
يعتقد بعض المسلمين بعقيدة الرجاء المبارك عند المسيحيين وهى القائلة بأن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام قد رُفع إلى السماء، وأنه سوف ينزل منها مرة أخرى.
يقول الكتاب المقدس:
(وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ،
11 وَقَالاَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ». سفر أعمال الرسل 12:1
(لأن الرب نفسه بهتافٍ، بصوت رئيسٍ ملائكةٍ وبوق الله، سوف ينزل من السماء ) تسالونيكى الأولى 4:16
وتسربت هذه العقيدة إلى المسلمين وذلك عن طريق التفسيرات الخاطئة لآيات القرآن الكريم والنبوءات التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي تتكلم عن نزول المسيح في آخر الزمان، ووجدوا في القرآن الكريم قوله تعالى "إني متوفيك ورافعك إلىّ " ووجدوا فى الأحاديث " ينزل عيسى بن مريم " . فقالوا إذن فقد رفعوا إلى السماء وسوف ينزل.
هذه العقيدة مقبولة وسهلة بالنسبة للمسيحيين لأنهم يعتبرون أن عيسى ابن مريم إله وليس بشر ، فمن السهل أن يصعد إلى السماء وينزل منها.
أما المسلمون فهم يعتقدون أن عيسى بن مريم هو بشر كسائر البشر، ولكن نتيجة لتأثرهم بالمعتقدات المسيحييون صبغوا عيسى ابن مريم عليه السلام بشيء من الإلوهية.
على كل حال ليس هذا موضوعنا، وإنما موضوعنا هو علاقة نزول المسيح من السماء بختم النبوة.
يقولون إن نزول المسيح من السماء بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم لا يعتبر نقضا لختم النبوة، لأن عيسى بن مريم عليه السلام كان نبيا في الماضي، ثم إن عيسى عليه السلام سوف ينزل من السماء يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولن ينسخها.
الجواب: صحيح أن عيسى بن مريم عليه السلام كان نبيا في الماضي، ولكن كيف كان نبيا في الماضي؟ أي ما هى المهام التى كلفه الله تعالى بها؟
أولا: كان عيسى بن مريم عليه السلام رسولا إلى بني إسرائيل
قال تعالى " وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ"
ثانيا: مهمته التى كلفه الله بها:
قال تعالى " وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ "
قال تعالى : "وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ "
ثالثا: وحيه
قال تعالى " وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ "
إذن فقد كان عيسى بن مريم عليه السلام رسولا إلى بني إسرائيل وليس إلى العالمين
جاء لكي يصلح ما أفسده اليهود في التوراة ويبشر بني آخر الزمان. وقد آتاه الله عز وجل الإنجيل.
فلو افترضنا عودة المسيح مرة أخري إلى الدنيا مبعوثا إلى بني إسرائيل يبشرهم بالإنجيل، لقلنا إنه نبي لم يستطع إكمال مهمته في الماضي وقد جاء مرة أخرى لاستكمال مهمته، وهذا نقضا صارخا لختم النبوة، لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد جاء بالدين الكامل الذي يجب على كل أهل الأرض الإيمان به، فما الداعي لعودة نبي سابقٍ إلى الدنيا مرة أخرى ليكمل رسالته؟
ولكن المسلمون الأرثوذكس لا يقولون ذلك، وإنما يقولون سينزل عيسى بن مريم بمهمة أخري تماما وهى أن يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وهنا ينشأ عدد من الأسئلة
نقول لهم: هل سيتلقى الوحي عندما ينزل؟
يجيب فريق بنعم ويجيب فريق بـ لا
نقول لهم: بأي مذهب سوف يحكم ؟ هل حنفي أم مالكي ؟ أم شافعي ؟ أم حنبلي ؟ أم سيتأتى بمذهب خاص به؟
إذا حكم بأحد المذاهب المعروفة يكون صاحب المذهب أعلم من نبي الله عيسى بن مريم. وإذا جاء بمذهب خاص به (مذهب عيسى بن مريم) فهل يأتي به بالاجتهاد أم بناء على وحي الله تعالى؟
إذا قالوا بالاجتهاد، فمعنى ذلك أنه يمكن أن يخطأ في اجتهاده ويحكم بين الناس بالرأي، ولا يجب على الناس اتباعه لأن كلامه في هذه الحالة مجرد اجتهاد.
وإذا قالوا بناء على وحى الله تعالى، قلنا لهم كيف تقولون ذلك وأنتم تعتقدون بانقطاع الوحي؟.
فإن قالوا إن هذا الوحي هو وحي إرشاد أو هداية وليس وحي تشريع.
قلنا لهم : ولماذا تعترضون على الأحمديين عندما يقولون أن وحي المسيح الموعود عليه السلام وحي هداية وإرشاد وليس وحيا تشريعيا ؟
ونقول لهم: إذا قال عيسى بن مريم بشيء لم يقله السلف، كيف يكون موقفكم منه؟
فإن قالوا نؤمن به لأنه بناء على وحي الله، قلنا لهم وكلام السلف الذي نقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وصححه العلماء هل تضربون به عرض الحائط؟ وبالتالي ينهار علم الحديث.
يأجوج ومأجوج
من المعلوم أن يأجوج ومأجوج سوف يخرجون فى زمن عيسى بن مريم عليه السلام
أتعلمون أن عيسى بن مريم عليه السلام سوف يأمركم بعدم قتال يأجوج ومأجوج؟
فقد ورد فى صحيح مسلم :
"إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ "
معنى ذلك أنه عند خروج يأجوج ومأجوج لن يأمر عيسى بن مريم عليه السلام أصحابه بقتال يأجوج ومأجوج ، فهل تقبلون منه ذلك ؟ أم تقولون أن عيسى بن مريم قد ألغى الجهاد ؟ أم تقولون أنه عيسى بن مريم عميل ليأجوج ومأجوج؟ أم تكفرون به وتذهبون أنتم للقتال؟
واضح من هذه الأسئلة أن موقف هؤلاء من عيسى بن مريم عندما ينزل ، سيكون نفس موقفهم من المسيح الموعود عليه السلام.
صدق الله حين قال "مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ"
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.