loader
 

مشاهد لِلمغفرة الإِلهيّة ..1


بقلم: الصحابي الجليل لسيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام
حضرة مير محمد إِسماعيل رضي الّله عنه
ترجمة: بشرى أعماراتي

في أحد الأيّام، بينما كنت أغوص بفكري في مسألة المغفرة الإِلهيّة، وأتمتّع بالتفكُّر في مختلف نواحيها، إِذ طرأت عليّ حالة من الوجد، وبدأتْ تمُرُّ أمام عيني مناظر مختلفة لها علاقة بمقالي هذا. وسواء اعتبرناها صورًا لتأثير الدماغ، أو استمرارًا لتسلسل الأفكار، أو حالةً مشابهة للكشف الروحاني، ففي كل هذه الحَالات لا يتأثر المعنى، وكل ما في الأمر أنّ أمرًا حِسيًّا تحوّل إِلَى حالة معنوية وتمثل صورةً، إِلّا أنّ المعنَى والحقيقة في الأصل شيئ واحد.

رأيتُ أنَّني في ميدان أمام باب عظيم، مثل الأبواب الشامخة التي تُنصب في مناسبات العُرس وغيرها. وكنت على بُعدٍ من هذا الباب، فاقتربتُ منه، فإِذا بي أرَى مكتوبة عليه الكلمات التالية بحروف في غاية الجمال:
‎‎‎{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن 30)
كان علَى طرفي الباب العظيم لافتات غريبة وعجيبة مكتوب علَى إِحداها:
{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الحجر 50)
وعلَى لافتَة أخرَى:
{إنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} (النجم 33)
ومكتوب علَى أخرَى:
{يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} (آل عمران 130)
وعلَى أخرَى:
{إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر 54)
وعلَى بعضها:
{يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} (إِبراهيم 11)
وعلَى أخرَى:
{وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ } (آل عمران 136)
كان علَى كلا الجانبين عشرات اللافتات الجميلة المتعلقة بالمغفرة.

ميدان الحشر:
رأيت أناسًا مُلتصقين بالباب كأنهم حرّاس ،وظنَنتُ أنّهم ربّما ملائكة، فسألتهم: هل يُمكنُني الدخول؟ فردّوا: "نعمْ، اليومَ تحدثُ مشاهد عظيمة لِلمغفرة الإِلهيّة، تقدّمْ وادخل لتراها! ولكن لا بد أن يكون معك حارس رسمي.
وبينما هم يقولون ذلك، إِذ عَيّن لي رئيسهم مُصاحبًا مِن بينهم، وقال: "إِنَّ اسمه 'غفران'، وإِنّه سيصحبك في الطريق ويتجوّل بك في ميدان الحشر، وخلال الجولة عليك بالاستغفار وعدم الاعتراض علَى أيّ شيئ تراه".
بعد سماع ذلك، انطلقتُ في التوِّ نحو ساحة المحشر، وأمسك الملَاك 'غفران' بيدي وبدأنا نطير. ورأيت أنّنا حين أردنا الذهاب إلى مكان كنّا نصل إِليه في لمح البصر. وبينما كنا نمشي كنت لا أرَى إِلَى مرمى النظر إلا الناس، ولكنهم كلّهم كانوا عُراة إِلّا بعض الخواص الذين كانوا يرتدون لباسا. كانت هنا مجموعة وهناك مجموعة، وفي كل مكان ازدحام، وقد نُصب ميزان بين كل جمع.
على مدَى البصر كان هناك إِمّا أُناس أو ميزان أو ملائكة، ولكن لا مجال لأيّ ضجيج أو شوشرة، وكنت أشعر وكأنّهم أموات، لا يتكلّم منهم أحد إِلّا من أُذن له، ولا ينطق أحد بأيّ لفظ. غير أنّه كانت تُسمَعُ من كل الجهات أصوات خفيفة تُردِّد: يا غفور، يا غفّار، يا ستّار. أحيانا عندما يرفع أحد صوته من غير ضرورة، يُسمَع للتو صوت كصوت النفخ في الصور قائلا:
{وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} (طه 109)
وعلَى إِثره تطرأُ حالةٌ من السكوت التام، مثل الصمت الذي يعمّ المقابر عند منتصف الليل.

العرش العظيم:
ظلَلنا نشاهد هذه المشاهد وتقدّمنا في المشي، وكلما وصلنا إِلَى مكان وجدناه علَى نفس النمط. حتَى بدأتُ أشعر بالتعب، فإِذا بـ'غفران' يقول لي: "هذا هو العرش العظيم أمامك". رفعتُ نظري، فلم أرَ إِلّا نورًا وضياءً. وبَعْد النظر نحوه تملّكتني حالة من الدهشة والرعب شيئا فشيئا حتَى أخذني النشيج من شدة البكاء. وعلمتُ أنّ هذا المقام أي العرش في هذا الميدان اللّامتناهي يبدو من كل طرفٍ متساويَ القرب، وتصل الأحكام من هنالك إِلَى كل شخص بمنتهَى الوضوح وكأنّه أمامنا وبجانبنا. وكان عدد كبير من الملائكة يجولون حول أطراف المكان، وكانت بعض المجموعات منهم تردّد:
اللّهمّ إِنّا نستغفرك لِلذين آمنوا۔
وآخرون يقولون:
رب اغفر من في الأرض۔
وآخرون يدعون:
{رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ} (المؤمنون 119)
وبعضهم:
يا غفور يا رحيم
وبعضهم:
يا غفور يا غفور يا ستّار يا غفّار
كلّهم كانوا يُردِّدون مثل هذه الجمل وهم يأتون من ناحية ويغيبون من ناحية أخرَى.

وقت السعادة والطرب:
ولأنّه كان يوم المغفرة فكانت مناظر من الفرحة والسعادة تَتوارد علَى المشهد۔ كان علَى وجه كل مذنب بسمةُ أمل وتفاؤل. أعمال النّاس كانت تُوزن، وكانت نقائصهم وأخطائهم تُكمَّل بفضل إِنعامات المغفرة، ولأن اليوم كان يوم ظهور صفة العفو والمغفرة فكان الحساب والعقاب في منتهَى الرفق.
في الوقت نفسه، كان الكرام الكاتبون يقومون بأعمالهم، وبين الحين والآخر كان مالِكُ ورضوانُ يتشاجران، وكذلك كان هناك خصام بين السائقين والشاهدين، لكن الفيصل الأخير في كل هذه المشاجرات كان يصدر بإِذن حضرة الغفور الرحيم سبحان وتعالى.

وبينما أنا منشغل في هذه الجولة، إِذ قال لي 'غفرانُ': "تعَال! سأُريك بعضا من الناس الذين تعرفهم وأجعلك تشاهد بعض حالات المغفرة الإِلهيّة اللطيفة والتي يجهلها عامة النّاس، أما مجريات هذا الحشر والحساب فيظل مستمرّا علَى نفس المنوال. وبموجب قوله تعالى 'كل يوم هو في شأن'، تأتي أيام لِتجلي الصفات الإلهية المختلفة، فاليوم هو يوم طلب المغفرة، وهناك أيام لظهور الجلال والانتقام، وأخرَى لإِظهار العدل والإِنصاف والقسط، وبعضها لتجلي الشفاعة، وأخرَى لظهور القهر والجبروت، ولكنها كلها تظهر بحسب حالات وأعمال أولئك الناس الذين يكون حسابهم وكتابهم بمقتضَى هذه الأسماء الإِلهيّة. وفي هذا العالم لا حدّ ولا حدود لِلرحمة. أحيانا يكون هناك عدل وإِنصاف، لكن لا يكون هناك ظلم أبدا.

تعال، تقدّم! سأريك بالتفصيل بعض الأمور المتعلّقة بالمغفرة الإِلهيّة، لكي يزداد حبّك وإِيمانك بمولاك، ولأنك دائما بسبَب أعمالك تقع في قبضة اليأس وفُقدان الأمل - ستشاهد بعض هذه المغفرة العظيمة التي هي سنَدُ كل مذنب وظهير كل عاص، والتي علَى غرارها يُسترُ كل الناس ويُغفر لهم".

مجموعة الأنبياء:
بِسماع ذلك، تقدمنا أنا و'غفران' في جولتنا، ووقفنا بجانب مجموعة كانوا كلهم يلبسون ثيابا فاخرة ويقومون بالاستغفار. قال لي "غفران": هذه مجموعة الأنبياء الذين وصلوا إِلَى هنا بعد أن كانوا معصومين ومغفورا لهم في الدنيا.

مشاهد المغفرة:


                                                 (1)

ثم تقدمنا قليلا، فرأيت أنّ كفّةُ ميزان سيّئات شخص كانت ثقيلة بينما أعماله الصالحة كانت قليلة جدًا. وبدأَ ملائكة جهنّم يشدّونه نحوهم، فجاء صوت من الحضرة الإِلهيّة قائلا:
”أحضِروا الشخص الصالح الفلاني مع صحيفة أعماله!"
فأُ حضر الشخص على الفور. فقال الله تعالى: "إِنّ هذا المُذنب أباً، فانظروا إِلَى صحيفة أعمال ابنه!" وعندما اطّلعوا عليها علِموا أنّه كان دائم الاستغفار لأبيه۔ فصدر الحكم بأن تضاف حسناته إِلَى ميزان أبيه. فرجحت الكفّةُ، فإِذا بملائكة الجنّة يحملونه علَى أكتافهم.

                                                  (2)
فتقدمنا في سيرنا ورأينا أحد المُذنبين يبكي علَى مصيره. فصدر حكم:
"انظروا كم من المُؤمنين دعوا له بالمغفرة عند قبره بعد موته؟"
فلما أحصوا عدد الذين دعوا لمغفرته وتم وزن عدد دعوات الذين مروا بقبره دون أن يعرفوه، بدأ هذا يضحك ويقفز من الفرح، وغادر المكان محمولا في أحضان الملائكة.

                                              (3)
ثم تقدّمْنا فإِذا بمُذنب يقف مُتأسفا علَى قلة أعماله الصالحة، فصدر حكم:
"خذوا من أعمال كل مَنْ هضم حقوقه أو اغتابَه، وأعطُوه إِيّاها تعويضًا له". فرأيت أن حسنات آلاف النّاس أُضيفت إِلَى ميزان هذا الشخص وغُفر له.

                                                (4)
ثم تقدّمنا قليلا، فرأيت أنّ أحدًا قد وقع في قبضة 'مالك'، فصدر صوت قائلا:
"إِنّه كتب كتابًا صلُح به نسلٌ كثير وتعلّموا الإِسلام، فكلُّ من قرأ هذا الكتاب سيُؤجر عليه، بل إِنّ الكاتب سينال أجرَ كل واحد منهم". وعندما تمّ حسابه وكتابه نال هذا الكاتب حصيلة لا متناهية من الباقيات الصالحات، فأخذها 'مالك' ووضعها في ميزانه، فجاء مساعد 'رضوان' واصطحبه.


                                                (5)
ثم تقدّمْنا فرأينا امرأة تبكي، كان كتابها مليئا بالسيّئات، واستولى عليها اليأس. فجاء صوت:
"هل قامت هذه الفاسقة الفاجرة بأي عمل صالح؟" فردّ واحد من الكرام الكاتبين: "مولاي! إِنها كانت مسافرة في أحد الأيام في الفلاة، فمرّت على بئر بها كلب يلهث ويأكل الثرى من العطش، فصعدت علَى حافة البئر وشربت الماء وملأت خُفّها ماءً وسقت الكلب.
فصدر توجيه من الّله: "إِنَّني مطّلع علَى كل صغيرة وكبيرة، قد سُرِرتُ حينها جدا بعملها هذا، وكنت تعهّدتُ في نفس الوقت بأن أغفر لها. ألقوا عليها رداء مغفرتي واحملوها حيث تشاء".

(يتبع)
 


زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.
 

خطب الجمعة الأخيرة