loader
 

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ارجو منكم إجابة واضحة على قتل المرتد هناك حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (من بدل دينه فأقتلوه، أمرت أن اقتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله ) هل الحديث صحيح ام لا؟ إن كان صحيح ارجو منكم التفسير الحقيقي للحديث
وجزاكم الله خير.

روى الأمامُ البخاريُّ هذا الحديث "مَـن بـدّل ديـنـه فـاقـتـلـوه" في صحيحه عن عكرمة، ولم يخرجه الإمام مُسْلِمٌ في صحيحه، ولذلك فإن هذا الحديث مختلف عليه بين الإمامين البخاري ومسلم رحمهما الله، ولكن الاتّفاق التامّ الكامل بين الإمامين رحمهما الله لا يتزعزع على النص القطعي، أي القرآن الكريم. وبفرض صحّة هذا الحديث فان لمعناه ثلاثة وجوه، الأول هو الخيانة والخروج على النظام والأمن. فقََدْ ورَدَ إطلاقُ وصف (الكفر) أو (تبديل الدين) على الخيانة والخروج على النظام والأمن وإعلان الحرابة والعدوان ورَدَ في مواضع عديدة من الكتاب والسنة، ومثاله مارواه الصحابي أبو هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عند وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم واستخلاف أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وارتداد العرب حيث خاطبه عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما بقوله:

 

"يا أبا بكر، كيف تُٰقاتلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَّسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم «أُمرتُ أنْ أقاتلَ النَّاسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قَالَ لا إله إلا الله عَصمَ منّي مالَه ونفسَه إلا بحقّه وحسابُه على الله." (صحيح البخاري، 6/2538)

 

أما تضعيف عكرمة مولى ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فلا يصح عندنا في الجماعة الإسلامية الأحمدية إذ وثّقه الخليفة الأول للمسيح نور الدين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وقال بأننا نعتبر التابعين ومنهم عكرمة رحمه الله من الصفوة الأبرار وننظر له ولهم بعين الحب والتوقير (انظر كتاب "نور الدين"، ص 67). وللعلم فهذا الكتاب نُشر في حياة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام.

 

أما الحديث الآخر في قتل المرتد فهو من طريق ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال:

 

«لا يحلُّ دم امرئ مُسْلِمٍ يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة." (متفق عليه)

 

المفارقة لجماعة المسلمين أي بالمحاربة أو البغي أو قطع الطريق، وهي التي تشرح معنى التارك للدين الوارد قبلها. فهذا البغي والعدوان والحرابة يتم بالقتل والاختطاف والتربص للأذى، وهذا فساد في الأرض عظيم.

 

وقد فسّرت أُمّ المؤمنين عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهُا هذا الحديث كما يلي:

 

"حدثنا أبو بكر قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن أبي معشر، عن مسروق، عن عائشة  ؓ قالت: «ما حل دم أحد من أهل هذه القبلة إلا من استحل ثلاثة أشياء: قتل النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق جماعة المسلمين أو الخارج من جماعة المسلمين»." (مصنف ابن أبي شيبة، 6/428)

 

إذن كان سبب قتال هؤلاء عند الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ليس الكفر بالدِّين أي تغيير العقيدة وإنما الخيانة والبغي والخروج على الدولة والعدوان مع أنهم كانوا ينتمون إلى الإسلام، وإلا ما شكَّ عمرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لحظة في وجوب قتالهم.

 

والمثال الثاني على استخدام مصطلح (الكفر) بمعنى الخروج على نظام الدولة ومنع الزكاة ونحو ذلك ما رواه الإمامُ الطَّبرانيُّ بسند صحيح كما يلي:

 

"لما قُدم بالأَشعث بن قيس ٍأسيراً على أبي بكر الصدّيق رَضِيَ الله عنه أطلق وثاقه وزوّجه أخته، فاخترط سيفه، ودخل َسوق الإِبل، فجعل لا يرى جملاً ولا ناقةً إلا عرقبه، وصاح الناس: كفر الأَشعث!، فلما فرغَ، طرح سيفه وقَالَ: إني والله ما كفرت، وَلَكِنْ زوّجني هذا الرجلُ أخته، ولو كُنا في بلادنا كانت لنا وليمةٌ غير هذه، يا أَهْلَ المدينة، انحروا وكُلُوا، ويا أصحاب الإِبل، تعالوا خذوا شرواها." (المعجم الكبير، الطبراني، 1/284)

 

فعلى الرغم من أنَّ الرجل لم يترك دين الإسلام وعقيدته ولكن وصفَ النَّاسُ فِعله الذي قام به من نحر الإبل ونحوه بأنه (كفر) أي العدوان على أملاك الناس والخروج على حكومة الصدّيق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 

والوجه الثاني لمعنى الحديث هو (مَن استبدلَ الْحَقَّ بالباطل فاقتلوا باطله بالبراهين والحجة إذا كان لديه ما يستحق النقاش وإلا فقتله يكون بإهماله وعدم إعطائه أهمية لا يستحقها). والدليل على ذلك -فوق مخالفته صريح القرآن وقطعيّه مما ينص على عدم الإكراه لمن ارتدَّ- هو ما أُسند لعيسى عَلَيهِ السَلام من قتل للدجال أي قتل حجته بالحجة لقوله ﷺ: "فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولستُ فيكم فامرؤ حجيج نفسه." ولم يقل ﷺ فأنا قاتِله بهذا السيف.

 

لقد أشار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لقتل الدجال وكسر صليبه بكسر حجته بالحجة أي تفنيد باطله، فالقتل المعنوي أمضى من إزهاق الأنفس التي تنتج أنفساً أخرى تعيد الحياة لما مضى، والدجال هو الرفقة العظيمة تغطي الأرض كما في كتب اللغة ليطمس الحق بالباطل كما تطلى الدابة بغير لونها للتدجيل والكذب على الناظرين.

 

فما كان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ليأمر بقتل الدجال قتلاً معنوياً فيما يأمر بمن وقع في فخه أن يُقتَل قتلاً مادياً، وما كان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يخالف ما أنزل إليه من ربّه تبارك وتعالى.

 

ولمّا كان قتل الدجال قتلاً معنوياً بالبراهين الأحمدية لا قتلاً مادياً بالمُدى المادية فكذلك قتل المرتد لا يكون إلا قتلاً للحجة بالبرهان ومقابلة الحجة بالحجة، ذلك إن أراد نصحاً أو ابتغى حربا، فإن بدّل دينه واكتفى وما فارق جمعاً وجفى ولم يعد برمي الباطل ليدحض به الحق فإننا لا نقول له إلا كما علّمنا ربّنا تعالى: لكم دينكم ولي دين.فيُترك ويُهمَل إذا كان فاقداً للحجة والعقل. وهذا هو الوجه الثالث لمعنى الحديث.

 

وهكذا فالوجه الثالث لمعنى هذا الحديث هو القتل المجازي أي تَرْك المرتد غير المحارب والقاصر عقلاً وحجة كما يُترك الميت فتموت دعوته معه. وهذا المعنى الذي فهمه السلف الصالح ومنهم العلّامة ابن الأثير رحمه الله الذي أورد في كتابه "نهاية غريب الحديث والأثر" ما يلي:

 

"وَفِي رِوَايَةٍ «إِنَّ عُمَرَ قَالَ يَوْمَ السَّقِيفة: اقْتلوا سَعْدًا قَتَلَه اللَّهُ»، أَيِ اجْعلوه كَمَنْ قُتِل واحْسُبُوه فِي عِداد مَن مَاتَ وَهَلَكَ، وَلَا تَعْتَدّوا بمَشْهَدِه وَلَا تُعَرِّجُوا عَلَى قَوْلِهِ.

 

وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ أَيْضًا: «مَن دَعا إِلَى إِمَارَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فاقْتُلوه»، أَيِ اجْعَلَوه كَمَنْ قُتِلَ وَمَاتَ، بِأَنْ لَا تَقْبلوا لَهُ قَوْلاً وَلَا تُقِيموا لَهُ دَعوة.

 

وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: «إِذَا بُويِع لخَلِيفَتين فاقْتُلوا الآخِرَ مِنْهُمَا»، أَيْ أبْطِلوا دَعْوَته واجْعَلوه كَمَنْ مَاتَ.” (النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، باب القاف والتاء، تحت قتل)

 

الخلاصة إذن هي إنَّ الحديث بمعانيه المنسجمة مع القُرآن الكَرِيم لا علاقة له بقتل المرتد بالمعنى المعاصر أي الذي يغير عقيدته بأخرى ولا يعلن الحرب على المسلمين المسالمين بل يشمل القتل المادي للمعتدين في الحرب، وإهمال المتنطعين منهم ومقارعة صاحب الحجة بحجةٍ خير منها ليصبح الحديث على فرض صحته خادماً للقُرآن الكَرِيم.

فخلاصة الكلام : لا قتل ماديا للمرتد عن الدين الإسلامي إن كان مكتفيا بالارتداد نفسه ، إذ لا إكراه في الدين، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؛ ولم يأمرنا القرآن الكريم إلا بقتال المحاربين المعتدين فقط. أما المسالمين من المرتدين عن الدين الإسلامي أو غير المسلمين فلا قتال ضدهم ، حيث يقول القرآن الكريم : {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (62) } (الأَنْفال 62).

 

 

 


 

خطب الجمعة الأخيرة