loader
 

الإسلام— دين الكون والإنسان ..

نظرة الغرب إلى الدين الإسلاميّ

ثمة مغالطات كثيرة منتشرة في العالم الغربي عن الإسلام والمسلمين.
اسأَلْ أيّ طالب مدرسة في الغرب—أو حتى أستاذ مادّة التربية الدينية هناك—عمّا يعرفه عن الإسلام وسيكون الجواب الذي تحصل عليه بسيطاً إلى حدّ الإدهاش، والجواب هو تقريباً ذاته بشكل دائم في دماغ الإنسان الغربي، ويأتي على الشكل التالي:
‘الإسلام الذي بشَّر به محمد العربي هو دين موجَّه للبدو ويناسب الحالات والأحوال البدائية المتعلِّقة بالماضي. وكان محمد قد اطَّلع على التعاليم المسيحية واليهودية فتأثَّر بهما بشكل عميق.. ثم كتب بعد ذلك كتاباً سمّاه (القرآن).. ثم نشر محمدٌ الدينَ البدوي الجديد باستخدام السيف، وبعدها تغلغل العرب إلى عدّة بلاد أخرى وحوَّلوا أهلها إلى الإسلام بقوة السيف!’
وسيتابع: ‘إنّ تعاليم الإسلام تلائم أحوال العصور الوسطى. وبشكل عام فإنّ محور الإسلام هو تعاليم قديمة بالية لا تنسجم مع الحضارة الحديثة، ولا يمكن تطبيقها في زماننا الراهن. وإنّ الملامح البارزة للإسلام هي التعصُّب الديني الأعمى وعدم التسامح العقائدي، والإيمان الجبري بالقضاء والقدَر إلى جانب التعصُّب الطائفي والمذهبي.‘
وسيقول: ’الإسلام ليس ديناً ملائماً لبلادنا ومناطقنا، وهو، على الأقل، لا يلائم حضارتنا في القرن العشرين. إنه دين الرجال، ويحتقر النساء، ويحدِّد لهنّ مكانة دونية في المجتمع. وهو دين إرهابي يسعى إلى تحويل الناس والشعوب عن أديانهم ومعتقداتهم ولو بالقتل وسفك الدماء. ولا يقبل الحوار والجدل.. ولا يعترف بحرية الرأي والمعتقد، وإنّ الذي يدخل فيه ليس حرّاً في الخروج منه واختيار غيره، بل لابدّ من تنفيذ حُكم المرتدّ فيه فيُقتَل وتُضرَب عنقه أو يتوب ويعود إلى الإسلام ولو نفاقاً.. وهكذا فقد أسلم الكثيرون بحدّ السيف من غير إيمان ولا تصديق بل خوفاً من القتل وضرب الأعناق!
وباختصار الإسلام هو دين الإكراه والقتل والحرب، وأتباعه المسلمون يتحيّنون الفرصة للحصول على القوة والانقضاض على شعوب العالم بحرب دموية ليُدخِلوهم إلى حظيرة الإسلام بحدّ السيف والدم، وهو لذلك يُشكل أكبر خطر على أمم العالم!‘

هذا هو المفهوم الخاطئ والبشع عن الإسلام والمسلمين لدى شعوب دول الغرب وغيرها من غير المسلمين. ‍
فهل الإسلام حقّاً في مصادره دين الهمجية والقتل والحرب والإرهاب والدم؟!
وهل هو الخطر المحدق بالعالم، أم أنّه الضمانة الأهمّ لأمنه وسلامه؟
تعالوا لنرى!


* الإسلام في اللسان العربي

"الإسلام في اللسان العربي كلّمة مشتقّة من السلام.. وهو أيضاً الاستسلام والخضوع لله تعالى وإظهار الشريعة والتزام ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. والإسلام السّلم، قال امرؤ القيس بن عابس:
"فلستُ مُبدِّلاً بالله ربّاً ولا مُستبدلاً بالسِّلم ديناً"
يُريد: ولا مستبدلاً بالإسلام ديناً.
وأسلمَ الرجلُ أي دخل في السِّلم، وأسلم دخل في الإسلام". وهذا يعني أنّه يصحّ أيضاً إطلاق لفظة (المسلم) على الذي دخل في السّلم وامتنع عن الحرب والعدوان.

* الإسلام بالمعنى الديني

في محاضرة ألقاها الإمام ميرزا غُلام أحمد عليه السلام في لاهور يُبيّن أنّ حقيقة مفهوم الإسلام بالمعنى الديني للكلّمة، هو أن يُسلِمَ الإنسان رقبته لخالقه عزّ وجلّ ككبش الفداء، وأن يتخلّى عن التمسك بتدبيره الذاتي، وأن يكرّس نفسه لمشيئة الله ورضاه، وأن يفقد نفسه في الله، وأن يفرض على نفسه نوعاً من الموت في سبيل الله، وأن يصطبغ بحبٍ شخصي له سبحانه وتعالى، وأن يُطيعه بشكل كامل من أجل ذلك الحب؛ وأن يحصل على عينين لا تريان إلاّ من خلال الله؛ وأذنين لا تسمعان إلاّ من خلال الله، وأنّ يطوّر قلباً يكون مكرّساً بكامله لله عزّ وجلّ، وأن يحصل على لسان لا يتكلّم إلاّ بأمر الله.

ولذلك فالمسلم هو الذي ينطبق عليه قول الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم:
{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة 113
وهذا يعني أنّ المسلم هو الذي يُلزم نفسَه بشكل كامل لقضية الله عزّ وجلّ، يعني أنّه يكرّس نفسه لله عزّ وجلّ من خلال اتّباع مشيئته وكسب رضاه، ثم يستقيم على فعل الخير لوجهه تعالى، ويكّرس كلّ ما يملك من قدرة وخصائص وميزات لذلك السبيل. وبمعنى آخر فإنّه يصير كلّه لله بالعقيدة والممارسة./ انظر الملاحظة الهامشية السابقة.

* الإسلام في بيان الله عزّ وجلّ

يُطالعنا القرآن الكريم ببيان الله عزّ وجلّ عن الدّين الأوحد عند الله فيقول:
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} آل عمران 20
ونقرأ في (الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور) للإمام جلال الدين السيوطي:
"أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج {لِمَ تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون} على أنّ الدين عند الله الإسلام، ليس لله دين غيره."
وجاء في (مختصر تفسير ابن كثير):

"وقول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} إخبارٌ منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتّباع الرسل فيما بعثهم اللّه به في كلّ حين، حتى خُتِموا بمحمد صلى اللّه عليه وآله وسلم الذي سدّ جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم".
يُعلِمنا الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة بأنّه قد جعل للبشرية ديناً واحداً وهو " الإسلام". وعلى ضوء ما بيّنا من معنى لـ "الإسلام" في اللسان العربي، نفهم أنّ ربنا عزّ وجلّ قد شرع للبشرية أن يُدينوا له بالخضوع المطلق، ولشرعه بالطّاعة التامّة، وأن يُسلموا له في كلّ أمر.
وحاشى لله أن يطلب من عباده هذا التسليم المطلق، والخضوع الكامل، والثقة التّامة من غير مبرّرٍ حقٍّ لخيرِ خَلْقهِ جميعاً؛ بل إنّ مبرّر هذا التسليم ينبثق من منطق الإيمان بأنّ الله يملك هذا الحق لأنه هو الذي خَلق بعلمه وقدرته الكونَ وما فيه ومن فيه، وأبقى على مخلوقاته جميعاً فحفظها من الهلاك والفناء، وهو الحي القيوم الذي يمدّها بأسباب الحياة والتطوّر والبقاء، وهو الذي يَعْلَم خيرَ عباده، وهو وحده القادر على هدايتهم وحمايتهم. ولذلك فإنّ العبد الذي يخضع بالعبادة إلى الله ويُسْلِم أمرَه كلّه إليه، إنما يُسلِم أمرَه إلى الذي لا يُخيّب رجاءَ من يتوكلّ عليه ويُسلِم أمرَه إليه، لأنه هو الخالق العليم القوي القدير البالغُ أمْره، ولا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، يقول تعالى مطمئناً عباده:
{وَمَن يَتَوَكلّ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه} الطلاق 4
وهل مَن يستطيع الزعم بأنّ ثمة أمر لا يستطيع الله أن يبلغه؟!
وهل مَن يستطيع الزعم بأنّ ثمّة مِن دون الله من هو أيضاً على كلّ شيء قدير ويستطيع أن يبلغ كلَّ أمر؟!
مطلقاً!
بل الله وحده هو القوي القادر على كلّ شيء.
وهو وحده بالغٌ أمرَه.

من هنا نفهم لماذا جعلَ الله دينه "الإسلام". لأنه—بعلمه وقدرته—يريد أن يهدي عباده جميعاً إلى الخير المطلق على الصراط المستقيم إلى النجاة الأكيدة.
ولكن ثمّة خطأ كبير تورّط فيه الناس والمسلمون جعلهم عاجزين عن فهم معنى الإسلام باعتباره دين الله! وهو خطأ لا بدّ من تداركه بتصحيح الفهم على ضوء بيان الله في كتابه المـُبين:

* دين الله الواحد

نعود هنا للبدء بما ذكرناه آنفاً وهو أنّ الله عزّ وجل قد بيّن في القرآن المجيد بأنّ الدين عنده تبارك وتعالى واحد وهو الإسلام. ونُتابع فنرى أنّ الكون كلّه بما فيه ومن فيه قد أسلم لله عزّ وجل، يقول ربّنا:
{أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} آل عمران 84

* الكون كلُّه يأتي اللهَ طائعاً ويخرّ له ساجداً

وكذلك أتته، سبحانه وتعالى السموات والأرض طائعين أمرَه، يقول تعالى:
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} فصّلت 12
ولاشكّ في أنّ هذا هو المنطق الإيماني السليم، إذ لابدّ من أن تكون كلّ ذرّة في الكون خاضعة لأمر الله خالقها وقانونه الذي سنّه لها فتُطيعه ولا تحيد عنه وتُسلمُ وتسجد له مع كلّ خليقة بثّها في الكون كلّهّ، يقول تعالى:
{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّة وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} النحل 50
ويقول عزّ وجلّ:
{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} الرعد 16 ويقول تبارك وتعالى:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} الحج 19


* الكون كلّه يُسبح بحمد ربه

وهكذا فكلّ ما في الكون ومن في الكون أتى اللهَ ساجداً عابداً خاضعاً مُسلماً ومسبّحاً، يقول تعالى:
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} الجمعة 2
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} الإسراء 45
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِه} الرعد 13


* الكون كلّه مسلم ويدين لله بالإسلام

فإذا كان كلّ من في الكون وما في الكون قد أتى اللهَ طائعاً ساجداً ومُسبّحاً، ألا يعنى هذا أنّ الكون كلّه بما فيه ومن فيه قد أتى اللهَ مُسلِماً، وأَسْلَمَ له؟
وهكذا دانَ الكونُ كلّه بالإسلام لله الواحد القهّار الذي قدّر وشاء أن يكون الدّين عنده الإسلام:
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}
ولأنّ الكون كلّه قد أسلمَ لله وجاءه مسلماً فقد جعل الله (الإسلامَ) رسالتَه إلى الناس وأَرسل أنبياءه ورسلَه جميعاً بـ (الإسلام)، وقرأ بيانه لنا وعلينا في كتابه المجيد قائلاً:
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}

* إبراهيم أبو الأنبياء أسلمَ وكان من المسلمين

يُخبرنا ربنا عزّ وجلّ في كتابه المجيد أنّ إبراهيم أبا الأنبياء عليهم السلام قد أسلم لله ربّ العالمين وكانت ملّته الإسلام التي لا يرغب عنها إلاّ من أهلك نفسه وسَفِهها، يقول تعالى:
{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} البقرة 131-132
ويؤكّد ربنا عزّ وجل:
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} النساء 126
وليقين سيدنا إبراهيم أنّ الدين عند الله الإسلام فقد ابتهل إلى ربّه داعياً أن يجعله هو وابنه إسماعيل عليهما السلام مسلمين وأن يهب لهما من أمتهما ذرية مسلمة. نقرأ في القرآن الكريم:
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة 128-129
ونقرأ تأكيد القرآن الكريم لحقيقة أنّ إبراهيم، أبا الأنبياء، كان حقّاً من المسلمين حيث يقول تعالى:
{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} آل عمران 68

* الأنبياء إسماعيل وإسحق ويعقوب وبنوه كانوا مسلمين


ويُتابع ربُّنا عزّ وجلّ بيانه عن إسلام أنبيائه فيُتمّم الآية الكريمة السالفة بذكر وصيّة النبي يعقوب لبنيه بأن لاّ يموتوا إلاّ وهم مسلمون، فيقول سبحانه وتعالى:
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} البقرة 133
ويوضّح بيانُ الله مؤكّداً حِرصَ النبيين على عبادة الله الواحد والالتزام بدينه الإسلام، حيث يقول عزّ وجلّ:
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} البقرة 134


* النبي موسى وأتباعه كانوا مسلمين

عندما وجد سيدنا موسى عليه السلام قومه خائفين من فرعون وبطشه شدّ من أزرهم، وقوّى عزيمتهم وذكّرهم بأنهم إن كانوا قد آمنوا بالله وصاروا مسلمين حقاً فعليهم أن يتوكلّوا على الله حق التوكلّ وألاّ يخافوا أحداً سوى الله:
{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكلّواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِين} يونس 85
ولذلك فإنه عندما هدّد فرعونُ المؤمنين من قوم موسى بأنّه سيعذبهم ويقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلّبنهم في جذوع النخل أعلنوا إيمانهم ورجاءهم من الله أن يفرغ عليهم صبراً وأن يتوفّاهم مسلمين فقالوا:
{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين} الأعراف 126-127

* فرعون أعلن أنه من المسلمين

وتأكيداً لحقيقة أنّ دعوة موسى عليه السلام إلى الإيمان بالله ورسالته كانت أيضاً دعوة إلى الإسلام، نجد في القرآن دعاء فرعون الذي أدرك أنّه كان عليه أن يؤمن وأن يكون من المسلمين قبل أن يُدركه الغرق. يصفُ ربنا عزّ وجل حال فرعون عندما أدركه الغرق، فيقول:
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكه الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} يونس 91

* جميع أنبياء اليهود أسلموا وكانوا مسلمين

ويؤكّد ربُّنا عزّ وجلّ في القرآن الكريم على أنّ جميع أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يحكمون بالتوراة ويعلّمونها لليهود وعلمائهم قد أسلموا وكانوا مسلمين، فيقول:
{إِنَّا أَنـزلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} المائدة 45

* كانت دعوة النبي سليمان إلى ’الإسلام‘، وكان هو من ’المسلمين‘:

يُبيّن القرآن أنّ النبي سليمان دعا قومه إلى الإسلام، إذ نقرأ أنّ ملكة سبأ أعلنت لقومها عن كتابِ سليمان الذي جاءها بقولها:
{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِين} النمل 31-32
ونقرأ في القرآن تأكيداً بأنّ دعوة سليمان لقوم سبأ كانت إلى الإسلام، حيث:
{قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} النمل 39

* ملكة سبأ أسلمت وصارت هي وقومها من المسلمين

ولذلك فإنّه عندما أقام سليمان الحجة الإيمانية على ملكة سبأ أدركتْ أنها يجب أن تؤمن بدينه ودعوته وأن تُسلمَ فقالت:
{وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} النمل 45
ومن المعلوم أن قومها دخلوا معها في الإسلام وصاروا مسلمين بدليل الآية 39 من سورة النمل السالفة الذِكر.

* المسيح عيسى وحواريوه كانوا مُسلمين

يذكر لنا ربنا عزّ وجلّ في القرآن الكريم أنّه عندما أوحى إلى الحواريين أن يؤمنوا به تعالى وبرسوله المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، كان ردّهم أنهم آمنوا ودعوا الله أن يشهد عليهم بأنهم مسلمون، يقول تعالى:
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُون} المائدة 112
ويذكر القرآن شهادة ثانية لأتباع المسيح بأنهم كانوا مسلمين فيقول:
{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْن أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون} آل عمران 52
وهكذا فقد كان جميع أنبياء بني إسرائيل أيضاً مسلمين.

* جميع أنبياء الله ورسله كانوا مسلمين

وردّاً على اليهود الذين زعموا قائلين بأنه لا يهتدي إلاّ من كان يهودياً، وعلى النصارى الذين زعموا أنه لا يهتدي إلاّ من كان نصرانيا بَيّن الله عزّ وجلّ بأنّ جميع الرسل والأنبياء كانوا مسلمين، وأنّ المسلمين لا يفرقون بين أحد منهم، يقول تعالى:
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنـزلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنـزلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} البقرة 136-137
وجاء في تفسير ابن كثير:
"فأخبر تعالى أنه بعث رُسُلَه بالإسلام ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة، التي ينسخ بعضها بعضاً إلى أن نُسخت بشريعة محمد صلى اللّه عليه وسلم التي لا تُنسخ إلى أبد الآبدين، ولا تزال قائمة منصورة وأعلامها منشورة إلى قيام الساعة، ولهذا قال عليه السلام: ’نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد‘ فإنّ أولاد العلات هم الإخوة من أب واحد وأمهات شتى، فالدين واحد وهو عبادة اللّه وحده لا شريك له، وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنـزلة الأمهات."

* الدعوة إلى الله هي دعوة إلى الإسلام

ويبين لنا ربنا عزّ وجلّ بأنّ أحسن القول عند الله تعالى هو أن يدعو الإنسانُ إليه عزّ وجلّ ويكون من المسلمين، يقول تعالى:
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فصّلت 34
أيّ إنّ أحسن القول هو أن يكون الإنسان، على الإطلاق، مسلماً إلى الله ويدعو الناس إليه عزّ وجلّ وهو يعمل صالحاً.

* الإسلام هو دين الفطرة القيّم

ويُخبرنا الله عزّ وجلّ في كتابه أنّ الإنسان السليم يتطوّر مع العمر باتجاه إدراك نعمة الله عليه فيرغب في أن يعمل صالحاً وأن يُسلِم إليه تعالى فيكون من المسلمين، يقول ربّنا:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْه كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} الأحقاف 16
ولا شك في هذا المنطق السليم، إذ أنّ الإنسان باعتباره مخلوقاً لا يملك إلاّ أن يكون خاضعاً لقَدَره كمخلوق يتميّز بصفات معيّنة لا يستطيع تجاوزها، وهو بهذا يسلّم لحقائق واقعهِ التي لا يَـد له في وجودها أو عدمها رغم امتلاكه القدرة على التصرف بحقائق أخرى. ولاشكّ في أنّ حقائق حياة الإنسان المتفكّر تقوده إلى ضرورة أن يؤمن بالله ويُدرك نعمته عليه وعلى من سبقه من الآباء والأجداد، فيرغب في أن ينال رضى الله عزّ وجل من خلال العمل الصالح، ويتمنى لذريته أن تسير على درب هُداه مُعلناً توبَته عمّا أسلف من جهالة وخطأ، وإسلامَه للخالق العظيم الذي يُقيم الكونَ كلّه بقدرته ونعمته وحده لا إله إلاّ هو.
وإلاّ فمن هو هذا الإنسان الذي وصّاه الله؟ ومن هو هذا الذي قال إني تُبت إليك وإني من المسلمين؟
لا شكّ في أنّ الله عندما يذكر الإنسان بصفة عامّة فهو يُعْلِمنا بذلك عن خليقةٍ وفطرة يتّصف بها الجنس البشري؛ وهي هنا أنّه يتطوّر في الوعي والإدراك ليتوب ويكون من المسلمين.
ونقرأ في حديث لسيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلّم تعليماً يرشدنا إلى أنّ الله يخلق الإنسان على دين الفطرة الذي هو الإسلام، فيقول:
(ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهوّدانه أو يُنصّرانه أو يمجسّانه ..)
ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {فِطْرَةَ اللهِ التي فَطَرَ الناسَ عليها لا تَبديلَ لِخَلْقِ اللهِ، ذلكَ الدّينُ القيِّم} الآية: الروم 31 ش أخرجه مسلم في القدر، باب: معنى كلّ مولود يولد على الفطرة.
ولا شكّ في أنّ الإسلام هو الدين القيم.

وهكذا فالكون كلّه مسلم!
والخلق كلّهم ـ طوعاً أو كرهاً ـ أتوا اللهَ ربَّهم مسلمين!
والدّين عند الله الإسلام.
والإسلام هو دين السلام!

 


زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.
 

خطب الجمعة الأخيرة