loader
 

السؤال: بعض الإخوة المسيحيين يقولون أن القرآن لم يأتي به محمد صلى الله عليه وسلم كله و ذلك بلجوئهم للحديث أسفله، فما ردكم؟

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ ‏{‏وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى‏}‏ وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ‏.‏ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ‏.‏ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ‏.‏

الواقع أنّ سيدنا عمر رضي الله عنه كان يقترح على رسول الله ﷺ مسائل محددة ومعدودة ثم يشاء الله أن ينزل الوحي موافقا لرأيه ومشورته ولذلك سميت تلك المناسبات المعدودة التي نزل فيها الوحي "الموافقات العمرية". ولذلك قال النبي ﷺ عن هذا الصحابي الجليل : {إن الله جَعَلَ الحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ} رواه أحمد في المسند

الحق أنّ هذه الموافقات تَدُلُّ على فَضْلِ ومنزلةِ وفراسة عمر رضي الله عنه الروحانية، بحيثُ كان رأيه موافقا للمشيئة الالهية في مناسبات خاصة،هذا من جهة ومن جهة أخرى يدل على مكانة صحب النبي صلى الله عليه وسلم و تصبغهم  بأنوار الفيوض القدسية للنبي ﷺ المنعكسة عليهم حتى صاروا مؤيدين من الله سبحانه وتعالى بآيات مشهودة تجلي رضى الله عنهم .. هذه المكانة العالية التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن عمر:

{ لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ} (أخرجه احمد والحاكم والطبراني) مما اضطر ببعض شرّاح الحديث أن استنبطوا منه فضل عمر وخصاله المباركة ومنه قولهم :

{فيهِ إِبَانَةٌ عَنْ فَضْلِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِعُمَرَ مِنْ أَوْصَافِ الْأَنْبِيَاءِ وَخِلَالِ الْمُرْسَلِينَ} (تحفة الأحوذي)

أما سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام فيقول عن عظمة عمر ومكانته:

{ لا شك أنكم تعرفون عظمة مكانة عمر رضي الله عنه بين الصحابة، لدرجة أنّ رأيه كان يوافق نزول القرآن في بعض الأحيان. ولقد ورد في حقه في الحديث أيضا أن الشيطان يفرُّ من ظلّه، وورد أيضا "لو كان بعدي نبي لكان عمر".، وجاء في حديث ثالث: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدّثون فإن يك في أمتي أحد فعمر"} كتاب (إزالة الأوهام ص232)

 

رد شبهة النصارى:

 فاحتجاج النصارى  برواية موافقات عمر لاتهام النبي ﷺ  أنه أخذ من كلامه ليثبته في القرآن ادّعاء أخرق يدل على جهلهم وتهافتهم وحمقهم، إذ لو كان النبي صلى الله عليه وسلم في مورد هذا الاتهام لسبق إليه المشركون والكفار وهو ما لم يحصل منهم في زمن النزول والوحي . ثم إن  نزول الوحي القرآني كان أسبق زمنيا لإسلام عمر ابن الخطاب، فكيف يعزى إليه كتابة الوحي أو يكون فيه من كلام عمر أو غيره من البشر.. والحق أنّ هذا الذي يتهم به قسس التنصير وأشباههم القرآن العظيم والنبي ﷺ  إنما يرتد على أناجيلهم اليونانية التي خالطها كلام البشر من نساخ وترجمات كما  استعارت كتبهم من كلام فلاسفة أهل اليونان وشعرائهم الوثنيين وفق ما أثبت نقاد العهد الجديد واعترف به شراح الكتاب المقدس أنفسهم ،ومع هذا كله يزعمون أن تلك الأناجيل والرسائل كتبت بتأييد وموافقة الروح القدس وموحى بها من الله! وفق ما هو مكتوب في رسالة (تيموثاوس الثانية 3: 16) التي قال فيها بولس: {كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البرّ}

ولعمري كيف للروح القدس الذي يعتقدون بألوهيته أن يلهم ويؤيد لسان بولس بأقوال الفلاسفة اليونانين وأشعار الوثنيين بدلا عن كلامه!.. وعلى سبيل المثال فقد استعار بولس في رسائله التي تعتبر لدى النصارى جزءا أصيلا معتبرا من العهد الجديد فقرات من شعر الوثنيين الكريتيين وفلاسفتهم كما في (أعمال الرسل17 : 28)و (تيطس 1: 12) و (كورنثوس1: 15: 33) ولذلك حري بهؤلاء الطاعنين في القرآن الكريم أن ينظروا ما في كتبهم من كلام بشري لا يرقى ليكون وحيا الهيا مقدسا خالصا ولذلك أَدانَ الله تعالى أهل الكتاب على تحريفاتهم وتبديلاتهم المختلفة لكتبهم و الممتدة تاريخيا حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليبكّتهم تبكيتا:

{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } (البقرة:80)
أما النبي ﷺ فلا يتصرف في الوحي النازل عليه ولا ينصاع لإملاء أحد فيه وقد رَدَّ  الله تعالى على مطالب الكفار تغييرَ القرآنِ أَو تَبديلَه باستحالة تصرّف النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي هذا يقول الله تعالى:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } (يونس:17-18)

و لنعم ما أنشد سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في نعت القرآن الكريم وفضله على كتب النصارى في هذه الأبيات  :

ترى صورة الرحمن في خِدر سُوَره    فهل من بصيرٍ بالتدبّر ينظرُ

تراءى  لنا  الحقُّ  المبينُ  بقوله        وآياتُه  دررٌ  ومسكٌ وأذفرُ

قل الآن هل في كتبكم مثل نوره     وفكّر ولا تعجل ونحنُ نُذكِّرُ

 

 

 


 

خطب الجمعة الأخيرة