السؤال: ما ردكم على قضية نحل الشعر الجاهلي. اسالكم لانني لاحظت في بعض تفاسير التفسير الكبير للخليفة الثاني اعتماده على بعض اثبات تفاسيره ببعض ابيات الشعر الجاهلي لغة ومعنى ...والذي يقولون انه كتب ودون بعد الاسلام والبعض يقول انه كتب لخدمة القران الكريم.
كيف نناقش هؤلاء الذين يقولون انه لا نستطيع الحكم على صحة القران لغةً لان اللغة دونت بعده وبالتالي كرست لصالح القران.
كيف ننفي المعنى الخرافي مثلا للاية(ترميهم بحجارة من سجيل)
ونقول ان حرف ب اتى هنا بمعنى على ونستشهد ببيت شعر جاهلي.
لن يقبل المنكر ان نحكم على القران بالقران او بأبيات او لغة دونت بعده.
فكيف.
اتمنى ان يتسع صدركم وتساعدونا في تقديم اجابات منطقية نجيب بها على المنكرين ونحاججهم.
خصوصا ان المسيح الموعود حرًص على مناقشة المنكرين.
واقولها بكل صراحة بدون لغة عربية تكون حكم على القران سوف تكون حجتنا ضعيفة.
قال تعالى:
{بِلِسَانٍ عَرَبِیࣲّ مُّبِینࣲ} الشعراء:196،
{إِنَّاۤ أَنزَلۡنَـٰهُ قُرۡءَ ٰ نًا عَرَبِیّا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} يوسف:3
{كِتَـٰبࣱ فُصِّلَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا لِّقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ} فصلت:4
ويلزم منه أنه بلسان العرب وما يعرفونه من جهة بيانهم ولغاتهم زمن نزوله حيث تحداهم وأعجزهم من حيث دقة النظم والبلاغة التي تكتنز ذخائر المعارف الإلهية والأخبار الغيبية والأحكام الشرعية..
والزعم أن الشعر الجاهلي منحول كله ولا تقوم به حجة في فهم بيان العربية وتراكيبها وبلاغتها كما يزعم البعض هو تخليط وتغرير، والحق أن المنحول من الشعر الجاهلي معدود معروف ولم يكن النقاد القدامى عنه غافلين ممن كذّبوا الوضاعين ووثقوا الشعر الذي تناقلته ألسن العرب بالتواتر اللفظي الشفهي سواء في المعلقات أو غيرها..
يجب التنويه أن أول من روّج لفكرة استحالة اثبات اعجاز القرآن اللغوي من حيث اللغة هم المستشرقون في آواخر القرن 18 حيث أثاروا شبهة انتحال الشعر الجاهلي للتشكيك في لسان القرآن الكريم وكان رد فعلهم هذا تصيدا للتفاسير التي أسرفت في ايراد الشعر في تفسير دلالة المفردات والبيان والنحو دون تمييز، ومن هؤلاء الناقدين المستشرق الألماني(نولدكه) و(موير) .. حيث خصصوا كتابات ومقالات في نقد الشعر الجاهلي ورموه بالانتحال وقد سار على مسلكهم في ترويج فكرتهم في العصر الحديث الأديب "طه حسين" كما في كتابه {في الشعر الجاهلي} ..
والحق أن المعرفة بلسان من نزل في وقتهم القرآن الكريم من الأدوات التي تساعد في فهم البيان العربي وأساليبه وأصالة المفردات الغريبة ويستأنس بالشواهد في مواضع عند الحاجة إلى أمثلة ايراد استعمال مفردات غريب ألفاظ القرآن ومعناها وتراكيب اللغة ممن نزل القرآن في عصرهم وبلسانهم، فقد ورد في الأثر أن سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال: {أيها الناس تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم، فإن فيه تفسير كتابكم} (الموافقات للشاطبي).وكان حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه ، قد استدل على فهم معاني بعض ألفاظ القرآن الكريم بالشعر الجاهلي كما رواه عكرمة:
{ما سمعت ابن عباس فسّر آية من كتاب الله عَزَّوَجَلَّ إلا نزع فيها بيتًا من الشعر، وكان يقول: إذا أعياكم تفسير آية من كتاب الله فاطلبوه في الشعر، فإنه ديوان العرب} (شرح ديوان الحماسة للتبريزي).
أما ما استشهد به سيدنا الخليفة الثاني رضي الله عنه فلم يكن سوى لبيان مفهوم بعض الكلمات التي قد يعتبرها البعض غريبة وإثباتا لأصالتها وأوجه معانيها في البيان العربي القديم بما لم تشذ فيه كلمات ومفردات القرآن الكريم عن مفهوم متداول أو نقلا مما ذكره الراغب الأصفهاني في المفردات.. ولو قارنا بين ما استشهد به رضي الله عنه مع نذرته وضمن سياق ايراد المعنى مع ما اعتمده أهل التفسير من ايراد عدد الأبيات الشعرية المعروفة والشعراء المشهورين لأدركنا البون الشاسع بين أسلوب حضرته المقل في شواهد الشعر الجاهلي عند دواعيه وبين التفاسير التقليدية السائدة، اذ استشهد الامام الطبري في تفسيره بما يقارب 95 شاعرا من شعراء الجاهلية !، وأتى الزمخشري في تفسيره "الكشّاف" بنحو 831 شاهدا شعريا !
هل يفتقر القرآن إلى شاهد خارجي يثبت فصاحته وبلاعته وإعجازه؟
لا يفتقر القرآن الكريم إلى أدلة صحته بلاغة ولغة إلى دليل خارجي كما لا يعوزه الشعر ولا النثر ولا كتب قواعد النحو والصرف التي تم تدوينها لاحقا، حيث أن كافة شواهد هذه العلوم والفنون لا شاهد على استحكامها وثبوتها أكبر من شواهد القرآن الكريم نفسه، بمعنى أن القرآن هو أصل تقعيد اللغة كما أنه لو شهدَتْ آية قرآنية على قاعدة نحوية فلا حاجة إلى سيبويه ولا إلى أخفش ولا إلى الفرّاء ولا الزجّاج ولا أشعار الجاهلية او من بعدهم وفق المثل القائل : { الصباح يغني عن المصباح } وإذا عُرف تفسير آيه أو مفردة من بيان النبي ﷺ فلا حاجة إلى كلام أهل اللغة وغيرهم ..كما لا يجب الحكم على أسلوب القرآن من خلال ما استجد لاحقا مما ثبت أنه منحول في أزمنة لاحقة أو من خلال قواعد مستجدة من وضع النحويين المتأخرين زمن تدوين اللغة والتفسير..
موقف المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام من دواوين النحويين المتأخرة ونقائصها:
أبدى حضرته موقفا واضحا من دواوين الصرف والنحو المتأخرة حيث يرى أنه كان على على واضعيها تقعيد القواعد تبعاً لأساليب كلام أصحاب اللغة حتى تبطل به قواعد النحو والصرف المصطنعة والمتأخرة وتتكشف نقائصها.. وانتقد عليه السلام هؤلاء النحويين الذين لم يؤدوا حق البحث والتحقيق كما كان واجبا ولم يعزموا على تدوين قواعد تامة وكاملة بنظرة عميقة ودقيقة واضعين في الاعتبار ألفاظ القرآن الكريم واسعة المفاهيم كأصل مرجعي ، بل تركوا هذا العمل ناقصا غير مكتمل. وأكد ألا نجعل القرآن الكريم تابعا لهذه القواعد بحال من الأحوال، بل ينبغي أن نعدّل قواعد النحو الناقصة كلما تنكشف خواص كلمات القرآن الكريم واسعة المفاهيم ونعتبر ما كان متداولا بين الناس كخطأ شائع..
قواعد الصرف والنحو التي كتبت بعد زمن نزول القرآن ليست حجة شرعية في الحكم عليه:
يقول عليه الصلاة والسلام
{إن الالتزام بقواعد الصرف والنحو المخترعة ليس من الحجج الشرعية. بل إن هذا العلم إنما هو اطّراد بعد الوقوع، ولا يوجد دليل شرعي على عصمة هؤلاء الناس. إن خواص علم اللغة كبحر لا شاطئ له..} (مناظرة دلهي) انتهى
سألتم كيف ننفي المعنى الخرافي للآية (ترميهم بحجارة من سجيل) الفيل:5
الجواب هو ردُّ التفاسير الخرافية الرائجة التي أساءت للقرآن الكريم في موضع تفسير سورة الفيل وبيان ما جاء به حضرة الخليفة الثاني رضي الله عنه في تفسيره الكبير لهذه السورة من معان منسجمة مع اللغة ومع السنن ومع التاريخ ومع العقل .. (راجع التفسير الكبير ج10، سورة الفيل)
أما عن سؤالك كيف نقنع المنكر الملحد على صحة تفسيرنا دون الاستشهاد ببيت شعر جاهلي أو بلغة أو بتفسير بياني في ضوء القرآن نفسه. فنقول إنه من الخطأ مناقشة الملحدين في الفروع التفسيرية والبيانية بقدر ما يجب مناقشتهم في إثباب وجود الباري تعالى أولا ثم في دليل صدق النبوة والرسالة والمعاد ..إذ إن من أنكر الأصل أنكر ما يتفرع عنه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.