loader
 

القرآن الكريم والعلوم ..


هل يتفق الإسلام مع العلم أم هما نقيضان؟ سؤال معتاد في الأوساط الفكرية الحديثة المتأثرة بالتقدم العلمي في الدول الغربية، وطالما أجيبَ عن هذا السؤال بنعم أو بلا، وكان الطرفان يقدمان دفوعات تؤيد الجوابين، ولكن لم يكن في الجانب الإسلامي عالِمٌ مُسْلِمٌ كبير المكانة في الغرب يشهد مع مكانته العلمية المرموقة وشهرته العظيمة في الغرب وخاصة مع نيله جائزة نوبل في الفيزياء لم يسبق مثل هذا العالِم أن شهد على أن الإسلام والعلم صنوان لا يفترقان وأن الإسلام في الحقيقة كان الدافع الأعظم في تحصيل العالِم للعلوم والمكانة العلمية العظيمة، لم يسبق أن رأينا مثل ذلك بل كان أعلى ما تقدّم من علماء المسلمين في تلك المواجهات مشايخا ليسوا على درجة علمية أو مجرد أساتذة فيزياء عاديين لا يعرفهم أحد ولا مكانة عندهم في الغرب كي تصمت أصوات خصوم الإسلام وتنحني أمام قامتهم العلمية حتى السابع والعشرين من أبريل عام 1984 في دار اليونسكو بالعاصمة الفرنسية باريس وذلك حين وجّهت منظمة "الإسلام والغرب" دعوة إلى البروفيسور العالِم المسلم الأحمدي "عبد السَلام" الذي كانت شهرته ومكانته العلمية في العالم لا تقل عن "مدام كيوري" و"ألبرت آينشتاين"، وكانت الدعوة لشخصيتين مسلمتين من علماء الأمة الإسلامية لحضور المؤتمر وتمثيل الإسلام وشخصيتين علميتين لتمثيل الغرب، فكان العالِم الدكتور "عبد السَلام" والأستاذ الدكتور "حسين الجزائري" وزير الصحة السعودي السابق والمدير الإقليمي لـ"منظمة الصحة العالمية" ممثلان عن الإسلام، وكان الأستاذ "لويس لوبرنس رينكه إيمرتس" أستاذ الفيزياء في معهد "إيكول بوليتكنك" الشهير والأستاذ "جان برنار" رئيس "الأكاديمية الفرنسية للعلوم" ومدير "معهد بحوث اللوكيميا" المعروف ممثلان عن الجانب الغربي.

وألقى المسلم الأحمدي العالِم عبد السَلام كلمة قيّمة وموثرة لإظهار عظمة الإسلام وتشجيعه على البحث العلمي وذلك بأسلوب راقٍ وبسيط انطلق من تاريخ الإسلام حتى العصر الحديث ناقش فيه ازدهار العلم وانحساره وأسباب ذلك مع نصح خالص للنهوض بالعِلم من جديد بشرط إعادة الناس الالتزام بتعاليم الإسلام وليس العكس مما جعل الجميع يذعن ولا يرفع أي اعتراض على كون الإسلام والعِلم رفيقان متلازمان. ونقتبس بعض الأسطر من مقدمة الكلمة التي القاها العالم البروفيسور عبد السَلام بعنوان "القرآن الكريم والعلوم The Holy Qur’an and Science" في مؤتمر العلوم بباريس كما يلي:

"اسمحوا لي أن أقول في البداية إنني مُسْلِمٌ مؤمنٌ مواظبٌ ومطيعٌ لأوامر الإسلام. أنا مسلم لأني أؤمن برسالة القُرآن الكَرِيم الروحية. أقول بصفتي أحد علماء الفيزياء بأن القُرآن الكَرِيم يتحدّث إليّ شخصياً مشدداً على التفكّر والتدبّر في قوانين الطبيعة ويقدِّم الأمثلةً من علم الكونيات والفيزياء والبيولوجيا والطب كآيات للتدبّر والدراسة للبشر جميعا، إذ يقول القُرآن المَجِيد:
{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} -الغاشية
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا} -آل عِمْران

ويؤكد القُرآن الكَرِيم على تقدير ورفعة الإنسان العالِم ويقول بصيغة السؤال: كيف يمكن لمن ليس لديه العلم أن يتساوى مع صاحب العِلم؟ هنالك سبعمائة وخمسون آية في القُرآن الكَرِيم (أي ثُمن الكتاب تقريبا) تحث المؤمنين على دراسة الطبيعة، والتأمل فيها وإعمال العقل في البحث عن الأفضل وجعْل المعرفة والدراسات العلمية جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية.

كذلك أكد نبيُّ الإسلام المعظّم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن طلب العلم والمعرفة واجبٌ على كل مسلم ومسلمة وأمَرَ جميع المسلمين بالسعي لطلب العلم حتى لو اضطرهم ذلك للسفر إلى البلاد البعيدة مثل الصين. ومن ذلك يتضح أن قصد النبي ﷺ كان العلم الكوني التجريبي وليس الديني وإلا ما ذكر الصين، ويتضح أيضاً التأكيد على عالمية العلم والسعي لطلبه.

هذا هو أول أسس المعرفة العلمية في الإسلام التي يجب أن ينطلق منها كل تأصيل فكري. ثم يأتي ثاني الأسس المعرفية وهو الذي ذكره الأستاذ "موريس بوكاي" ببلاغة في مقالته المعروفة حول الكتاب المقدس والقرآن الكريم والعِلم، أنه لا توجد آية واحدة في القرآن الكريم تصف الظواهر الطبيعية وتتناقض مع ما نعرفه بشكل مؤكد من اكتشافاتنا العلمية.

والأساس الثالث لتأصيل العلم والمعرفة في الإسلام: أن التاريخ الإسلامي كله لم يشهد وقوع حادثة كالتي وقعت لغاليليو أو جوردانو برونو. ربما حدث اضطهاد ما أو حتى تكفير بسبب الاختلافات العقائدية، ولكن لم يحدث أي من ذلك بسبب المعتقدات العلمية. بل المفارقة أن أول محكمة تفتيش أو فتنة في الإسلام لم تحدث على يد علماء الدين بل كانت على يد ما يطلق عليهم بالعقلانيين، إذ كان "المعتزلة" يفتخرون باستخدام العقل وحده في كل شيء، وكانت ضحيتهم إمام أهل السنة العلٌامة أحمد بن حنبل ؒ الذي تعرّض للجَلد الوحشي بسبب غضبهم لاختلافه معهم.

بدايات الإسلام والعلوم
ما مدى جدية المسلمين تاريخياً في أخذ وتطبيق الأوامر القرآنية الخاصة بالعِلم؟
بعد مائة عام فقط على وفاة النبي الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَعَلَ المسلمون مهمتهم هي إتقان علوم زمانهم. وبشكل منهجي منظّم، قاموا بترجمة كاملة لمجموعة هائلة من العلوم والدراسات آنذاك بلغتهم المرتبطة بالدين، أي العربية. فأسّسوا معاهد الدراسات المتقدمة وأطلقوا عليها (بيت الحكمة)، فبدأ الصعود والرقي العلمي الذي دام لـ 350 سنة.

وقد أعد الأستاذ "جورج سارتون" قائمة رقمية لذلك كله في كتابه المهم "تاريخ العلوم"، حيث قام سارتون بتقسيم الموضوع من أعلى إنجاز في العلوم إلى عصور، كل عصر مدته 50 عامًا. في كل منه توجد شخصية مركزية واحدة بحيث 500-450 ق م عصر واحد، وهكذا يلي عصر "أفلاطون" الأول عصر "أرسطو" ثم عصر "إقليدس" ثم "أرخميدس" وهلم جرا. أما من العام 750 إلى 1100 م فالسلسلة تمتد بلا توقف من عصر "جابر بن حيّان" حتى "الخوارزمي" و"الرازي" و"المسعودي" و"أبو الوفا" و"البيروني" و"عمر الخيام". في تلك السنوات الـ 350 قاد العرب والأتراك والأفغان والفرس الكيميائيون والأطباء والجغرافيون وعلماء الرياضيات والفيزيائيون وعلماء الفلك في العالم الإسلامي منهم قادوا العالم في مجالات العلوم كافة. وبعد العام 1100 م بحسب مخطط سارتون تبدأ الأسماء الغربية العلمية الأولى بالظهور، ومع ذلك كانت الـ 250 سنة الأولى منها مشتركة بين علماء الغرب والعالم الإسلامي مثل "ابن رشد" و"الطوسي" و"ابن النفيس"." (من محاضرة العالِم عبد السَلام بعنوان "القرآن الكريم والعلوم The Holy Qur’an and Science" ألقيت في مؤتمر "الإسلام والغرب" في 27/4/1984 في مقر اليونسكو بباريس. مجلة مقارنة الأديان https://shrtm.nu/d7lm)

كان هذا مجرد نموذج صغير من كلمة العالِم المسلم الأحمدي عبد السَلام حول إثبات موافقة الإسلام للعِلم سنقوم إنْ شٰاءَ اللهُ تعالى بترجمتها كاملة في المستقبل. نرجو منكم الدعاء.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
مُسْلِم للّه

 


زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.
 

خطب الجمعة الأخيرة