loader
 

السؤال: السلام على من اتبع الهدى
رأيت انه مكتوب في التفسير الكبير ان سيدنا نوح لم يعش ١٠٠٠ سنة بل كان المقصود ان شريعته عاشت الف سنة ، ولكننا نرى في كلام المؤسس شيءاً مناقض لهذه الفكرة
وهذا هو النص من الملفوظات
الأهم في الموضوع أن تكون العاقبة حسنة. سأل أحدٌ نوحا عليه السلام : لقد عشتَ في الدنيا قرابة ألف عام فأخبِرنا ماذا رأيتَ هنالك؟ قال نوح عليه السلام : ما توصلتُ إليه هو كأني دخلتُ من باب وخرجتُ من باب آخر. فالعمر بحد ذاته لا يهم سواء أكان قصيرا أم طويلا، بل يجب أن تكون العاقبة حسنة.
فكيف تفسرون هذا التناقض ؟

 

ليس هنالك أي تنقاض، فكلام المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام لم يكن في سياق تفسير آية بل ذِكْر عبرة من قول أو حكاية تتردد بين الناس فقط لموائمة سياق ذلك، بينما قول المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جاء في تفسير آية في القُرآن الكَرِيم حول طول عمر الإنسان، وللمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام أيضا كلام مفصل في سياق التفسير كما سنرى إنْ شٰاءَ اللهُ تعالى. 

 

بداية يقول المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حول عمر سيدنا نوح عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:

 

"لقد ذكر الله هنا إبراهيم عَلَيهِ السَلام بعد نوح عليهما السلام وذلك لأنه كان من أمة نوح، لقوله تعالى في موضع آخر {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} (الصافات:84) .. أي كان إبراهيم من أتباع نوح. وقد تبين من ذلك أن زمن نوح عَلَيهِ السَلام كان ممتدًا إلى زمن إبراهيم، وبالتالي فلا يعني قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} أن نوحاً عاش في قومه هذه المدة بجسده، بل المراد أن شريعته ظلت نبراسًا للناس في تلك الفترة التي تمتد إلى زمن إبراهيم وموسى؛ وهكذا كان عمره الروحاني تسع مئة وخمسين عامًا." (التفسير الكبير، سورة العنكبوت)

 

يفهم القارئ اللبيب من ذلك أن الكلام له سياق وليس دوماً لغرض التفسير، أي أن قول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حول نوح عَلَيهِ السَلام لم يكن في سياق التفسير وكم عدد السنوات التي عاشها بل في سياق العبرة من الحياة والموت طالت الحياة أم قصرت. فيدخل في ذلك عدد من الاعتبارات منها كما قلنا آنفا أن السياق ليس في التفسير ومنها أن الله تعالى لا يُطلع النبي على كل شيء بل ما يخص دعوته فقط، وتبقى القصص للاستئناس بها في سياقات مختلفة وليس الغرض منها التفسير، وما كان للتفسير فيقوله النبي في موضع آخر. الدليل على ذلك أن التفسير الحقيقي الذي قدّمه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لطول عمر الإنسان هو أن الإنسان لا يعيش أكثر مما هو متعارف عليه وأن الشيخوخة التي نعرفها جميعاً والتي هي فوق المائة والعشرين مما يتحمل عيشه الإنسان كحد أقصى تكون تنكيساً في الخلق والعقل، حيث يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في تفسير الآية من سورة النحل:

 

"{وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا}. أيْ؛ يا بني آدم أنتم حزبان، فمنكم من يموت قبل الشيخوخة أيْ لا يصل إلى سن متقدم جدا ليصبح شيخا فانيا، بل يموت قبل تلك المرحلة؛ ومنكم حزب آخر يصل أصحابه إلى مرحلة الشيخوخة؛ أي يصابون بحالة أرذل العمر المقرفة والمنفّرة، فيصبحون كطفل عديم الفهم مع كونهم من العلماء والعاقلين، وينسون في لمح البصر كل ما تعلّموه مدى العمر. فما دام الله تعالى قد قسم بني آدم إلى حزبينِ فقط من حيث أسلوب الحياة، فلا يمكن أن يبقى المسيح ابن مريم خارجا عن أحد هذين القسمين مثل بقية البشر. علما أن هذا ليس قانون المشرعين الدنيويين حتى يقدر أحد من الناس على ردِّه، وإنما هي سنَّة الله التي بيّنها الله جلَّ شأنُه بنفسه بصراحة تامة. فمن منطلق هذا التقسيم الإلهي يجب أن ينطبق على المسيح عَلَيهِ السَلام إما مبدأ: [مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى] فيكون الآن جالسا بعد الموت في جنة الخلد على عرشٍ ذكره بنفسه في الإنجيل. أو إذا لم يمت إلى الآن فلا بد أن يكون قد بلغ أرذل العمر بتأثير الزمن، وبذلك فإن وجوده أو عدمه سيّان بسبب حدوث الاختلال في حواسه." (إزالة الأوهام)

 

ويقول عَلَيهِ السَلام:

 

"يقول الله تعالى في هذه الآية إن سنة الله جاريةٌ فيكم بطريقتين اثنتين فقط؛ يموت بعضكم قبل وصوله إلى العمر الطبيعي، والآخرون يَصلون إلى الأجل الطبيعي، إذ يُرَدُّون إلى أرذل العمر كيْ لا يعلموا من بعد علم شيئا. إن هذه الآية أيضا تدل على موت المسيح ابن مريم لأنها تبرهن أن الإنسان لو قُدِّر له عمر طويل، لطالت حياته يوما بعد يوم حتى يبلغ أرذل العمر، فيغدو جاهلا مثل طفل صغير، ثم يموت." (إزالة الأوهام، ص608 - 609)

*

ويضع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حداً قاطعاً للقول بحياة الإنسان لمئات السنين فَيَقُول:

 

"من المسلَّم به لدى الفريقين أن سنة الله ﷻ الجارية عموما هي أن يموت كل إنسان في غضون مدة العمر الطبيعي المحدد للإنسان. وهذا ما بينه الله تعالى أيضا في آيات عديدة في القرآن الكريم كما يقول: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا}. أي تطرأ عليكم حالتان اثنتان فقط، أُولاهما أن بعضكم يموتون قبل الهرم، والبعض يبلغون إلى أرذل العمر فلا يعلمون من بعد علمهم شيئا. الآن، لو أُعلن عن أحد أنه قد مضت عليه مدة عدة مئات من السنين أكثر من العمر الطبيعي ولكنه لم يمت ولم يبلغ أرذل العمر ولم يؤثر فيه امتداد الدهر قيد ذرة، فالمعلوم أن مسؤولية إثبات كل هذه الأمور تقع على الذي يدّعيها أو يعتنق هذه العقيدة لأن القرآن الكريم لم يذكر عن الإنسان قط أن بعض الناس ينالون عمرا أطول بمئات ضعف العمر الطبيعي، ولا يردّهم الدهر إلى أرذل العمر نتيجة تأثيره فيهم ولا يجعلهم مصداقا لـ "ننكّسه في الخلق". فلما كان هذا الاعتقاد يخالف تماما تعليم سيدنا ومولانا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالذي يدّعي هذا الاعتقاد تقع عليه مسؤولية الإثبات. فالموت في أثناء العمر الطبيعي بحسب تعليم القرآن الكريم، وحدوث التغيرات المختلفة في مراحل العمر المختلفة بسبب تأثير الدهر لدرجة الوصول إلى أرذل العمر بشرط البقاء على قيد الحياة أمر طبيعي وحقيقي يلازم طبيعة الإنسان، والقرآن الكريم زاخر بهذا البيان." (الحق دلهي، ص30 - 31)

 

وبهذا ينفي المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وصول الإنسان إلى مئات السنين من العمر حتى أن العمر الطبيعي الذي يشيخ فيه الإنسان كما هو معروف لدرجة طاعنة أي فوق المئة والعشرين يكون أرذل العمر وسبباً للتنكيس في الخلق مما لا ينبغي للأنبياء خاصة ومنهم سيدنا نوح عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام. وهكذا نفهم قول المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام من خلال جمع النصوص في مسألة عمر الإنسان، ويرتفع أي تناقض مزعوم من ذهن الباحث الفطين.

 


 

خطب الجمعة الأخيرة