (إعجاز أحمدي ص 14، الخزائن الروحانية ج19 ص121) وكان سيدنا أحمد يعرف طبيعـةَ المولوي الأمرتساري الرِعْديدة، فصرح حضرته بأن الأمرتساري قد قدَّم اقتراحًا جيدًا، ونأمل أن يظل متمسكا به. (المرجع السابق) ثم أضاف:

"إذا كان المولوي ثناء الله مخلصا في تحديه بأن يهلك الكاذبُ قبل الصادق.. فلسوف يموت ثناء الله أولا". (مجموعة الإعـلانات، ج3 ص578) وعندئذ بادر المولوي الأمرتساري إلى التراجع السريع متعللا بقوله:

"أنا لست نبيًّا ولا أدّعي مثلَك النبوة أو الرسالة أو البُنُوّة لله أو تلقِّي الوحي، ومن ثم لا أجرؤ على الدخول في مثل هذه المعركة. إن مؤدَّى اقتراحك هو أني لو مُتُّ قبلك فستعلنه كدليل على صدقك، وإذا مُتَّ أنت قبلي - وهو تخلص جيد - فمن ذا الذي سيذهب إلى قبرك ويحاسبك؟ هذا هو السبب في عرضك هذا الاقتراح السخيف. ومع ذلك فإني أعتذر بأني لا أجرؤ على الدخول في هذه الخصومة، ونقصُ شجاعتي هذا مصدر شرف وليس تحقيرًا لي." (إلهامات الميرزا ص112) وهكذا تراجَعَ الأمرتساري عن المضي في المباهلة التي أثارها بنفسه؛ ومن ثم فإن المباهلة التي قبِل بها سيدنا أحمد في كتابه "إعجاز أحمدي".. أصبحت غيرَ ذات موضوع.

وبالرغم من هذا فإن تراجُع الأمرتساري عن تحديه أصبح مصدرَ إحراج لزملائه، وتعرَّضَ لنقدٍ قاسٍ منهم، مما دفعه - بعد خمس سنوات أخرى - ليصدر تحديًا جديدًا يدعو فيه أعضاءَ الجماعة الإسلامية الأحمدية ليتقدموا ومعهم سيدنا أحمد، فقال:

"الذي تحدانا إلى المباهلة في كتابه "أنجام آثم" أَرْغِموه على مواجهتي، لأنه ما لم يصدر حكمٌ فاصل في أمر نبي فإن أتباعه لا يجدون شيئًا يربطهم به." (جريدة "أهل الحديث" 29/3/1907م ص10) وعندما قرأ سيدنا أحمد تحديه الأخير كتب محرِّرُ جريدة الجماعة الإسلامية الأحمدية "بدر" ليعلن:

"ليفرح المولوي ثناء الله بأن سيدنا الميرزا صاحب قد قَبِلَ تحديه. فعليه أن يعلن إعلانًا جادًّا بأن حضرة أحمد مزوِّرٌ في ادعائه. ثم يدعو ثناء الله أنه إذا كذب في قوله فلتنـزل لعنة الله على الكاذب. (جريدة "بدر"، يوم 4/4/1907م) ولكن الأمرتساري - كما بدا منه آنفًا - اعترف بأنه لا يجرؤ على الدخول في مثل هذا الخصام. ومن ثم تحوَّلَ عن موقفه مرة أخرى وأعلن على الملأ:

"إني لم أتَحدَّك للمباهلة بل أعلنت استعدادي للحلف، ولكنك تسميه مباهلة في حين أن المباهلة تتضمن أن يحلف الفريقان ضد بعضهما. لقد أعلنت استعدادي للحلف ولم أشرع في مباهلة. إن القسم من جانب واحد شيء والمباهلة شيء آخر. (جريدة "أهل الحديث" ليوم 19/4/1907م) إن اقتراح المولوي الأمرتساري يعني أنه لم يُرد من سيدنا أحمد أن يدعو ليستنـزل اللعنة على المولوي الأمرتساري، في حين أنه نفسه مستعد لاستنـزال اللعنة من جانبه وحده على سيدنا أحمد! ومع ذلك فإن الأمرتساري بتراجعه هذا قدّم الدليلَ مرة أخرى أنه يروغ من موقفه الأصلي.. مع أنه طلب من سيدنا أحمد طلبًا صريحًا واضحًا كي تتم المواجهة بينهما.

وعندما لاحظ سيدُنا أحمد أن المولوي الأمرتساري لم يكن مستعدًّا ليتخذ موقفًا محددًا في الخلاف.. صرّح حضرته يوم 15/4/1907 م بهذا الدعاء:

"اللهم افْصِلْ بيني وبين المولوي ثناء الله. واجعل مثير الفتنة الفعلي الكاذب يهلك في حياة الصادق!" (الفصل النهائي في الخلاف مع المولوي ثناء الله الأمرتساري، مجموعة الإعلانات ج3 ص 579) أُرسل هذا الإعلان إلى المولوي الأمرتساري مع طلبٍ لنشره في جريدته "أهل الحديث"، واختتم الإعلان بتصريح من سيدنا أحمد يقول فيه: "وأخيرا أرجو من المولوي ثناء الله أن ينشر تصريحي هذا في صحيفته "أهل الحديث"، ويعلق في نهايته بما يشاء، ويترك الحكم لله تعالى." (المرجع السابق) فأوضح الأمرتساري موقفه بقوله:

"هذه الوثيقة غير مقبولة لدي، ولا يقبل أي إنسان عاقل بالموافقة على مثل هذا التحدي. وإني أرفض هذا العرض الذي نشرتَه. (جريدة "أهل الحديث" ليوم 26/4/1907م) ولم يقتصر المولوي الأمرتساري على رفض تحدي سيدنا أحمد له، بل بلغ به خوفه من عواقب دعاء سيدنا أحمد أن اشتكى قائلا:

"لا يمكن أن أدخل طرفًا في هذا التحدي، لأنه لم تؤخذ مني موافقةٌ على هذا الدعاء، ونُشر فحواه دون علمي." (المرجع السابق) كان الأمرتساري ولا ريب خائفًا أنه لا بد ميت ميتة لعينة لو تجاسر على دخول المباراة مع سيدنا أحمد.. ومن ثَمَّ سأل:

"كيف يمكن أن يكون موتي آيةً للآخرين في حين أنك تقول بأن المولوي دستغير القصوري والمولوي إسماعيل العليكرهي والدكتور دوئي الأمريكي وغيرهم قد ماتوا بنفس الطريقة؛ فهل آمَنَ بك الآخرون؟ وهكذا لو حدث الموت فما النفع في ذلك؟ (المرجع السابق) ثم طلب المولوي الأمرتساريُّ من سيدنا أحمد:

"أَرِني آيةً أشهدها بنفسي. لو أني مُتُّ فماذا أستطيع رؤيتَه"؟ (المرجع السابق) وبحسب نص هذا الجواب لتحدِّي سيدنا أحمد اقترح المولوي الأمرتساري معيارًا جديدًا تمامًا لتسوية هذا الموضوع فيما بينه وبين سيدنا أحمد حيث قال لمؤسس الأحمدية:

"يقول القرآن الكريم إن الله يمهل المجرمين. فمثلا يقول تعالى: (من كان في الضلالة فَلْيَمْدُدْ له الرحمن مَدًّا) (مريم: 76)، ويقول: (إنما نُملي لهم ليزدادوا إثمًا) (آل عمران: 179)، ويقول: (ويمدّهم في طغيانهم يعمهون) (البقرة: 16)، ويقول: (بل متّعنا هؤلاء وآباءَهم حتى طال عليهم العمر) (الأنبياء: 45). كل هذه الآيات تعني بوضوح أن الله يمهل ويمنح حياة طويلة للكذابين والخادعين ومعكِّري السلام والعصاة الفاسقين، كي تزداد آثامهم في فترة المهلة. فكيف إذن تقترح قاعدة بأن مثل هؤلاء الناس لا ينالون فسحة طويلة من العمر؟" (جريدة "أهل الحديث" ليوم 26/4/1907م) وحاوَلَ الأمرتساري بعد ذلك أن يؤسس صحة اعتقاده هذا بأن الكاذبين - وليس الصادقين - هم الذين يمنحهم الله تعالى عمرًا أطول، مستشهِدًا بالتاريخ الإسلامي، فاحتج قائلا:

"على الرغم من حقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نبيًّا صادقًا من الله تعالى، وأن مسيلمة كان مدعيًا كاذبًا.. فإن هذا بَقِيَ حيًّا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، أو بعبارة أخرى: إن مسيلمة الكذاب مات بعد موت الصادق." (كتاب "مرقّع قادياني"، طبعة أغسطس 1907م) من هذه المحاورة بين سيدنا أحمد والمولوي الأمرتساري وما ساقه هذا من أعذار للرد على إعلان سيدنا أحمد.. يتبين أن المسألة قد تحولت تمامًا إلى وجهة جديدة. في بادئ الأمر كان المعيار لتحديد الصادق من الطرفين هو موت الكاذب في حياة الصادق. ولكن اعتراضات المولوي الأمرتساري قامت على مبدئه الراسخ في ذهنه بإصرار وعناد بأن الله يمهل الكاذبين ويمنحهم حياة طويلة كي يزدادوا إثمًا. وبذلك أرسى هو من عند نفسه معيارًا جديدًا للفصل في النـزاع وحسم الخلاف، ذلك أن الأشرار يُمهَلون وينالون عمرًا أطول كي يُمعِنوا في عدوانهم وتتضاعف سيئاتهم.

ومن دواعي الندم للمولوي الأمرتساري أن سيدنا أحمد قَبِلَ توضيحه هذا، وصرّح:
"قد اقتَرَحَ معيارًا مختلفًا تمامًا بأن الكاذب يعيش أطولَ من الصادق.. كما حدث في حالة مسيلمة الكذاب والنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم" (إعلان أكتوبر 1907م) وكما قدّر الله تعالى، سَقَطَ المولوي الأمرتساري في فخٍّ من اختياره. فبحسب شرطه ومعياره: مَنَحَ اللهُ سبحانه وتعالى المولوي الأمرتساريَّ فسحةً طويلة من العمر.. فعاش أربعين عامًا بعد وفاة سيدنا أحمد؛ ليشهد بعينه آياتِ صدقِ سيدنا أحمد تتواتر، وليشهد أيضا خيبةَ آماله عن إحباط دعوة سيدنا أحمد عليه السلام.

لقد عاش الأمرتساري ليرى قومَه يهجرونه وينبذونه عندما حصل مسلمو الهند من علماء مكة على فتوى بكفره وارتداده جاء فيها:

"المولوي الأمرتساري رجل ضال ابتدع عقائد جديدة." (فيصلة مكة ص17) وتصرح هذه الفتوى التي أصدرها علماء مكة ضد المولوي الأمرتساري:

"لا يجوز أن يُسأل عن علم ولا يُتَّبَع. ودليله لا يُقبَل، ولا يجوز أن يؤم الصلاة. لا شك في كفرِه وارتداده." (المرجع السابق) لقد عاش الأمرتساري أيضا ليرى نفسه يتردى من الأرستقراطية إلى الفقر والعوز. رجل كان يظن بأنه يملك الملايين فإذا بيته يتعرض للنهب والحرق في المذابح الطائفية عند انقسام الهند وباكستان عام 1947م. (سيرت ثنائي) وفَقَدَ ابنَه الوحيد "عطاء الله" الذي ذُبح بلا رحمة أمام عيني أبيه. ولم تفارقه آثارُ هذه المأساة بقية حياته. (مجلة "الاحتشام" بتاريخ 15/7/1962م) والواقع أن هذه الوقائع كان لها وقع شديد على عقله حتى إن الشخص الوحيد الذي سجل تاريخ حياته قال عن هذه الأحداث إنها: "تسببت في موته موتًا سريعًا بائسًا." (سيرت ثنائي)



 

خطب الجمعة الأخيرة