loader
 

السؤال: لقد سمعت منكم الكثير من التهم بحق القمص زكريا بطرس من انه يتهجم على الاسلام من خلال ما يقدمه على فضائية الحياة , وسوالي , ما هو رايكم بالفتوى التي صدرت قبل ايام من قبل احد علماء المسلمين في مصر والتي تتعلق برضاعة الكبير

من حق القمص وغير القمص أن يعترض على الإسلام وينتقد ما شاء، بشرط أن يلتزم بالصدق والموضوعية والأخلاق. وعلينا وعلى كل من استطاع أن يقدم الإجابات على هذه الاعتراضات بالصبر والأناة والحكمة والرحمة والخلق الحسن، وهذا ما يأمر به الإسلام. ولكن هذا القمص يكذب ويقتطع ويجتزئ ويأخذ آراءً شاذة ويشوهها في كثير من الأحيان ويقدمها للمشاهد كأنها عقيدة كل المسلمين، ومع ذلك فنحن نقدم الإجابات له ولغيره، ونترك الحكم للمشاهد، فلا إكراه في الدين.
أما بخصوص هذه الفتوى التي أصدرها أحد المشايخ في مصر فهي فتوى حمقاء يأنفها الإسلام ويرفضها رفضا قاطعا. وكما تعلمون فإن هذه الفتوى قد قوبلت بالرفض، كما أن هذا الشيخ قد تراجع عنها.
هذا الشيخ هو من غلاة أهل الحديث الذين يقدمون الحديث عمليا على القرآن ويستخلصون منه أحكاما شاذة تناقض التعاليم القرآنية الجلية وتناقض السنة العملية المطهرة. ولطالما حذرنا من هذا المنهج وأكدنا سخفه وبطلانه، وكان من أهم واجبات الإمام المهدي هو تصحيح النظرة تجاه الحديث.
لقد جُمع الحديث في منتصف القرن الثاني الهجري، أي بعد انقضاء أفضل عصور الإسلام وهو عصر الخلفاء الراشدين والصحابة، وعملية جمعه هي عملية تقريبية ليست قادرة على تنقيته بحيث يثبُت أنه الكلام النقي للنبي صلى الله عليه وسلم. فالحديث ليس منزها من أخطاء الرواة وأوهامهم، كما أنه قد تعرض للدس المتعمد والإسرائيليات. ولهذا فالمنهج الذي عليه قطاع واسع من أهل السنة هو رد الحديث إلى القرآن، وهو المنهج قد أكد عليه الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وأسهب فيه وشدد عليه مرارا، فلا ينبغي أن نقبل حديثا يخالف القرآن.
ولكن ليس المقصود أن الأحاديث ليست هامة وينبغي تركها، ولكن المقصود أنها يجب أن تكون تحت ضوء القرآن وفي خدمته، ويجب أن تفهم تحت هيمنته. فالأحاديث تقدم تطبيقات للقرآن وتفاصيل للسلوك والأخلاقيات يمكن أن يستفيد منها المسلم فائدة كبيرة. المهم ألا يوضع الحديث في مكانة أعلى من مكانته، أو يعتبر كلاما قطعيا يلزم كل مسلم حتى وإن ناقض القرآن بشكل واضح. وفي الأصل لا يمكن أن يتناقض كلام النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا مع القرآن، ولكن إن حدث تناقض فهذا يعني أن الكلام ليس كلام النبي أو أنه قد تشوه بشكل كبير وخرج عن معناه الحقيقي.
إن مسألة رضاع الكبير باطلة من عدة وجوه، ففضلا عن أنها تناقض القرآن لأنها تسمح بكشف امرأة أجنبية على رجل أجنبي ومن ثم ملامسته لها، فإن من دسها غفل عن جوانب أخرى قررها القرآن، وهذا يدل على مدى جهله بأحكام القرآن الكريم. فقصة سالم مولى أبي حذيفة مع مولاته التي ربته منقوضة بالقرآن الذي يقرر أن ملك اليمين للمرأة يعامل معاملة أهل البيت، أي هو بالنسبة لها كالولد أو كابن الأخ أو الاخت، وليس هناك حاجة لهذا الأمر الشاذ للسماح بالخلوة. حيث يقول الله تعالى:
{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (النور 32).
أما القول بأن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقول به بخلاف أمهات المؤمنين الأخريات، وكانت وتأمر ابنة أختها بإرضاع الرجال كي تلتقي بهم فهذا افتراء عظيم فيه آثار دس ممن يعادون السيدة عائشة ويكرهونها. فآثار الدس على السيدة عائشة ملحوظ لمن تدبر في كثير من الأحاديث التي رويت حولها. فالقرآن الكريم يحكم بأن أزواج النبي هنّ أمهات المؤمنين: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (الأحزاب 7)، فهن محرمات على كل المسلمين. أما إن قيل أن الرضاع هو للخلوة لا للتحريم فالقرآن الكريم قد نظم كيفية لقاء المؤمنين بأمهات المؤمنين وبين أنهن يجب أن يحتجبن عن الرجال الذين يأتون للسؤال أو لطلب أي طلب آخر، وهذا التنظيم يخالف المبرر للرضاع لمن قال به وهو الخلوة بنساء النبي. حيث يقول تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا } (الأحزاب 54)
إن هذه الفتوى ومن آمن إنما هو بعيد كل البعد عن القرآن الكريم وتعاليمه النقية الصافية الطاهرة، وعن السنة المطهرة للرسول صلى الله عليه وسلم. ومسألة رضاع الكبير هي من أكثر المسائل شذوذا ورفضا، وهي موقوفة حتى القطاع الأوسع من أهل الحديث بمبرر أنها كان حالة خاصة أو مرفوضة بدعوى النسخ أومخالفة الإجماع وغير ذلك. ومحاولة التركيز عليها من القمص الخبيث والقول بأنها أمر مقبول ومسلّم به عند المسلمين إنما هو افتراء وكذب وتضليل.
وأخيرا، لا يجدر بالمسيحيين أن يتناسوا كل التعاليم العظيمة التي في الإسلام وكل القيم الأخلاقية العظيمة، وتلك الشريعة الكاملة التي نهضت بالعالم كله في وقت كان سادرا في الظلمات والتي ما زالت حية في ضمائر كل الناس الأسوياء من المسلمين وغيرهم، وأن يحاولوا إلصاق هذه المسألة الشنيعة بالإسلام وكأنها إلاسلام كله وهي ليست منه في شيء أصلا. على المسيحيين أن يتذكروا بأن الكتاب المقدس مليء بالأمور غير المنطقية التي تخالف الأخلاق وتوجه لطمة عظيمة لكل القيم والأخلاق والطهارة، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ويعلمونها. ونحن لا نحاول إلصاق هذه الأمور الشنيعة بالمسيحية، بل نجاهد كي نؤكد أن هذه الأمور لا يمكن أن تكون من كلام الله ولا يمكن أن تنسب لرسالة المسيح عليه السلام. كل ما ندعو إليه هو أن ينظر أهل الكتاب إلى الكتاب نظرتنا إلى الحديث والمرويات، فيتخلصوا من كل الأحكام والقصص والأمور الشنيعة التي يأنفها الإنسان السوي ويدرك تماما أنها ليست من عند الله القدوس مطلقا.
تميم أبو دقة


 

خطب الجمعة الأخيرة