loader
 

جمال أغزول

كان انتمائي قبل الأحمدية إلى أهل السنة والجماعة وعليهما بني تصوري الديني، وشكلت مرحلة الدراسة الثانوية وأيضا مرحلة التعليم الأصيل الذي يعنى بالفقه والحديث والتفسير والبلاغة معلما هاما في توجهاتي الدينية... حتى زملائي في الدراسة كنت أنتقيهم بناء على هذا الاهتمام من حيث الالتزام بالمنهج العقدي وأيضا في ارتباطنا بحلقات الدروس الدينية في الحديث والقرآن التي كانت تنعقد كل يوم خميس في بعض المساجد بالمدينة ..

مجلة الإحياء وإرهاصات الإحياء
لم يكن حينها عندي تصور بحث عن جماعة معينة يوم كنت من أهل السنة والجماعة للتصور الذي كنت أعتقده أن ما يقوم عليه تصورنا هو الكتاب والسنة لظننا أن فهمنا هو ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذه الرؤية كانت تجعلني بمعزل عن البحث عن أي فكر آخر أو جماعة رغم التساؤلات العديدة التي لم أكن أجد لها جوابا في قرارة نفسي داخل منهج أهل السنة فيما يتعلق بالتفسير أو العقيدة أو علم الحديث، ولعل تلك النقاط التي لم تصل إلى قناعة يقينية هي التي ستكون مدخلا لي في قبول الأحمدية فيما بعد.
كانت المرة الأولى التي قرأت فيه عن الأحمدية عن طريق مجلة إحياء التراث العربي الإسلامي الصادرة بالخليج العربي، وكانت طبيعة المقال المعنون بالقاديانية تحمل صورة سلبية عن الجماعة وعن عقائدها وعن دعوى مؤسسها بما يوهم القارئ باعتبارها أقرب إلى البهائية...
وبعدما شاء قدر الله الخالص أن أتعرّف على الجماعة الإسلامية الأحمدية عن طريق القناة، استرعى انتباهي العبارات التي كانت تتردد فيها كالأحمدية وقاديان وميرزا غلام أحمد، مما جعلني أدرك أنها نفس الجماعة التي قرأت عنها سابقا.. وكان انطباعي حينها سلبيا يشوبه الحذر باعتبار ما أُلصق بالأحمدية ...


البحث والمقارنة...
كانت متابعتي لخطب الجمعة التي يلقيها الخليفة الرابع رحمه الله محفزا مشجعا لي لسبر الدعوة، حيث لم يكن حينها برامج عربية في القناة إلى أن شرعت القناة في بث برنامج لقاء مع العرب الذي كان له دور هام في تصحيح كثير من الشبهات والانطباعات الخاطئة عن الجماعة ..
ألزمتُ نفسي بدراسة المصادر والأصول العقائدية للأحمدية من باب المعرفة ومقارنة هذه الأصول مع عقيدة أهل السنة والجماعة، فوفقت لإدراك دعوتها ومنطلقها في التأصيل من القرآن الكريم باعتباره مصدرا للأحكام والسنة كبيان لما هو مجمل في الكتاب العزيز والحديث الشريف باعتباره شاهدا وخادما مؤيدا للسنة والقرآن، كما قمت بتحقيق الأصول العقدية في الله والأنبياء والملائكة والقرآن ومكانة الرسول صلى الله عليه وسلم فوفقني الله للإحاطة بكثير من منهجية وتصورات الجماعة التنزيهية وكانت كتب ومطبوعات الجماعة التي مكنني منها الخليفة الرابع رحمه الله - الذي كنت أراسله حينها بين الفينة والأخرى- لها الدور البالغ في إدراك ما تقوم عليه أسس الجماعة ..كما أن حصولي على الجزء الأول من التفسير الكبير ومطالعته ووقوفي على منهجية التفسير قياسا مع التفاسير التقليدية جعلني أغير كثيرا من تصوراتي في الفكر التقليدي السني، وأيضا إعجابي بجمالية الإسلام ومقاصده الروحية في الفهم الأحمدي كما أن المقام السامي للرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره خاتم النبيين بما يثبت فوقيته وكماله وأبوته الروحانية للأنبياء والمؤمنين جميعا لمن العقائد والمفاهيم التي أثرت في دراستي..

الاستخارة وموعد مع الشيخ القاسمي
استخرت الله تعالى في هذا العزم والقصد ليلة يوم الخميس في آواخر سنة 1995 وعند فجر يوم جمعة مباركة ألقي على سمعي قول يقول: "قل ربّ ما سوّلتُ به لولا أن ذُكِّرتُ به" فاستيقظت وأنا أردد تلك العبارة فدونتها خشية النسيان، ولم تفارق تلك الكلمات ذاكرتي حينها إلى اللحظة والله أعلم بحقيقة ذلك، ولما تفرست في ألفاظها وعبارتها أدركت أنها صيغة دعاء وتحفيز لي للدعاء وتذكيرا لي بشأن ما استخرت الله فيه، فدعوت بها واستحسنت ذلك وفوضت الأمر إلى الله.. وفي صباح الجمعة قصدتُ المسجد باكرا لصلاة الجمعة وما كاد الشيخ القاسمي يهم بإنهاء خطبته حتى استطرد في الحديث عن رؤيا يلح صاحبها على تعبير لها خصوصا أنها تكررت عليه في منامه أكثر من مرة.. وشرع الشيخ يقص على من في المسجد تلك الرؤيا وهي عن سفينة نوح التي استوى عليها أناس زرافات ووحدانا وتعلوها الكلمة الطيبة لا اله الا الله محمد رسول الله وعليها رجل ينادي على الناس أن هلموا بالركوب في السفينة، وهذا المنادي هو المسيح ابن مريم عليه السلام... كان الشيخ القاسمي يتساءل وهو يسرد الرؤيا ويقول :إن مما لا شك فيه أن الرؤى يكون لها تعبير.. ثم قال: لكن كيف يكون من على السفينة هو المسيح ذاته في حين أننا في زمن محمد صلى الله عليه وسلم؟ وكيف تعود ملكية سفينة نوح للمسيح؟ ثم قال: إننا نؤمن بأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر بنزول المسيح في آخر الزمان عند قرب القيامة ولا ننسى ما يسبق نزوله كالدجال ويأجوج ومأجوج وهذا سابق لآوانه...
فبدا لي أن الشيخ القاسمي لم يدرك تعبير الرؤيا وما استطاع إلى ذلك سبيلا ..
أدركت حينها وأنا بالمسجد أن هذه الرؤيا كانت رسالة من الله وتذكيرا لي فيما استخرته فيه، إذ الرؤيا يراها المؤمن أو ترى له كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم .. ولم أتمالك نفسي حينها وأنا أنصت للرؤيا التي لم يعي الشيخ حقيقتها وتعبيرها في حين أنني أدركتها فتذكرت تلك الكلمات التي ألقيت على سمعي بعد الاستخارة فأصابتني رقة مما ذُكّرتُ به وسمعته، ولما قضيت الصلاة عدت إلى حال سبيلي وأنا أشعر أن دعوى سيدنا أحمد عليه السلام مما لا يمكن الاستخفاف بها أو الإعراض عنها لطعن أو إعراض أو تكذيب أو الحكم عليها بناء على كتابات المخالفين وأقوال المشائخ.. ثم عزمتُ على البيعة بعد التوكل على الله وتفويض الأمر إليه.

بعض الأحداث المعززة للإيمان والرؤى بعد البيعة

رسالة في الرؤيا واليقظة...
كان الأخ محمد من بين طلبة كلية أصول الدين بمدينة تطوان وكان بيني وبينه مراسلات فيما يخص الأحمدية وعقائدها .. وبعد فترة انقطعت عني رسائله في ما يقارب شهرا، فقلقت بشأنه.. وذات صبيحة رأيت في الرؤيا أن رسالة بيدي اليمنى مكتوب على غلافها اسم نفس الشخص، وبينما كنت أهم بفتحها حتى أيقظني أحد أفراد الأسرة من النوم حاملا إلي بشرى رسالة ألقى بها ساعي البريد، فلما تفرّستُ فيها فإذا بها رسالة هذا الصديق فعلمت ظروف انقطاعه وما واجهه من معارضة أستاذه في الجامعة.

رؤيا عميد المنصرين الإنجليين البرفيسور ويليام
كنت أرى في المنام كأني أدخل كنيسة وأجد فيها قسا بلباس القسس كأنه يعظ شبابا حوله أحسبهم من المتنصرين، وكانت معالم ملامح وجه هذا القس ظاهرة جلية، وكلما تكررت الرؤيا كانت تنتابني حيرة من تكرارها بنفس التفاصيل رغم أنني لم أدرك تعبيرها في ذلك الحين.. وبعد مضي ما يقارب سنة توفي أحد أصدقاء والدي فحضرت مجلس العزاء، وكان الحاضرون يتجاذبون أطراف الحديث عن التوحيد والشرك ومن منهما الأسبق في وجوده على الأرض.. بادرتهم بقولي أن الأصل هو التوحيد وأن الشرك أمر لاحق.. وأن ما نجده في بعض الأديان من مظاهر الشرك إنما هي حالة انحراف عن الأصل التوحيدي الذي أسست عليه.. فبينما كنتُ أضرب مثلا عن المسيحية بين ما هي عليه الآن من عقائد ثالوثية وبين أصولها التوحيدية الحقة بادرني أحدهم مقاطعا إياي متحدثا بلغة عربية فصحى:
لا.. نحن نؤمن بإله واحد ولا نقول بآلهة ثلاث...
فنظرت فإذا به نفس القس الذي لطالما رأيته في رؤياي...
أخبرني أحدهم إن الذي كان يحدثك هو البروفيسور وليام وهو إنجليزي وهو من جيران المرحوم، وهو أستاذ في معهد للدراسات والترجمة بالمدينة...
أتذكر أنني قلت للبروفيسور وليام حينها: كيف تكون المسيحية الحالية هي نفسها مسيحية السيد المسيح، في حين لا نجد في تعليم الأناجيل الأربعة الأقانيم الثلاث ولا ألوهية المسيح...؟
كان موقف وليام حرجا في مجلس العزاء وأحسست بذلك لما رأيت وجهه ممتقعا، ولما عزمت على مغادرة مجلس العزاء لحق بي ثم وضع يده على كتفي قائلا:
إن قولنا بالثالوث لا يعني أن هناك آلهة ثلاثة، ثم شرع جاهدا يشرح مسألة الثالوث بأمثلة وقياسات فاسدة دون جدوى...
الجدير بالذكر أن المبشر وليم لم يعد يقيم بالبلاد حيث طردته الحكومة بعد تورطه في التبشير المسيحي وبصفته عميد المبشرين الإنجيليين في شمال المغرب.
كلمة نصيحة إلى الباحثين عن الحق:
في ختام هذا السرد المختصر لتجربتي الإيمانية لا يفوتني أن أنصح مخلصا كل باحث عن دعوى سيدنا المسيح الموعود عليه السلام وجماعته، أن ينشد الهداية من الله رأسا بعزم ونية وطهارة قلب ليرشده إلى الحق، فالسالك بمقتضى ذلك بإخلاص يستغني عن التطويل والحيرة، ويعينه الله الهادي، السميع، المجيب، المتكلم، على شهود اليقين بعظيم ألطافه واللحاق بركب الصادقين. وفقكم الله لذلك بإذنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وعلى عبده وخادمه المسيح الموعود.. آمين ثم آمين.



 

خطب الجمعة الأخيرة