بداية إن قول الإسلام أن غير المسلمين كفَّار إنما يعني أنه ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم انقسم العالم إلى قسمين؛ من يعلنون تصديقهم له وسموا اصطلاحا "المسلمين"، وهنالك من لم يؤمن به، سمع به أم لم يسمع وهؤلاء سموا اصطلاحا "الكافرين". وهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء إلى العالم أجمع من ناحية، ومن ناحية ثانية قد جاء بالعقيدة الصحيحة الوحيدة على وجه الأرض، وأن ما في العالم من عقائد وأديان قد أصبحت منحرفة ومشوهة.
وهذا الإعلان لا يعني أن الإسلام قد عدَّ هؤلاء جميعا لا خير فيهم، أو أنهم جميعا إلى النار بغضِّ النظر عن موقفهم ومدى ما جاءهم من علم وفيما إذا إقيمت عليهم الحجة أم لا، بل أكَّد الإسلام أن منهم الصالحين ومنهم من سيحظون بالنجاة ويدخلون الجنة أيضا. فقد قال الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 63)
{ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (114) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (115) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } (آل عمران 114-116)
لذلك، فإن وصف الكافرين في القرآن قد جاء بمعنى غير المسلمين أحيانا، وجاء أيضا لوصف معتقداتهم ومدى فسادها وانحرافها رغم أن هذا لا يعني إدانة كل واحد منهم. والآيات التي تساءلتِ عنها كانت في سياق تفنيد العقيدة وبيان بطلانها. فمعنى أنهم كفار هو أنهم لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يعتقدون معتقدات غير صحيحة.
والأهم من ذلك هو أن الإسلام قد حفظ حقوق الكافرين وحريتهم الدينية، ومنع أي نوع من الإكراه في الدين، بل أمر المسلمين أن يقاتلوا ليصونوا هذه الحرية ويكفلوها للناس جميعا مهما كانت عقيدتهم ومهما كان دينهم. كما أنه قد احترم الأديان ومؤسسيها وأكد أيضا أن هذه الأديان وإن تشوهت وابتعدت عن الحق فإن أساسها صحيح والإيمان بأنبيائها ركن من أركان الإيمان.
وأخيرا نقول إن الإسلام يَعُدُّ الأديان كلها جزءا منه، وأن الأنبياء لم يأتوا إلا بصورة محدودة من صوره ناسبت الزمان والمكان، وما دين الإسلام إلا الصورة الكاملة الشاملة التامة الأبدية التي لا زيادة عليها والتي هي دين البشرية إلى يوم القيامة. لذلك لا مجال للشك في الإسلام أو اتهامه بالحدة أو العداء تجاه الأديان الأخرى والحال هذه.