أقوى الأدلة هو ما شهدت به الخصوم، أو ما سكتت عنه هذه الخصوم في معرض الحاجة إلى البيان فيه.
إن من عادة البشر معاداة أنبياء الله تعالى معاداة شديدة جدًّا، بحيث يفضّلون عليهم الوثنيين والفجار، لذا قرأنا في القرآن رأي اليهود بالرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من مؤمنين: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الذين آمنوا سَبِيلا).. أي يقول اليهود: طريقكم يا أهل مكة ووثنيّيها أهدى من طريق المسلمين.
من هنا فإن هؤلاء الخصوم لا يتركون صغيرة ولا شاردة مما يمكن أن يُساء فهمه إلا ركّزوا عليها وطاروا بها كل مطار. ألا ترى كيف نشر الخصوم أن الإنجليز هم من أسس الجماعة الإسلامية الأحمدية مستغلين رسائله عليه السلام وكتبه التي كان ينفي فيها عن نفسه تهمة القتل والتآمر ضد الحكومة، والتي كان يوضح فيها مفهوم الجهاد في الإسلام؟
وماذا قالوا عن الخسوف؟ قالوا: حديث ضعيف، ومرة قالوا: موضوع. ومرة قالوا: تفسيره لا يحصل إلا يوم القيامة. لكن، هل قال أحد إنه لم يحصل أي خسوف أو كسوف في ذلك الرمضان؟ أو هل قال أحد إن الإمام المهدي لم يكن قد أعلن بعد أنه هو المهدي؟ أو هل أنكر أحد منهم أن يكون الإمام المهدي قد سئل عن هذه الآية قبل تحققها؟
وفي هذا العداء خير؛ لأنه يكشف للأجيال القادمة صدْق النبي، إذ لو آمن به القوم فور إعلانه، لكان هنالك مبرر للأجيال القادمة لاعتبار ذلك مجرد اتفاقية أو مجرد تنصيب من الناس لهذا الرجل. فرغم أن هذا العداء يضر هؤلاء الناس ويضر المضلَّلين، إلا أن فيه فائدة للأجيال القادمة.
إن الحسابات الفلكية هذه الأيام تعطي مواعيد الخسوف والكسوف بالثانية، كما تعطي أرقاما دقيقة فيما يتعلق بتولّد القمر كل شهر.. لذا يمكنك أن تقرأ أي كتاب في هذا المجال وتأخذ منه تواريخ الخسوف والكسوف في القرن التاسع عشر لترى دقة قولنا في هذا. كما يمكنك أن تراجع بعض الصحف التي كانت تصدر في ذلك الحين – من التي لا تخصنا- حيث ذكرت ذلك الخبر. منها..
تعلم اللغة العربية في ليلة واحدة:
معلوم للكافة أن لغة التخاطب والتعلم والمعاملات والكتابة في الهند لم تكن العربية، بل الأوردو. وليس خافيا على أحد أن المسيح الموعود عليه السلام لم يكن يعرف من العربية إلا معلومات بسيطة، كتلك التي يتعلمها أي مسلم عادي؛ من قراءة القرآن والقراءة العادية التي لا تُنتج كاتبا.
ولا شك أنه كان في الهند ولا زال مدارس تعلم الفقه والشريعة واللغة العربية، لكن لم يدخل المسيح الموعود عليه السلام مثل تلك المدارس.
ولما أعلن حضرته عن دعوته، ودعا الناس إلى بيعته، وأخبرهم بأن الله قد اصطفاه ليكون الإمام المهدي المعهود، وجعله المسيح الموعود، فراح يدعو القاصي والداني، ويكتب الكتب وينشر المقالات، فإذا بالمشايخ والمولويين المتعصبين، وعلماء زمانه من الأدباء والحاذقين، أخذوا يُعيّرونه بعدم قدرته على سبر أغوار اللغة العربية، فالإمام المهدي لم يكن بالفعل من علماء اللغة العربية، فلم يكن له أن يرد على انتقادات مُخالفيه، ولا أن يُجادل الأدباء والبلغاء من بين مُعارضيه. ولم يكن له من ملجأ يلجأ إليه سوى الله تعالى، الذي خلقه وهو أعلم بحاله وحاجته، وهو العليم الحكيم الذي يؤتي علمه من يشاء، ويهب الحكمة لمن أراد. فألقى بنفسه بين يدي خالقه، وراح يدعو منعمه وكافله ورازقه، وأخذ يتوسل إلى مولاه وحِبِّه وبارئه، أن يؤتيه علوم هذه اللغة العربية، ويجعله أبلغ من كل بلغاء عصره، وأوحد أدباء زمانه.
واستجاب الله تعالى لتضرّعاته، وسمع لكل توسّلاته، وأصلحه في ليلة، وعلّمه أربعين ألفا من جذور اللغة العربية ومصادرها في ليلة واحدة، تماما كما سبق وأخبرنا رسول الله ، حتى صار بفضل ربه كما أراد أن يكون نابغة الأدباء، وإمام البلغاء.
ولما تحقق وعد رسول الله ، كتب هو يصف تلك المعجزة التي أنعم بها الله عليه فقال:
"ومن آياتي أنه تعالى وهب لي ملكة خارقة للعادة في اللسان العربية، ليكون آية عند أهل الفكر والفطنة. والسبب في ذلك أني كنت لا أعلم العربية إلاّ طفيفا لا تُسمّى العلمية، فطفق العلماء يقعضون ويكسرون عود خبري ومخبرتي، ويتزرّون على علمي ومعرفتي، ليُبرّئن العامة مني ومن سلسلتي. وشهروا من عندهم أن هذا الرجل لا يعلم صيغة من هذه اللسان، ولا يملك قراضة من هذا العقيان. فسألت الله أن يُكمّلني في هذه اللهجة، ويجعلني واحد الدّهر في مناهج البلاغة. وألححت عليه بالابتهال والضراعة، وكثر إطراحي بين يدي حضرة العزّة، وتوالى سؤالي بجهد العزيمة، وصدق الهمة، وإخلاص المهجة. فأُجيب الدعاء، وأُتيتُ ما كنتُ أشاء، وفُتِحت لي أبواب نوادر العربية، واللطائف الأدبية، حتى أمليتُ فيها رسائل مبتكرة، وكتبا محبّرة، ثم عرضتها على العلماء، وقلت يا حزب الفضلاء والأدباء.. إنكم حسبتموني أُمّيًّا ومن الجهلاء، والأمر كان كذلك لولا التأييد من حضرة الكبرياء، فالآن أُيّدتُ من الحضرة، وعلّمني ربّي من لدنه بالفضل والرحمة، فأصبحت أديبا ومن المتفرّدين. وألّفتُ رسائل في حُلل البلاغة والفصاحة، وهذه آية من ربي لأولي الألباب والنصفة، وعليكم حُجّة الله ذي الجلال والعزّة. فإن كنتم من المرتابين في صدقي وكمال لساني، والمتشككين في حسن بياني وتبياني، ولا تؤمنون بآيتي هذه وتحسبونها هذياني، وتزعمون أني في قولي هذا من الكاذبين.. فأتوا بكتاب من مثلها إن كنتم صادقين. وإن كان الحق عندكم كما أنّكم تزعمون، فسيُبدي الله عزّتكم ولا تُغلبون ولا ترجعون كالخاسرين. فلا يُعاتبكم بعده مُعاتب، ولا يزدريكم مُخاطب، ويستيقن الناس أنكم من الأمناء ومن الصالحين. وإن كنتم لا تقدرون عليه لقلة العلم والدّهاء، فانهضوا وادعوا مشهورين منكم بالتكلم والإملاء، والمعروفين من الأدباء. وإني عرضت عليكم أمرا فيه عزة الصادق وذلّة الكاذب، وسينال الكاذبين خزيٌ ونصبٌ من العذاب اللازب، فاتقوا الله إن كنتم مؤمنين.
فما كان لهم أن يأتوا بمثل كلامي، أو يتوبوا بعد إفحامي، وظهرت على وجوههم سواد وقحول، وضمر وذبول، وغشيهم حين وإحجام، وجهلوا كل ما صلفوا ولم يبق لهم كلام. وجاءني حزب منهم تائبين، وكثير حق عليهم ما قال خاتم النبيين، عليه الصلاة والتحيات من رب العالمين. ثم اعلموا يا حزب السامعين.. إن هذه آية استفدته من روحانية خير المرسلين بإذن الله رب العالمين." (نجم الهدى، الخزائن الروحانية ج14 ص 107-113)
ثم يقول في موضع آخر:
"وإن كمالي في اللسان العربي، مع قلة جهدي وقصور طلبي، آية واضحة من ربي، ليُظهر على الناس علمي وأدبي. فهل من معارض في جموع المخالفين؟ وإني مع ذلك عُلّمت أربعين ألفا من اللغات العربية، وأُعطيتُ بسطة كاملة في العلوم الأدبية، مع اعتلالي في أكثر الأوقات، وقلّة الفترات، وهذا فضل ربّي أنه جعلني أبرع من بني الفُرات، وجعلني أعذب بيانا من الماء الفرات. وكما جعلني من الهادين المهديين، جعلني أفصح المتكلمين. فكم من مُلَحٍ أُعطِيتُها، وكم من عذراء عُلّمتُها، فمن كان من لسن العلماء، وحوى حسن البيان كالأدباء، فإني أستعرضه لو كان من المعارضين المنكرين.
وقد فُقت في النظم والنثر، وأُعطيت فيها نورًا كضوء الفجر، وما هذا فعل العبد، إنْ هذا إلاّ آية رب العالمين. فمن أبى بعد ذلك وانزوى، وما بارزني وما انبرى، فقد شهد على صدقي ولو كتم الشهادة وأخفى." (أنجام آتهم، الخزائن الروحانية ج 11 ص234-235)
ولكن المعارضين والمخالفين الذين رانت على قلوبهم العماية، لم يشهدوا ويُقرّوا بعظمة شأن هذه الآية، وراحوا يشيعون بين العوام والناس، ويوسوسون لهم كما يفعل الوسواس الخنّاس، أن كتابات سيدنا أحمد في اللغة العربية، لا ترقى إلى مستوى الكتابات الأدبية.. ولكنهم لم ينفوا أن يكون هو قائلها. فتحدّاهم أن يُناضلوه في هذا المضمار، أو يُنازعوه في الكتابة والحوار، ودعاهم أن يكتبوا بإزائه ويكتب هو أمامهم، حتى يتجلى صدقه ويظهر كذب دعواهم. وفي ذلك كتب يقول:
".... يا حسرة على الذين يذكرونني بإنكار، لِمَ لا يأتونني في مضمار، يشهقون في مكانهم كحمار، ولا يخرجون كمُمار. إن هم إلاّ كعودٍ ما له ثمر، أو كنخل ليس عليه تمر، ثم مع ذلك يخدعون الجاهلين. إن هم إلاّ كدارٍ خربة، أو جُدرانٍ منقضّة، يُعَلّمون الناس ما لا يعملون، ويقولون ما لا يفعلون. خَبَت نارُهم، وتوارى أُوَارُهم، وختم الله على قلوبهم، وأبادهم بعد شحوبهم، فتراهم كأموات غير أحياء ساقطين." (المرجع السابق: ص 235- 236)
فلما وخزهم التحدّي، وخافوا من السقوط والتردّي، وعلموا أنهم ليسوا سادة هذا المضمار، ولا أمن لهم من الفضيحة والعار، ولا نجاة لهم من السقوط والعثار، راحوا يزعمون ويروّجون أن ما يكتبه الإمام المهدي ليس من تأليفه وخط قلمه، ولا هو من ثمار فضله وأدبه وعلمه، بل إن بعض العرب والشاميين هم الذين كانوا يكتبون له هذه الصحف المزوّقة، وهم الذين كانوا يُملون عليه تلك العبارات المنمّقة، ولا طَوْلَ لهم بمجاراة العرب في الإنشاء، ولا سبيل لهم للتفوق على الشاميين في الإملاء. وهكذا أقرّوا من حيث لا يدرون بعظمة شأن كتابات الإمام المهدي العربية، واعترفوا بسمو أساليبه الأدبية، وفي ذلك يقول الإمام المهدي :
".... ثم من اعتراضات العلماء وشبهاتهم التي أشاعوها في الجهلاء، أنهم قالوا إن هذا الرجل لا يعلم شيئا من العربية، بل لا حظّ له من الفارسية، فضلا من دخله في أساليب هذه اللهجة، ومع ذلك مدحوا أنفسهم وقالوا إنّا نحن من العلماء المتبحّرين. وقالوا إنه كل ما كتب في اللسان العربية من العبارات المحبّرة، والقصائد المبتكرة، فليس خاطره أبا عذرها، ولا قريحته صدف لآليها ودُررها، بل ألّفها رجل من الشاميين، وأخذ عليه كثيرًا من المال كالمستأجرين، فليكتب الآن بعد ذهابه إن كان من الصادقين.
فيا حسرة عليهم! إنهم لا يستيقظون من نُعاس الارتياب، ولا يُسرحون النواظر في نواضر الصدق والصواب، ولا ينتهجون مهجة المنصفين. وتركوا الله لأشاوي حقيرة، وأهواء صغيرة، فإلامَ يعيشون كالمتنعّمين؟ يُصأصئون كما يُصأصئُ الجرو ولا يستبصرون، ويُضاهي بعضهم بعضا في الجهل فهم متشابهون. وإذا قيل لهم تعالوا إلى حقٍ ظهر، وقمرٍ بهر، فتشمئز قلوبهم ويهربون مستنفرين. أولئك الذين هتك الله أسرارهم، وكدّر أنظارهم، فتراهم كالعمين. يريدون أن يُفسدوا في الأرض عند إصلاحها وجزّءوا الأمانة والدين.
أتنفعهم أقوالهم إذا سُئل ما أفعالهم؟ أو يفيدهم إفنادهم إذا ظهر فسادهم؟ أو يُبرّءون مع كونهم من الفاسقين؟ لا يتّقون عالِم سريرتهم، ولا ينتهون عن صغيرتهم ولا كبيرتهم، ويعثون في الأرض معتدين. يتركون أوامر الله ولا يكترثون، ويتبعون زهوَهم ولا يُبالون، ويسعون إلى السيئات ولا ينتهون. أيظنون أنهم يُتركون في الدنيا ولذّاتها، ولا يُقادون إلى الحاقّة ومُجازاتها، ولا يُؤخذون كالمفسدين؟ أيحسبون أنهم ليسوا بمرآى رقيبهم، ولا بمشهد حسيبهم، ألا يعلم الله ما يجترحون كالخائنين؟
يلجون غابة الشيطان، ويذرون حديقة الرحمن، ويمرّون بالحق مستهزئين. وإذا قيل لهم اقبلوا الحق كما قبل العلماء، وأتوني كما أتى الأتقياء، صعّروا خدودهم كالمستكبرين. وقالوا لولا ألّف بعد الشامي كتابًا، إن كان صادقًا لا كذابًا، فليأتنا الآن بكتاب بعده إن كان من المؤلّفين.
فجئنا الآن لنؤتيهم نظيرها، بل كبيرها، والله موهن كيد الكاذبين. وقد ألّفنا هذه الرسالة، ورتّبناها كما رتّبنا الرسائل السابقة لندحض حجتهم، ونقطع أرومتهم، ونمزّق معاذير المبطلين. وإن هذا مني في العربية كآخر الكتب، وأودعتها من مُلَحِ الأدب، والأشعار النخب، ليكون صاتا لدفع صخب الصاخبين، ولنهدم دار المفترين من بنيانها، وندوس جيفة وجودهم في مكانها، ولنلطم على وجوه المجترئين." (المصدر السابق ص231-234)
وهكذا كان تحدّي الإمام المهدي لاذعًا واضحًا، ولكن هروب المخالفين وسكوتهم كان عملاً فاضحًا. فأرسل الإمام المهدي إلى كلٍّ من مخالفيه الذين كانوا يدّعون الأدب والبلاغة، ويتفاخرون بأمور الفصاحة وشؤون الصياغة، فكتب يقول:
".... وكان في هذه الديار تسعة رهط من الأشرار، وكانوا مفسدين في الأرض ولا ينتهجون مهجّة الخيار، وما كانوا صالحين. ووجدتهم في الكبرياء والإباء، كالجملة المتناسبة الأجزاء، أو كأمراض متشابهة في الخبث والإيذاء، ورأيت كلهم من المعادين المعتدين.
فمنهم رجل أمرتسري يُقال له "الرّسل البابا"، إنه امرؤ لا يعرف صدقا ولا صوابا، وكذب بآياتنا كِذابا. وخالطه زمر من السفهاء، فقعدوا بحذاء شمس كالحرباء، وقالوا إنّا نريد أن نُعارضك كالأدباء، ولكنّا لا نجيئك كما تريد، بل آتنا كالغرباء، وإذا جئت فنبارز كالمعارضين." (المرجع السابق ص236)
وهكذا أرادت تلك المجموعة من العلماء برئاسة "الرسل البابا" أن تتحدى الإمام المهدي ، وهم يعلمون مُسبّقًا أن العلماء الكبار لا يذهبون إلى من يتحداهم، بل على المتحدي أن يأتي صاغرا إلى مجلسهم ومنتداهم. فكانوا يتوقّعون أن يأنف الإمام المهدي من الذهاب إليهم في عقر دارهم كما أنهم يأنفون، وبذلك يقولون إننا تحدّيناه وهو الذي رفض التحدّي، وهرب من ساحتنا وخاف من التصدّي. ولكن الإمام المهدي كتب يقول:
"فعفتُ المسعَى في أوّل نظري إلى الجهلاء، وأخذتني أنَفَة أن أحضر مجلس الحمقاء، ثم رأيت أن لا تعنيف، على من يأتي الكنيف، فقبلتُ كل ما قالوا، وملتُ إلى ما مالوا، وكتبت إليهم أني أقبل أن أكتب مناضلاً في ندوتكم، فعليكم أن تكتبوا مثل ما أكتب أمام مُقلتكم، أو أسمعوني ما أكتب كما زعمتم كمال درايتكم، فصمتوا وسكتوا كأنهم من الميتين." (المرجع السابق ص236-237)
وهكذا كانت مفاجأة عُمرهم.. أن الإمام المهدي قد قبلَ أن يذهب إليهم في مجلسهم، ويُناضلهم في مكان ندوتهم، ثم تحدّاهم أن يكتبوا أمامه كما يكتب هو أمام أعينهم، فإن أبوا ذلك فعليهم على الأقل أن يقرأوا أمام الملأ من الحاضرين ما يكتبه هو، ويُسمعوه كما يُسمعوا المشاهدين ما خطّه بقلمه أمام نواظرهم، بدون أن يُخطئوا في القراءات، وبغير أن يغلطوا في نطق الكلمات. ولكنهم كانوا يعلمون أنهم كاذبون، وأنهم في الباطل سادرون، وللحق كارهون، وأنهم حتما في النضال مخذولون. وقال الإمام المهدي :
"وقد أُشيع بعده الاشتهار، وأُفشي الأخبار، وأمضضناهم وأحفظناهم فصمتوا كرجل ألثغ، وسكتوا كالذي على تُرب الهوان مرّغ، فانقلبنا عنهم كالمنصورين. فيا حسرة على الرسل البابا! إنه ما خاف ربًّا توّابا، ورأى ذُلاّ وتبابا، وإنه شبّ نارا، ثم أخمدها خوفا واضطرارا، وجال في شجون، ثم خاف مخلب منون، ونسى كل مجون، ومع ذلك ما ترك سير المتكبرين." (المرجع السابق ص237)
ثم يُتابع الإمام المهدي ذكر العلماء الذين كانوا يتطاولون عليه، وكانوا قبل أن يصلحه الله في ليلة ويُعلمه اللغة العربية.. يتفاخرون عليه بعلمهم وأدبهم، ثم زعموا بعد ذلك أن الشاميين والعرب هم الذين يكتبون له الكتب والقصائد والأشعار، فكتب يقول:
"ومن التسعة الذين أشرتُ إليهم رُجَيْل يقال له "أصغر"، وإنه يزعم في نفسه كأنه أكبر، ويزدريني مفتريا من غير استحياء، ويسبّني في محافل وأملاء، فستعلم كيف يُجعل من الأصغرين. إنه يتّبع الهوى، ولا يجرى طلقًا مع التقوى، يريد أن يفضّ ختوم الشهوات ولو بالجنايات، ويجتني قطوف اللذّات ولو بالمحرّمات، وكذلك تأهّبت له الرفاق، وازداد من المنافقين النفاق، واستحكم في الطباع الذميمة، حتى سبق إخوانه في النميمة، وَمَا أرى مَدحرة لشيطانه، إلاّ أن أدعوه لامتحانه، فأُقبلُ عليه إقبال الطالب المناضل، ليتبين أمر الجاهل والفاضل، وإنه كان يطلبني لوغاه، فاليوم نرضيه بما يهواه، وقد خاطبته من قبل ذات العويم، لأُزيل ما علا قلبه كالغيم، فقلت آتني كالرائد، وتمتع من الموائد، فإن كنت رأيناك كسحاب مطير، أو ثبت معك من البلاغة كمير، فنؤمن بك وبحسن بيانك، ونشيع صفات علو شانك، فيسوغ لك بعده أن تغلطنا في إملائنا، وتأخذ أغلاط إنشائنا، كما أنت تظن كالجاهلين الغافلين. ومع ذلك نحسبك أنك ذو مقول جريّ، ونابغة كلام عربيّ، ويجوز لك ما لا يجوز لغيرك من ازدراء، والطعن على إملاء، وتُحمد عند الناس كالفاضلين المؤدبين.
وأما طراز ازدرائك، قبل إثبات علمك وعلائك، فما هذا إلاّ لبوس سفيه يترك الحياء، وعادة ضرير لا يرى الأضواء، فيحسب النهار المنير ظلاما، والوابل جهاما. وإن كنت من رجال هذا المضمار، ووليجة أهل هذه الدار، فَأَرِنا كمال إنشائك قبل ازدرائك، وَأتِ بكتاب كمثل هذا الكتاب، ثم اجعل بيني وبينك حَكَمًا أحدًا من أُولي الألباب. فإن شهد الحكم على كمالك، وحسن مقالك، وظنّ أنّك جئت بأحسن من كلامي، وأريت نظاما أجمل من نظامي، فلك من بعد أن تتخذ جدّي عبثا، وتجعل تبري خبثا، وأن تحسب درّي الغُرّ كليلٍ دامس، وبياني الواضح كطريق طامس، وتشيع عثاري في العالمين. وإن لم تفعل.. ولن تفعل.. فاتّق لعن اللاعنين." (المصدر السابق ص238-240)
".... ومن المعترضين المذكورين، شيخ ضال بطالويّ، وجار غويّ، يُقال له "محمد حُسَيْن"، وقد سبق الكلَّ في الكذب والميْن. وإنه أبى واستكبر، وأشاع الكبر وأظهر، حتى قيل إنه إمام المستكبرين، ورئيس المعتدين، ورأس الغاوين. هو الذي كفرني قبل أن يُكفر الآخرون، واعترض على كتبي وأظهر جهله المكنون. فقال إن تلك الكتب مشحونة من الأغلاط، وساقطة في وحل الانحطاط، وليست كماء معين، وإن هذا الرجل من الجاهلين. وكل ما يوجد في كتبه من مُلَحها وقيافيها، فليس قريحته حجر أثافيها، بل تلك كلم خرجت من أقلام الآخرين.
فقلت يا شيخ النوكَى، وعدوّ العقل والنُهَى، إن كتبي مبرّأة مما زعمتَ، ومنَزّهة عما ظننتَ، إلاّ سهو الكاتبين، أو زيغ القلم بتغافل مني لا كجهل الجاهلين. فإن قدرتَ أن تُثبتَ فيها عثارًا، فخذ مني بحذاء كل لفظ غلط دينارًا، واجمع صريفًا ونُضارًا، وكن من المتمَوّلين. وهذا صلة تلائم هواك، وتقر به عيناك، وتستريح به رجلاك، فتنجو من السفر الدائم، ولا تتيه كالشحّاذ الهائم، وتقعد كالمتنعّمين. وتَغْنَى به عن جعائل أخرى، ومكائد شتّى، وإشاعة عدوّ السُنّة، ووعظ الدّجل والفرية، وتعيش كالمستريحين.
بيد أني أريد أن أرى قبله ريّا فصاحتك، وأشاهد ريح بلاغتك، لأفهم أنك من علماء هذه الصناعة، ومن أهل تلك الصَّوْلة، ولست من الجاهلين المحجوبين العمين ....
ووالله إني أستيقن أنه لا يقدر على إملاء سطر أو سطرين، وكل ما يقول يقول من المين، بل لا أظن أنه يقدر على فهم مقالي، ويُبيّن في المجلس فحواء أقوالي، وإنه من الكاذبين ....
وإني أُيّدتُ من الله القدير، وأُعطيتُ عجائب من فضله الكثير. ومن آياته أنه عَلّمني لسانًا عربية، وأعطاني نِكاتًا أدبية، وفضلني على العالمين المعاصرين. فإن كنتَ في شك من آيتي، وتحسب نفسك حُدَيّ بلاغتي، فتحام القال والقيل، واكتب بحذائي الكثير أو القليل. وجدّد التحقيق ودع ما فات، وبارز في موطن وعيّن له الميقات، وعليَّ وعليك أن نحضر يوم الميقات بالرأس والعَين، ونناضل في الإملاء كالخصمَين. فإن زدتَ في البلاغة وحسن الأداء، وجئتَ بكلام يسر قلوب الأدباء، فأتوب على يدك من كل ما ادّعيتُ، وأحرق كل كتاب أشعتُه أو أخضيتُ، ووالله إني أفعل كذلك فانظر إني أقسمتُ وآليتُ. فارحم الأمة المرحومة، وعالج الفتن المعلومة، فإن الفتن كثرت، والآفات ظهرت، وكُفّر فوج من المسلمين من غير حق، والألسن فيهم طالت، فقم رحمك الله ولا تقعد كالمنافقين.
ألا تستيقن أنك من العلماء الراسخين، والأدباء القادرين؟ ثم مع هذا تعلم أن الله مؤيّد الصادقين، ومخزي الكاذبين، والله مولى أهل الحق ولا مولى للمفترين. وإن لم تقدر على المقابلة، ولم تقم للمناضلة، فرضيتُ بأن تُسمعني ما أكتب من العبارات الأنيقة، والجمل الرشيقة، وكفاني لو فُزتَ بهذه الطريقة، وأظهرتَ ما قلتُ على الحاضرين.
ولكني جرّبتك مذ أعوام، إنك لا تقوم في مقام، ولا تريد قطع خصام، وتَنْحَت في آخر الأمر حيَلاً واهية، ومعاذير منسوجة كاذبة، وتفر كالمحتالين. فعليك أن لا تحتال كأيام سابقة، وتحضر على الميقات في رياغة مقررة، فإن كنتَ غالبا وفاء أمرك إلى غلبة ورشاد، فأخفض لك جناح انقياد، وأتوب على يديك باعتقاد، كالذي قفل من ضلال إلى سداد. فأَلْفِتُ اليوم وجهي إليك يا أبا المراء، وإلى إخوانك من العلماء، وأدعوكم إلى مأدبتي الجفلا، وأُبلّغ دعوتي إلى أهل الحضارة والفلا، فعليكم أن لا تُعرِضوا عن هذه الدعوة، كما أبيتم ذات مرة في الأيام السابقة، فإن هذا يقضي بين الصادقين والكاذبين، وتتجلّى منه آية ربّ العالمين، وتستبين سبيل المجرمين.
بيد أني لا أظن أن تحضروا لفصل هذه القضية، والرجاء منقطع منك ومن أمثالك في هذه الخطّة، فكأني أستنْزل العصم من المعاقل، أو أطلب الولد من الثاكل، أو أستقري الدهن من الحديد، أو أبغي الطيب من الصديد، وأرى أني أرجع إليكم كالخاطئين، وأُضيّع وقتي في سؤالي من المحرومين. وإني لم أفعل ذلك لو لم يكن مقصدي إتمام الحجة، وإظهار الحق على الخاصّة والعامّة. وإني أدعوكم أوّلاً إلى المباهلة، فإن لم تقبلوا فأدعوكم إلى أن يجيئني أحدٌ منكم لرؤية آيتي ويلبث عندي إلى السنة الكاملة، وإن لم تقبلوا فأدعوكم إلى المناضلة في العربية، بالشريطة المذكورة والآتية، وإن لم تستطيعوا فُرادى فُرادى، فما أُضَيّق الأمر على من عادَى، بل آذَن لكم أن يجلس بعضكم بالبعض كالناصرين." (المرجع السابق ص241-250)
وهكذا كان التحدّي واضحًا بلا مراء، وظاهرًا جليًّا بغير خفاء، لكل العلماء المعارضين والمخالفين من الأدباء، ولكنهم فرّوا من المناضلة والمحاورة، كما يفر الظبي الرعديد من القسورة، فتحقق بذلك وعد رب العالمين، لعباده المؤمنين والمرسلين. إنه سبحانه هو الذي ينصر الصادقين، ويُعز أهل الحق من المتقين، ويهزم أهل الباطل من المفترين، ويخزي الكاذبين الملعونين. ولقد سبقت كلمته لعباده الأبرار، وأصفيائه الأطهار، أن لهم دائما الغلبة والفوز والانتصار، ولأعدائهم الهزيمة والخسار والاندحار، والفشل والتباب والتبار، والمهانة والخزي والانكسار، والذلّ واللعنة والاحتقار، وللكاذبين دائما عقبى النار. فسبحان الذي أوفى وعده، ونصر بفضله عبده، وهزم أحزاب العلماء المستكبرين وحده. وطوبى لمن رأى آيات رب العالمين، وسارع إلى قبول الحق المبين، ودخل في زمرة جماعة الصادقين المخلصين.
* * *
لم يكن الأمر مجرد التفوق في البلاغة والبيان، ولكن الأهم هو الإحاطة بعلوم القرآن، والتفاضل في الخبرة بدروب الحكمة ومسالك العرفان، فإن التفسير الصحيح للقرآن أمر لا يعطيه الله تعالى إلاّ لمن زكّى نفسه وطهرها وكان من الصادقين المطهرين، فقد قال تعالى عن القرآن الكريم إنه في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون. ولذلك تحدّى سيدنا أحمد جميع المخالفين والمعارضين، من الأدباء والعلماء والمولويين، أن يكتبوا تفسيرا لسورة الفاتحة، وهي سبع آيات، في سبعين يوما. وذكر سيدنا أحمد أن العلماء يستطيعون أن يساعدوا بعضهم البعض في هذا المجال، ولهم أن يستعينوا بالعلماء والأدباء العرب إذا شاءوا، ولكنه أكّد على أنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بتفسير مثل تفسيره بأية حال، وأنهم سوف ينهزمون جميعا في هذا النضال. (السيرة المطهرة بتصرف).
ومن الأدلة المرتبطة بتعلم اللغة العربية بشكل إعجازي الخطبة الإلهامية، وفيما يلي أورد رواية الراوي المنشي ظفر أحمد الكبورتهلوي حيث يقول:
كتبَ المسيح الموعود عليه السلام رسالةً إلى الخليفة الأول في الصباح الباكر يوم عرفة -وكان الخليفة الأول موجودا في قاديان أيضا- قال فيها: اليوم وبجزء من الليل سوف أقضي بالدعاء لنفسي ولأحبابي، فاذكر لي أسماء الموجودين وأماكنهم لأدعو لهم. وكانوا قد جاءوا يصلون العيد وراء حضرته.
فكتب حضرة الخليفة الأول (المولوي نور الدين) الأسماءَ في قائمة وبعثها له.
وجُمعت صلاة المغرب والعشاء في ليلة عرفة تلك، وقال بعدها المسيح الموعود عليه السلام: عاهدتُ الله تعالى أن أقضي اليوم في الدعاء، لذا سأذهب كي لا أخلف العهد. وفي صباح العيد دخل المولوي عبد الكريم السيالكوتي على المسيح في بيته ليلتمس منه أن يخطب اليوم. فقال حضرته لقد أمرني الله نفسه بذلك، ثم تابع يقول: لقد تلقيت إلهاما البارحة يقول الله فيه: اخطب بضع جمل عربية في الجَمْع. وكنت أظن أنه جمْع آخر، ولعله هذا الجمع. وهذه خطبة العيد، فعندما استعد المسيح الموعود عليه السلام لإلقاء الخطبة أمر المولوي عبد الكريم السيالكوتي والمولوي نور الدين أن يقتربا منه لكتابة الخطبة. وعندما تجهز المولوي عبد الكريم والمولوي نور الدين بدأ المسيح الموعود عليه السلام خطبته بقوله: يا عباد الله وأثناء الخطبة قال لهما: اكتب الآن وإلا فإن هذه الكلمات سأنساها وستضيع. وعندما أنهى المسيح الموعود عليه السلام الخطبة وجلس، طلب معظم الإخوة من عبد الكريم صاحب أن يقف ويقرأ ترجمتها. وقبل أن يقرأ الترجمة قال المسيح: لقد جُعلت هذه الخطبة علامة على استجابة الأدعية التي قمت بها يوم عرفة وليلة العيد. أي أنني لو تمكنت من إلقاء هذه الخطبة ارتجالا فتُعتبر تلك الأدعية كلها مستجابة. والحمد لله أنه تعالى قد استجاب كل تلك الأدعية بحسب وعده.
ثم يقول الراوي: وبينما كان المولوي عبد الكريم يقرأ الترجمة، خرّ المسيح الموعود عليه السلام من فرط الحماس ساجدا، فسجد معه الحضور جميعا سجدة شكر. ولما رفع المسيح الموعود عليه السلام رأسه من السجود قال لقد رأيت للتو كلمة (مبارك) مكتوبة بالحبر الأحمر. وكأن هذا آية على الاستجابة. (ملفوظات، جلد2، ص29-31)
ويقول الراوي المنشي ظفر أحمد الكبورتهلوي:
بدأ حضرته إلقاء الخطبة العربية ارتجالا بكلمات: يا عباد الله، ولم يلقِ منها إلا بضعة جمل حتى استولى على الحضور -الذين كان عددهم حوالي مائتي شخص- حالة من الوجد.. كانوا مستغرقين في الإصغاء إلى خطبته استغراقا لا يوصَف، وكان مما يدل على تأثير إعجازي للخطبة أن الجميع كانوا ينصتون إليها مع أنه لم يعلم منهم العربية إلا بضعة أشخاص. (روايات الصحابة، مجلد 13، ص385-386، وتاريخ الأحمدية، مجلد 3، ص92)
ويقول الراوي نفسه أيضا: "أما المسيح الموعود عليه السلام فكان يبدو من صورته ولسانه وأسلوب كلامه أن هذا الشخص السماوي إنسان من عالم آخر، يتكلم رب العرش على لسانه. كنا نشعر بتغير ملموس في حالته وصوته أثناء الخطبة. كان صوته ينخفض ويبدو رخيما ليّنًا عند نهاية الخطبة في آخر كل جملة. كانت عيونه عندها مغلقة ووجهه أحمر يشع نورا. وقد قال حضرته أثناء الخطبة للذين يكتبونها: إذا لم تفهموا لفظا أو كلمة فاسألوني فورا، فلعلي لن أتمكن من أن أخبركم بها فيما بعد. ثم إنه عليه السلام كان يتكلم بسرعة بحيث كان يتعذر على القلم أن يواكب لسانه. ولهذين السببين كان المولوي عبد الكريم والمولوي نور الدين اللذان قد عُهد إليهما كتابة الخطبة يضطران في بعض الأحيان أن يسألاه عن بعض الكلمات. (سيرة المهدي، جز3، ص90-91).
وكتب المسيح الموعود عليه السلام نفسه على غلاف هذه الخطبة:
"هذا هو الكتاب الذي أُلهِمتُ حصّة منه من رب العباد، في يوم عيدٍ من الأعياد. فقرأته على الحاضرين، بإنطاق الروح الأمين، من غير مدد الترقيم والتدوين. فلا شك أنه آية من الآيات، وما كان لبشر أن ينطق كمثلي مرتجلا مستحضرًا في مثل هذه العبارات. وكان الناس يرقبون طبعه رقبة يوم العيد، ويستطلعون بعيون المشتاق المريد. فالحمد لله الذي أراهم مقصودهم بعد الانتظار، ووجدوا مطلوبهم كبستان مذلّلة أغصانه من الثمار، وإنه صنيعة إحسان الحضرة، ومطية تبليغ الناس إلى السعادة، وإنه غيث من الله بعدما أمْحَلَتِ البلاد، وعم الفساد، ولن تجد لهذه المعارف في الآثار المنتقاة المدونة من الثقاة، بل هي حقائق أوحيت إلىّ من رب الكائنات. وإنه إظهار تام، وهل بعد المسيح كتم، وهل بعد خاتم الخلفاء على السر ختم؟ وليس من العجب أن تسمع من خاتم الأئمة نكاتا ما سُمعت من قبل من علماء الملة، بل العجب كل العجب أن يأتي المسيح الموعود والإمام المنتظر وحَكَمُ الناس وخاتم الخلفاء، ثم لا يأتي بمعرفة جديدة من حضرة الكبرياء، ويتكلم كتكلم العامة من العلماء، ولا يفرّق فرقا بيّنا بين الظلمة والضياء.
وإني سميت هذه الرسالة: خُطْبَـةً إِلْهَامِيَّـةً.. وَإِنِّي عُلّمتُها إلهَامًا مِّن رَّبِّي وَكَانَتْ آيَةً."
كما كتب المسيح الموعود عليه السلام: "في صباح عيد الأضحى تلقيت إلهاما يقول: ألقِ كلماتٍ بالعربية (تكلم شيئا بالعربية). فتم إخبار كثير من الأحباب بذلك، ولم أكن قد ألقيت أيّ خطاب بالعربية من قبل، ولكن قمتُ في ذلك اليوم بإلقاء خطبة العيد بالعربية، فأجرى الله على لساني كلاما عربيا بليغا فصيحا مليئا بالمعارف. وقد سُجِّل في الكتاب (الخطبة الإلهامية)، وهو خطاب يبلغ عدة صفحات، وألقيته ارتجالا دفعةً واحدةً واقفًا. وقد سماه الله تعالى في وحيه آية؛ لأن هذا الخطاب الارتجالي قد ظهر بمحضِ قدرة الله تعالى. إنني لا أصدق أبدا أن أديبا عربيا من أهل الفصاحة والعلم يقدر على أن يقف ويلقي مثل هذه الخطبة ارتجالا. (نـزول المسيح، الخزائن المجلد 18، ص588)
وكتب المسيح الموعود عليه السلام يقول: في يوم 11 إبريل (نيسان)1900م صباح عيد الأضحى تلقيت إلهاما: "اخطب اليوم بالعربية، قد أُعطيتَ القوة". وتلقيت إلهاما (بالعربية): "كلام أفصحت من لدن رب كريم"... فقمت بعد صلاة العيد لإلقاء الخطبة باللسان العربي، ويعلم الله أنني أوتيت قوة من الغيب. والخطاب العربي الفصيح الذي كان يخرج من فمي ارتجالا كان خارج نطاق قدرتي كليّةً. ولا أظن أبدًا أن شخصا في الدنيا يقدر -من دون إلهام رباني خاص- على إلقاء خطاب بهذه الفصاحة والبلاغة يبلغ عدة صفحات من دون أن يكتبه على ورق أولا.
عندما ألقيتُ هذه الخطبة العربية التي سميت (خطبة إلهامية) بين الناس كان عدد الحضور قرابة مائتي شخص.. سبحان الله! كانت عين غيبية تتدفق عندئذ، ولا أدري ما إذا كنت أنا المتكلم أم كان ملاكا يتكلم بلساني؛ لأنني كنت أعلم أن لا دخل لي في هذا الكلام. كانت الجمل الجاهزة تخرج من فمي تلقائيا. وكل جملة منها كانت آية لي... إنها معجزة علمية (معرفية) أراها الله تعالى، ولا أحد يستطيع أن يقدم نظيرها. (حقيقة الوحي، الحزائن الروحانية، المجلد 22، ص375-376)
وورد في كتاب التذكرة، وهي مجموعة إلهامات وكشوف ورؤى المسيح الموعود عليه السلام في هامش صفحة 290، الطبعة الخامسة، عام 2004، قاديان الهند ما يلي: لقد عثر على اثنتين من الرؤى تتعلقان بالخطبة الإلهامية مسجلتين بالقلم المبارك للمسيح الموعود عليه السلام. بعد تسجيل تاريخ 19 ابريل(نيسان) 1900 كتب حضرته رؤيا مِيا عبد الله السنّوري التالية. "يقول مِيا عبد الله السنوري أنه رأى أن المنشي غلام قادر المرحوم السنوري قد حضر هنا، فقلت له: ما الخبر في ذلك العالم عن هذا الاجتماع (يشير إلى الخطبة الإلهامية)؟ ماذا يقولون هناك؟ فأجاب: هناك ضجة كبيرة في الملأ الأعلى.
هذه الرؤيا تشبه تماما الرؤيا التي رآها السيد أمير علي شاه المحترم، فإنه رأى أنه في أثناء إلقاء الخطبة العربية يوم العيد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام وموسى عليه السلام والخضر عليه السلام حاضرين يستمعون لهذه الخطبة. لقد رأى هذه الرؤيا على سبيل الكشف في أثناء إلقاء الخطبة وهو جالس يستمع لها. هذا ما سجّله المسيح الموعود عليه السلام على ورقة من نسخة من كتاب (تعطير الأنام) الموجود حاليا في مكتبة الخلافة بربوة في باكستان.
الخلاصة:
لا يشكّك أحد في حدوث الخسوف والكسوف في رمضان من عام 1894 وعام 1895، إنما يشككون في صحة الحديث. ولا يشكك أحد في أن المسيح الموعود عليه السلام لم يكن قد تعلم من العربية إلا يسيرا، ولكن البعض يشكك في كتاباته ويدعي أن شاميا كان يكتبها له، والبعض يدعي أنها كتابات غير بليغة. أي أن الأولين اعترفوا بقيمتها اللغوية والآخرين اعترفوا بأنه هو كاتبها، فلو أخذنا بقول الخصوم جميعا، لخرجنا بنتيجة أنها كتب قيمة، وأن حضرته عليه السلام مؤلفها. والخير ما شهدت به الخصوم. وبهذا نخرج بنتيجة قاطعة على تحقق هذه الآيات من خلال كلام الخصوم.
هل كتبت الصحف في ذلك الوقت عن الخسوف والكسوف؟
- كسوف الشمس على أُفق مكة المكرمة وفي الجزيرة العربية -
"ومن المدهش جدا عندما طلعت الشمس بتاريخ 28 رمضان المبارك 1311هـ المطابق 6 نيسان 1894 يوم الجمعة على سماء مكة كانت في حالة الكسوف, وبقيت على حالة الكسوف حوالي ثلاثين دقيقة, كذلك عندما انخسف القمر وفي العام المقبل في شهر رمضان 1312هـ المطابق 11 آذار 1895, كان يُرى في بعض مناطق الجزيرة العربية."
- صحيفة بدر بتاريخ 10 اكتوبر 1991 مؤلف المقالة: البروفيسور صالح محمد اله دين رئيس قسم الفلكيات في الجامعة العثمانية حيدر آباد الهند.
رسم البروفيسور أوبولزر في كتابه CANON OF ECLIPSES الكسوفات البارزة والمميزة بالخرائط, والكسوف الذي كان في 1894م كان منها:
نشرت الجرائد خبرا عن حدوث كسوف الشمس والقمر:
1- نشرت الجريدة الإنجليزية (CIVIL AND MILITARY GAZETTE) "سِفل اند ميليتاري غازيت" الصادرة في لاهور عاصمة البنجاب بتاريخ 7 نيسان 1894 ما يلي:
(الترجمة) " كان كسوف الشمس واضحًا تمامًا البارحة في لاهور ما بين الساعة السابعة والنصف والتاسعة والنصف صباحًا. وأثناء دوامه كان ضوء الشمس خافتًا جدا ليذكر المء باشراقة الشمس اللطيفة في صيف يوم في انجلترا".
2- كذلك نشرت الجريدة الإنجليزية PIONEER في عددها بشهر آذار 1894م نفس الخبر.
3- كتب الدكتور العلامة خادم رحماني نوري في تفسيره للقرآن المجيد عن هذا الكسوف والخسوف ما يلي:
(الترجمة) "وعند ظهور المهدي يحدث كل من كسوف الشمس وخسوف القمر في 1894 عيسوية متزامنين في شهر رمضان, البهيقي, متى 24: 20-29, أي عند غلبة المسيحية ووضع حد لنفوذ ما يسمى بالأديان الثانوية, وظهور الإسلام بإشراقه الكامل بواسطة المهدي.
(ملاحظة) هذا الدكتور ليس من الجماعة الاسلامية الاحمدية ولكنه اعترف في تفسيره لكسوف الشمس وخسوف القمر في 1894م أي حدث كسوف الشمس والقمر في شهر رمضان في سنة 1892م.
4- كتب محمد عبد الله معمار الذي كان من أشد معارضي سيدنا أحمد عليه السلام عن كسوف النيرين: "لقد انخسف القمر بتاريخ 13 رمضان وانكسفت الشمس بتاريخ 28 رمضان"
-"ميرزا صاحب قادياني كي راست بيانون برايك نظر"
5- ورد في جريدة "سراج الأخبار" في عددها 11 حزيران 1894:
"بأن خسوف القمر كان بتاريخ 13 رمضان وكسوف الشمس كان بتاريخ 28 رمضان"
تحقق نبأ الخسوف والكسوف للمرة الثانية – سنة 1895
- خسوف القمر وكسوف الشمس في أميركا -
هذه المرة كان كسوف الشمس أقل وضوحا من المرة الاولى, وأما خسوف القمر كان واضحًا ونشرت الجرائد الأمريكية خبرا عن الخسوف كما يلي:
جريدة "نيويورك تايمز" الصادرة في نيويورك عدد يوم الإثنين 1131895:
"لقد كان خسوف القمر الكلي الذي حدث ليلة البارحة هو ما أعلن عنه, ولكن لسوء حظ الفلكيين والمتفرسين في السماء بوجه عام فلقد حُجبت السماء بالغيوم وحالت دون مشاهدة مرضية... وفي تمام الساعة 7:57 دخل القمر في الخسوف ولكنه وصل إلى حافة ظل الكرة الأرضية في تمام الساعة 8:45 فقط, وظهر في البداية وكأنما اقتُطع جزءٌ صغير منه بسكين, ثم دخل القمر تدريجيا أكثر فأكثر في الخسوف إلى أن بقي نصف صحنه ظاهرا, وكان من الممكن تحديد معالم الجزء المظلم منه بنظر العين, ومن ثم وبسرعة ظهر وقد ابتلع بقية سطحه في الظلام. وفي تمام الساعة 11:27 اختفى القمر ...
"واشنطن" – 1031895 – لقد كانت مشاهدة خسوف القمر هنا جزئية.
"كامبردج" – 1031895 – لقد اعيقت التحضيرات التي اعدت في مركز المراقبة في هارفارد لمشاهدة خسوف القمر الكلي الذي حدث هذا المساء بسبب الأحوال غير الملائمة في السماء.
"شارلتون" – 1031895 – شاهد ألوف الناس خسوف القمر الكلي الذي تم هذه الليلة, ولقد حجبت الغيوم المتراكمة رؤية القمر في البداية, ولكن السماء صفت بعد ذلك وسنحت لمشاهدة ممتازة للخسوف الكلي.
"هليفاكس" – 1031895 – بدأ خسوف القمر هنا في تمام الساعة العاشرة بالضبط, وبما أن السماء كانت خالية من الغيوم, كان المنظر جميلا أثناء حدوثه.
* كتبت جريدة لوس انجلوس تايمز (LOS ANGELES TIMES) الصادرة من ايلينوي في الولايات المتحدة بتاريخ 1131895 عن خسوف القمر في 1031895 ما يلي:
خسوف القمر كما شوهد من على قمة جبل لاو
لقد شوهد الخسوف في ظروف مؤاتية جدا من على قمة جبل لاو بواسطة مكتشف المذنبات في مركز لاو للمراقبة.
ومن على جبل هاملتون
من مركز مراقبة ليك (جبل هاملتون) كاليفورنيا – 1031895 لقد شوهد خسوف القمر الكلي الذي حدث هذا المساء من مركز ليك للمراقبة في ظروف مؤاتية جزئيا.. وبدأ الخسوف الكلي في تمام الساعة 55:51:6 وبقى الى الساعة 30:27:8.
في شيكاغو
شيكاغو 1031895: شوهد خسوف القمر هذه الليلة من مركز المراقبة لجامعة نورث وستون في مدينة إيفانستون على يد المدير جورج و هاغ وآخرين..
في نيويورك
نيويورك 1031895 – لم تكن مشاهدة خسوف القمر بشكل مرض في نيويورك, فلقد حجبت سحب كثيفة وضباب كالصوف الناعم ظاهرة الخسوف ولم تحصل معطيات علمية خاصة في هذا اليوم.
في ساكرا منتو
ساكرا منتو 1031895 – كان خسوف القمر بالغا حد الكمال, وقد جرى الحادث من الساعة 7:45 حتى الساعة 9:15, وشاهده ألوف من الناس..."
بعض الملحقات:
خارطة للكسوف الشمسي الذي حدث سنة 1895 وشوهد في الجانب الغربي للكرة الأرضية
الكسوف الشمسي الذي حدث في 6 نيسان 1894 وشوهد في الهند ومكة المكرمة.
ملحوظة:
الصور لا تظهر لسبب فني، لذا سنضع الجواب قريبا إن شاء الله تعالى في بند آخر وسنشير إلى رابطه.
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8