ولد مرزا غلام أحمد في قرية قاديان، وهي قرية صغيرة من قرى الهند، وعاش كل حياته في الهند، ولم يخرج منها طوال حياته، إلى أن مات ودُفن فيها. ولم يكن يعلم من اللغة العربية إلا قشورها، حتى إن معارضيه كانوا يعيرونه بعدم معرفته بهذه اللغة، إلى أن علّمه الله تعالى فنونها وآدابها، وأسبغ عليه فضله العميم ومعرفة أسرار كتابه الكريم. فأوقف حياته كلها لخدمة ذلك الكتاب والدفاع عنه، وصد الهجمات التي كان يشنها عليه جميع أعداء الإسلام. وكان مما أوحى الله تعالى إليه قوله (عز وجل): [الخير كله في القرآن]، ولذلك فقد اتخذ من ذلك الكتاب العزيز خير أنيس، وكان له في وحدته وانزوائه أفضل جليس، وجعل من كلماته نبراسا لحياته، ومن آياته هدى ونورا لكل خطوة من خطواته. كان يقول إنه قبل أن يقوم بأي عمل.. مهما كان عظيما أو تافها.. كان يُسائل نفسه: هل يرضى الله تعالى حسب تعاليمه التي أنزلها في القرآن المجيد عن هذا العمل أم لا؟ فإذا وجد من القرآن أنه لا يُعارض ذلك العمل، قام به، وإلاّ امتنع عنه. &في قلبي أمنية واحدة وهي أن أقبّل صحيفتك كل حين
لقد كان عليه السلام يعتبر القرآن المجيد كنزا يحوي من المعارف ما لا يُحصَى، فهو كهذه الأرض الطيبة التي نعيش عليها، وعاش عليها الملايين من الناس واستمتعوا بخيراتها، ولكن عطاءها لهم لا يفنى ولا ينفد، ومهما مرت عليها الأيام والسنون، فإن خيرها يستمر بغير انقطاع إلى يوم القيامة. كذلك كان يرى أن معاني القرآن الكريم لا تنفذ، وجواهره لا تنتهي، ولآلئه لا تفنى، وموائده لا تُرفع، ومنابعه لا تنضب، وأنواره تبدد الظلمة دائما في كل عصر وفي كل حين. ومالي ألاّ أصف ما قاله هو عن القرآن الكريم.. إنّ أبلغ الكلمات كلماته هو، التي تنبض بما في قلبه من حب وتقدير وتبجيل، لهذا الكتاب العظيم الجليل، ولا ننسى ما ذكره في إحدى قصائده التي استمعنا إليها حيث قال: ”وإن بياني عن جناني يخبر“.ولا أكف عن الطواف حول القرآن فإنه كعبتي# يقول عليه السلام: ”ووالله إنه دُرّةٌ يتيمة. ظاهره نورٌ، وباطنُه نورٌ، وفوقه نورٌ، وتحته نورٌ، وفي كل لفظه وكلمتِه نورٌ. جنّةٌ روحانية، ذُلّلَت قُطُوفُها تَذليلاً، وتجري من تَحتِهِ الأنهَارُ. كُل ثمرَةِ السّعادَةِ تُوجَد فيه، وكلّ قَبَسٍ يُقْتبَسُ منه، ومن دُونه خَرْطُ القَتَادِ. مَوَاردُ فَيضه سائغةٌ، فَطُوبى للشاربين. وقد قُذِفَ في قلبي أنوارٌ منه ما كان لي أن أستحصلَها بطريق آخرَ. ووالله لوْلا القرآن ما كان لي لُطفُ حياتي. رأيتُ حُسنَه أزْيَدَ من مائة ألفِ يوسفَ، فمِلتُ إليه أَشَدَّ مَيْلي، وأُشْرِبَ هو في قلبي. هو ربَّاني كما يُرَبى الجنينُ، وله في قلبي أثَرٌ عجيبٌ، وحُسنُه يُراودني عن نفسي. وإني أدركتُ بالكشف أن حظيرة القدس تُسقَى بماء القرآن، وهو بحرٌ مَوّاجٌ من ماء الحياةِ، من شرب منه فهو يحيا بل يكون من المحيين“.
|
|||
من أقواله الأخرى عن القرآن الكريم | |||
من أقواله الأخرى عن القرآن الكريم | |||
ثم يقول في مكان آخر:
وفي مكان آخر كتب يرد على أولئك الذين صوّبوا سهام نقدهم للقرآن فقال: ”قد كتبنا غير مرة أن القرآن الكريم قد جمع التعاليم، وأكمل التفهيم، وأنه مشتمل على علوم الأوّلين والآخرين. وهو بعلوّه كأبحر لا كحياض، وفاق كل لُجّة بذيل فضفاض، وفيه نور أصفَى من نور العَيْن، ونقيّ من الدّرَنِ والشّيْن. صحفٌ مطهرة فيها كتبٌ قيمة، وحِكَمٌ معجبة مع حُسن بيان، وبلاغة ذي شأن، تسر الناظرين. وهو إعجاز عظيم بفصاحة كلماته، وبلاغة عباراته، ورِفعة معارفه، وباكورة نِكاته..... ثم يوجه كلامه إلى أعداء القرآن فيقول: "أيها الجهلاء.. أنتم تصولون على كلام قد أودعت سر المعارف أسرّتُه، ومأثورةٌ سمعتُه وشهرتُه، ومشهورةٌٌ عصمتُه وطهارتُه، وسُلّمَ نضارُه ونَضرَتُه، واشتهر تأثيرُه وقوّتُه، فلا يُنكره إلاّ مَن فسدتْ فطرتُه. ألا ترون إلى قَصْرٍ شاده القرآن، وإلى علومٍ أكملها الفرقان، وإلى أنوار أترعَ فيه الرحمان؟ ووالله لا نظير له في إحياء الأموات، ونفخ الروح في العظام الرفات. جاء في وقت انقراض حِيَل الصلحاء، وظهر بعد اكفهرار الليلة الليلاء، وَوَجد الخلقَ كمعروق العظم وأخي العَيْلة، أو كنائم في الليلة. فنوّر وجه الناس ولا كإنارة النهار، وناولهم مالا كثيرا من دُرَر العلم وأنواع الأنوار، فانظر هل ترى مثله في تأثير، ثم ارجع البصر هل ترى من نظير؟“
وكتب يرد على أحد علماء المسلمين، الذي ارتد عن الإسلام واتبع سبل الشياطين، واحتفظ باسمه الإسلامي فكان يطلق على نفسه اسم عماد الدين، وألّف كتابا سماه "توزين الأقوال"، لينشر به الفساد والكفر والضلال، ويضل به عامة المسلمين، فتصدى له أسد الله المتين، وكتب يقول: ”... ثم إنك ظننتَ أن القرآن ليس في بلاغته إلى حدّ الإعجاز، بل يوجد فيه رائحة التكلف والارتماز، ولا يُميّز رقيق اللفظ من الجزل، والجدّ من الهزل، وفيه ألفاظ وحشية، وكلمات أجنبية، وليس بعربي مبين. أما الجواب فاعلم أن هذا القول منك ومن أمثالك أعجب العجائب، وأعظم الغرائب، ولا يرضى به أحد من المنصفين. ألا تعلم يا مسكين أنك رجل من الجهال، ولا تدري إلا مكائد الضلال، ولا تعلم أساليب لسان العرب وطرق بلاغة المقال، بل أظن أنك لا تعرف حرفا من العربية، فكيف اجترأت على هذه الغزمرة الكريمة؟ أتصول أيها الجاهل الكاهل على الذي أفحم أكابر بلغاء الزمان، وأتم الحجة على الفصحاء أهل اللسان، وخضعت له أعناق الأدباء، وآمن به نوابغ الشعراء، وجاؤوا خاضعين مُقرّين؟ أأنت أسبق منهم في معرفة مواد الأقاويل، وتمييز الصحيح من العليل، أو أنت من المجنونين؟ ألا تعلم أنهم كانوا أهل اللسان، وقد غُذّوا بلبان البيان، وكانوا يُصْبُون القلوب بأفانين العبارات، ومُلَحِ الأدب ونوادر الإشارات، وكانوا في هذه السلك وعلم محاسنها من الماهرين؟ ألستَ تعلم أن القرآن ما ادّعى إعجاز البلاغة إلا في الرياغة، فإن العرب في زمانه كانوا فصحاء العصر وبلغاء الدهر، وكان مدار تفاخرهم على غرر البيان ودرره، وثمار الكلام وزهره، وكانوا يُناضلون بالقصائد المبتكرة والخطب المحبّرة، ولكن ما كان لهم أن يتكلموا في اللطائف الحِكَمية، وما مسَّتْ بيانهم رائحة المعارف الإلهية، بل كان مسرح أفكارهم إلى الأبيات العشقية، والأضاحيك الملهية، وما كانوا على ترصيع مضامين الحِكَم قادرين؟ وكانوا قد مرَِنوا من سنين على أنواع النظم والنثر ولطائف البيان، وسُلّموا وقُبِلوا في الأقران، وكانوا أهل اللسان وسوابق الميادين. فخاطبهم الله وقال: (إِنْ كُنْتُمْ فيِ رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ .... فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتيِ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)...... وقال: ( قُلْ لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلِى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا). فعجز الكفار عن المقابلة وولوا الدبر كالمغلوبين. ولما عجزوا عن النضال في البيان، مالوا إلى السيف والسنان، متندمين مغتاظين. وكثير منهم أسلموا نظرا على هذه المعجزة، كلبيد بن ربيعة العامري صاحب المعلقة الرابعة، فإنه أدرك الإسلام، وتشرّف به وأرى الإخلاص التام، ومات سنة إحدى وأربعين. وكذلك كثير منهم أقرّوا بأن القرآن مملوّ من العبارات المهذبة، والاستعارات المستعذبة، والأفانين المستملحة، والمضامين الحكميّة الموَشّحة، بل من أمعن منهم النظر فسعى إلى الإسلام، وحضر ودخل في المؤمنين...“.
إن من يحب القرآن الكريم هذا الحب، ومن يُكرّس حياته للذود والدفاع عنه من صميم القلب، فإن الله تعالى يفتح أمامه سبل العرفان، ويؤتيه كنوز معارف الفرقان، فيكون أقدر الناس على فهم هذا الكتاب العظيم، فإنه كتاب لا يعلم تأويله إلا الله العليم، ولا يمسه إلا المطهرون بيد الله الكريم، وهو وحده سبحانه الذي يستطيع أن يؤتي ذلك التأويل الصحيح، والتفسير الفصيح، لمن شاء من عباده الذين ملأ حب القرآن قلوبهم، وأنار بنوره الوضّاء ظاهرهم وباطنهم. ولكي يدلل سيدنا أحمد على أنه صادق غير كاذب، وأنه قد قام فعلا بأمر الله تعالى، وأن الله تعالى قد جعله من المطهرين، الذين آتاهم سبحانه علوم القرآن المبين، فقد دعا العلماء في البلاد العربية وغيرها، أن يكتبوا تفسيرا لسورة الفاتحة في سبعين يوما، وكتب هو تفسيرا لهذه السورة الجامعة، فكان التفسير ظلا لكلام الله تعالى، بما احتواه من معان لم يُشر إليها أحد من قبل في كافة التفاسير المنشورة. ولولا ضيق الوقت لقرأنا عليكم نبذة من ذلك التفسير، الذي يتضح منه كيف أنه يستنتج المعاني العميقة، من الكلمات التي نقرأها في الصلاة عديدا من المرات، دون أن يفطن أحد إلى أنها تحتوي على تلك اللآلئ من المعاني وكنوز الحكم. لقد أحبّ سيدنا أحمد القرآن حبًّا جمًّا، فعلّمه الله تعالى من لدنه عِلمًا، وآتاه علوم القرآن، وأنار بصيرته بنور الفرقان، فاستطاع أن يرى بنور الله في الآيات فصوصا من الحكم، بينما لم ير سواه في التفسير غير اللمم. وقد ملك كتاب الله قلبه وفؤاده، فأعطاه الله كل ما سأله وأراده، ولذلك لم يكن له مثيل في الدفاع عن القرآن، لأنه كان على يقين أنه كتاب عظيم الشأن، لا يأتي بمثله إنس ولا جان، ولا يصل إلى حقيقة معانيه إلاّ من طهّره الرحمن. فهو كتاب لا يفهمه إلاّ المؤمنون المخلصون، كما أنه كتاب محفوظ مكنون، لا يمسّ معانيه إلاّ المطهرون. وكما هو شأن المحبين.. الذين يعبّرون عن هواهم بأعذب الأغنيات، ويصفون غرامهم بأرقّ الكلمات، أنشد سيدنا أحمد عليه السلام يتغنى بمدح القرآن، ونقتطف هذه الباقة من بعض قصائده التي قال فيها:
|
|||
|
|||
^ إلى أعلى الصفحة ^ | |||
|
|||
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8