السلام عليكم و رحمة الله،
يقول الله تعالى :
<وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ، فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ، هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ>
هناك فرق كبير بين تفسير الجماعة الإسلامية الأحمدية لهذه الآية و غيرها من التفاسير التقليدية.
فقد ورد في تفسير الجلالين :
<ولقد فتنا سليمان ابتليناه بسلب ملكه وذلك لتزوجه بامرأة هواها وكانت تعبد الصنم في داره من غير علمه وكان ملكه في خاتمه فنزعه مرة عند إرادة الخلاء ووضعه عند امرأته المسماة بالأمينة على عادته فجاءها جني في صورة سليمان فأخذه منها وألقينا على كرسيه جسدا هو ذلك الجني وهو صخر أو غيره جلس على كرسي سليمان وعكفت عليه الطير وغيرها فخرج سليمان في غير هيئته فرآه على كرسيه وقال للناس أنا سليمان فأنكروه ثم أناب رجع سليمان إلى ملكه بعد أيام بأن وصل إلى الخاتم فلبسه وجلس على كرسيه"
و الواضح أن هذه الآيات ما يلي :
أولا : هذه الآيات لا تؤنب سليمان عليه السلام بل وردت في سياق الثناء عليه عليه السلام حيث ذكر الله تعالى هذا النبي الكريم قبلها ببضع آيات قائلا : "وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ".
ثانيا : لا ذكر لزواج سليمان عليه السلام بامرأة كافرة تعبد الأصنام.
ثالثا : لا ذكر قصة سرقة الخاتم من طرف الجني.
أما تفسيرنا المعتمد لهذه الآية فهو بكل بساطة كالتالي :
لقد ذكر الله تعالى قصة هذه المملكة العظيمة التي جعلها الله تعالى تحت حكم داوود عليه السلام، و الذي وهبه الله القوة و الحكمة و فصل الخطاب، ثم أنعم عليه و على مملكته بعبد كثير العبادة أواب للحق و هو سلميان عليه السلام. لكن الله تعالى أنبأ سلميان عليه السلام عن طريق الرؤيا بأن نسله لن يكون من مقامه، بل سيكون إبنا مفتقرا للروحانية جسدا لا روح فيه، وهذا هو المقصود بقوله تعالى : "أَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا".
ففهم سليمان عليه السلام بأن ملكه سيضيع على يد إبنه، فاستغفر الله تعالى و أناب إليه، و رضي بقضاءه، و دعا الله أنه إن كان لا بد لهذه المملكة من الإنهيارفي نهاية المطاف، -دعاه تعالى- أن يظهر على يده وفي حياته كل مظاهر القوة والتقدم والعظمة و أن يرزقه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده و خصوصا هذا الإبن الضال الذي قد يستغل هذه القوة في غير محلها. فاستجاب له الله تعالى و سخر له الريح التي بفضلها تطورت الملاحة البحرية في زمانه حتى جابت سفن مملكته أقطارا كثيرة من الشام إلى اليمن و الهند و إفريقيا. كما سخر له الله تعالى خصومه و أعداءه ممن كانوا يحيكون المكائد ضده، فاشتغلوا في تطوير الصناعة و البناء و الغوص لاستخراج جواهر البحر.