غاية الدين هي تحقيق نوعين من الرقي :
- رقي جماعي يكون نتيجة إقرار منظومة قيم و قوانين يحتكم إليها الجميع، و تصبو إلى تحقيق السلام و الأمن و العدل و إشاعة قيم الرحمة و التسامح بين الناس.
- رقي فردي هدفه تحقيق القرب الإلهي و الإرتقاء بالمستوى الروحاني للفرد، و إخراجه من جحيم الحياة المادية و شقاوتها.
مما لا شك فيه أن هذين الهدفين مترابطان متداخلان و يكمل بعضهما بعضا. فالرقي الروحاني للفرد يجعل منه كائنا سماويا متسامحا محبا لخلق الله، صدوقا محسنا، و مسؤولا عن إنجاح علاقاته الأسرية والعملية والمجتعية بصفة عامة، و بهذا يساهم في نجاح مجتمعه و تحقيق الرقي الجماعي من نواح عديدة.
بالمثل، فإن توفر بيئة سليمة تضمن الحريات والحقوق للجميع، و تحتم على الجميع أداء واجباتهم، تجنب الأفراد الوقوع في الكثير من المنزلقات الأخلاقية والإنحرافات السلوكية، و تهيء لهم الظروف الملائمة للبحث عن الله وإقامة علاقة متينة معه.
الحاصل في مجتمعاتنا هو أن العبادات صارت عاجزة عن تقويم سلوكات الأفراد ناهيك عن الرقي بهم في مدارج الروحانية، أما المجتمعات فصارت مظهرا لكل شيء إلا قيم الدين و تعاليمه. فقد غابت الإنسانية و التراحم بين الناس، وكثرت القسوة والضغائن والأحقاد وانتشر الكذب و الفساد وانتفى العدل الذي هو أساس كل استقرار.
وهذا في وقت يتبوأ فيه الدين مقام الصدارة من حيث مظاهر التدين ونفقات المؤسسات الدينية الحكومية وغير الحكومية، الجماعية منها والفردية، و يحشر فيه المشايخ و العلماء أنوفهم في كل شاذة وفاذة، ولا يتمكنون من أرض إلا وأوقدوا فيها نارا للحرب الطائفية والعنف والدموية.
و هكذا تحول الدين الذي كان من المفروض أن يكون قاطرة لعلاج أمراض الأفراد و المجتمعات، (تحول) إلى طقوس معرقلة لكل حركة إصلاحية أو قراءة نقدية.
في هذه الظروف يتقمص اللادين بذلة الإصلاح في محاولة تمردية للإنتصار لقيم الإنسانية والمنطق وكسر القيود الدينية التي تصرعلى تقديس الموروث على حساب الإنسان.
و هذا يذكرنا بالضبط ببدايات الأديان كلها، و التي كانت صرخة متمردة ضد موروثات (دينية الأصل كذلك) منحرفة صارت فارغة من كل نفع و مصلحة اللهم ملء بطون رجال الدين على حساب قوت المستضعفين.
فاللادين هو في الحقيقة محاولة دينية للتمرد على واقع ديني منحرف. و لا يميزها عن الدين إلا احتكامها إلى أنجح تجارب البشر و تقديم هذه الأخيرة كبديل إصلاحي، في الوقت الذي يقدم الدين بديلا حضاريا و أخلاقيا و قيميا مرجعه إله حكيم بصير عليم.
لهذا فاللادين هو حتما أفضل من الدين الميت، أما الدين الحي فهو منتهى ما يمكن أن يصل إليه اللادين إن هو نظر بعين أكثر حكمة و تبصر وأقل تسرعا و اندفاعا.
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.