سأبين فيما يلي الخطوط العامة للتفسير التقليدي لهذه القصة:
1- جاء قوم لوط للوط مستبشرين لأنهم يريدون أن يفعلوا الفاحشة بالضيوف
2- قصدوا بـ "أولم ننهك عن العالمين" بأننا قد أنذرناك أنك إن أنزلت ضيفا عندك فإننا سنمارس الفاحشة معهم، فلماذا فعلت ذلك؟
3-أراد لوط أن يمنعهم من ضيوفه فعرض عليهم فدية الضيوف بأن يتزوج (والزواج ما ذكرته غالبية التفاسير) قومه بناته بدلا من إتيان الفاحشة. كذلك قال البعض أن المقصود هو بنات القوم ولكن لم يوضحوا بشكل ملائم لماذا قال ذلك.
4- رفض القوم هذا العرض وقالوا "قد علمت ما لنا في بناتك من حق" وقد فسرها المفسرون بعدة طرق:
أ- قالوا إن هذا ليس الأمر الذي نطلبه بل نحن نريد الرجال وأنت تعلم ذلك.
ب - إن بناتك متزوجات فيكف نتزوج من المتزوجات (الطبري).
جـ- إننا قد طلبنا بناتك للزواج من قبل ولم تقبل فلا يحق لنا (وفق العرف) الآن التزوج ممن رُفضت خِطبتهن (القرطبي).
هذه هي الخطوط العامة التي يمكن بسهولة في التفاسير التقليدية.
ولتلخيص الفكرة العامة يمكن القول ما يلي:
1- فكرة قدوم قوم لوط لممارسة الفاحشة مع الضيوف كانت فكرة مشتركة عند الجميع بلا استثناء
2- فكرة الفداء بالبنات كانت عند الغالبية وقد قال الغالبية أيضا بأنه دعاهم إلى الزواج منهن.
3- فكرة معرفة هؤلاء القوم للحقوق ومراعاتها كانت موجودة.
والآن.. ما هي النقاط الشاذة التي رأتها القارئة (على ما يبدو) والتي دحضتها؟ هي ما يلي:
1-الفكرة المشتركة أن الموضوع كان يدور حول ممارسة الفاحشة.. فهذه فكرة استولت على جميع المفسرين التقليديين دون استثناء. بينما الأمر ليس كذلك، بل إن القضية هي اضطهاد قوم لوط له بسبب دعوتهم إلى الطهارة، وانتهازهم الفرصة لإخراجه تحت مبرر عدم اتّباعه للتعليمات التي أوصوه إياها.
2- فكرة الفداء بالزواج هي فكرة شاذة قبيحة .. وهي التي هاجمتها بشدة. فكيف يمكن لنبي الله أن يزوج بناته من أشرار فاسدين؟ وكيف يمكن أن يقدمهن (للزواج) في هذا الظرف؟ هل في ذلك نخوة أم أن في ذلك شذوذا؟! إن النبي لا يمكن أن يقبل أن يزوج بناته لمن لا يستحقون وخاصة إن كانوا على هذا المبلغ من الفساد. ولا أدري.. كيف يمكن تصور أن هذا الموقف موقف محمود.. فهل يقبله من يتحلى بأدنى حد من الشهامة؟! ثم الزواج في ظرف كهذا يكون غصبا وقهرا.. وعلى كل الأحوال.. سواء تم تسمية الأمر زواجا أم لا.. فهو فدية لمنع المجرمين من ارتكاب الفاحشة. وهو أمر لا أتصور إنسانا عاديا طبيعيا يقبله.
3- كما يذكر الطبري والقرطبي، فإن القوم استغربوا العرض ولم يقبلوا به مراعاة للحقوق والأعراف. أليس معيبا أن يحكم المفسرون أن هؤلاء كانوا أكثر نخوة وشهامة من نبي الله، إذ يرفضون العرض مراعاة للعرف ولسنتهم المعتادة؟!
4- ليكن معلوما أن التفسير التقليدي هو الذي اعتمد على "الكتاب المقدس" بشكل أساسي مع بعض التهذيب. ففكرة أنه قد قدم بناته لقومه فداء هي فكرة الكتاب المقدس (التكوين 19: عدد 6-9).
5- إن الذين قالوا من المفسرين التقليديين أن المقصود بالبنات هو بنات القوم لم يستطيعوا أن يبينوا علة ذكر هذا الأمر في تلك المناسبة. وهذا ما عملت على توضيحه وربطه بسياقه.
الموضوع باختصار، هو أن التفسير الذي قدمتُه تغيب فيه فكرة ممارسة الفاحشة ومقايضتها تماما. بل القضية هي قضية اضطهاد لنبي وعمل على إخراجه بسبب ما يأمر به قومه من نصائح ومواعظ مضجرة ومملة بالنسبة لهم. أما التعريض بمسألة البنات وممارسة الفاحشة التي اعتادوا عليها، فقد كان من باب النهي المعتاد عن الفواحش والمعاصي. وكان تذكيره لهم بهذه المسألة أمرا معتادا هدفه أن تلين قلوبهم كي لا يعتدوا على ضيفه أو أن يلحقوا بهم الأذى. وعلى كل حال، فإن بعض النقاط في تفسيرنا تتوافق مع بعض النقاط في التفسير التقليدي.. ولكن الهجوم هو على النقاط الشاذة التي لا يمكن القبول بها. ولا نقول مطلقا أن كل ما ورد في التفسير التقليدي هو خطأ.. بل على العكس.. نحن نأخذ بكل ما لا نجد فيه شذوذا أو خطأ. فالتفسير التقليدي هو تراثنا الذي لا نتخلى عنه.
تميم أبو دقة
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8