loader
 

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، المرجو إعطاء تفسير شامل للآية التي تصف النساء بناقصات عقل و دين. شكرا جزيلا ، جزاكم الله خيرا

لم يوقِّر دين ولا أي شرع دنيوي المرأة كما وقَّرها الإسلام وكرَّمها واعتبرها شريكة الرجل وصاحبة ولاية وصاحبة استقلال، فكانت المرأة مصاحبة للرجل في كافة آيات القرآن المجيد في النواهي والأوامر ولا يوجد فرق إلا في قوامة الرجل على المرأة أي القيام برعايتها والاهتمام بأمورها والإنفاق عليها، أما من ناحية الأجر فهما متساويان ولا تذكر آية أجراً أو واجباً إلا وقرنت الذكر بالأنثى مع أن القرآن المجيد يقر بأن الخلية الأولى التي خلق منها زوجها كانت مؤنثة وبذلك تكون الأنثى في القرآن الكريم هي الأصل. بل أن القرآن المجيد جعل المرأة الصالحة قدوة للمؤمنين رجالاً ونساءاً وهي مريم عَلَيْهِٰا السَلام وأحلها مرتبة الصديقية وهو ما يطمح إليه كل مؤمن ومؤمنة في قمة سلّم المراتب الروحية. كما ضرب مثل المرأة السيئة للكافرين. وبذلك تكون المراة هي النواة الرئيسية في الإسلام

 

المرأة في السنّة العملية هي الفقيهة والمحدّثة والمرجع في أمور الدين وخير مثال على ذلك أُمّ المؤمنين عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهُا وأرْضاها التي أمرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أن نأخذ ثلثي ديننا عنها وكانت بحق أعظم مرجع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بل وكانت هي الحكم في الكثير من القضايا والمسائل الخلافية فكان رأيها محل احترام وتبجيل عند كبار الصحابة والخلفاء.

 

من الواضح أن لا دين ولا نظام أعطى المرأة حقوقا وواجبات مثل الرجل كالإسلام.

 

أما حديث ناقصات عقل ودين فهي زيادة في الحديث من رواية أبي سعيد الخدري لأن رواية جابر أقوى وأوثق وهي الأصل ولم يرد بها هذا اللفظ، وعلى افتراض صحة الرواية بهذه الصيغة فهي تخص فئة من النساء وليس على وجه العموم حسب سياق الحديث الذي يتكلم عن أمر النساء بالتصدق وليس الحط من شأنهن حيث نرى أغلب أهل الحديث يحملون ذلك بأسلوب أو بآخر يبتعد عن الإساءة للمرأة. فهذا اللفظ ساقط ولم يصح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كما أن القائلين به لا يسيئون للمرأة من خلاله وبذلك فالاستدلال به على الحط من قيمة المراة في الإسلام أمر لا قيمة له إذا كان في الأصل زيادة لم ترد في الحديث الأصلي إضافة إلى عدم أخذ من قال به من المسلمين بما يعتقده أعداء الإسلام.

 

وهكذا فالحديث صحيح في طرقه ولكن عبارة "ناقصات عقل ودين" لا تصح لآن الله تعالى أمرنا أن نعرض الحديث الذي يتناقله الناس جيلا بعد جيل ولا يسلم من الزيادة والنقصان على القرآن الكريم شرط الموافقة. وهذه العبارة تعارض القرآن الكريم الذي ساوى بين الذكر والأنثى في الحقوق والواجبات مع اختلاف الدور. ولكن مع افتراض صحة هذه العبارة، فهي لا تسيء إلى المرأة على الإطلاق، بل هي وصف فقط لطبيعة البشر المختلفة، حيث تتمتع المرأة بطبيعة ومزايا مختلفة عن الرجل، فتنقص وتزيد بحسب طبيعة الإنسان، والمهم أنه وصف لطيف للتعبير عن هذه الطبيعة التي لا تعني أي إساءة من جهة، حيث يشرح النبي ﷺ بنفسه معنى العبارة في ذات الحديث أنه للشهادة التي تعادل نصف شهادة الرجل ولترك الفرائض، وكل هذه ليس للمرأة فيها ذنب لأنها طبيعتها التي خلقها الله تعالى لرعاية المرأة والتخفيف عنها وجعْل الرجل قائماً على خدمتها ولم يُفرض عليها العمل ولا الإنفاق من مالها وغير ذلك من خصوصيات تراعي مقامها، فكانت العبارة هذه في الحديث نوعاً من الملاطفة والتعليم. وكل ذلك يشرحه نفس الحديث عند سؤال المرأة الحكيمة كما يلي:

 

"عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ». قَالَتْ: يا رسول الله وما نقصانُ العقلِ والدِّينِ؟ قَالَ: «أما نُقصانُ العقلِ فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصانُ العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلّي، وتُفطرِ في رمضان، فهذا نقصانُ الدين». (صحيح مُسْلِم)

 

والجزلة في اللغة أي المرأة الحكيمة.

 

وقد طُرِح هذا السؤال عند خليفة المسيح الرابع رحمه الله فأجاب حضرته:

 

"يجب أن نتحرى أولًا صحة هذا الحديث، ولكن إذا سلمنا بصحة ما قيل، فإننا نرى أن في النساء بعض النواقص بسلوكهن، بينما هن من نواحٍ أخرى ذكيات وفطنات حتى أكثر من الرجال، فالسيدة عائشة (رضي الله عنها) امرأة وقد علمت المسلمين في جميع أرجاء العالم نصف دينهم، لذا يجب أن لا يساء تفسير هذا الحديث. هناك بعض الميول عند النساء التي أعتبرها من النواقص، على سبيل المثال الغيبة، فعندما يجتمعن -على الأقل يحدث هذا في بلادنا إن لم يكن في غالبية أرجاء العالم- فإنهن يتحدثن عن أشياء تافهة كالموضة والملابس وعن جمال هذا أو ذاك وعن أخطاء الآخرين وما شابه من هذه الأمور، فالنساء يملن إلى الانغماس في اللغو، بينما عندما يجتمع الرجال مع بعضهم فإنهم غالبًا ما يتحدثون في أمورٍ جدية، رغم أن بعض الفاسدين من الرجال ينغمسون في أحاديث قذرة أيضًا، لكني لا أتكلم هنا عن نوعية الحديث وإنما حول الميل نحو أحاديث اللغو. وهناك أيضًا الانخراط في المشاجرات بسرعة أو الشعور بالغيرة من الآخرين، فهذه العادات القليلة في المرأة قد ناقشها الأدب العالمي أيضًا، وهناك العديد من النساء اللواتي ينأين بأنفسهن عن هذه العادات بالطبع، ولكن الرأي العام في العالم، إذا اطلعت على الأدب، ستجد أن المرأة تميل بصورةٍ ما إلى بعض العادات التافهة، ولكن هذا لا يعني أن الإسلام يدين المرأة، عليكم أن تقرأوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لتعرفوا ما هو موقف الإسلام الحقيقي من المرأة، فقد قال رسول اله الله صلى الله عليه وسلم في موضع: «الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الأُمَّهَاتِ»، فإذا كانت خدمة المرأة وطاعتها تفضيان بك إلى دخول الجنة فأنّى لنا أن نقول أنهن ناقصات عقل؟ ولو كن ناقصات عقلٍ لما تمكنّ من توجيهكم إلى درب الخلاص من الذنوب وأخذكم في طريق الجنة! 
 

كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة". فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يُحب النساء فهل يمكن لحضرته أن يحب من تنقصها الحكمة وهو أحكم من على وجه البسيطة؟!
 

ولهذا يجب علينا فهم هذا الحديث فربما قد كان تعليقًا على موقف معين يتطلب الشدة، فأحيانًا بعض النساء يتحدثن بكثرة أو يتشاجرن مع بعضهن بعضًا، فيتناول أحدهم الموضوع بجدية لتذكيرهن جديةً بخطأهن. فبالله عليك لا تأخذ موضوع "ناقصات عقل" بهذه الجدية فالأمر مختلف عما ذهبت إليه، وأعتقد أن رسول صلى الله عليه وسلم قد ذكر ذلك في وضعٍ كهذا.
 

وقد ورد في موضِعٍ آخر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّهنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلع أعلاه، فإنْ ذَهبتَ تُقِيمه كَسَرْتَه، وإنْ تركْتَه لم يزلْ أعوج، فاستوصُوا بالنِّساء) أي عليك أن لا تقيّم هذا الاعوجاج فهناك جمالٌ كامنٌ فيه، كما أن الضلع يغطي أكثر الأعضاء حيوية في جسم الإنسان، لذا فهذا الحديث مليء بالحكمة وهو يعني أن للمرأة سلوكٌ مختلف وهو جميل أيضًا وضعيف لكنه مهم جداً لك فلا تحاول تقييمه، فهذا النوع من الأمور التي تندرج تحت "ناقصات العقل" ليس سيئًا على الإطلاق، فالمرأة تتخذ أسلوبًا معينًا من التدلل فترفض أحيانًا متدللة من يتقدم لخطبتها بينما تكون راغبة بالزواج منه، فهناك سمات لا نجدها عند الرجل وهو مختلف في طباعه عن المرأة بالطبع وهناك الكثير من هذه الأمور الصغيرة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن غير الممكن أبدًا أن يُسيءَ حضرته إلى جنسٍ معين، هذا أمرٌ مستحيل لأنه طوال حياته قد عامل المرأة أحسن معاملة فكيف يعقل أن يسيء إليها فجأة؟ مهما كان ما قاله فلا بد أنه قاله بصورة مفعمة بالحب واللطف لإيصال رسالة للرجال بأن لا يعاملوا النساء بقسوة فهن قد خلقن هكذا." (من جلسة أسئلة وأجوبة مع خليفة المسيح الرابع رحمه الله في مسجد الفضل في لندن بتاريخ 42-06-1991)

 


 

خطب الجمعة الأخيرة